..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

أيها الصامتون .. كم يكفيكم من دماء أطفال الغوطة؟

محمود درمش

٨ ٢٠١٨ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4253

أيها الصامتون .. كم يكفيكم من دماء أطفال الغوطة؟

شـــــارك المادة

 

أتساءل في حيرة:
كم من دماء الأطفال والأبرياء يساوي دم واحد من حزب الصامتين؟ وكم عدد النفوس التي ينبغي أن تزهق حتى يعتبر أحد الصامتين أنَّ شيئاً ما انتهك في هذا العالم؟ وما هو القدر المناسب من لحوم البشر الذي يكفي لتحريك الساسة والقادة وأصحاب المنابر والمواقع والشبكات حتى يقولوا كلمةً لا يخشون فيها لومة لائم؟ أو يفعلوا فعلاً يعبر عن تأثُّرهم واكتواء قلوبهم؟!

أجيبونا حتى نثبت لهؤلاء السادة أنَّ ما يكفي لتحريكهم وهزِّهم ونفض غبار الإنسانية والرحمة عن جموعٍ غفيرةٍ منهم قد حصل بالفعل في بقعة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 100 كيلومتر مربع، وعلى مرأى من العالم ومسمع، وعبر بث حيٍّ مباشرٍ تتناقله القنوات والمحطات دون حياء أو خجل.
هذا الصمت والتخاذل الفظيع لا يُفسّر إلا بالخوف الذي يُصمُّ الآذان ويكمِّم الأفواه، لكن أليس لهذا الخوف حدّ؟! ومتى سينطق هؤلاء الصامتون؟ وماذا يظنُّون الأمر يتطلَّب منهم؟


أهل الغوطة لا يريدون المال اليوم، فقد اعتادوا في الحصار الذي دام لسنوات أن يستغنوا عن موائد اللئام، ولا يريدون منكم أن تسيروا الجيوش وتحركوا الطائرات والدبابات فهم يعلمون أن هذه الطائرات لم تعتد التحرك لدماء الأطفال والأبرياء، يريدون فقط أن تترقبوا العقوبات الإلهية التي لم ندع سبباً لاستحقاقها إلا فعلناه، ولا موجباً لوقوعها إلا ركبناه.
لسنا بحاجة إلى سرد التاريخ واستخراج العبر والعظات، وبيان أسباب سقوط الدول، وتوضيح السنن الكونية والربانية في الخذلان والإدالة وتسليط الذل والهوان على من ترك نصرة المظلوم وخَذَلَه لمصرعه، فهذا الواقع شاهد أمامهم، يكفي فقط أن نجيب على سؤال الطفل الذي يتساءل عن هزيمة أمة المليار أمام شراذم متسلطة هنا وهناك، بأن نقول له: هكذا يا بني.


إذا أراد أبناؤنا وشبابنا أن يعرفوا كيف احتلَّ الصهاينة فلسطين في عصرنا الحاضر، وكيف قامت جيوش الصليبيين بإراقة الدماء في بيت المقدس حتى غاصت حوافر خيولهم في الدماء، وكيف سقطت عاصمة الخلافة العباسية بيد المغول، وكيف سقطت الأندلس وأقيمت محاكم التفتيش .. فليس عليهم إلا أن ينظروا إلى واقعنا الذي نعيشه ليس أكثر.
لماذا يصعد خطباؤنا على المنابر فلا يخطر ببالهم إلا الاستسقاء وطلب الغيث من السماء، أو التنبيه على المعاصي والمحرمات، أو تعليم الآباء كيف يربون الأبناء؟!!
أليس العذاب الرباني الذي يحدق بنا لسكوتنا وصمتنا أقرب إلينا من غيث الرحمة والصيب النافع؟! لماذا لا نفكر في دفعه والتوقي منه؟! وأليس القتل الذي نشارك فيه بصمتنا أكبر من كل الكبائر والمحرمات؟! وأليس أكبر إفساد لأمزجة الناشئة والأبناء تناقضُنا المريع بين القيم التي نتبجح بها .. وواقعنا المهين؟ّ والفصام النكد بين التاريخ الذي نعلِّمهم صفحاته ومفاصله .. والأيام السوداء التي نصنعها لمستقبلهم؟!! لماذا نستمرُّ في تناقضنا وازدواجية معاييرنا؟!


التاريخ العظيم الذي نطبع لافتات منه ونعلقها في مجالسنا .. لم يُصنع بضغطة زر أو على مائدة طعام، والأمجاد الكبيرة التي نحفظها عن ظهر قلب وننشرها ونغرد بها .. لم تصنع في أوقات الدعة والراحة، بل كتبت أعظم صفحات التاريخ في رمضاء مكة وحرِّها، تحت الصخور الحارقة التي وضعت على ظهر بلال، وعلى وقع السياط المؤلمة التي تلقاها صهيب وخباب، وبالدماء الزكية التي سكبها آل ياسر صابرين على دين لم يروا نصره ولا مجده، ولم يعلموا المدى الذي سيصل إليه! لقد كتبتها دماء زكية استرخصها أصحابها في سبيل بلوغ هذا الدين إلينا، وبذلوها بسخاء وغزارة، حتى وصلت إلينا أعلى القيم وأنقاها وأنصعها بياضاً، وستصل لمن بعدنا بدماء الصادقين الصابرين من أمثال أطفال الغوطة ونسائها وشيوخها وشبّانها الأبطال.
إنَّهم يدفعون ثمن مطالبتهم بالحرية والكرامة التي حرموا منها عقوداً متتابعة، تلك الحرية التي بات كثير منا يستكثرها عليهم ويخطئهم فيها، ومهما قيل عن تخطئة الضحايا ولومهم، فلن يكون نقطة في بحر الإجرام الذي نرتكبه جميعاً بصمتنا عن جريمة الإبادة التي يواجهونها اليوم على يد أعتى دول الشرق والغرب، بين دول تقتل وأخرى تحاصِر.


إننا لم نعد نأمل كثيراً من المطالبة بإطعامهم وعلاجهم، فضلاً عن أسباب القوة التي يدفعون بها عن أنفسهم، وصرنا نخجل من المطالبة بالشجب والإدانة والاستنكار والتنديد، ولم يعد بإمكاننا أن نخاطب أكثر من الضمائر والقلوب، فما معنى القيم التي نتمثلها، وما طعم الحياة التي نعيشها، وما شكل المستقبل الذي نحلم به، ونحن نتعمد تجاهل صرخات الأطفال، وقوافل القتلى، وأنهار الدماء؟! بل نداء ضمائرنا وصوت نبضات قلوبنا.
وأقول لمن لا زال في قلبه بقية نبض، وفي إنسانيته جرعة رمق: لن يَضيرك أن تأخذ قلمك وتكتب وتعبر عن رفضك لما يحصل في الغوطة، وأن تجلس مع أصحابك وتحدِّثهم عن من يُقتل بدم بارد وبأعتى الأسلحة الحارقة والخانقة، وأن تجمعي أولادك وتقولي لهم أنه خلف الحدود أطفال لا يعلمون لماذا يُقتلون، وأن تصعد على منبرك وتحدِّث المصلين أننا نرتكب جريمة أكبر من جريمة من يباشر قتلهم وإراقة دمائهم، فلعلنا إذا قلنا بعض ما نفوسنا استطاع غيرنا أن يفعل بعض ما لم يكن يستطيع.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خشيت أمتي ان تقول للظالم: يا ظالم، فقد تودِّع منها).

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع