..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

بين الاحتلال والاستبداد

سعيد المودني

١٤ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2621

بين الاحتلال والاستبداد
العرب09.jpg

شـــــارك المادة

الكل يجرم الاستعمار ويمقته ويحتقره، وكل القوانين الدولية والوطنية تشرع مقاومته ومكافحته ومناهضته بكل السبل بما في ذلك العسكرية، دفاعا مشروعا عن النفس والأهل والشعب والأرض والقيم... باختصار: عن الوطن المحتل..

لكن ما هو الاستعمار؟

أليس من محدداته تولي سلطة تسيير شأن بلد دون تفويض من السكان، أي الإمساك بمفاصل البلد ودواليبه ومؤسساته، وإخضاع شعبه بقوة الحديد والنار، بغض النظر عن اشتراك تلك السلطة وأولئك السكان في الدين، أو اللغة، أو العرق... أو بعض منها، أو كلها، بغض النظر عن اشتراكهم في ذلك من عدمه، وبقطع النظر أيضا عن مستوى تحقيق العدالة بين أبناء البلد المحتل، وكذا عن مستوى تحقيق الرفاهية والتنمية وتقديم الخدمات، وكذا عن حصول تنفّع الحاكمين المستولين أو زهدهم في المصالح والطموحات الشخصية؟

وبهذا المعنى، ألا يكون حكام العرب محتلين لأوطان شعوبهم؟

فهم لا تفويض لهم بالحكم، ويُخضعون الشعوب بالقوة، ولا يحققون أدنى مستوى من العدالة أو الكرامة لشعوبهم، ولا ينجزون أدنى تنمية في البلاد التي يحتلونها، ولا يقدمون أية خدمات ذات بال للمواطنين، ولا يتورعون عن تحقيق مصالحهم، وقضاء حاجاتهم ومآربهم، وتقريب أهاليهم وأصدقائهم ومعارفهم وحاشيتهم وزبانيتهم، ونهب خيرات البلد، والتنكيل بأهله وإذلالهم والتضييق والوصاية عليهم...

إنه لا يمكن اختزال الفرق في جنسية الحكام التي يسمونها زورا بالوطنية، بل لا يُستساغ النعت بالوطنية نظما استولت على الحكم بانقلاب، أو تزوير، أو مؤامرة وتواطؤ مكن الأقلية العرقية أو المذهبية أو الطائفية من التحكم في رقاب الأغلبية السكانية، أو تعاقد خرافي صوري لا أساس له في الواقع، ثم حمت وجودها بالقوة العسكرية المبيدة..!!..

إن هذه الظواهر ما هي في حقيقة الأمر إلا أقنعة للاحتلال وإن اختلفت جنسية الحاكم.. بل إن التطور الذي طرأ على "عِلم الاحتلال" قد نقل الإشراف المباشر من المحتل الأجنبي إلى العميل "الوطني"، تخلصا من كثير من الالتزامات والاستحقاقات والتكاليف والتبعات...

وعلى كل، إذا كانت العبرة بالخواتيم، ومقياس الاعتراف والاحترام هو غياب السلطة -لأنه مع وجودها تجرحهما شبهة الخوف- وإذا كان "القادة" لا يُنهون "حياتهم السلطوية" حتى بالتقاعد ليُرى كيف يعاملهم أفراد الشعب بحقارة وازدراء، فإن المتاح هو ملاحظة تعامل الناس مع بعض ممثلي السلطة كأنموذج مجسد للحاكم القائم بأمره..

فكما كان بالأمس القريب "قائد الاستعمار" الخائن يتوارى، هو وكل من ينتسب إليه من قريب أو بعيد، عن القوم الذين حكمهم تحت طائلة الخزي والاستهزاء، بل والانتقام، بعد زوال سلطته بفعل "الاستقلال"، فيغادر إلى المجهول داخل البلاد أو خارجها، ها هو "قائد الاستبداد" الظالم، وللسبب نفسه، يتوارى من الناس بعدما تزول سلطته بداعي التقاعد أو الانتقال، هو ورجاله ومن على شاكلته.

إنهم منبوذون لا أصدقاء لهم ولا معارف حتى من الذين استعملوهم من السلطات، أو سخروهم من العصابات!!

وإذا كانت بضدها تتميز الأشياء، وبالمثال يتضح المقال، فإن النظر في حال المتقاعد الغربي، أو من أُنهي انتدابه بسبب انتهاء ولايته الانتخابية أو خسارة الجولة الموالية، في مجتمعه ومنزلته بين قومه ومكانته لدى شعبه، تمعن في بيان ذلة من زالت سلطته وبادت سطوته ممن بيننا!!..
 

 

العصر

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع