..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

دردشة هادئة حول "النهب" الذي حصل في عفرين

محمود درمش

٢٤ مارس ٢٠١٨ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3293

دردشة هادئة حول

شـــــارك المادة

لا شكَّ أنّ التعدي على ممتلكات الآخرين جرم عظيم وخطأ جسيم لا يبرّر بأي حال من الأحوال، وكم نتمنى أن يأخذ صاحب القوة والغلبة في عفرين على يد كل من ارتكب هذا الفعل المشين الذي يدل على خساسة الطبع وقلة التربية ودناءة الخلق، وسيكون مقصراً في نظر العقل والشرع إن لم يفعل.

وفي نفس الوقت .. هذا التعدي على الممتلكات (الذي ننكره في كل حال) حصل ويحصل في معظم الأماكن التي انتقلت فيها السيطرة من يدٍ إلى يد، بدءاً من برلين وباريس في الحرب العالمية، مروراً ببغداد والموصل، وانتهاء بحلب وإدلب، حتى الأماكن المستتبة الأمن عندما تتوفر فيها الفرصة لضعاف النفوس فإنهم يركبون كل مركب، ويفتكون بما تصل إليه أيديهم من مال ومتاع، وكلنا سمعنا عن ليلة الرعب التي انقطع فيها تيار الكهرباء في نيويورك في السبعينات من القرن الماضي. فخلال مدة تسع ساعات انهارت المدينة فدبت فيها الفوضى واندلعت النيران ونهبت المتاجر وعمت السرقات وحوادث القتل والاغتصاب وتجمدت حركة السير وفقدت الدولة سيطرتها على كل مرافق نيويورك ومصارفها وبورصتها وغيرها من شرايين الحياة، وبعد عودة التيار الكهربائي احتاجت البلدية (مدعومة من الدولة الفيدرالية) إلى أسابيع لإعادة الحياة الطبيعية إلى المدينة.
والأصل أن نكون بحكم كوننا مسلمين أصحاب سلوك أرقى وأطهر وأنقى من سلوك الذين لم يعرفوا نور الإيمان، لكن هذا لا يقال في بلد حُرم من نور الإيمان وحورب فيه أهله زماناً طويلاً، ودون هذا وذاك لا يمكن للقوة المسيطرة حديثاً أن تضبط الأمن كما لو كان الأمر مستتبّاً لها منذ وقت طويل.

القوة التي أزيحت عن عفرين ليست حسنة السيرة والسلوك بشهادة الإخوة الكورد أنفسهم، فهذا التنظيم أيّاً كان اسمه كان يقمع شباب الكورد في تظاهراتهم ضد النظام بحجة أو بدون حجة، بل كان يساند نظام بشار المجرم في قتاله لمناطق الجيش الحر، وكان إعلام النظام يسميها بـ (القوات الصديقة)، وهي إلى الآن تحتل تل رفعت، وقتلت من خيرة شباب تل رفعت وما حولها بالعشرات بل ربما بالمئات، والتهجير القسري الذي قامت به في مناطق العرب في الرقة وغيرها أمر لا يمكن التغاضي عنه ولا تبريره بحال من الأحوال، ولذلك كان زوالها خيراً من بقائها.

الجميع يعلم التربية السيئة التي أفرزها نظام الأسد خلال 40 عاماً من حكم الأب والابن، تلك التربية المبنية على النفعية والاستيلاء على ما تصل إليه اليد، وتقديم المصلحة الشخصية على الجماعية، والعاجل على الآجل ... إلخ، وهذه التربية السيئة تضررت منها كثير من المناطق التي خرجت من سطوة نظام الأسد، فقد نهبت حلب ومعاملها وعقاراتها ومبانيها، قبل أن تنهب عفرين، بل وصل الأمر إلى حد اختطاف المدنيين وابتزازهم بمبالغ باهظة على سبيل الفدية، كل هذا ينبغي ألا يمنع من المطالبة بإحقاق الحق، والأخذ على يد المسيء، وألا يجرف بنا نحو تعميم هذه التجاوزات اللاأخلاقية على جميع المطالبين بالحرية والكرامة الباذلين دماءهم وأرواحهم دون ذلك.

التعميم هو أكبر خطأ يمكن أن يرتكبه الشخص في التعامل مع الأخبار والمعلومات، فإذا قام داعشي بتكفير الآخرين نسبوا ذلك للعرب والسنة، وإذا قام سوري بسب الأتراك قامت التظاهرات ضد الوجود السوري في تركيا، وإذا أساء جندي تركي انهالت اللعنات على الأتراك جملة وتفصيلاً، ومن ذلك أيضاً نسبة جرائم التنظيمات الكوردية لجميع الشعب الكوردي.
فما بال من يعمم النهب والسلب على جميع ثورة الحرية والجيش الحر؟! حتى يصل إلى مناقشة مبدأ غنائم الحرب؟!!

الغنائم هي ما يأخذه الجيش المنتصر من أموال الجيش المنهزم في الحرب، وهو قانون دولي معمول به منذ القدم، ولم ينفرد به المسلمون، صحيح أن الإسلام نظمه ووضع قواعد وقوانين لتقسيم الغنائم، لكن حصر مبدأ الغنائم في الإسلام والإشارة لغزوة بدر أمر مسيء لمن يقول به قبل أن يكون إساءة للإسلام، على سبيل المثال: نصت اتفاقيتا لاهاي 1899 و1907 على أنَّ العتاد الحربي هو غنيمة حرب، كما ينص قانون الولايات المتحدة على ذلك أيضاً. ونحن هنا نحن نتكلم عن غنائم الحرب، وعتاد الحرب، وممتلكات الجيش المهزوم، ولا نتكلم عن أموال المدنيين والمعصومي الدم والمال، والخلط بينهما غلط ظاهر ومنطلقاته غير مفهومة.

أخيراً .. ماذا يعني تكرار التعيير بالباصات الخضراء؟! 
كلنا نعلم أن الباصات الخضراء كانت في معظم الحالات جزءاً من اتفاق دولي لوقف إطلاق النار وإنهاء مجازر وجرائم قام بها نظام بشار وحلفاؤه، إما بحصار بلدة معينة أو بخنق أهلها ومنعهم من الدواء والغذاء أو بحرقها على أهلها حرقاً استئصالياً، وكانت هذه الاتفاقات تحصل برعاية دولية وأممية، وكانت تقضي دوماً بسيطرة النظام على البلدة وتأمين المدنيين وإدخال المساعدات، وإخراج المقاتلين وعائلاتهم إلى مناطق محررة من سيطرة النظام مثل إدلب، وفي كثير من الأحيان كان المقاتلون الذي أُجلوا بـ (الباصات الخضراء) هم خيرة شباب البلدة ممن أذاقوا النظام الويلات إثر الويلات (مثل مقاتلي حمص وداريا والمعضمية ومضايا ومخيم اليرموك ... وغيرهم)، وهم في نفس الوقت ضحية للتآمر الدولي الذي خذلهم ومكن النظام المجرم من ديارهم. ونسبة النهب واللصوصية إلى الباصات الخضرات هو من قبيل نثر الملح على الجرح. فالذين أجلتهم الباصات الخضراء لم يكن لديهم خيار آخر، وربما لو خيِّروا لاختاروا الموت على هذه النهاية وهذا التعيير.
فما علاقة لصوص فصائل ريف حلب بالباصات الخضراء؟!

وأكرر في نهاية هذه الكلمات مطالبتي للقوة المسيطرة على أي شبر من بلادنا أن تحفظ الأمن، وأن تضبط أفرادها، وتأخذ على أيدي المسيئين منهم، وألا تترك المجال للناس أن يتمنوا بقاء نظامٍ ساقط خالٍ من القيم والأخلاق والمثل.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع