..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


سوريا المعاصرة

صفحات من تاريخ سوريا المعاصر (5/1)

محمد عبد الرحمن اليحي

٢٥ ٢٠١١ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7986

صفحات من تاريخ سوريا المعاصر (5/1)
78788009.jpg

شـــــارك المادة

الصراع والانتهازية بين القادة العسكريين:
في هذه الحلقات الخمس، سوف نستعرض صفحات من تاريخ سوريا خلال نصف قرن من الزمن، وفيها ملخص للجذور الفكرية والعقدية والسياسية، التي أوصلت البلاد إلى حكم هذه العصابة هذه الأيام، وما تقوم به من مجازر وحشية تفوق وحشية الصهاينة والمستعمرين.
سوق نتحدث عن الصراع العسكري والطائفي، وعن انتهازية الرئيس حافظ الأسد، وصور من غدره برفاق الكفاح بعد أن تخلص من أبناء أهل السنة.
ونتحدث عن (حزب البعث العربي الاشتراكي)، المظلة الخبيثة للأقليات الحاقدة، وعن انحرافاته العقدية والفكرية وعن دوره في الإفساد ونشر الرزيلة، ومحاربة ثوابت الأمة ومؤسساتها، خلال نصف قرن وحتى الآن.
ونتحدث عن حكم حافظ الأسد، وسياساته الداخلية، من قمع وإرهاب ومجازر بشرية، عمت أنحاء البلاد، وعن سياسته الخارجية المشبوهة، لصالح الصهاينة وإيران الصفوية، وعن تدخله في لبنان لمصلحة الطوائف الخبيثة.
فسوريا لم تحس للاستقرار طعماً، فقد توالى الإرهاب العسكري والانقلابات العديدة، فكان التخبط وكانت الفوضى، وتسلل حزب البعث إلى السيطرة على مقدرات البلاد، وفي ظله تصارعت الأقليات الطائفية والعنصرية الحاقدة على الإسلام والمسلمين، وعلى تراثهم وعقيدتهم فكان الإرهاب والدمار، والحرب على الإسلام والمسلمين، وتسليم الجولان إلى إسرائيل -كما سيأتي بيانه-.
وبعد صراع بين أجنحة الحزب، انفرد النصيريون بالحكم واستمرت المآسي والأحزان.. وكان انقلاب الثامن من آذار عام 1963م، انتصاراً لحزب البعث من جهة وفرصة ذهبية لظهور الأقليات الباطنية من جهة أخرى -دروز نصيرية إسماعيلية-. وفي الفترة التي أعقبت انقلاب النحلاوي على الوحدة مع مصر في 08/03/1962م، كانت التسريحات من الجيش في أوساط المسلمين السنة، واستلم الضباط الباطنيون محل الضباط المسرحين -(التجربة المرة: د. منيف الرزاز / ص: 159، طبعة بيروت، عام 1967م)-، وهو الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي بعد عطية.
وفي انقلاب الثامن من آذار 1963م، احتكر حزب البعث السلطة، وسرح ما لا يقل عن 700 ضابط من كبار ضباط أهل السنة، وتم تعيين مثل هذا العدد لملء الفراغات من أبناء الطائفة النصيرية وعلى رأسهم صلاح جديد، وحافظ أسد، ومحمد عمران.
يقول منيف الرزاز: "إن رائحة التوجه الطائفي داخل الحزب بدأت تظهر، بعد أن كانت همساً.. ثم تطورت هذه الأصوات إلى اتهامات لا تفتقر إلى الأدلة الكافية" (التجربة المرة: ص 159، د. منيف الرزاز).
كان انقلاب الثامن من آذار نقطة تحول أساسية في تاريخ سوريا المعاصر، حيث برز الدور السياسي للأقليات الطائفية، وخاصة طائفة النصيريين، وقد تلاه ضمور في دور المسلمين السنة. (الصراع على السلطة في سوريا: د. نيقولاوس فان دام/ ص: 130).
وهكذا أحكمت القبضة على مقدرات البلاد، فظهرت أحقاد البعث وطوائفه التي تعاونت على الفتك بأهل السنة، وقد تعاونوا مع بعض المنتسبين لأهل السنة، للتغطية على ما يجرى من مخططات، تعاونوا مع بعض الضباط والسياسيين الذين لا يقلون عن الأقليات الحاقدة سلوكياً، منهم مجرمون أخلاقياً، خدعهم حزب البعث بشعاراته القومية، ومن هؤلاء: اللواء أمين الحافظ، رئيس الدولة، ويوسف زعين، رئيس الوزراء، وأحمد سويداني، رئيس الأركان، وقد تخلصوا من هؤلاء جميعاً خلال مخططات إجرامية طائفية.
المؤتمر النصيري المنعقد في حمص عام 1963م:
كان هذا المؤتمر من أخطر مؤتمرات الطائفية النصيرية وأبرزها، من أجل التخطيط للاستيلاء على السلطة في سوريا، وقد دأبوا على التخطيط والتآمر منذ بداية الاستقلال.
عقد الضباط النصيريون مؤتمراً في (قرداحة) عام1960م، لهذا الغرض، وحضر في مؤتمر حمص عام 1963م، مشايخها الطائفية وعدد من كبار الضباط بينهم: محمد عمران، وحافظ الأسد، وعزت حديد، وإبراهيم ماخوس، وصلاح جديد، وحضر عدد من مشايخ الطائفة "الشيخ على ضحية"، والشيخ أحمد سليمان الأحمد، والشيخ سليمان العلي وآخرون.
وكان من أبرز القرارات التي اتخذت:
- التخطيط البعيد لتأسيس الدولة النصيرية، وعاصمتها مدينة حمص.
- مواصلة نزوح النصيريين من قرى الريف والجبل إلى المدينة وخاصة حمص واللاذقية وطرطوس.
- وقد وزعت الرتب الدينية على الضباط الحاضرين.
واستمرت المخططات النصيرية بعد مؤتمر حمص ومنها مؤتمر عقد في دمشق عام 1968م. (ينظر إلى كتاب "العلويون النصيريون" أبو موسى الحريري / طبعة بيروت1980م، ص: 234 - 236) و (النصيرية: تقي شرف الدين / ص: 169 - 173 / بيروت 1986م(.
يقول د. منيف الرزاز: "لما تم بهذه الفئة الأمر بعد عام 1966م -23 / شباط، انطلقت تتخلص من الحزبيين الذي لم يرضخوا لقيادتها فقد هدفت إلى إنهاء حزب البعث وأنهته، وأحلت محله تنظيماً انتهازياً تابعاً للسلطة، ثم انتهت بوضع البعثيين في السجون واتهمتهم بالخيانة والتحالف مع الاستعمار والرجعية". (التجربة المرة: منيف الرزاز / ص: 260).
"ومن ثم فقد تحولت فروع الحزب في المحافظات إلى مواطن قبلية وطائفية وعائلية.. ففتح المجال على مصراعيه داخل الحزب للمقاييس القبلية والطائفية والعائلية". (المرجع السابق / ص: 110).
هذا والدكتور الرزاز يمثل الجناح اليميني القومي داخل حزب البعث ومن قادته: ميشيل عفلق، وصلاح البيطار.. والجناح القومي انفرد بالحكم داخل سوريا، والجناح القومي انفرد بالحكم داخل العراق.
انقلاب 23/ شباط/ 1966م:
وفي هذا الانقلاب تمت الإطاحة برئيس الدولة "أمين الحافظ" ولمعارضي "صلاح جديد"، كما تم الإجهاز على القيادة القومية للحزب بهذا الانقلاب الدموي، كما أسفر هذا الانقلاب عن تصفية ضباط أهل السنة البارزين، وعن ازدياد تمثيل الأقليات الدينية مرة أخرى. (ينظر: الصراع على السلطة في سوريا، نيقولاوس فان دام / ص: 83).
وتم تعيين حافظ الأسد وزيراً للدفاع، وإبراهيم مافوس وزيراً للخارجية، وأصبح صلاح جديد أقوى أركان النظام السوري بعد هذا الانقلاب، فعين نور الدين الأتاسي رئيساً للجمهورية، ويوسف زعين رئيساً للوزراء من غير أبناء الطائفة النصيرية؛ لإخفاء حقيقة الانقلاب النصيري. (النصيرية: تقي شرف الدين / ص: 174 - 175، بيروت / 1986م).
وبعد إقصاء أمين الحافظ وعصائبه، والقيادة القومية للحزب، جاءت المرحلة الثانية من المخطط النصيري التي استهدفت إبعاد من تبقي من الضباط البارزين من أهل السنة، ثم التخلص من أبناء الأقليات الأخرى وإبعادهم عن القوات المسلحة والمراكز الحساسة في الدولة، واستقال ثلاثة وزراء من محافظة حوران، وخاصة بعد تسريحها كبار الضباط من أهالي حوران أمثال: موسى الزعبي، ومصطفى الحاج علي. (جريدة الحياة / في 12/03/1967م).
كما تم إعفاء اللواء أحمد السويداني رئيس الأركان من منصبه، ويعتبر من فسقة أهل السنة في مدينة "نوى" ثم أعتقل وأودع سجن المزة في 15/ شباط/ 1968م، وحتى شهر شباط عام 1994م، بعد أن قضى في سجنه (25عاماً). (جريدة الحياة / شباط / 1994م).
وبذلك تم إبعاد معظم الضباط المسلمين ضمن مخطط رهيب مدروس.. رغم أن كثيراً من القيادات البعثية السنية، لا تقل جشعاً وفجوراً وحقداً على الإسلام من النصيريين والدروز.
ثم تم إبعاد الضباط الدروز والإسماعيليين وأعدم العديد منهم، رتبهم مختلفة بعد أن استخدموا من قبل النصيريين لتصفية أهل السنة في الجيش ومؤسسات الدولة. (الصراع على السلطة في سوريا: د. نيكولاوس فان دام / 104- 123)، (والنيصرية: تقي شرف الدين / ص 177-179، طبعة بيروت / 1986م).
وبعد المؤتمر العاشر لحزب البعث (تشرين الأول / 1970م) اشتد التنافس بين صلاح جديد وحافظ أسد، بعدما أصدر المؤتمر قراره الشهير بضرورة إعفاء حافظ الأسد من منصب وزير الدفاع، إذ أمر حافظ أسد الجيش باحتلال كافة فروع الحزب، واعتقال صلاح جديد ورئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي في 13/10/1970م، وفر كثيرون من أعضاء المؤتمر إلى لبنان تفادياً للاعتقال. فانتصرت العشائرية والانتهازية، وتخلص حافظ أسد من خصومه؛ فقد نفي اللواء محمد عمران إلى لبنان وتم اغتياله هناك، وبقي اللواء صلاح جديد في سجن المزة حتى وفاته في 19/ آب/ 1993م، أما نور الدين الأتاسي فقد أطلق سراحه بعد أكثر من عشرين عاماً، قضاها في السجن، وتوفي بعدها بقليل. ولقي العديد من زملاء الكفاح لحافظ الأسد من البعثيين -المدنيين والعسكريين- المعارضين له نفس المصير. )الصراع على السلطة: نيقولاوس فان دام / ص: 112)، )وجريدة الراية 14 17 تشرين الثاني / 1970م)، (وجريدة الحياة في 24 شباط / 1994م).
وفي نهاية المطاف، انفرد حافظ الأسد في السلطة وأصبح أول رئيس للجمهورية السورية من الطائفة النصيرية عام 1971م، وبذلك وضع حداً للتقليد السوري، وأحكام الدستور بأن يكون الرئيس مسلماً سنياً.
انفراد الأسد بالسلطة واعتماده على الطائفة النصيرية من عشيرته وأقاربه:
بعد انقلاب 12/11/1970م ضد الحزب، استطاع حافظ الأسد أن يوسع من نفوذه في أوساط طائفته بشكل سريع، وكان يعاونه مجموعة من الأنصار والمؤازرين في الجيش مثل: أخيه رفعت الأسد، وعلي حيدر قائد القوات الخاصة، وعلي دوبا رئيس المخابرات العسكرية وغيرهم.. وقد تم الاستغناء عن هؤلاء عندما بدأ حافظ الأسد يهيئ الأجواء لاستخلاف ولده بشار. (الصراع على السلطة بسوريا / ص: 114 / الطبعة الثانية، 1995م(.
وقد عين بعض الضباط من أهل السنة في مناصب رفيعة في الجيش، تهدئة للشعب وتغطية للتوجه الطائفي، وهؤلاء ليس لهم أتباع في الجيش؛ منهم مصطفى طلاس، وناجي جميل.
إلا أن الاعتماد الكبير كان على أفراد عائلة الأسد وأبناء قبيلته وقريته وأصهاره من آل المخلوف، فأصبحت سوريا الثورة مزرعة لآل الأسد وأقاربه. ومنذ ذلك الوقت تمت السيطرة لهم على مقدرات البلاد، بواسطة إرهاب العسكر، والتفاف الطائفة النصيرية حوله، فقد باتت تعتقد أن سبيل نجاتها لن يكون إلا بسحق بقية الطوائف. (مجلة الدعوة المصرية: العدد 74).
وفي هذه الأيام في عام 2011م تعاني كافة المناطق السورية وطأة عصابة الأسد ومن يشايعهم، فقد سلطوا الكتائب الأمنية من مخابرات وأمن دولة، والحرس الجمهوري، والفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد شقيق بشار، ناهيك عن "الشبيحة" المجرمين من قطاع الطرق وأزلام السلطة، وسخروا الجيش لمهاجمة المدن والأرياف، لاحتلالها وقصفها بالصواريخ والمدفعية وحصارها بالدبابات، منذ أكثر من ثلاثة أشهر، مما أضطر السكان إلى الهرب بأرواحهم نحو لبنان والأردن، وتركيا التي زاد عدد النازحين إليها أكثر من أحد عشر ألفاً حتى الآن، مع منع وسائل الأعلام المحايد من نقل أخبار ما يجري.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع