..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

شعوب تكسر قيودها

رقية القضاة

٤ مايو ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2669

شعوب تكسر قيودها
16.jpeg

شـــــارك المادة

إن الناظر المستقرئ، والمتأمل المتفكر في حال الأمة وما آلت إليه من ضعف وانهيار، وتشرذم وتقطع أوصال، وتفشي فساد وانحدار، وتضاؤل في الإنتاج والأداء الحضاري، وخاصة في القرن الماضي وهذا القرن الوليد؛ يجد أن الداء المستشري في جسدها هو داء التسلط والفرعنة، والتوريث الجبري للحكم، مع تتابع الذراري المتماثلة في الأسلوب والتفكير، مع من سبقها، على حكم الشعوب العربية البائسة المكدودة، والتي خرجت من حروب القرن العشرين بخفي حنين، ولم تجن غير المزيد من الفرقة والفقر والانهزام، وضياع السد المنيع الذي كان على ضعفه يمثل حاجزاً مهيباً في وجه الاستعمار، وهو الخلافة الإسلامية، فتناثرت الأمة أمماً، وابتلعها لسنين طوال عجفاء غول الاستعمار الغاشم، والذي بدا له بعد صراع مرير مع الأمة -التي لا يموت فيها الإباء ولا تنمحي من قاموسها كلمة الجهاد ما دام كلام الله يتلى آناء الليل وأطراف النهار- أنها لن تقدر على البقاء طويلاً في مرابع الإسلام، ولكن مكر الليل والنهار يسفر دائماً عن المزيد من الكيد للإسلام وأهله، فآثرت قوى الغرب الرحيل العسكري وأبقت من استطاعت من دهاتها وتبنت من ارتضى من مفكريها حتى غدو أبواقاً لفكرها الظالم الظلامي الماكر، وغرست في قلب الأمة خنجراً مسموماً نبذته كل بقاع الأرض ولم تجد له خيراً من جسد الأمة المنهك المتهالك.
في تلك الحقبة السوداء من تاريخ الأمة، تحت مسمى أرض الميعاد، وما هو إلا وعد ممن لا يملك لمن لا حق له فأسكنت لصوصها في بلادنا، ثم مضت تحت ضربات أهل الجهاد مولية غير مأسوف عليها، وتولى أمر الأمة حكام بكل ألوان الطيف السياسي، وتعلقت الآمال على هؤلاء الحكام على اعتبار أنهم المخلصون الأبطال، فمنهم من وفى بعهده، ومنهم من نكص على عقبيه، وعادت الأمة من جديد تسعى للتحرر. ولكن هذه المرة من أبناء جلدتها ومن سموا بولاة أمرها وحملة أمانة الله فيها، فسميت مستقلة وهي مستعمرة استعماراً خفياً، وسميت محررة وهي مقيدة إلى رحى من كان يستعمرها عسكرياً، وسميت حرة وهي ما زالت مكبلة بقيود حكامها والذين أثبتت حدائق الربيع العربي أن معظمهم دمى متحركة بأيدي أربابهم وأولياء نعمتهم، وأنهم مجرد نواطير على ضياع يعتقد الغرب أنهم ملاكها الأبديون، والأنكى والأدهى أن من يخلف يبز من سبق بالتنكيل والتجبر والإرهاق لشعبه وأهله وأبناء وطنه، إلا ما رحم ربي.
وحين نهضت الأمة من نوم طال واستسلام مهين زاد عن حده، وحين صرخت النفوس المضطهدة بوجه جلاديها، تكشرت الحقائق عن أنيابها، وأسفرت الليوث عن مخالبها، واستأسدت قطعان النعام على أهل الكرامة وأشراف الناس وحراس الحق، وهم حين صرخوا لم يحملوا سلاحاً إلا الكلمات، ولم يستخدموا للإقناع وسيلة إلا ما ظهر جلياً من حقهم المغيب، ولأن الظالم يعرف أن الكلمة قد تغدوا ناراً حارقة لضلالاته وبغيه؛ فإن أقصر الطرق لإسكات ألسنة الحق هي التنكيل والقتل والبطش. وما الذي يمنع حاكماً مثل بشار الأسد أن ينكل بشعبه الذي ورثه عن أبيه، ويطمح أن يورثه لولده؟!؟ أليسوا ملكاً خالصاً له يفعل بهم ما يشاء؟ أو ليس حاكماً بأمره، متفرد عصره وأوحد زمانه، أي شعب متمرد ناكر للمعروف هذا الذي يرفع عقيرته بالغناء للحرية، وينادي على رغيف العيش؟ أليس عاراً أن يطالب المملوك بالتحرر من مالكه وولي نعمته؟ ألا يكفي الشعب السوري فخراً أن يستظل بظل هذا القائد الصامد الذي يقف سداً منيعاً وسيفاً صقيلاً في وجه إسرائيل؟؟ حقاً إن الشعوب هي التي تعتدي على حكامها الطيبون وقادتها المخلصون!!! ألا ترون إلى اليمن السعيد في ظل الرشيد ذو الرأي السديد كيف صارت كل أيامه سعادة وكل لياليه عيد؟ ألم تسمعوا بذلك الزعيم المكافح الذي أفنى حياته لأجل ضفاف النيل وانقض عليه شعبه وأتى على ماله دون أدنى وفاء لجهده وإخلاصه؟
ألا واعجباً لك أيتها الشعوب الثائرة!! كان عليكِ أن تستمري في التسبيح بحمد هؤلاء القديسين، وأن تسلمي لهم قيادكِ لكي تقادي بسلاسة إلى مقبرة الشعوب الطيبة، ولكي يسطر اسمك في ملاحم المبدعون كاملة مسالمة، وديعة وفية حتى لجلاديها، وليبقى الأسد الحالي خليفة أبدياً للأسد السابق، فكلاهما خريج مدرسة الطغاة، وكلاهما وجهان لعملة واحدة، وأي تغيير يرجى ممن جعلت الأمة كلها ثأرها عليه، وأي رحمة تنتظر من ولد شابه أباه وحاكاه بل وتفوق عليه؟
إن الخيار الوحيد أمام الشعب السوري هو المضي قدماً في سبيل الحرية والرفعة لكي ينظر الله إليه بعين رحمته، فقد استحقها -بإذن الله-، وإن أحب الأصوات إلى الرب العادل الرحيم هو ذلك الصوت الذي يرتفع في وجه سلطان جائر أن: توقف فقد كفاك تجبراً وطغياناً وظلماً، وهو كذلك مطالب بألا ينتظر العدالة من المجتمع الدولي فهو أعمى أصم، لا يرى إلا ما تراه عدالة القوى العظمى، وهي عدالة لا تشمل الأمة الإسلامية، وبكل تأكيد لا تستوقفها طويلاً قضاياه، لأنها تعرف أنها هي التي صنعت هذه الدمى وهي التي تكسرها لو بدرت منها بادرة حياة أو دوران خارج المدار المرسوم لها..
لكم الله يا أهلنا في سورية الفقه، وسورية الأدب، وسورية الأمويين، وسورية الفتوح والحضارة، وصبراً فإن النصر مع الصبر، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع