..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

بيت أمي (*)

سلسبيل زين العابدين

١٨ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3043

بيت أمي (*)
12.jpeg

شـــــارك المادة

"حين أعلن الحصار على درعا.. وفتحت التلفزيون لأتأكد من الخبر.. وإذ بي أرى أول دبابة دخلت درعا.. رأيتها على التلفزيون تقف أمام منزل والدتي.. يعتمد جنودها الأوباش على سور المنزل ليضربوا أبناء بلدتي الحبيبة درعا.. انفجرت باكية.. خفت على أمي المريضة.. وأخي شبه المقعد وأبنائه الأطفال الثلاثة وأكبرهم لا يجاوز عمرها 11سنة.. وزوجة أخي التي كانت قد وضعت مولودتها الرابعة منذ أسبوع فقط..


ولعدة أيام.. وأنا أتابع الأخبار وأعجز عن الاتصال بهم والاطمئنان عليهم.. أرى الدبابة تضرب درعا البلد من فوق بيت أمي.. وأتخيل الرعب الذي يعيشه سكان هذا المنزل الذين لا حول لهم ولا قوة.. وأتخيل صرخة الطفلة ذات الثلاث سنوات كيف تصرخ من الرعب حين تسمع صوت إطلاق الرصاص أو ضرب الدبابة للآمنين في مساكنهم..
وأتخيل التصاق الأطفال بأمهم وأبيهم حين يرون هذه القطعان البربرية تحاصر المنزل والمنطقة بكاملها دون أن يعرفوا سبباً لهذه الحرب المعلنة..
أتخيل صرخة الطفلة الوليدة التي فتحت عينيها على هذه الدنيا على أصوات المدافع وطلقات الرصاص.. وأفكر بحالها!! أترى أمها قادرة على إرضاعها بعد كل هذا الرعب الذي رأته؟؟.. أترى والدها قادر على أن يوفر لها الحليب إن عجزت أمها عن إرضاعها؟؟.. أتراهم قادرين على إحضار الدواء لأمي المريضة طريحة الفراش؟؟ أتخيل كل ذلك.. وأتساءل في نفسي: بأي حال أنت يا أمي الحبيبة.. وبأي حال أنتم يا صغاري.. ويتقطع قلبي حزناً وألماً.. وأمضي يومي باكية.. رافعة يدي إلى السماء أن يتلطف الله بحالهم.. أشعر بالعجز.. والقهر.. والغضب.. وكل خلية في جسدي ترتجف من الغيظ أنني لا أستطيع فعل شيء لهم إلا أن أرقب من بعيد..
وتمر الأيام.. قاسية.. أليمة.. حزينة.. لا نكاد نستمتع بشيء نفعله.. وتنتقل أمي إلى الرفيق الأعلى إثر مرضها الذي لم تعالج منه في الوقت المناسب بسبب الحصار.. وتمر أيام وشهور أخرى.. ويُخْرِجُ أخي أبناءه وزوجته إلى الأردن.. ومن ثم يخرج هو بطرق خفية لأنه ممنوع من مغادرة سوريا لا يملك أية أوراق ثبوتية وهو المريض المتعب.. يقطع بعض طريقه ماشياً على قدمية المتعبتان بالكاد.. وبعض طريقه راكباً دراجة نارية.. وبقية طريقه في شاحنة.. وهانحن قد أكملنا السنة في هذه الثورة العظيمة.. وها أنا أرى سوريا كلها قد أصبحت بيت والدتي الحزين.. والذي كان من سنة واحدة فقط يملؤه أهله بالسعادة والحيوية.. إلا أنه الآن بات خاوياً على عروشه.. ودع أحدهم إلى الأبد.. وفارق الآخرين إلى أجل غير مسمى..
ولا نملك إلا أن نقول: صبراً يا سوريا.. صبراً يا حبيبتي فما بقي بيت لم يدخله حزن وألم.. صبراً يا سوريا فإن النصر قادم وقريب جداً -بإذن الله تعالى-..
ـــــــــــــــــــــ
(*) ملاحظة: القصة حقيقية وليست خيال. 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع