أمين الكلح
تصدير المادة
المشاهدات : 3074
شـــــارك المادة
الصورة النمطية في المجتمعات العربية تكاد تكون متطابقة كلياً في الإقصاء الفكري للآخر، بل وحتى نبذه وقمعه. ففي داخل العائلة الواحدة يخضع الجميع لسلطة شخص واحد لا يستطيع أحد غيرهُ أن يدير حواراً حقيقياً ضمن الأسرة، وإن جِيز وسمح لهُ فلا يعُتد برأيهُ، وفي المدرسة يستقبل الأساتذة التلاميذ وحتى أطفال الحضانة مدججين بالهروات وتلك الوجوه الكالحة التي لا تعرف الابتسام، لا تصدر من أفواههم سوى أوامر الانضباط والصف في الطابور، وفي قاعة الدرس يسود الخطاب السامي واللغة الجادة حفاظاً على المقام العالي بينما العصا في يد المعلم لا تميز ذلك التفاوت في قدرات التلاميذ الفكرية أو حتى درجة تقبل أي منهم للتعنيف باستخدامها، ولا ذلك الشعور بالخوف الذي قد يحيل هواء الصف إلى رائحة تزكم الأنوف، وقد لا يستطيع الفراش تحمل إزالتها أمراً قد يؤدي للإطاحة به مستقبلاً.
إنها الصورة الحقيقية للصف وكامل المدرسة المحاطة بالأسوار العالية، فتبدو وكأنها وحدة صاعقه عسكرية من الحقبة السوفيتية السالفة، تعظم القائد الرمز البطل الملهم الشجاع صانع المطر والزرع والخلق.
في السياق الاجتماعي أنت مجبر لمراجعة دوائر حكوميه؛ لذا اخلع نعليك أنت في الوادي المقدس طوى، يجب أن تخفض رأسك وأن تخفت من صوتك، وأن تطيع كل ما تؤمر به وقد يطلب منك دفع الرشوة، وأن تذهب لشراء سندوتش الشورمة وعلى نفقتك الخاصة لعدد من الموظفين، وأن تشكر السادة الموظفين لتكرمهم بمنحك شرف إحضار الشورمة لهم وذلك ليكتمل مشهد إذلالك، وأما إن ترفض كل ذلك وعندها لن تنجز معاملتك، بل وقد ويطلب لك الأمن وتعنف بالعصا واللسان البذيء بتهمة الاعتداء على موظف رسمي أثناء تأديتهُ واجبهُ القومي، وقد يستبد بك الشعور بالظلم فتصرخ من الألم فتصبح مجرد رقم دوّن على باب زنزانة. لا لست أنت وحدك من يُذل؛ فالجميع ضمن هذه المنظومة أذلاء كلٌ حسب درجة، وتقبيل الأيدي والأرجل يبدأ من عند الفراش لينتهي داخل القطر العربي الواحد عند الرئيس أو الملك أو السلطان، وهذا الأخير مسكين مشغول بتقبيل أيدي وأرجل في بلاد غريبة وبعيده، ويشتري لغيره هامبرغرر مقموع ذميم ومدحور -الله لا يرده-. في الشارع يجب أن تكون حذر فليس كل الأحاديث تؤدي إلى المنزل، فثمة أحاديث تقود إلى أماكن ضيقة ومعتمة رطبة يندر بها طعام مقبول وتندر مغادرتها أيضاً. الحوار ممنوع وأحزاب المعارضة يستحيل أن تتفق أو يَذكر أحدها للآخر أي حسنة حتى وإن وجدت بالفعل. لا أحد يعترف بأي حق للآخر حتى لو كان صراخ أو بكاء أو تظاهر سلمي مليون بالمليون، فحتى يُسمح لك بالتنفس يجب أن تغلق فمك، وحتى يسمح لك بطعام وإن كان سيء يجب أن تصفق وبحرارة فيُخلق فيك طبع الأنانية والكراهية ونبذ الآخر، بل إقصاؤهُ وتعنيفه وتحال حياتك إلى ما يسمى عسكرياً معركة السلاح الأبيض، أي تخليص أرواح، فكيف لفرد في سياق هذا القطيع عاش وكبر وقد يهرم ولا يعرف الحد الأدنى لممارسة احترام الآخر فكراً وحقاً ووجوداً أن يمارس ولو حدود دنيا من التشاركية، وتفهم حقوق الآخرين؟؟!! ألم ننطلق في سلوكنا حماية لمصالحنا من أطر بدائية كالعشيرة أو الطائفة وسواها من الأشكال البدائية الذميمة، وإن كنا حتى داخلها نفسها منقسمين ومُتضادين أعلى حدود التصادم والانقسام، أسياد وعبيد، فنبني بها سدود كي لا نرى الآخر أو حتى نسمعه!!! أليس الإقصاء ونبذ الآخر ونكران حقوقه سلوك الحيوانات الوحشية اللاحمة؛ كالضواري مثلاً، تلك التي تتحلق حول جسد الضحية فمجرد اقتراب حيوانات ضئيلة القوة أو الحيلة قدرها أنها لاحمةً أيضاً من الضحية أمراً قد يكلفها حياتها. لا نقبل الآخر ولا نعرف شيء اسمه الثقافة التشاركية. ولا نعرف لغة للحوار ولا كيف ومتى نبدأ وليس لدينا نوايا حقيقية للتشاركية في عمليات إعادة البناء قبل تحاصص الثمار ويتحول الحوار وإن وجد متأخراً إلى جلسة تُملى بها شروط الطرف الأقوى على الضعيف قسراً، وقد يُطلب من الأضعف اعتذار فهماً دكتاتورياً للحوار بامتياز. كل ذلك آل إلى ثورات في أقطار عربية أدت إلى سقوط أنظمة وأخرى على الطريق، وصعدت لأول مرة في التاريخ أحزاب سياسية إلى أعلى هرم السلطة كانت مُهمشة ومُعنفة فهل ذلك يكفي؟؟! أم أن الثورة يجب أن تستمر لإعادة تأهيل الإنسان لمنظومة فكرية وأخلاقية وحقوقية يتنازل فيها الجميع من الأعلى إلى الأسفل ومن الأسفل إلى الأعلى عن كل الولاءات السابقة؛ كالذاتية والعشيرة والطائفة والمذهب الديني لحساب الدولة المدنية والقانون، نؤمن بجميع حقوقنا وواجباتنا بشكل متساوي نبني سويةً هذه الثقافة ابتداءً من دور الحضانة والشارع ومكان العمل. هل نحن قادرين حقاً على فعل ذلك؟ كبشر ندعي الحضارة والمدنية، وهل الأحزاب التي صعدت إلى السلطة مؤهلة فكرياً لبلوغ الهدف؟؟؟.. وهل نحن جمهور الوطن سنتعاون عن حب ورضا لإعادة صياغة تفكيرنا للاعتراف بالقانون ممثلاً شرعياً ووحيداً لنا؟! سننتظر والأمل أمامنا؛ لكن في قلوبنا خشية أن تذهب دماء الشهداء سدى، فعندها لن يغفر بشر ولا حجر لنا، ونكون قد اخترنا الحفر منزل إلى الأبد عن طيب خاطر.
مراد خريصة
عبد العزيز كحيل
عباس عواد موسى
أحمد خيري العمري
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة