المرصد الاستراتيجي
تصدير المادة
المشاهدات : 2738
شـــــارك المادة
شهدت الدبلوماسية الروسية في شهر يناير الماضي حراكاً محموماً، تمثل في إيفاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مبعوثيه إلى العديد من عواصم المنطقة، حيث التقى مدير الاستخبارات الخارجية الروسية سيرغي نارشكين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الرياض (21 يناير) وأجرى محادثات مع نظيره السعودي خالد الحميدان. وفي 29 يناير التقى مستشار الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي واجتمع مع قادة الاستخبارات المصرية. وفي 31 يناير التقى باتروشيف مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيح طحنون بن زايد في أبوظبي. كما التقى مبعوث بوتين الخاص لسوريا أليكساندر لافرانيتيف ونائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئيير بن شابات في القدس المحتلة (28 يناير). وناقش المبعوثون الروس العديد من الملفات المشتعلة في إيران، وليبيا، والسودان، وأمن المعابر المائية في البحر الأحمر، وسبل التعامل مع تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، ومستقبل أسواق النفط. ووفقاً لتقارير أمنية مطلعة (8 فبراير 2019)؛ فإن الملف الأبرز في تلك المداولات تمثل في الشأن السوري، حيث بذل مبعوثو بوتين جهوداً مضنية لإقناع الدول الخليجية بتوفير التمويل اللازم لنظام الأسد مقابل تعهد موسكو بكبح النفوذ الإيراني في سوريا، لكن دول مجلس التعاون آثرت التريث، ريثما تتضح مخرجات مؤتمر سوتشي (14 فبراير)، ومؤتمر “وارسو” (13-14 فبراير)، ونتائج المباحثات بين نتنياهو وبوتين (21 فبراير) والتي يسود الاعتقاد أن نتائجها ستكون ذات أثر بالغ في تحديد مستقبل الموقف الروسي من النفوذ الإيراني في سوريا. وترى مصادر استخباراتية أن هذا الدفع الدبلوماسي يسبق قرارات كبرى سيتخذها بوتين بشأن إستراتيجيته في الشرق الأوسط لعام 2019، وذلك في ظل قرار واشنطن سحب قواتها من سوريا، ورغبة طهران في انتهاز الفرصة لتعزيز نفوذها في سوريا والعراق وتصعيد الموقف ضد تل أبيب. في هذه الأثناء؛ تُعدُّ كل من واشنطن وتل أبيب لحملة تصعيد ضد المواقع الإيرانية في سوريا، وتحشد أنقرة قواتها على الحدود مع سوريا، وتحضر الميلشيات الكردية لصد الهجوم التركي المزمع، وتُمعن “هيئة تحرير الشام” في بسط سيطرتها على إدلب، الأمر الذي يدفع بوتين للاعتقاد أن سوريا مقبلة على مواجهات عسكرية شاملة، وأن بلاده لن تتمكن من الوقوف موقف المتفرج إزاء انفجار الصراع الإقليمي. وتؤكد تسريبات رفيعة المستوى أن بوتين رفض بشكل قاطع جميع مناشدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السماح بدخول القوات التركية إلى الشمال السوري، وذلك أثناء لقائهما في 23 يناير، وحاولت أنقرة عقب ذلك إخفاء الرفض الروسي الصارم لعمليتها العسكرية المزمعة، مؤثرة الحديث عن تأجيل المباحثات لشهر فبراير. وتشير المصادر إلى أن أردوغان لم يحصل على الكثير من هذه القمة، إذ لم يحصل على الضوء الأخضر من موسكو لعملية تركية عبر الحدود شرق الفرات، ولم توافق واشنطن على خطته لإقامة منطقة آمنة، خاصة وأن موسكو منهمكة في الوساطة بين الأكراد ونظام دمشق من أجل منع العملية التركية، وتعمل في الأثناء على إلهاء أنقرة بعملية بديلة بالتنسيق معها في إدلب، حيث تعبر موسكو عن “نفاذ صبرها” من عدم قدرة أنقرة على تحييد “هيئة تحرير الشام”، كما تدفع الدبلوماسية الروسية أنقرة للموافقة على إحياء اتفاق “أضنة” بهدف منع تمرير مشروع المنطقة الآمنة من جهة، وحمل تركيا على إرجاع العلاقات مع نظام دمشق إلى ما كانت عليه عام 1998. وأكد مصدر أمني (1 فبراير) أن بوتين حذر أردوغان من أن المقاتلات الروسية ستتصدى لأي عمل عسكري شمال شرقي سوريا، ورفض فكرة تسيير دوريات روسية-تركية مشتركة في المنطقة الآمنة، مؤكداً أن الجيش التركي يجب أن يتجنب التدخل المباشر في سوريا، ما يعني أن موسكو ترفض الخطة الأمريكية-التركية لإنشاء منطقة آمنة بعمق 32 كم، وتعمل على إفشال محاولات واشنطن إبرام تفاهم بين “قوات سوريا الديمقراطية” وتركيا في الوقت نفسه. ودفع الموقف الروسي الرافض للتدخل العسكري بأردوغان للعمل على خطة بديلة أعدها جهاز الأمن بالتعاون مع مديرية الهجرة، وتتضمن إعادة توطين أعداد كبيرة من اللاجئين في بلدات شمال سوريا من الذين هاجروا إلى تركيا خلال السنوات الثمانية الماضية، حيث يعمل المسؤولون الأتراك على إتمام مشروع يقضي بتوطين مئات الآلاف من اللاجئين في “المنطقة الآمنة” التي رسمتها أنقرة بهدف حيازة شرعية شعبية، ودفع اللاجئين للمطالبة بالحماية التركية بدلاً من شن عمل عسكري مباشر. أما في الجنوب السوري، فيشعر بوتين بالقلق إزاء النوايا الأمريكية-الإسرائيلية لتصعيد عمليات القصف ضد المواقع الإيرانية، حيث تتحدث مصادر عسكرية عن سخط إيران من تدمير مستودع تابع للحرس الثوري بريف دمشق يحتوي على صواريخ “فاتح-110” موجهة بنظام (GPS)، وقيامها للمرة الأولى بإطلاق صاروخ “فجر-5” المطور على بلدة الخضيرة الواقعة بين حيفا وتل أبيب مستهدفة محطة الطاقة الرئيسة في إسرائيل، إلا أن الدفاعات الإسرائيلية تمكنت من إسقاطه قبل بلوغ الهدف. ويرى خبراء أن تل أبيب تكتمت على عملية القصف الإيراني غير المسبوق، واتخذ المسؤولون الإسرائيليون قراراً مفاجئاً بالتقليل من وقع الانفجار الهائل والإيحاء بأنه نتج عن تدمير صاروخ “سام-5” أُطلق فوق الجولان، مؤثرين شن عمليات انتقامية تمثلت في استهداف مخازن صواريخ بالستية إيرانية (12 و20 يناير)، وتدمير مقر القيادة المركزية الإيرانية بالقرب من مطار دمشق، والذي يُعرف باسم “البيت الزجاجي”، وهو عبارة عن جيب عسكري إيراني مستقل يحظر على القوات الروسية وحتى السورية دخوله ويتم تخزين منصات صواريخ “فاتح-110” المطورة فيه، بالإضافة إلى عملية بلوشستان جنوب شرقي إيران (12 فبراير 2019)، والتي أسفرت عن مقتل 27 وإصابة 13 آخرين من الحرس الثوري الإيراني. ووفقاً لمصادر عسكرية روسية؛ فإن تلك العمليات النوعية تؤذن بانتهاء مرحلة التفاهمات غير المعلنة التي رعتها موسكو بين طهران وتل أبيب على مدى السنوات الماضية، والتي تعهدت بموجبها القوات الإيرانية بعدم إطلاق صواريخ بالستية على الأراضي الإسرائيلية، مقابل غض تل أبيب الطرف عن أنشطة “البيت الزجاجي” الذي تخزن فيه مجموعة من تلك الصواريخ، وهو أمر لم يُعترف به قط من قبل موسكو أو طهران أو حتى تل أبيب. وعلى إثر إطلاق إيران صاروخ “فاتح” على سفح التزلج بجبل حرمون (21 يناير) اعتبرت تل أبيب اتفاقية “الخطوط الحمراء غير المعلنة” لاغية وقررت تغيير قواعد الاشتباك، الأمر الذي دفع موقع “تابناك” التابع للحرس الثوري للتأكيد على أن: “إيران وإسرائيل تتجهان نحو مواجهة خطيرة” .
يزن شهداوي
السبيل
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة