وائل مرزا
تصدير المادة
المشاهدات : 9483
شـــــارك المادة
بعد أكثر من خمسة عقود من المحاولات لقتل كل ما يمتّ بصلةٍ للفكر السياسي وللمعارضة السياسية في سوريا، تنظر بشموليةٍ إلى المشهد في اللقاء المذكور، فلا يمكنك إلا أن تشعر بالفخر والثقة. يمكن في مثل هذه اللقاءات أن تتنوع الآراء وتتباين زوايا الرؤية والنظر لتحقيق الهدف المنشود المشترك. لكن العودة المستمرة لرؤية البطولات التي يُظهرها شعبنا العظيم في الداخل كانت وستبقى دائماً الضامن الأول والأهم لضبط البوصلة في الاتجاه الصحيح. لم يكن أمراً عابراً أن يُنظَّمَ المؤتمر بتمويلٍ وطنيٍ خالص ساهم في غالبيته العظمى أحرارٌ من رجال الأعمال في سوريا، أصرّ هؤلاء على ألا تتكرر مشاهد وأحداث مرّت بها تجارب أخرى في بعض البلاد العربية وغيرها من بلاد العالم، أصرّوا أن يُحافظوا على نقاء وطهارة الثورة السورية العظيمة، وألا يتلوّث مسارها الطاهر في جميع المراحل بأي تدخّل مالي أجنبي، عربياً كان أو تركياً أو دولياً، ولو بشكلٍ رمزي، ولو عن حُسن نية، ولو بقرشٍ واحد. وتأكّد هذا المعنى عملياً ورمزياً حين فُتح الباب لإسهام كل من يستطيع بما يستطيع تقديمه، فحضر بعض من حضر على نفقته، وساهم آخرون في صندوقٍ لدعم الثورة صبّت فيه التبرعات بأسماء أصحابها الواضحة المعلنة، تبرّع أحد القادرين بمائة ألف دولار، وتبرّع آخرون بعشرات الآلاف، وتبرع طالبٌ بـ300 ليرة تركية قال إنها جملة توفيره، في حين ضاقت السبل بصديقٍ له فلم يجد حلاً إلا أن يتبرع رمزياً بليرةٍ واحدة، وبلغت الروعة قمّتها حين أعلنت طالبة أخرى بأنها ستتبرع بما تستطيع من دمها على أمل أن يصل إلى سوريا، فيُسعف بطلاً من أحد جرحى المظاهرات. كذب الكاذبون حين تحدّثوا عن الدعم والتمويل الخارجي للمؤتمر، ولو حضروا لرأوا كيف كان الطبيب والطالب يقتسمان غرفة صغيرة للنوم، وهما شخصان جمعهما فقط حب سوريا والرغبة في دعم ثورتها، ولم يعرف أحدهُما الآخر من قبل، ولشاهدوا كيف أعلن الحضور اليوم الثاني للمؤتمر يوماً للصيام، توفيراً للنفقات ومحاولة للشعور بما يشعر به أهلنا المحاصرون في درعا والرستن وغيرها من المناطق. أهكذا يكون حال مؤتمرٍ يساهم في تنظيمه "ليون بانيتا" رئيس الاستخبارات الأميركية، "وتامير باردو" رئيس الموساد، "وحقان فيدان" رئيس الاستخبارات التركية، كما زعمت أبواق النظام الرسمية وغير الرسمية؟! نترك الإجابة لذكاء المواطن السوري والعربي. لم يكن أمراً عابراً أيضاً أن يأتي الخبر عن مرسوم ما يُسمى بإعلان العفو في أول يوم من أيام اللقاء، فلا تكون ردة الفعل العفوية إلا رفضه الكامل من قبل الجميع. كان الوعي حاضراً في مثل هذه اللحظة بمحاولة النظام رشوة المؤتمر والثورة من قبله بإعلان العفو عشية انعقاده وعشية جمعة أطفال الحرية. وكان الوعي الأكبر حاضراً بحقيقة الجهة التي يحقّ لها أن تُعطي العفو والجهة التي تحتاج إليه في سوريا اليوم. لم يكن مشهداً هامشياً أن تكون غالبية حضور اللقاء من شباب لم يتجاوز أكبرهم الثلاثين من عمره، وأن يكون هؤلاء أصحاب مبادراتٍ كبرى وحضورٍ فعالٍ حقيقي قد تُظهر الأيام مصداقيته أكثر من غيره من الممارسات، لم يكن عبثاً أن تشاهد صورة فريدةً تمثل جميع مكونات الفسيفساء السورية الرائعة جنباً إلى جنب على مستوى الأفراد وعلى مستوى التنظيمات، فعلَ النظام المستحيل ليكسر تلك الصورة الجميلة في سوريا فأفشلها أبطال الثورة، وحاول أن يكرر الفعل نفسه في اللقاء فأبى حضوره إلا أن يخيبوا ظنه وبأجمل طريقة ممكنة، بكل عفوية وبراءة، ودون تصنّع وافتعال. لم يكن مشهداً قليل الأهمية أن يتجاوز الحضور من اللحظة الأولى كل الإغراءات التي بثّتها الدعاية المغرضة، من محاولة الوصاية على الثورة وادّعاء تمثيلها، مروراً بتشكيل مجلس انتقالي أو حكومة منفى، وانتهاءً بطلب التدخل الأجنبي في سوريا. ونحن نستخدم كلمة (إغراءات)؛ لأن من لا يعرف النبض الحقيقي للثورة، ومن لا يرى بوصلتها الأصيلة يمكن أن يرى في مثل تلك القضايا سبيلاً أسهل لتحقيق الأهداف، لكن هذا كله لم يكن حتى مجال نقاشٍ أو حوار؛ لأن الحضور كانوا يعيشون تماماً نبض الثورة ويهتدون ببوصلتها، ويعرفون أنها اختارت الطريق الأكثر سمواً ونقاءً وطهارةً، حتى لو كانت مفروشةً بالتضحيات في كل مجال. لم يكن قليلاً أبداً أن يشهد اللقاء، ويشارك السوريون من خلاله، في أول انتخابات ديمقراطية حرة تجري في تاريخ سوريا المعاصر، تمّت في نهاية المؤتمر لتشكيل لجنة متابعة لأعماله بين قائمتين. واكتملت صورة الديمقراطية حين أقرّ رئيس القائمة الخاسرة بفوز القائمة الأخرى فوراً، مؤكداً أنه وقائمته وجميع الحضور هم الآن صفٌ واحد خلف جهود القائمة الفائزة. وكان كبيراً، وكبيراً جداً، أن يقف الجميع قبل لحظة التصويت يداً بيد، يباشرون تصويتهم باسم خالق السماوات والأرض، ويصدحون بالنشيد الوطني، قبل بدء عملية التصويت. وكان رائعاً، ورائعاً جداً، أن يحرص الجميع على أن يكون التصويت بشكلٍ إلكتروني معاصر لا نحسب أن المجلس المدعو زوراً مجلس الشعب يمارسه، وأن تظهر النتيجة في خلال دقائق معدودة، تتلوها مظاهر التوافق التي تحدثنا عنها. نعم، لم تكن المعارضة السورية بأسرها حاضرة في اللقاء. نعم، لم تكن ظروف تحضيره وعقده مثالية. نعم، لم تغب عنه الحوارات والنقاشات الحادّة أحياناً. نعم، سيكون للمعارضة نشاطٌ واثنان وثلاثة، وسيكون هناك الكثير من الحوارات والكثير من العمل. نعم، لن تكون العودة للدخول في التاريخ وصناعته مهمةً سهلةً أمام المعارضة السورية. لكن بوصلة الثورة ومشاهد المظاهرات وصور الشهداء وهتافات الأبطال كانت، وكانت وحدها، وستكون دائماً كافيةً لتعيد الأمور إلى نصابها في كل مرة. من هنا كان يقيننا بأن ما عشناه في لقاء أنطاليا كان يمثل حقيقةً مشاهدَ من المستقبل السوري المشرق. وهي مشاهدُ نعتقد في مثل هذه الظروف أنها باهرة، وأن دلالاتها في غاية الأهمية.
المصدر: صحيفة العرب القطرية
صالح محمد المبارك
مجاهد بن حامد الرفاعي
معن عبد القادر
مهدي الحموي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة