مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3315
شـــــارك المادة
وددت لو أني كتبت محذّراً الإخوانَ -في أنحاء العالم، وفي مصر خاصة- من إعصارٍ يوشك أن يضرب جماعتهم، ولكنّ أوان التحذير من خطرٍ آتٍ مضى منذ زمن، فإنهم اليوم في قلب الإعصار، ولكنْ يبدو أنهم لا يشعرون.
لقد دُهشت على الدوام من البطء الشديد الذي تتحرك به جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وتساءلت منذ أن قرأت -قبل سنوات طويلة- كتاب حسن العشماوي "حصاد الأيام"، تساءلت: لماذا استغرقوا كل ذلك الوقت الطويل من التخبط والتردد؟ لماذا واجهوا الخطر الهائل بسلبية وعجز؟ كيف سمحوا لعشرة أشهر ثمينة بأن تضيع بلا عمل، منذ أن أصدر جمال عبد الناصر قراراً بحل الجماعة في كانون الثاني (يناير) 1954 إلى أن ضربها الضربة الكبرى بعد حادثة (أو تمثيلية) المَنشيّة المشهورة في تشرين الأول (أكتوبر) من ذلك العام؟
لقد كان حصاد ذلك البطء والتردد والعجز مُرّاً علقماً، ليس "الحصاد المُرّ" الذي كتبه الظواهري في نقد الإخوان فأسَفّ وظلم ولم يُنصف، بل الحصاد المرير الذي تجرّعَه عشراتُ الآلاف من خيرة رجال مصر في عشرين عاماً من التنكيل والاضطهاد.
ودار الزمان دورة كاملة، فعادوا -بعد نصف قرن- إلى الموقع نفسه، ومرة أخرى تسبب البطء وقصور الرؤية وقلّة الإدراك في كارثة الانقلاب الأخير، فقد فشلوا في قراءة الواقع المعقد وعجزوا عن استشعار الخطر الكامن، فلم تضربهم الكارثةُ وحدَهم، بل ضربت معهم الملايين من أحرار مصر الذين وثقوا بالجماعة وانتخبوها لقيادة البلاد في تلك الظروف العصيبة، فغدا الجميع ضحايا لانقلاب الخيانة والغدر والإجرام.
* * *
إنني أحس بهذا العجز نفسه وبحالة حادّة من "قصور الرؤية" حينما أرى إعصار داعش يضرب الإخوان المسلمين في مصر (وفي غير مصر من البلدان التي توجد فيها فروع للجماعة) وهم لا يشعرون بالخطر، وعدمُ الشعور به أمر سيّئ، أو يشعرون ولا يبالون، وهذا أسوأ، فتركوا أبناء الجماعة للتخبط والضياع.
لقد تنبّهَت الحركاتُ الإسلامية واحدةً بعد واحدة إلى الكارثة، فكان منها سابقٌ ولاحق في التحذير من هذا البلاء الخطير، وتخلفت عن الركب أهمُّ وأعظم وأعرق الحركات الإسلامية في العصر الحاضر، حركة الإخوان المسلمين العالمية، فلم يُسمَع لها صوتٌ ولم يصدر عنها بيان، فكان أن غرق أتباعها في التّيه وفقدوا البوصلة، فانجرف كثير منهم إلى تأييد داعش والانتصار لها والدفاع عنها في المحافل والمنتديات.
وإن هذا لمن أعجب العجب، فإن الإخوان (بما فيهم حماس) كَفَرة مرتدون عند داعش، ولو أن الدواعش ظفروا بإخوانيّ أو حماسيّ لذبحوه، ومع ذلك يتنافس شباب الإخوان -في مصر خاصة- في تأييدهم والدفاع عنهم بكل حماسة واندفاع.
منذ نشأة داعش المشبوهة في سوريا كان "الامتحان" التقليدي الذي يَستقبل به الدواعشُ كلَّ وافد عليهم -للحكم على صحة عقيدته- هو سؤاله عن مرسي وهنيّة وأردوغان، فإذا كفّر الثلاثةَ نجا وأثبت أنه على المنهج، وإذا تردد أو أبى التكفير فهو كافر مرتدّ كالذين سُئل عنهم. ولقد استفزّ كاتبُ هذه السطور الدواعشَ بنقده لهم (النقدَ المنهجي الواقعي الأمين) فرمَوه بأبشع النعوت ووصفوه بأراذل الأوصاف، وكان من أحب شتائمهم إلى نفوسهم المريضة أنه "صَحْوَجي إخونجي كافر مرتد"، فهذه الأربعة عندهم من المترادفات.
أبَعْدَ ذلك كله تدافعون عن الدواعش يا أبناء وأنصار الإخوان؟ تدافعون عن مكفّريكم وجلاديكم وقاتليكم الذين لا يرون لكم علاجاً سوى قطع الرؤوس وحَزّ الرقاب؟ إذا لم تعتبروهم أعداء لكم من أجل آلاف الأبرياء الذين فتكت بهم داعش في الشام فهلاّ اعتبرتموهم كذلك من أجل أنفسكم؟ ما رأيتُ أبعثَ على الأسى من ذَبيحٍ يُحِدّ السكينَ لذابحيه!
يا قادة الإخوان الكرام، في مصر خاصّةً وفي سائر البلدان: آنَ لكم أن تخرجوا عن صمتكم وأن تُصدروا البيان البيّن المُبين الذي يوضح حقيقة داعش ويحذّر من الوقوع ضحيةً لإعلامها الفاجر الكذّاب. إن الملايين من أبناء الجماعة ومن أنصارها ومحبّيها أمانةٌ في أعناقكم، وإن هذا التردد سيكلّفكم الكثير. لن تفتك داعش بالجماعة لأن الضفدع لا تبتلع فيلاً، ولكنّ العاصفة ستخلّف الكثيرَ من الضحايا وستترك ندوباً ستبقى لوقت طويل.
هذا جرس إنذار نقرعه على مسامعكم لو أنكم تسمعون قرع الجرس! إنني ما أزال أتابع بحزن ردودَ الفعل العاصفة التي تأتي من مصر كلما نشر إخوانكم في سوريا رأيهم المنصف في داعش. وكلما شكونا من إجرامها ردّ علينا إخواننا في مصر بالتخوين، وكثيرون منهم يبدو من صفحاتهم ونقاشاتهم أنهم من مدرسة الإخوان المسلمين، فواحُزْناه على جماعة كنا نرجو أن تكون سداً يمنع سيل الغلوّ الداعشي من اجتياح بلاد المسلمين، فصار أبناؤها وأنصارها جزءاً من هذا السيل المدمر، وصاروا أبواقاً للغلاة يسوِّقون للقَتَلة ويدافعون عن المجرمين.
لقد ارتكب المسلمون خطيئة كبيرة عندما سكتوا عن تنظيم دولة العراق وتركوه يُبيد المجاهدين ويستأصل الجهادَ السنّي في بلاد الرافدين قبل عشر سنين، ولعلّ لنا عذراً في التقصير حينها بسبب قلّة المعلومات وضعف التواصل، فلم تكن تلك الوسائل الجديدة -من يوتيوب وفيسبوك وتويتر وأمثالها- قد انتشرت آنذاك، ولكنْ ما عذرُ الملايين من المسلمين اليوم عندما يصرّون على تأييد داعش، بعدما اجتهد السوريون في نشر آلاف الأدلّة والبراهين على إجرام داعش وغدرها وبغيها وعدوانها على المسلمين؟
الزلزال السوري
أحمد أبازيد
حمزة رستناوي
برهان غليون
غزوان طاهر قرنفل
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة