يحيى العريضي
تصدير المادة
المشاهدات : 2703
شـــــارك المادة
يستهجن دبلوماسي في مقال له في أحد مطبوعات ”النظام” ويعيب على الكتّاب والمثقفين العرب / بعد أحداث باريس/ ما سمّاه اكتشافهم المتأخر لزيف الغرب ونفاقه وازدواجية معاييره.
يذكّرهم أن هذا من منسيات دولته الممانعة. يقول: ”نستطيع كتابة مجلّدات أكبر من مجلدات الموسوعة البريطانية أو الموسوعة الأمريكية عن نفاق هذا الغرب” يقلقه ويؤرقه السؤال التالي: ”لماذا الإنسان رخيصاً لهذا الحد في بلداننا العربية بالنسبة لهذا الغرب وللصهاينة، ولماذا إنسانهم هُمْ غالٍ جداً ومكانته كبيرة لهذا الحد ويستنفرُ شعبٌ بالكامل حينما يلحَق ضررٌ ما أو أوذَى بأحد أفراد هذا الغرب في أي مكان بالعالم”؟ يسارع بالطبع لتقديم الإجابة القاطعة المانعة بصيغة بلاغية استنكارية: ”كيف سنطلب من هذا الغرب أن يحترم إنساننا العربي إن كان في بلدانه وأوطانه ذاتها لا يحظى بذرة من الاحترام، بل يُعامل كما لو كان حشرة تزحف على الأرض!! ”يزيدنا الكاتب الدبلوماسي مزيّناً ومدعماً أقواله بالحكم والأقوال المأثورة في وصفه للغرب المنافق محاولاً أن يثبت مدى جهالة وضحالة معرفة المثقفين والكتاب العرب وعمق معرفته وتجربته بالقادة الغربيين، فيقول: ”نِفاق هذا الغرب ليس بجديد… إنهُ يقتل القتيل ويمشي بجنازته“.
وهنا يطلق سؤالاً استغرابياً آخر: فكيف ستكون دماؤنا وكرامتنا وإنسانيتنا محترمة لدى الغرب إن كانت مدعوسة ومعفوسة في بلداننا.. ثم نتندّر على الغرب ونلومه لأنه يتعامل بازدواجية المعايير؟… يالها من سخافة… كلما أطلق صاحبنا مقولة حكيمة أو سؤالاً استغرابياً، تجدني أعاجل إلى الاستفسار منه عن الجهات التي يقصدها؛ ولكن سرعان ما أقول لنفسي: لا بد أن أمراً ما قد حدث؛ ولا بد أنه في بلد خارج حضن الوطن ويتكلم الآن بحرية.
انتظرت قليلاً، وتابعت مرافعاته لأجده ينتقل إلى أمثلة حيّة عن مكر الغرب ونفاقه فيورد قصة الطفل محمد الدرة بنغم عال من الاستنكار: ”هذا الغرب هو من لم تؤثر به صورة الطفل (محمد الدرّة) وهو يبكي ويرتجف من الخوف ويختبئ خلف أبيه كي لا تصيبه رصاصات الغدر الصهيوني في آخر أيلول 2000، في مشهدٍ أبكى حجارة. ”تصورت في هذه اللحظة أن يسارع إلى الحديث عن المجازر بحق أطفال سورية- على الأقل أولئك الذين قضوا بالسلاح الكيماوي “للنظام” ولكنه فجأة يتابع مستفسراً باستغراب: لماذا؟ ويجيب: ”لأن الإنسان لدينا رخيص في عيون حُكامنا ومسؤولينا"… بل وشعوبنا قبل أن يرخص لدى الغرب..”هنا يقدم لنا معلومة إبداعية جديدة وهي أن الإنسان العربي رخيص أيضاً في عيون الشعوب العربية، كل ذلك ليوصلنا لمرافعته الأساسية عندما يقول: ”ولنا اليوم بما يحصل في العديد من البُلدان العربية مثلٌ صارخٌ لرُخصِ الإنسان لدى الجماعات المسلّحة التي تقطع رقاب البشر وكأنها (فراريج)، وتغتصب النساء وتخطف البشر من الطرقات… و و و و …” كل ذلك من أجل الزج بالعبارة السحرية (الجماعات المسلّحة) وهنا بيت القصيد في كل ذلك الاستعراض… فالجماعات المسلحة ليست إلا اصطلاحاً أبدعه نظام الإجرام في دمشق ليشير لكل من يخالف النظام أو لا يكون موالياً له بالروح والدم.
هنا يتضح المغزى تماماً ويأتي البوح؛ فما يقلق صاحبنا ليس نفاق قادة الغرب فقط بل نفاق وتجني بعض المعارضين السوريين. لنقرأ زبدة ما يريد: “هل قرأتم كيف أن البعض من المعارضين السوريين أشاروا بأصابع الاتهام للدولة السورية في (غزوة) شارلي ايبدو؟.
لم يشيروا لأية أصابع صهيونية أو غيرها، بينما في هجوم 11 أيلول 2001 الكل أشار للموساد، أما اليوم فقد أصبح جماعة الموساد حمائم وملائكة وأصحاب وأحباب لا يفعلونها، بينما الدولة السورية هي المسئولة عن أي عمل إرهابي بأي مكان بالعالم… هل من عقلٍ مُضحِك أكثر من هذا؟..” راودني في تلك اللحظة أن أسأل: من قال لك أن الموساد حمائم وملائكة. أليسوا فقط هكذا – كما تصف – مع سلطتك؟ لفتني أيضاً استخدام عبارة “الدولة السورية”. أردت أن أسأل فيما إذا كان الاختباء وراء الدولة السورية أو اغتصاب اسم الدولة السورية أو أخذ الدولة السورية رهينة أو احتكاراً يرفع التهمة أو الشكوك بالارتكاب؟ ألا يكاد المريب أن يقول خذوني؟ رغم تأكدي أنه يريد أن يرافع عن ”الدولة السورية” التي تعني له فقط العصابة الحاكمة في دمشق إلا أنني آثرت التريث، آملاً أن يكون قد حصل أي تغيّر رباني فجائي وبدا صاحبنا ينطق بالحق وسيخص العصابة المذكورة بشيْ مما تستحقه على الأقل بمثل أو بأقل مما قاله في الآخرين من الحكام والدول؛ ولكن عبثاً. عاد صاحبنا واستأنف هجومه على الساسة الغربيين وشمل معهم الساسة العرب: الساسة الغربيون منافقون، وهم يعرفون أنفسهم، ولكن هل الساسة العرب أقلُّ نفاقاً؟.
ثم ينتقل إلى فلسفة النفاق الذي له أهداف عند القادة الغربيين: ”هُمْ لِنِفاقهم أهداف لاكتساب الشعبية والوصول للسلطة ولكن حينما لا يرتقون لمستوى طموحات شعوبهم فلا يشفع لهم نفاقهم ولا يفيدهم، يتغيّرون…” يضعنا الأخ أمام صنفين: قادة الغرب الذين ينافقون ليرقون؛ وعند عجزهم يتغيرون؛ ولكن شكواه الأساسية من أولئك الذين ينافقون ولا يعجبون شعوبهم ولا يتغيرون. الجهة التي أعفاها من الساسة كان أولئك الذين ينافقون ولا يعجبون شعوبهم ولكن ليس فقط لا يغيرون بل يقتلون من يفكر بتغيرهم. يدعونا الكاتب للتفكير بموضوعية وعقلانية بالأسباب التي جعلت الغربي ذا قيمة والعربي بلا أهمية. يسارع فوراً إلى ذكر تلك الأسباب: ” المسؤوولون في بلداننا لا يهتمون بشكوى المواطنين؛ والغرب لم يطلب منهم ذلك؛ و لم يطلب منهم تخريب بلدانهم، أو أن يتصرّفوا بعقلية زعران الشوارع والأزقّة، والشللية ومنطق المافيات ويجعلوا من المؤسسات ملكية حصرية، وليس الأجنبي مَن قال لهم ادعسوا على كل المعايير والأسس والقواعد واستبدلوها بالمحسوبيات والشخصنات والكيديات (وستِّين عمره ما يكون فيه دُول ومؤسسات).. وكل من لا يعجبه يضرب راسو بالحيط؟… “ يخلص صاحبنا إلى استنتاج مفاده ”أن الإنسان في بُلداننا، حتى من (نُخَب المجتمع) لا مكانة له ولا تقدير ولا احترام إلا بمقدار الدعم والمحسوبية والواسطة والتبَنِّي.” ظننت للحظة أن صاحبنا يصف بدقة ما تفعله سلطة دمشق الاستبدادية؛ ولكنه رأفة بها وحياءً يعفيها من ذكر تدميرها البلد وتهجير أهله واعتقال من تشك به وترتكب المجازر وتقتل مواطنيها تحت التعذيب.
عدت لعقلي وقلت: يستحيل أن يعتبرها إلا من صنف الآلهة؛ فكيف يمكن أن يقول ذلك؟! ومن هنا أجزم أن صاحبنا يقصد حصراً كل القيادات العربية “العميلة” التي لا تستخدم ضميرها وكل الشعوب العربية الغبية التي لا تستخدم عقلها؛
أما الاستثناء الوحيد المنزّه عن أي سلبية مهما صغرت فهي القيادة الحكيمة التي يكتب من حضنها… ودليله على ذلك المقابلة الأخيرة لرأس تلك السلطة والتي نفى فيها أن يكون ارتكب ولو خطأً واحداً. لا حول ولا قوة إلا بالله…
كلنا شركاء
برهان غليون
سلامة كيلة
زياد الشامي
لقمان الحكيم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة