..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

سوريا والمتغير الإقليمي

عبد الجليل زيد المرهون

٢٩ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2527

سوريا والمتغير الإقليمي
1-72849649(1).jpg

شـــــارك المادة

كيف تبدو انعكاسات المتغير الإقليمي على المسألة السورية؟ وهل يدفع هذا المتغير باتجاه تعزيز فرص الحل السياسي؟ بداية، نحن بصدد متغير تاريخي، سياسي وأمني، يرتقي لكونه متغيراً جيوإستراتيجيًا.


في هذا المتغير -الذي تتشكل أضلاعه من تفاهم لوزان النووي، والفضاء الأمني المتصل بالبيئة اليمنية، وتحولات الداخل العراقي- تبدو سوريا أمام موجة مؤثرات دفعت في مجموعها وسياقها الكلي نحو إنتاج متغير تابع ذي صلة بالداخل السوري ذاته.
هذا المتغير التابع المتشكل مضمونا من نواتج فرعية للمتغير الرئيسي يبدو دافعا نحو تعزيز خيار الحل السياسي للأزمة السورية، ويمكننا القول اليوم إن البيئة الجيوسياسية للأزمة السورية تبدو في هذه اللحظة على قدر كبير من التحول على الرغم من أن المشهد الإقليمي ذاته لم يبلغ مرحلة التبلور النهائي، وقد لا يصل إلى هذه المرحلة قبل عام من الآن.
إن هذه المقولة تلامس دول الجوار السوري، وحلفاء دمشق الإقليميين، وقوى دولية مؤثرة في تطورات الساحة السورية وإن كانت مضامين هذا الأمر متباينة بالضرورة من طرف لآخر.
سوف يرتفع عاليا منسوب "التقاطب" الإقليمي في بعض مساراته ذات المنحى الصراعي في الأصل، أو لنقل بعض من تلك التي تغلب اتجاهاتها السالبة على اتجاهاتها التعاونية.
وفي الوقت ذاته، ستُجرى إعادة إنتاج يفرضها الأمر الواقع لمسار التفاعلات على مستوى قمة الهرم الإقليمي. هذا المتغير ذو الطبيعة المركبة ستكون له نتيجتان أساسيتان على الساحة السورية:
الأولى: إعادة رسم جزئي أو كلي لأدوار بعض القوى الإقليمية في هذه الساحة، والثانية: زيادة فرص التقاء قوى إقليمية فاعلة فيها، أو في الحد الأدنى خفض مستوى تناقضاتها الراهنة.
وفي ضوء هذا المتغير أو اتساقا معه ستبدو القوى الدولية الفاعلة أكثر ميلا للتأكيد على الخيار السياسي للأزمة السورية، وأكثر قدرة على تجسيد هذا الخيار، بمعنى زيادة هامش حركتها وتأثيرها في المقاربات الإقليمية السائدة.
إننا هنا بصدد متغير دولي تابع لمتغير إقليمي، بيد أن القوى الدولية لم تكن في الأصل بعيدة عن هذا الأخير، بل كان لبعضها دور وازن في التأسيس إليه، إننا بصدد نمط تبادلي في الحد الأدنى، وتتابعي في حده الأعلى.
وباندماج المتغيرين الأول والثاني يمكن القول إن الخيار السياسي لمقاربة الأزمة السورية بات أكثر حضورا من أي وقت مضى، وقد نكون على مرمى حجر وحسب من مؤتمر "جنيف3" السوري.
وهذا المؤتمر -متى قدر له الانعقاد- لن يكون كمثيليه السابقين، لأنه سيبقى تحت قوة دفع متقدمة لمتغير جيوسياسي كبير، ولكن ماذا يعني ذلك بالنسبة للسوريين أنفسهم؟
ثمة فرصة تاريخية على القوى الوطنية استثمارها دونما أدنى تردد، هذه الفرصة لا يمكن الإفادة منها على نحو تلقائي، بل عبر تحرك يلتقي بالضرورة مع المتغير الإقليمي/الدولي، المزدوج أو المتمازج، ويعمل على استثماره في اللحظة المناسبة، وهنا تتضح حنكة القوى السياسية من عدمها.
هذه القوى -سواء من يتواجد منها داخل القطر أو خارجه- سوف تضيع على نفسها وعلى الوطن فرصة تاريخية نادرة إن هي تراخت عن السعي اليوم ودون تأخير لاستثمار المتغير الجيوسياسي الحاصل من أجل الدفع باتجاه الحل السياسي للأزمة.
إن الجميع يعلم الآن بأن لقاءات تشاورية قد عقدت في العاصمة الروسية، وصدر عن جولتها الثانية بيان إطاري باسم "التطورات الراهنة في سوريا" توافق بشأنه بعض من القوى الوطنية، إضافة إلى ممثلي الحكومة السورية.
بداية، يجب الانتباه إلى أن الجولة الأخيرة من لقاءات موسكو التشاورية قد عقدت في مرحلة انتقالية، أو لنقل في لحظة فاصلة بين مرحلتين، ولو علم منظموها الروس بأن ثمة متغيرا إقليميا كبيرا كان على الأبواب لانتظروا هذا المتغير الذي نتحدث عنه الآن، ولو حدث ذلك لربما وفروا على أنفسهم بعضا من العناء ذي الصلة بالمؤثرات الإقليمية التي تبدلت الآن، أو هي في طريقها لتحول لا ريب فيه.
وعلى أي حال، فإن الجولات التشاورية في روسيا ربما تكون قد حققت بعضا مما يمكن اعتباره طرحا تراكميا، أو تتابعا في الأفكار قد تفيد منه الأطراف المختلفة، أو هذا على الأقل ما يمكن استنتاجه من الورقة الإطارية التي خرج بها المتشاورون، وتبقى المرحلة الآن هي مرحلة "جنيف3"، وعلى هذا الأساس يمكن للقوى المختلفة أن تبني حساباتها.
ودعونا نتحدث قليلا عن آفاق "جنيف3": إن هذا الحديث يجب أن يبدأ بالتأمل في معطيات الداخل السوري معطوفة على نواتج المتغيرات الإقليمية والدولية ذات الصلة.
في الداخل السوري، قطع قطار المصالحات المحلية شوطا كبيرا ومؤثرا رغم كل العراقيل التي واجهته، والأهم من ذلك أن هذه المصالحات أضحت اليوم رغبة وطنية وقناعة عامة لم يكن أحد يتصور سرعة انتشارهما بين الأهالي في مناطقهم وبلداتهم المختلفة، وهذه المسألة فرضت نفسها بفعل الخبرة والتجربة، وهذا هو موقف الناس وعلينا احترامه.
ميدانياً، حدثت التحولات الكبيرة في الشمال والجنوب، وهي تحولات يمكن إعطاء قراءات مختلفة بشأنها، والأهم أنها ما زالت في حالة السيولة، ولم تبلغ مرحلة التبلور النهائي.
أما في الوسط السوري فإن مشهد اليوم يختلف في أوجه عدة عن مشهد ما قبل "جنيف2"، وهذا أمر يقر به الجميع، ولا يختلف الحال كثيراً بالنسبة للقراءة التي يمكن تقديمها للوضع في ريف دمشق.
في المحافظات الشرقية حدثت تحولات عديدة بفعل مجهود عسكري تكامل بحكم الأمر الواقع، وتشكلت أضلاعه من الجيش السوري ووحدات حماية الشعب الكردي والغارات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة، وكان الجيش السوري أكبر المتقدمين مجددا على الأرض في مناطق عدة من أرياف دير الزور والحسكة.
هذا المشهد الميداني يمثل رصيدا سياسيا بيد الحكومة السورية، أو لنقل هو كذلك في الحسابات النهائية التي يمكن للمراقب الخروج بها في هذه اللحظة، وبعد ذلك: ماذا عن "جنيف3" ذاته؟
إن أحدا في سوريا لا يتحدث الآن عن "جنيف3" رغم أن القناعة السائدة في دمشق هي أن لقاءات موسكو ربما تكون مقدمة إلى جنيف، أو على الأقل هي غير مفصولة على صعيد مساراتها وحيثياتها.
أما الذين لم يذهبوا إلى موسكو فقد يكونون اليوم أكثر استعدادا للذهاب إلى جنيف من أي وقت مضى، وهذا أمر مفهوم في حسابات اللحظة السياسية التي يسهل على الجميع قراءاتها والتأمل في دلالاتها.
ومن ناحيتها، تبدو القوى الدولية أول المتأهبين إلى "جنيف3"، وقد اتضح ذلك من إعلان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بأن الوقت قد حان لعقد هذا المؤتمر. وبالطبع، لم يكن هذا الإعلان محض صدفة، بل وليد قراءة صحيحة لمتغير إقليمي كبير، وتاريخي الطابع.
بدورها، الولايات المتحدة -إحدى القوى الأساسية الدافعة باتجاه المتغير الإقليمي والمؤسسة لمقدماته- أبدت من التصريحات والإعلانات خلال الأسابيع الماضية ما فيه أكثر من إشارة إلى أن الوقت قد حان لطرق أبواب الحل السياسي للأزمة السورية.
من جهة أخرى، يبدو الأوروبيون اليوم تحت ضغط متزايد مما يعتبرونه تهديدا يمثله الذاهبون للقتال في سوريا والعائدون منها، وهذه القضية هي اليوم أشبه بفوبيا جديدة في أوروبا كان من نتائجها انفتاح عدد من القوى البرلمانية والسياسية الأوروبية على دمشق والدخول في حوار معها، بيد أن الأهم هو أن الحكومات الأوروبية نفسها قد انتهت إلى قناعة مفادها أن أمن أوروبا لا يستقيم دون مقاربة سياسية عاجلة للأزمة السورية، ومن هنا فهي اليوم أكثر استعدادا لدعم المبادرات المختلفة في هذا الاتجاه بما في ذلك "جنيف3".
وعليه، يمكن القول إن فرص "جنيف3" كبيرة وحظوظه عالية في المجمل، وقد يمثل المناسبة التي يعلن فيها المجتمع الدولي بداية الوفاق الوطني السوري، لذا لا بد من الحرص على اغتنام الفرصة.
إن الجميع يدرك أن مؤتمري جنيف السابقين قد استحوذا على كثير من النقاش التقني الذي لا حاجة للتذكير به، والأكيد اليوم أن هذا النقاش قد فقد قدرا كبيرا من مضامينه ومعانيه بفعل تحولات الداخل والخارج معا. ولذلك، لا يبدو من المفيد الدوران حوله والاستغراق فيه، لأن ذلك سيكون قفزا في الفراغ وحسب، والمنطق هو أن أي طرح يجب أن يرتكز أولا إلى مضمون سياسي، أو لنقل إلى حيثيات سياسية ثابتة ويقينية، وإلا فلا معنى له على الإطلاق.
إن كافة تجارب التاريخ تشير إلى أن الأمم التي تمكنت من تسوية النزاعات المديدة هي تلك التي استفادت من الفرص والمنعطفات الكبرى -المحلية أو الخارجية- وبنت عليها، ولننظر مثلا إلى تجارب أوروبا القريبة، ونقوم بشيء من المقارنة.
إن المتغير الإقليمي -الذي بدأنا الحديث به- هو متغير تاريخي الطابع لم يشهد له الشرق الأوسط مثيلاً منذ عقود مضت، وإن لم نعمل الآن على الإفادة من نتائجه وإفرازاته فلن نكون قد ضيعنا على الوطن فرصة تاريخية وحسب بل قد يرتد هذا المتغير علينا سلباً في أفق زمني معين، أو لنقل قد يصبح كذلك بفعل متغيرات تابعة تتولد بحكم التتابع الزمني، وهذه قضية لا بد للجميع -داخل القطر وخارجه- من التأمل الواسع فيها.

 

 

 

 

الجزيرة نت

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع