..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

سورية: موت شنيع لـ «المبادرة الروسية» قبل ولادتها

عبد الوهاب بدرخان

١٥ يناير ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3264

سورية: موت شنيع لـ «المبادرة الروسية» قبل ولادتها
الوهاب بدر خان 00.jpg

شـــــارك المادة

توقع كثيرون، وتمنى كثيرون، أن لا تنجح المبادرة الروسية من أجل حل سياسي للأزمة السورية. الذين توقعوا هم الذين يريدون وقف القتل والتدمير، اليوم قبل الغد، ويتطلعون إلى حل حقيقي لم يروا ملامحه سواء في مراقبتهم ما يصدر عن موسكو ومبعوثها ميخائيل بوغدانوف أو في استقرائهم المواقف الدولية الأخرى.

أما الذين تمنوا الفشل، وفي طليعتهم الإيرانيون، فلا يريدون للمأساة القاسية التي يعيشها الشعب السوري أن تنتهي، طالما أنهم يحققون استفادة قصوى منها.

لكن أحداً لم يستشرف شيئاً مشابهاً لهذا الموت الشنيع لـ «المبادرة» حتى قبل أن تبصر النور. ولا عزاء للذين راهنوا عليها ثم تبيّنوا أنها سراب، ولعلهم تعلّموا شيئاً من هذه التجربة.

لا شك في أن الجميع وقع في فخّ أن روسيا دولة كبرى، ولا يمكن أن تبادر إلا بعد أن تكون درست خطوتها مع جميع المعنيين.

لكن طبع «الدب» الروسي غلب على تطبّعه، إذ لم يفطن إلى أن دور الوسيط يستلزم انزياحه ولو قيد أنملة عن الانحياز لنظام بشار الأسد، بل اندفع إلى ما هو أسوأ حين وجّه الدعوات إلى الحوار إلى أشخاص معارضين (بعضٌ منهم موالٍ جداً)، أي أنه تولّى بنفسه تشكيل وفد المعارضة، وعندما برزت اعتراضات أطلق العبارة الانتحارية القائلة إن الحوار «سيعقد بمن حضر»... حسناً فعل بالانكشاف المبكر، فما إن أعلن «تيار بناء الدولة» (رئيسه لؤي حسين معتقل) رفضه صيغة الدعوة، حتى أصدر الرئيس السابق لـ «الائتلاف» معاذ الخطيب بيانه القوي الذي أجهز عملياً على المسعى الروسي، ثم نُشر مضمون رسالة حسن عبد العظيم المنسق العام لـ «هينة التنسيق الوطني» (اثنان من قيادييها معتقلان، عبد العزيز الخيّر ورجاء الناصر) إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يطالبه فيها بتوجيه الدعوة إلى كيانات سياسية لا إلى أشخاص، وبالضغط على النظام لوقف القصف وإطلاق معتقلين لإشاعة مناخ ملائم للحوار.

كانت روسيا عوّلت كثيراً على مشاركة معاذ الخطيب لإضفاء «شرعية» على تحركها، فهو من «معارضة الخارج» ولم يفوّت فرصة إلا دعا إلى حقن الدماء والبحث عن حل حتى لو تطلّب التحدّث مع النظام، لكنه اشترط دائماً خطوات إنسانية يبرهن فيها النظام «حسن النيّة».

وتوقعت سيناريوات متصوّرة أن يكون الخطيب رئيساً مقبولاً لحكومة «مختلطة» قد تنبثق من حوار موسكو، لكن الرجل لم يبدِ ولا مرة سعياً إلى أي منصب.

وعندما دعي لزيارة موسكو بحث وشاور ثم قرر التلبية برفقة وفد صغير (يقال إنه سافر على حسابه) ليسمع ويتأكد بأن ثمة مبادرة في الأفق، لكنه فوجئ حين أبلغه بوغدانوف أن لافروف سيستقبله ليسمع منه «بلا مناقشة».

وعرض الشيخ معاذ أفكاره انطلاقاً من توجّهه المعروف، كما كرّره في بيانه الأخير قائلاً أن لا حل من دون رحيل رأس النظام والمجموعة التي ساقت سورية إلى المصير البائس الذي وصلته اليوم».

لكن لافروف سأل «إذا رحل الأسد فماذا ستفعلون، ومن سيضبط المقاتلين؟».

كان ذلك إشارة واضحة إلى أن الموقف الروسي لم يتزحزح، لكن كان لا بدّ من انتظار الصيغة التي سيُخرج بها دوره كـ «وسيط».

ها هو قد أخفق تماماً، إذ قاده تبنّيه شروط النظام والشروط الإيرانية إلى افتضاح «مبادرته».

كان كثيرون راهنوا عليها، آملين بأن تكون هادفة ومتوازنة، إلا أن الوقائع بيّنت أنها استهدفت أمرين:

1) استغلال احباطات المعارضة وتشتتها وخلافاتها لتذويبها في إطار رخوٍ يسهل دفعه إلى تسوية هزيلة قوامها بضعة حقائب وزارية.

2) نسف مرجعية «جنيف 1» ونصّها على حكم انتقالي لمصلحة «حوار موسكو» كمرجعية جديدة... وبما أن الهدفين يصبّان في مصلحة النظام فقد فُهم أن حليفيه (روسيا وإيران) يسعيان إلى إعادة ترميمه، فأوضاعه هو الآخر لا تقل اهتراءً عن أوضاع المعارضة. وأياً تكن تمنيات الحلفاء والخصوم فإن فرصة حل يبقي رؤوس النظام فاتت منذ زمن، إذ لم يعد خياراً ولا يمكن فرضه أو تمريره.

صحيح أن الدعوة الروسية أشارت إلى بيان «جنيف 1» لكنها ركّزت على «مكافحة الارهاب»، أي عودة إلى صيغة جاء بها وفد النظام إلى مفاوضات جنيف، وإلى صيغة توفيقية اقترحها الأخضر الإبراهيمي ولم يقبلها النظام لأنها تضع البحث في «هيئة حكم انتقالي» بموازاة مكافحة الإرهاب.

لكن موسكو خططت عملياً لحوار من دون أجندة تسهيلاً للتلاعب بالأولويات، وفي تقديرها أن «أصدقاء سورية» انقرضوا تقريباً، وأن المواقف الأميركية دفعت المعارضة إلى اليأس إذ تبدو واشنطن متخلّية عن التزاماتها تجاه المعارضة وأكثر اهتماماً بتلزيم قطع الملف السوري وتوزيعها كـ «مصالح» على الأطراف الإقليمية، وهذه صارت بدورها مهتمّة بالحصص التي تحصّلها.

لذلك اعتبر الروس أن الفرص سانحة لتغيير قواعد اللعبة ومعايير الحل السياسي، بالاستناد شكلياً إلى «جنيف1» والاعتماد عملياً على موازين القوى على الأرض.

عندما بدأ الحراك الشعبي لم يكن هناك ميزان القوى أصلاً، بل كان النظام بكامل قوته، وقد استخدمها، ولم ينجح في إخماد الانتفاضة، وحتى عندما تعسكرت هذه قسراً ظل التفوّق الناري للنظام، ثم عندما مكّنه الإيرانيون من استعادة بعض المناطق بدت انتصاراته توكيداً لاستحالة بقائه، كما هي حاله اليوم.

والفارق كبير بين تسوية على أساس موازين القوى يفرضها الغازي المحتل، وبين حل سياسي يقوم على تنازلات متبادلة ويرمي إلى صيغة تنصف الشعب وتحصّن التعايش بين فئاته.

لذلك برقت الآمال عندما طرحت المبادرة الروسية، لعلها القاطرة الملائمة للنظام كي يقدّم تنازلاته، لكن هذا كان مجرد وهم لأن البنية النفسية للنظام تمنعه من تقديم أي شيء خيّر لشعبه.

وفيما باتت «المبادرة» مترنحة ظهرت تكهّنات بأن النظام قد يقوم بخطوة لإنقاذها، كأن يُفرج عن المعتقلين أو العدد الأكبر منهم، ولو من قبيل «إحراج» المعارضة، فهل يفعل؟

كانـت المعـــارضة وافقت على الذهاب إلى حوار على أساس «جنيف 1»، لكنها رفـــضت أن تختار موسكو المشاركين فيه بناء على «فيتو» النظام على كيانات وأشخاص محددين.

في أي حال يُحسب لموسكو ما لم تتقصّده أصلاً، ذاك أن «الحصانة» المبدئية التي أمّنتها لوجوه معارضة الداخل مكّنت هذه من فتح حوار جدّي مع معارضة الخارج، بل أتاحت لهما بلورة تقارب في الرؤى.

وهذا معطى جديد يُظهِر للمرّة الأولى أن عناصر «الحل» الذي يطمح إليه «الائتلاف» و «هيئة التنسيق» يمكن أن تكون واحدة.

أي أن التحضير لحوار موسكو أدّى إلى فرز واضح بين قوى المعارضة المتبنية لمطالب الشعب وتلك المدجّنة أو الموالية (قدري جميل، على سبيل المثال) التي طلب حسن عبد العظيم من لافروف أن يصار إلى ضمّها لوفد النظام.

ومن الواضح أن جميع كيانات المعارضة الحقيقية مدركة أن كل ما استطاعت الحصول عليه، وبثمن باهظ جداً، هو ورقة «جنيف 1» التي أُثبت مضمونها في القرار 2118 (المتعلّق بـ «صفقة» تدمير ترسانة السلاح الكيماوي) واكتسبت بذلك «شرعية» دولية.

ولعل هذه الروح الجديدة التي انبعثت من عثرات المعارضة هي التي شجعت الخارجية المصرية على المضي في عزمها على دعوة كياناتها إلى حوار موسع للاتفاق على رؤية موحدة للحل السياسي.

لكن مصادر المعارضة دعت إلى معالجة الاعتراض على دعوة ممثلي «الأخوان المسلمين» و «إعلان دمشق» إلى حوار القاهرة، ففي أفضل الأحوال سيُعتبر إقصاؤهم رضوخاً لرغبة النظام الذي يعتبرهم أدوات للدور التركي، ويحمّلهم مسؤولية تحريك الانتفاضة الشعبية ثم انشاء «المجلس الوطني» كأول كيان للمعارضة في الخارج.

 

 

 

الحياة اللندنية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع