أنس الدغيم
تصدير المادة
المشاهدات : 3838
شـــــارك المادة
إنّ في ما تشهدُه السّاحة الإقليميّة و الدّوليةُ اليوم من متغيّرات كبيرة و خطيرة و على الصعد كافة السياسية منها و العسكرية و الاقتصادية و الاجتماعية. إن في كل ذلك ما يحملنا على توسيع ساحة الرؤية البصرية و البصيرية فيما يخصّ مكاننا نحن من هذه المستجدّات السريعة ، و بمتواليّة إنفجاريّة في أغلب الأحيان . أين نحن ؟ و ما هي طبيعة العلاقة بيننا و بين ما يجري ؟ و ما هو نوع التفاعل الحاصل بيننا و بين ما يستجدّ ؟ و لربّما كان من أكبر هذه المتغيّرات على المستوى العالمي هو ما شهدته بلادنا العربية فيما يسمّى بثورات الربيع العربيّ و ما حملته في طيّاتها من أحداثٍ جسام ، ثمّ ما أحدثته من تغيير على ساحة تمتدّ إلى ما هو أبعد من حدود البلاد العربية . و ما أوجدته من سياسات جديدة يرسمها الواقع الحركيّ السّائد ، و النظرة التحرّريّة العارمة عند الشعوب . ثورات الربيع العربي الجديدة بكلّ ما فيها ، و التي عملت على تفكيك المصطلحات المنسيّة لتتّضح بعد ذلك العلاقة بين الحاكم و المحكوم و النظام و الشّعب و السّلطة و الجماهير . و لترسم الأبعاد الحقيقيّة لكلٍّ من هذه المصطلحات في رقعة يعيش فيها الشعب مع حاكميه . لقد برزت مع بداية هذا المرحلة الاستثنائية مفرداتٌ حياتيّةٌ جديدةٌ لا برسمها و لكن باستحقاقاتها و نمطيّة التفكير العاملة بها و فيها . و كان لا بدّ لنا من الوقوف على تفاصيلها الهامّة ، و إيجاد التّلازم المفقود بين المباني و المعاني في قاموس السّياسة العالمية و التي نجن جزءٌ لا يتجزّأ منها . إنّها قراءةٌ في الدّولة الحديثة بتفاصيلها و بالعلاقات التي تحكمها و تحكم بها ، ثمّ هي قراءةٌ في الدّولة الحديثة المسلمة و التي هي الأمل المنشود لمسلمي العالم قاطبة . دولة تكون فيها السّيادة حاصلة و الشّوكة متحقّقة ، و القوة موجودة و الكرامة موفورة . دولة مدنيّة إسلاميّة حديثة يكون دستورها من وضعها المنضبط بضابطة الإسلام ، لا من وضع الآخر . تُصان فيها الحقوقُ ، و تحترمُ المؤسّسات ، و يكرّم فيها الإنسان الذي هو عمادُها ، و يقدّسُ فيها الدّينُ الذي هو سقفُها . ويكونُ فيها الحقُّ هو الرّقيبَ على القوانين مع السّلطان ،و الأخوّة الإيمانيّة هي راسمةَ العلاقات المجتمعيّة فيها ،و العملُ هو مقياسَ التفاضل الدنيويّ بين الأفراد . أشار إليها الدكتور محمد عمارة بقوله (الدولةُ الإسلاميّة دولةٌ مدنيّة، تقوم على المؤسّسات، و الشورى هي آليّةُ اتّخاذ القرارات في جميع مؤسّساتها، والأمّة فيها مصدرُ السّلطات شريطةَ أن لا تحلّ حراماً و لا تحرّمَ حلالاً) . إنّ الانسجامَ الحاصلَ بين مكوّنات المجتمع الرّاشد ، و التّصالحَ النّفسيّ فيما بينها ، هو أوّل ثمرات الدّولة الحديثة التي تحترَمُ فيها الحقوقُ و الواجبات ، و تقوم على العدلِ في الحاكميّة ، و العدالة الحياتيّة بين الحاكم و المحكوم . هذا الانسجامُ الذي لن يتركَ للناسِ وقتاً كافياً للتفكير في عزل الدين عن الدولة ، و لا في حجر السياسة عن الدين . و إنّما ستتمثّلُ لهم ضرورةُ اجتماعهما في مرافق الحياة كافة ، و أّنهما كالرّوح و الجسد ، ليس بعد فصلهما عن بعضهما إلّا الموتُ و الانهيار . يقول الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل : ( إنّ ( الدولة ) ضرورةٌ محتومةٌ للدّين إذا ما أريد له أن يقول كلمتَه في العالم و ينفذ برنامجَه في الأرض، و إنّ ( الدين ) ضرورةٌ محتومةٌ للدولة إذا ما أريد لها أن تكون في صالح الإنسان من أجل عالمٍ أفضل و غدٍ سعيد .... هناك حيثُ يتحرّر الإنسان و يتحقق الوفاق المرتجى بينه و بين سنن الحياة و العالم و الكون) إنّ حياةَ شعبٍ لن تستقيمَ ما لم تكنْ هي ذاتَها الحياة التي يتوقُ إليها هذا الشّعبُ و يرتضيها لنفسه ، و لهذا فإنّ كلّ المحاولات التي يتحرّاها الغربُ في الشرق ستفشل . و لن يتمدّدَ الصقيعُ في النفوس إلّا ريثما يأتي ربيعٌ جديد. و إنّ الشعوبَ المضطهدة عاجزةٌ عن بناء الدول و تأسيس الحضارات ، و إنّ الأنظمةَ الفاسدةَ هي المانعةُ للتقدّم و إعمار الحياة . فإذا صلحت الأنظمةُ و تحرّرت الشّعوب ، أُسِّسَ لدولةٍ حديثةٍ مسلمة تتصالحُ فيها الدّنيا مع الآخرة ، و يتحقّقُ فيها صالحُ الإنسان .
مجاهد مأمون ديرانية
خالد بن فتحي الآغا الغزي الأنصاري
نور الدين الدمشقي
ماهر علوش
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة