..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الأمة بين زوابري الشام وزوابري الجزائر

أبو مارية القحطاني

٢٠ نوفمبر ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 5763

الأمة بين زوابري الشام وزوابري الجزائر

شـــــارك المادة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمداً كثيراً يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، حمداً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، الذي بنعمته تتم الصالحات، وتعمُّ الخيرات، سبحانك ربي لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمداً عبده ورسوله، خير من اصطفى من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:


فإن الله تعالى ذكر قصص الأمم السابقة للاعتبار بها؛ كما قال تعالى: ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ﴾ والآيات في هذا الباب كثيرة، ومن ذلك ما قصَّه القرآن عن الظلمة والجبابرة، كيف تسلطوا على الناس، ثم ذكر ما آل إليه حالهم بسبب ظلمهم، كحال فرعون والنمرود، وقوم عاد وثمود، الذين جعلهم الله ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وها هو التاريخ يعيد نفسه مع دول وجماعات وأفراد ظلموا الناس، وعاثوا في الأرض إفسادًا وتخريبًا، وإننا لنقف مع تلكم القصص فنستلهم منها عظات وعبراً كثيرة..

ومن وعى التاريخ في صدره *** أضاف أعماراً إلى عمره

وإن من الظلمة المعاصرين الذين تمسحوا بمسوح العدل: الجماعة المسماة بالدولة؛ فإنها بلغت في الظلم أشد ما يبلغه ظالم، وقد تواتر هذا عنهم وانتشر، وقبل الخوض في بيان ذلك أقول مجيباً للمعترِض قائلاً: لماذا تأخرت في الكلام عنهم حتى الآن؟ فأقول: لقد ظننا أن هذه الجماعة ستغيِّر سياستها في الشام، وتترك ظلمها الذي كان لها مصاحباً منذ عرفناها في العراق، ولكنها -ويا حسرتاه- ما ازدادت في الشام إلا ولوغاً في الدماء والتكفير، بل وأضافت لذلك أشياء ما كنا نراها منها في العراق.
وقد أظهرنا -ولله الحمد- أول موقف لنا من تلك الجماعة منذ أُعلنت في الشام رسمياً، وذلك بعدم الاستجابة لإعلانهم الدولةَ الموهومة؛ فكان حالنا حينها كحال إبراهيم عليه السلام ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ﴾، فلما تبيَّن لنا منهم الجرائم المتعاقبة، والنكبات المتوالية الظاهرة؛ كقتلهم للمجاهدين الصادقين، بل وتصفية قادتهم، وأسرهم خيرة الموحدين، حتى أنه لم يسلم من شرهم أُسَرُ المجاهدين؛ فأدخلوا عليهم الأحزمة والمفخخات.
فنقول: إن جماعة الدولة طائفة امتنعت عن تحكيم شرع الله، واستباحت دماء المسلمين وأموالهم، فهي في حكم الطائفة الممتنعة، ولا نشك بأنها قد جمعت بين أصول من أصول الخوارج، وصفات من صفات الرافضة، ولؤم المرجئة، وعداء النواصب.
وقبل الخوض في الكلام عن شهادتنا لواقع هذه الجماعة في الشام نستعير كلاماً نفيساً للشيخ أبي مصعب السوري يقول فيه: (وقبل أن أشرع في هذا الموضوع ألفت النظر إلى أمر بالغ الأهمية والحساسية، وهو مسألة منهج إحقاق الحق، وإثبات المبادئ وأداء الشهادة على وجهها، حتى ولو تعلق الأمر بمعظَّم لدينا أو عند الناس، بحق أو بغير حق؛ فقد تلكأ وانكفأ أمام هذه العقبة الكؤود كثير من الأكابر قديماً وحديثاً؛ فإن أكثر الناس اليوم -بل ومن قديم الزمان- يستنكرون أن يوجه النقد أو يذكر النقص والخطأ في المعظمين عندهم، حتى ولو كان حقاً واقتضت الأمانة أو الشهادة ذلك، وكان فيها مصلحة للمسلمين.

والذي فهمته من منهج الكتاب والسنة، ومنهج السلف الصالح في استخلاص الدروس والعبرة من دروس الأخطاء التي تعرض في مسار البشر بمن فيهم كبار الصالحين بل حتى الصحابة هو عكس ذلك، والشواهد في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية، وما خصه العلماء في كتب الجرح والتعديل وكتب التاريخ والسير، أشهر وأكثر من أن يشار إليه، ولا أريد أن أخرج عن المقصد بهذه الشهادة بالتدليل على هذه البديهية من شواهد الكتاب والسنة وتراث علمائنا المجيد وهو مشتهر.

وكم وقفت متأملاً بإعجاب تعبير الأستاذ الشهيد المعلم سيد قطب -رحمه الله تعالى- عندما عبر عن ذلك بقاعدة ذهبية فقال: (إن تبرئة الأشخاص لا تساوي تشويه المنهج)، وكما عبر الإمام ابن القيم عن ذلك ببلاغة فذة عندما قال: (لولا أن حق الحق أوجب من حق الخلق لكان في الإمساك عن الكلام متسع). انتهى من كلامه.
ولعلنا نعتبر بقصص وتاريخ من كان قبلنا، ولعلنا نستفيد من التجارب والدروس والعبر، وهذا عام. فسيرة وتاريخ الجهاد والجماعة الإسلامية في الجزائر وما آل إليه الأمر لا بد للمجاهدين والداعمين والمناصرين أن ينظروا إلى ما آل إليه الحال بعبد الرحمن أمين والزيتوني، وما فعلته جماعتهم بالمجاهدين خاصة وبالمسلمين عامة، وما آل إليه حال المسلمين بسبب انحراف تلك الجماعة التي كرَّهت الناس الجهاد والمجاهدين، ولا زالت الحركة الجهادية تعاني حتى هذا اليوم من ذلك الأمر.
وعليه؛

فإن ما يجري بساحة الشام اليوم لا يقل بشاعة عما جرى في الجزائر؛ بل إننا نرى أن هذه الأحداث -على أقل تقدير- نسخة متكاملة عن الجزائر لكن مع بعض التحسينات؛ وإن من أكثر ما يؤلمنا في هذه الأحداث ما كنا نرى عليه إخواننا الأنصار في بداية الأمر؛ حيث كانوا يرون المهاجرين تاجاً على رؤوسهم؛ فزوَّجوهم وآووهم وأكرموهم، ولكن من خلال ما تقوم به جماعة الدولة من تكفير للمسلمين والمجاهدين خاصة واستحلال دمائهم وأموالهم وضربهم وعوائلهم بالسيارات المفخخة صار كثير من الأنصار بل السواد الأعظم منهم لا يحب المهاجرين، بل ولا يريد أن يسمع بكلمة مهاجر، وسبب ذلك أن جماعة الدولة تزج بالمهاجرين في حرب المجاهدين وتجعلهم في واجهة خصومتهم مع عوام المسلمين، ولقد ذكر الشيخ أبو مصعب شهادته على الجهاد الجزائري التي تعتبر بمنزلة التاريخ التحذيري من الانحراف عند الجماعات، وكذلك ذكر شهادته على هذه الأحداث الشيخ عطية الله الليبي تقبله الله، فعلى جميع المناصرين والداعمين للجهاد وطلبة العلم أن يتعظوا بما حصل بالجزائر، ولا يكونوا جزءاً من المشكلة بسبب جهلهم بالواقع والتاريخ، ومن جهلهم بالواقع عدم تصورهم لما يحصل من ظلم وطغيان وتكفير واستحلال للدماء بالجملة بالشبهات والحجج الباطلة.

وها هي جماعة الدولة تحكم بكفر الجماعات المجاهدة؛ حتى حكمت بذلك على جبهة النصرة، وأرسلت السيارات المفخخة والقنابل البشرية على المسلمين، بل ووصل الحال بهم إلى استهداف حتى عوائلهم حيث تم إرسال انتحاري إلى بيت الأخ (أبي معاوية) أمير جبهة النصرة في الحسكة شرق سوريا فقُتل بعض من في البيت، وكذلك فعلوا ببيت الشيخ أبي محمد فاتح أمير إدلب حيث قتلوه مع أخيه وزوجته وعدد من أطفاله الصغار الذين لم يتجاوز أحدهم عمر السنة، ولا زالت الجرائم تتكرر وتزداد.
ونسوق للسائلين والراغبين نبذة يسيرة من شهادة الشيخ المجاهد أبي مصعب السوري على الجهاد الجزائري حتى يقارنها الراغب بالحاصل في بلاد الشام، ليعلم أن التوصيف هو التوصيف، ومن ثَم فالحكم هو الحكم، وبإذن الله تكون العاقبة بالهلاك والزوال هي العاقبة، فقد قال -فك الله أسره- في شهادته:
(سيطرت أخبار الجهاد في الجزائر على عناوين الأخبار ووسائل الإعلام خلال تلك الفترة، وبرز اسم "الجماعة الإسلامية المسلحة" كأهم وأبرز التجمعات العاملة عسكريًّا في مواجهة الحكومة العسكرية، وبرز اسم أميرها الأول عبد الحق العيايدة الذي ما لبث أن اعتقلته السلطات المغربية أثناء سعيه لشراء السلاح في المغرب وسلمته للجزائر.

وخلفه أخ آخر لا يحضرني اسمه الآن بدقة ولعله جعفر الأفغاني، ثم قُتل -رحمه الله- بعد أن قطع أشواطاً هامة على طريق توحيد جميع الفصائل المسلحة، ثم خلفه مع مطلع (1993) أميرها الفذ أبو عبد الله أحمد الذي تحققت في عهده إنجازات كبيرة، رحمه الله.
- تصاعدت حدة العمليات العسكرية، واعتقل القاري سعيد في إحدى الهجمات الكبرى على قيادة القوات البحرية في الجزائر العاصمة، ثم فر مع أكثر من (700) سجين من سجن الجزائر العاصمة بعد عدة أشهر والتحقوا بالجبال.

وروى بعضهم -والله أعلم بالحقيقة- أن الاستخبارات الجزائرية سهلت عملية الهروب تلك لزرع عشرات الجواسيس وسط المجاهدين باعتبارهم فروا معهم!

وتابع القاري سعيد جهوده في توحيد الفصائل المقاتلة من جميع الفرقاء.. ثم قتل في ظروف غامضة -رحمه الله- أواخر (1994).

وفي هذه الفترة كان عنف الدولة كبيراً، ووصل لحد اغتيال مئات السجناء السياسيين من جبهة الإنقاذ ومؤيديها في سجن (سركاجي) أحد سجون العاصمة الجزائرية في واقعة واحدة!.
- مطلع (1993) كانت كافة الأصوات المؤيدة للجهاد في الجزائر تنادي المجاهدين بتوحيد الصفوف.

وفعلاً أدت جهوداً كبيرة قام بها العديد من القيادات المجاهدة في "الجماعة الإسلامية المسلحة" ومن القيادات المجاهدة لجيش الإنقاذ وشيوخ الجبهة الكبار، ولكثير من قيادات تلك الخلايا الجهادية المحلية؛ إلى حصول تلك الوحدة التي عمل لها الأمير الثاني للجماعة الإسلامية المسلحة ولم يرها لأنه قتل قبلها بقليل، رحمه الله.

وتولى أبو عبد الله أحمد قيادة الجماعة الموحدة، ونُشر شريط فيديو عن الاجتماع النهائي للوحدة، وكان في غاية التأثير. وابتهجت أوساط الجهاد في كل مكان وهم يرون مشهد بيعة شيوخ الجبهة من قيادات الجيش الإسلامي للإنقاذ (محمد السعيد وعبد الرزاق رجام وعبد القادر شبوطي وسعيد مخلوفي) لشاب في عمر أبناء بعضهم أميراً للجهاد الموحد باسم الجماعة الإسلامية المسلحة وهو أبو عبد الله أحمد، وأدت الوحدة إلى ازدهار الآمال بقرب الانتصار الشامل.
- فوجئ الجميع برفض أمير جيش الإنقاذ مدني مرزاق الوحدة ومعارضتها، ورفضه الاعتراف بما أقدم عليه كبار شيوخ الجبهة المجاهدين من توحيد الصفوف! وأعلن أنه لا يعترف إلا بقرارات الشيخين الأسيرين عباسي مدني وعلي بلحاج لمَّا يخرجون من السجن. وأصر على البقاء خارج الوحدة، ولكن عشرات الفصائل والجماعات الثانوية من مشرق الجزائر وغربه وولايات الوسط دخلت الوحدة وصارت الجماعة الإسلامية المسلحة تمثل أكثر من (95%) من المجاهدين المسلحين الذين صار عددهم بعشرات الآلاف مع حلول (1994) كما قيل.
- وقف النحناح وتنظيم الإخوان في الجزائر للمجاهدين بالمرصاد وشنوا عليهم حملة إعلامية عنيفة، وراح يتودد للسلطات بذلك، أما عبد الله جاب الله فقد ناوأهم هو الآخر ولكن بحدة أخف، ولم يتوانَ الاثنان عن تحميل جبهة الإنقاذ وشيخيها الفاضلين عباسي وبلحاج المسؤولية عن حمامات الدم التي تجري!
- قُتل أبو عبد الله أحمد هو الآخر في ظروف غامضة. وصدر بيان عن بعض أعضاء مجلس شورى الجماعة الإسلامية المسلحة بتولي أبو عبد الرحمن أمين قيادة الجماعة وتوالي البيعات له من قبل قيادات الفصائل. ولم يكن بوسع المؤيدين للجهاد في الجزائر في الخارج إلا أن يؤيدوهم ويدعوا لهم بالتوفيق وكان ذلك أواخر (1994) أو أوائل (1995).
- ومع تولي أبو عبد الرحمن أمين قيادة الجماعة بدأت بوادر تغير في منحى السياسات والبيانات والعمليات في الجماعة الإسلامية المسلحة، ومن ذلك:
1 - كثرة البيانات الصادرة عن الجماعة، وتصعيد المواجهة مع الشرائح المدنية والاجتماعية ذات العلاقة مع هيكل الدولة أو السلطة، وتوعدها بالقتل، مثل أجهزة الإعلام، بدءاً من الوزير ووصولاً إلى باعة الجرائد في الشارع. ومثل قطاع التعليم كذلك، وصولاً للأساتذة والمدارس والطلاب، وكذلك وزارة النفط وصولاً للعمال الذين يملؤون السيارات بالبترول! وهكذا.
2 - التجرؤ على إصدار الفتاوى باستحلال قتل النساء والأطفال من أسر العاملين في أجهزة الدولة.
3 - تصعيد المواجهة مع المليشيات المدنية المرتبطة بالحكومة واتخاذها هدفاً أساسياً.
4 - ارتفاع لهجة التكفير في الخطاب العام، وغير ذلك من هذه التوجهات الخرقاء.
- خلال سنة (1995) تداعت قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ اللاجئة في الخارج، وقيادات الأحزاب السياسية الإسلامية والعلمانية وحتى الشيوعية إلى مؤتمر برعاية الفاتيكان في روما لتشكيل تحالف سياسي يعرض حل أزمة الجزائر سياسياً، وأصدر المؤتمرون بياناً يدعو لحل الأزمة سياسياً ويدين العنف وينادي بالديمقراطية والعودة لمسارها!

ووقع على هذا البيان ممثلون عن جبهة الإنقاذ في الخارج وجماعة النهضة الإسلامية والنحناح وآيت أحمد وسعيد سعدي والشيوعية المناضلة (لويزا حنون) ، وبارك الفاتيكان راعي المؤتمر البيان وأيدته الأوساط السياسية والإعلامية في أوروبا.

وأصدر (رابح كبير) الذي أبرزه الإعلام بصفته رئيس (الهيئة التنفيذية لجبهة الإنقاذ في الخارج) بياناً مرفقاً برسالة نسبوها للشيخ علي بلحاج تؤيد قرارات مؤتمر روما هذا.

ولكن عناد الحكومة العسكرية أجهض تلك المبادرة الغريبة المشبوهة بتركيبتها ومكان انعقادها. وقد أرّخت في حينها لذلك المؤتمر بكتاب بعنوان: (ندوة روما في ظلال صليب الفاتيكان) وقد طبع ونشر في مكتبات لندن.
- أواخر سنة (1995) تجرأ أبو عبد الرحمن أمين وقياداته المنحرفة التي تدرجت في الإجرام على اغتيال الشيخ محمد السعيد والمجاهد عبد الوهاب العمارة وغيرهما من المجاهدين المنتمين لجماعة الطلبة والذين كانوا قد دخلوا بموجب الوحدة في الجماعة، وكانوا يطلقون عليهم اسم (جماعة الجزأرة) وهو لقب كان قد نبزهم به (محفوظ النحناح) انتقاداً لمنهجهم، فقتلهم أبو عبد الرحمن أمين بدعوى تحضيرهم للانقلاب على قيادته، وبدعوى الحفاظ على الهوية السلفية للجماعة بزعمهم، ومن هناك بدأت حقيقة الانحرافات عن مسار الجماعة تتكشف.
- ثم أتبع أبو عبد الرحمن أمين تلك الجريمة بإصدار كتاب بعنوان (هداية رب العالمين) على أنه (منهج الجماعة الإسلامية المسلحة) وقد حمل الكتاب من فنون الجهل وألوان التطرف والتكفير وقواعد الإجرام وقتل الأبرياء، مما جزم بالهوية المنحرفة الجديدة للجماعة في عهد أميرها هذا، ووضحت أبعاد الكارثة التي حلت بقيادة الجماعة المسلحة.
- ثم أتبع أبو عبد الرحمن أمين ذلك بتوجيه مقاتليه إلى المجازر الجماعية في المدنيين في القرى المجاورة لهم بدعوى أنهم انخرطوا في المليشيات الحكومية، فكفرهم واستباح قتلهم وسبي نسائهم على أنهم مرتدون!
- استغلت أجهزة الاستخبارات الجزائرية هذه الأجواء -التي تكشف فيما بعد أنها هي التي سعت إليها وأوجدتها- ودست العملاء في قيادة الجماعة التي ربما كان (أمين) واحداً منهم، وأتبعت ذلك كما -فيما بعد- كشف بعض الفارين من الجيش والقوات الخاصة ممن أجبروا على فعل ذلك أو شهدوه كي لا تضيع قصة تلك المأساة، فأتبعت الحكومة ذلك بتنظيم سلسلة من المجازر المروعة في المدنيين ولم توفر عجوزاً ولا امرأة ولا طفلاً ولا حتى حيواناً في تلك المجازر الوحشية التي جرت خلال (1996 - 1997) حيث شهدت الجزائر أهوالاً وبحوراً من الدماء، وصلت إلى قتل المصلين في رمضان وهم ينصرفون من أبواب المساجد بدعوى أنهم كانوا قد شاركوا في الانتخابات فارتدوا بذلك! وكانت أكبر المجازر تجري في المناطق المعروفة بنجاح جبهة الإنقاذ فيها في الانتخابات السالفة، وكان هذا بمثابة تصفية حساب من قبل الحكومة مع من اختاروا المشروع الإسلامي كما كشف هؤلاء الشهود بالوثائق المؤكدة لذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة بعد ذلك بعدة سنوات.
- وقد عرضت قناة الجزيرة بعض المقابلات بالغة الأهمية في هذا المجال، ونشر بعض أولئك العسكريين شهاداتهم في كتب طبعت في فرنسا وأصبح الأمر الآن واضحاً.
- ومع تكشف الحقيقة والتوجه الإجرامي والمنحرف للقيادة الجديدة للجماعة الإسلامية المسلحة؛ انفض عنها المؤيدون في الداخل والخارج. وأصدرت الشخصيات والجماعات الجهادية البارزة التي أيدت الجماعة المسلحة خلال مسارها بيانات عديدة بذلك، وكنت من أوائل من وقف ذلك الموقف وندب الناس البراءة من قيادة الجماعة الإسلامية المسلحة كما سأشير لذلك في الفقرة التالية بشيء من التفصيل إن شاء الله.
- كما بدأت الكتائب والفصائل الجهادية في الداخل تنفض عن قيادة أمين لتنغمس أكثر فأكثر في حمامات الدم المروعة المخزية، ثم اشتعال القتال بين الجماعة وبعض تلك الفصائل المنفصلة عنها.
- أواخر (1996) قتل المجاهدون من (جماعة جبل الأربعاء) كما كانوا يسمون، وهم من جماعة الشيخ محمد السعيد رحمه الله؛ قتلوا أبا عبد الرحمن أمين وأراحوا الدنيا من شروره، ليتولي بعده سفاح أكثر إجراماً منه قيادة الجماعة الإسلامية المسلحة وهو المدعو عنتر الزوابري الذي تابع مسلسل الإجرام ولكن بعد أن ضعفت الجماعة وقلت إمكانياتها، واستمرت في منهجها بعد أن عزلت في مناطق محدودة، إلى أن قتل هذا الأخير سنة (2003) فيما بعد في العاصمة الجزائر.
- مع تشرذم المجاهدين وتقسمهم، وبعد انفضاض الناس عنهم وزهدهم بالمشروع الجهادي بل والإسلامي؛ وصلت المخططات الاستخبارات الجزائرية والخارجية إلى مبتغاها من سيناريو المجازر الذي خططت له. فأطلقت برنامجاً للاستسلام بدعوى العفو عن المسلحين الذين يلقون سلاحهم، وكان جيش الإنقاذ بقيادة مدني مرزاق أول المستجيبين لما عرف بنداء (الوئام الوطني)، وتبرع عدد من علماء المسلمين في الخارج من أمثال ابن باز وابن عثمين والألباني ليدعموا نداء الدولة للاستسلام، وخرج الألباني بآخر فتاويه قبل أن يتوفى سنة (2000) ليعلن أن أحداث الجزائر أكبر شاهد على ما ذهب إليه من قوله: (إن الخروج على الحكام في هذا الزمان هو في حقيقته خروج على الإسلام ذاته)!
- واختلط الحابل بالنابل في ساحة الصحوة الإسلامية كلها بسبب التجربة الجهادية الجزائرية، لتصبح شاهداً لكل من يريد أن يدلل على رأيه في فشل خيار الجهاد! وليصبح النموذج عبرة لمن يعتبر بعد أن نجحت الاستخبارات الجزائرية ومن ساعدها من المخابرات العربية والخارجية ومشاركة حثيثة من وسائل الإعلام العربي بهدم الحاجز بين مفاهيم الجهاد وبين أفكار التكفير والإجرام والمجازر وحمامات الدم!
- خلال عام 1998 وما بعدها تتابعت الأحداث في الجزائر وكنت قد غادرت (لندن) إلى أفغانستان، حيث لا يمكن مواكبة الأخبار والأحداث كما يجب في ظل عزلة شبه تامة عن وسائل الإعلام، بالإضافة إلى ابتعادي عن ملف تلك القضية ومتاهاتها بسبب الدوار العظيم الذي تسببت لي به.
ولكن ومن خلال المعلومات التي بلغتني من بعض المجاهدين الجزائريين الأفاضل ممن لاذوا بأفغانستان في مرحلة طالبان، ومن خلال متابعتي بحسب الممكن لوسائل الإعلام وبعض المهتمين بهذه القضية، وما اطلعت عليه من بعض البيانات التي صدرت بعد ذلك ووصلتنا؛ فقد بدا أن الغالبية الساحقة من المسلحين والمجاهدين قد نزلوا من الجبال بفعل ما سمي بمشروع الوئام الوطني، وبقيت مجموعات هنا وهناك في الجزائر تريد متابعة المواجهة مع النظام الذي خرج يباهي بانتصار باهر على الإسلاميين والجهاديين). انتهى كلام الشيخ أبي مصعب ذكره الله بالخير.

فأقول بعد هذا موجهاً خطابي لمن يناصر جماعة الدولة:
تأمل حال هؤلاء المذكورين، وانظر إلى ظلمهم وبغيهم، وكيف كان بعض الناس يتأولون لهم ويحسنون بهم الظن حتى آل بهم الحال إلى البوار والهلاك والخسران عياذاً بالله. ووالله ليأتين اليوم الذي يندم فيه كل من ناصر جماعة الدولة -كما ندم كل من ناصر الجيا في الجزائر- ولو بكلمة أو حرف، وسيظهر للقاصي والداني انحراف تلك الجماعة، فليراجع كل امرئ نفسه، وليبرئها أمام ربه عز وجل قبل أن تعمى بصيرته؛ إما بذنب وإما بتقصير، والله على كل شيء حسيب.
ويتابع الشيخ أبو مصعب السوري ذاكراً حال خوارج الجزائر:

(إن مشروع نزولي قد ضاعت فرصته الأساسية وحزنت في حينها لأحمد الله على ذلك فيما بعد؛ إذ لم يمر إلا وقت قصير بعد ذلك حتى قُتل أمير الجماعة الراحل أبو عبد الله أحمد الذي قصدت النزول إليه، ليخلفه ذلك البلاء المبين أبو عبد الرحمن أمين ويسير بالجماعة في المتاهات التي سبقت الإشارة إليها، ويقتل كل من عارضه من المجاهدين الجزائريين وغيرهم، كما فعل بمجاهدي الجماعة المقاتلة الليبية رحمهم الله. ويبدو أن الله صرف عني وعن غيري من الجهاديين الذين استعدوا لنجدة الجهاد في الجزائر مرارة رؤية ذلك الشرير وعصابته المجرمة.
- بدأ المسؤول عن خلية لندن يماطلني في مشروع النزول للجزائر، وبلّغني طلب أميرهم الجديد أن نهتم بمعاونتهم في مجال الإعلام، ولم يصارحني إلا بعد مدة طويلة بأن (أمين) قد أبلغه منذ البداية إلغاء عملية نزولنا، ورفض نزول كافة الجهاديين من غير الجزائريين. وعلمت فيما بعد من بعض المجاهدين الذين نجوا وخرجوا من تلك المأساة أن كتاباتي ومنها كتاب (التجربة الجهادية في سوريا) وبعض محاضراتي من تراث أيام أفغانستان كانت معتمدة في منهاج التربية في (الجماعة الإسلامية المسلحة) منذ قيامها، بالإضافة لكتب سيد قطب -رحمه الله- وأدبيات جماعة الجهاد المصرية. ولكن أبا عبد الرحمن أمين أصدر أمراً بجمع كل تلك الكتب وإحراقها ومنع تداولها باعتبارها تقوم على (الفكر)، و(الفكر) عندهم بدعة وصل حكمها لحد القتل سياسة! كما فعلوا مع بعض المجاهدين من الجزائر وغيرها. كما أصدر أمين بعد مدة رسالة يرد فيها على الدكتور أيمن الظواهري نصائحه المنهجية ويرد على أفكار سيد قطب، رحمه الله. واعتبر أمين أفكار مدرستنا الفكرية الجهادية بل مجمل أفكار الصحوة الإسلامية بدعاً تخالف مبادئ (العقيدة السلفية) بحسب فهم ذلك الرجل الذي كان يحمل أفكاراً قريبة من الفكر السلفي الجامي المدخلي، ونظرته نحو مدارس الصحوة الإسلامية والمذاهب الإسلامية أيضاً، وقد جمع إلى ذلك الجهل والإجرام القدرة لأنه مسلح، وعلمت فيما بعد أنه كان (بائع دجاج) قبل توليه إمارة الجماعة الإسلامية المسلحة! وهذا أحد الألغاز في تلك المرحلة!) انتهى كلامه أثابه الله.
ولك أن تتعجب من وجه الشبه بين قادة جماعة الدولة، وبين قادة الجيا بالجزائر حيث كثر القتل والتصفية للمخالفين، وكذلك منع كتب المصلحين. وكذلك فقد أصدر عبد الرحمن أمين رسالة يرد فيها على الشيخ الدكتور أيمن الظواهري نصائحه المنهجية؛ فما أشبه الليلة بالبارحة، وكأن التاريخ يعيد نفسه حذو القذة بالقذة، ولقد قامت جماعة الدولة بتصفية قادة الجماعات المجاهدين كما فعلت الجيا بالجزائر.
وعندما قتلت جماعة الدولة الأخ أبا سعد أمير جبهة النصرة في الرقة؛ تبرأت من خطفه، وتبنى الأمر قنوات النصيرية وبشار الأسد على التلفاز، ثم بعد ذلك أعلنت جماعة الدولة تبنيها لمقتل الأمير أبي سعد وأنه مرتد، عياذاً بالله. وفي مقارنتنا جماعةَ الجيا الجزائرية بجماعة الدولة؛ نجد الجيا قد قتلت الشيخ سعيد والشيخ رجام وهم من شورى الجماعة، ثم أعلنوا -كذباً وزوراً- أنهم قُتلوا بكمين للجيش المرتد، واليوم تقتل جماعة الدولة الشيخ المجاهد أبا خالد السوري، ثم ينكرون قتله ويقولون: (لم نأمر بذلك، ولم نُستأمر!) ، ولا يختلف اثنان من عقلاء الشام أن طريقة قتله بإرسال الانغماسيين والانتحاريين لا يقوم بها غير الغلاة من جماعة الدولة، وسيأتي اليوم الذي يعلنون فيه تبنيهم مقتل هذا الشيخ، وقد زل بها لسان متحدثهم الرسمي (زوابري الشام) العدناني تلميحاً في رده على الشيخ أيمن الظواهري في كلمته (ما  كان هذا منهجنا)، فتتكرر حادثة الشيخ أبي سعد الحضرمي؛ حيث أنكروا قتله ابتداءً ثم تبنوا ذلك وتفاخروا به.
وقد قال الشيخ أبو مصعب السوري:
(علمت بأن قيادة الجماعة قد أبلغت إدارة الأنصار بأن الخبر كاذب، وأن الشيخ السعيد والشيخ رجام وبعض إخوانهم قتلوا في كمين للجيش وهم تحت راية الجماعة ووحدتها، فطلبوا من أبي قتادة أن يصدر بياناً بذلك ريثما يهيئون بيانهم، ففعل ما طلبوه منه، وأثنى على الشيوخ الشهداء وترحم عليهم، وأظن أن ذلك كان في أحد الأعداد برقم (130) أو قبله أو بعده بقليل، وأخبرته في حينها بأن هذا لا يعني شيئاً، وأنه كان عليه أن يطالبهم بالنفي ببيان رسمي باسمهم.
- بعد ذلك بفترة وجيزة فاجأت الجماعة نشرة الأنصار بإرسال بيان تتبنى فيه قتل الشيخ (محمد السعيد) ورفاقه!! وزعمت أنهم كانوا بصدد انقلاب واتصالات بالحكومة للعودة إلى المسار الديمقراطي، وتهم أخرى في المنهج والبدع.. و.. و.. وطلبوا من نشرة الأنصار نشر بيانهم بحذافيره في الحال، وأنهم سيرسلون إلى لندن تفاصيل محاكمتهم واعترافاتهم لاحقاً..!! وأسقط في يد أبي قتادة، وألجمت الدهشة جميع مؤيدي الجماعة المسلحة في لندن) انتهى.
وكذلك فعلت جماعة الدولة حينما صرح قياديوها بأن أبا سعد الحضرمي أمير جبهة النصرة في الرقة سرب معلومات عنهم، والصحيح أنهم قتلوه لأنه تركهم واستجاب لأمر أميره الشيخ الظواهري بالرجوع لجبهة النصرة حيث تعتبر هي ممثل قاعدة الجهاد ببلاد الشام.

وليست حادثة قتل أبي سعد الحضرمي بحادثة غريبة فقد قُتل -مثله- من القادة على يد جماعة الدولة عشرات عرفهم القاصي والداني؛ ففي العراق تم قتل العشرات من قادة تنظيم القاعدة الأوائل على يد جماعة الدولة بتهمة الخروج على الجماعة، فتم قتل الشيخ عبد الكريم الباز، وعبد العزيز العامري، والدكتور فراس الحطاب، وأبا بكر السبعاوي، وصالح العيسى، وشيخ  طعمة العزاوي، وغيرهم الكثير من مجاهدي العراق وقادتهم من أبناء التنظيم ومن بايعهم من الجماعات.
ولقد تكرر المسلسل اليوم بالشام، وظنوا أن الله عز وجل تاركهم في غيهم يعمهون، واستمرت السياسة المنحرفة لهؤلاء الغلاة، ولكن الله عز وجل قد رد كيدهم في نحرهم، وأبطل سعيهم، وإنا لنرى أن هذا من بركات الشام التي جعلها الله كاشفة للمارقين، وإن من بركات الشام أن جعلها الله فاضحة للناس يوم الحشر على رؤوس الأشهاد، ولقد ورد في الأثر: (الشام أرض المحشر) فجعل الله لأرض المحشر نصيباً في الدنيا لفضح الكثيرين، والله غالب على أمره.
ومن المناسب هنا الإشارة لمسألة توضح الفرق بين من يترك الكفر وبين من يتركه الكفر، فإنا نرى بعض الناس لا يقبلون توبة من ترك الكفر، ولكنهم -لحاجة في نفوسهم- يقبلون توبة من تركه الكفر، فينكرون مثلاً على من كان بالجيش السوري وتركه تائباً لله، وعلى من كان بالجيش السعودي وتركه، ومن كان بجيش المالكي وتركه، بينما من تركه الكفر كالذين في جيش صدام من الضباط والعسكريين ينبغي الاحتياط منهم وعدم تسليم زمام القيادة لهم؛ لأن توبتهم لم تكن اختيارية بل قدرية كونية؛ حيث أنهم سقطوا مع طواغيتهم الذين كانوا يشركونهم مع الله. وأذكر أن أخاً لنا في سجن أبي غريب تكلم في هذه القضية، وقال: إن الذين كانوا بالجيش العراقي لم يتركوا الكفرَ بل الكفرُ تركهم، وكان الأخ متأولاً في كلامه، وهو من طلاب العلم، ثم إن كلامه هذا وصل للمتنفذين داخل جماعة الدولة؛ فظنوا ذلك تهمة لهم -وهي كذلك- حيث إن أغلب قادتهم من أكابر ضباط النظام البعثي ومخابراته وفروعه الأمنية والحرس الجمهوري والحرس الخاص.

فتم نقل هذا الكلام لأبي بكر السامرائي البغدادي فأمر بقتله وقتلِ كل من يؤيد هذا الكلام؛ فعندما اشتهر الأمر بقتل هؤلاء الإخوة -وكلهم من المجاهدين أبناء الدعوة السلفية- ولهم ثقل قَبَلِي حصلت ضجة كبيرة في بغداد والموصل وصلاح الدين، مما أجبر أبا بكر البغدادي أن يتراجع عن أمره بقتلهم، وكان من الذين تدخلوا في حل هذه المسألة وإنهائها الشيخ أبو محمد الجولاني، حيث رقع لتلك الجماعة في تلك المرحلة ظناً منه أنها ستصلح ما فيها من خلل -غفر الله له- كما نقل لي الكلام أكثر من أخ من قادة الجهاد العراقي.
يقول الشيخ عطية الله -تقبله الله وطيب ثراه- عن تجربة الجزائر:

(وسأذكر لكم بحول الله تعالى أنه بالفعل كاد وأوشك أن يقع المظنون من هزيمة الدولة وانهيارها وزوالها بالكامل، لولا الأقدار السابقة التي تمثلت في الانتكاسة التي حصلت، وهي كما أشرت -ويأتي شرحه إن شاء الله- انتكاسة داخلية ذاتية من داخل الصف الإسلامي نفسه، فليست هي هزيمة من العدو بقوته أو شطارته، ولا هي نتيجة لضعف المسلمين ولا قلة عددهم وعُدّتهم كما يظنه بعض من لا يعرف، ولا حول ولا قوة إلا بالله) انتهى.
وذكر -رحمه الله- أن هؤلاء المارقين لم يكتفوا بما عندهم من خلل وانحراف في مسائل التكفير والاعتقاد والقتل بغير حق، بل صاحب ذلك باباً آخر من السوء والانحراف (وهو: أزمة الأخلاق، فكانت تلك الطبقة المشار إليها، وهي الطبقة المؤثرة وصاحبة النفوذ سـيئة الأخلاق ولا تمثل الإسلام تمثيلاً مشـرفاً؛ العنف والشدة والغلظة في التعامل مع الناس، افتقار في جوانب الرحمة والشفقة على الخلق والعفو عن الزلات، وقلة احترام لذوي الفضل، مع مجموعة من الأمراض القلبية والأخلاقية الأخرى كالعجب والغرور والتعالي، نسأل الله العافية والسلامة) انتهى باختصار.
وقال مؤكداً هذا الخلل: (وجماع ذلك كله: أزمة القيادة، فرغم كل ما ذكرناه وما لم نذكره، فإن قواعد الحركة الجهادية (الجماعة الإسلامية المسلحة) وعموم أفرادها العاديون كانوا أهل خير، رغم كل النقص ورغم الأمية الضاربة أطنابها فيهم، ورغم ضعف الثقافة والعلم وغير ذلك، إلا أنهم كانوا خيراً من القيادة؛ فقد كانت القيادة هي الشـر وهي الفاسدة المفسدة، بدل أن تربّي الناس على الخير علّمتهم الشـر وجعلتهم جهالاً ونشـرت بيـنهم الضلالات) انتهى.
قلتُ: انظر رعاك الله إلى ما تفعله جماعة الدولة؛ حيث ربت أفرادها على استعداء أهل السنة، والحكم عليهم بالفسق والكفر، كما ذكر ذلك المنشقون عنهم، ومنهم -مثالاً لا حصراً- المنشق من تلك الجماعة الناجي منهم: أبو الهتون المكي -الذي آوته جبهة النصرة-: (ولقد ربونا على أننا عندما نخرج للأسواق نرى جميع الناس كفاراً)، وقد ظهر لنا عياناً وبالشهادات المتواترة أن تلك الجماعة لا تختلف شيئاً عن الجماعة الإسلامية في الجزائر "الجيا"، بل زاد غلوها عنهم بمراحل، ولا زالت تنحرف أكثر وأكثر.. خارجية ولا عليَّاً لها!
ومن الأدلة على ذلك أيضًا:

أن الإخوة المجاهدين في جبهة النصرة قد التفوا على بعض المهاجرين المقاتلين مع جماعة الدولة ضد المجاهدين في دير الزور، فتفاجأ المهاجرون بوجود جبهة النصرة وأقسموا أيماناً أنهم لم يكونوا يعلمون أنهم يقاتلون الجبهة؛ لأن قيادتهم قد ذكرت لهم أنهم يهاجمون الحزب العمالي الكردستاني (البككة).

وجزء لا بأس به من هذه الشهادات قد وُثقت ونشرت على الشبكة، وما زال بعضها موجوداً لدى جبهة النصرة، وقد ثبتت مثل هذه الأفعال حتى مع من يرسلونهم ليفجروا أنفسهم في المجاهدين كما فعلوا مع أبي البراء الجوفي، وأبي طلحة الجداوي وغيرهما.
ووالله الذي لا إله إلا هو إن هذا لا يصدر عن مسلم يتقي الله، بله مجاهد يبتغي رضوان ربه ويخشى الآخرة!
إن من أعظم الانحراف الحاصل عند جماعة الدولة أنها تقرب إليها من يؤيدها وينصر فكرتها، ولو لم يسجد لله سجدة واحدة؛ فتقرب كل من والاها ويقر ببيعتها فاسقاً كان أو صالحاً، طائعاً أو عاصياً، فنعوذ بالله من الهوى والآراء السقيمة التي تفعل أفاعيلها بالرجال من التعصب للهوى والتحزب المقيت، فالكذب يهدي إلى الفجور، وإن هذه الأفاعيل لهي من أعظم الفجور المشاهد لكل ذي عينين.
وقد قال الشيخ عطية الله عن خوارج الجزائر:

(واشتهر عندهم في ذلك عبارات مثل: "ما كاش العاطفة في الجهاد" ، و"تغلط اتخلّص" وعبارات كثيرة، هي وإن كانت لها معنى صحيح بوجهٍ من الوجوه وفي حال من الأحوال إلا أنها لم تكن كذلك في الواقع إلا نادراً، بل كانت تعبّر عن مفاهيم وأخلاقيات ترسّخت في هؤلاء وصارت منهجاً لهم! حتى لقد كان من بعض أبلغ ما يذمّون به مَن يسمّونهم بالجزأرة والمبتدعة أنهم "عندهم العاطفة" ويقصدون بذلك ذمّهم بالعطف على الناس ورحمتهم والشفقة عليهم وتأليفهم وغير ذلك، وكان هؤلاء (الطبقة المشار إليها من الجماعة ومن دار في فلكهم) لا يبالون بالناس (الشعب) ويعيبون من يتكلم في تأليف الناس وعدم تنفيرهم ونحو ذلك!) انتهى.
قلتُ: قارن بالله عليك بين تلك الجماعة -أي جماعة الجيا الجزائرية- وبين جماعة الدولة؛ حيث أنهم ينتقدون جبهة النصرة لأجل اهتمامهم بعامة الناس، ويستهزئون بالحاضنة الشعبية، وصدق في أهل البدع قول الله: ﴿تَشَابَهَت قُلُوبُهُم﴾ فدائماً ما تجدهم يتوافقون في كل زمان ومكان، وإن كبتوا سريرتهم فلا بد أن يكشفهم الله تعالى، ولقد نقلنا أقوال الشيخ أبي مصعب السوري والشيخ عطية الله لأنهم من رحم الحركة الجهادية، وقد شهد لهما القاصي والداني بالعدل والإنصاف، وها نحن أولاء نعيد رسم الصورة فقط، ونبين للأمة كافة أن الذي تغير هو الأسماء فقط، أما الأفعال والصفات والاعتقادات والمناهج فهي هي سواء بسواء.
وقد ذكر الشيخ عطية الله الليبي -تقبله الله- أسباب فشل الجهاد الجزائري، فقال رحمه الله وطيب ثراه:
«فأهم أسباب الفشل ما يلي:
1- ضعف وخلخلة المنظومة الفكرية والمنهجية الجهادية في تلك الفترة في الجزائر، وهذا الضعف يظهر في عدة صور، مثل: الفوضـى الفكرية والعلمية، ونقص في "المرجعية" أو القيادة العلمية، وقلة الكادر العلمي الجهادي المؤهّـل، وتبايـن واختلاف شديد في تصورات وأفهام النافريـن للجهاد؛ فقد جمع الصف الجهادي أنواعاً من المتشدديـن والمتنطّعيـن وبعض الغلاة أيضاً في التكفير وغيره، مع المتساهليـن إلى درجات مذمومة أحياناً، في حيـن كانت الغالبية طبعاً هم من عوامّ الناس.
هذا الجمع في حد ذاته وبمجرّده ليس عيباً ولا خطراً؛ فإننا لا نشترط النقاء الكامل في جيوش الإسلام وصفوف المجاهديـن، ولا يمكن هذا عملياً أيضاً، وغالب جيوش الإسلام بعد عهد الصحابة والتابعيـن كانت هكذا كما ذكره العلماء! إنما الخطر جاء من جهة عدم وجود قيادة علمية محورية قوية يجتمع عليها الناس، ولذلك كان هناك تناقضات كبيرة في الصف فكرياً ومنهجياً من البداية كانت تنذر بشـر، ومع قلة القيادة العلمية كما قلنا تحقق الضـرر.
وكانت السمة العامة الغالبة على القوى المؤثرة في الحركة الجهادية (القيادات العليا والوسطى وما قاربهم) هي: السلفية التي تربّت في جوّ دعويّ يـنحو مناحي غير متّزنة في مفاهيمه وأفكاره؛ فكانت هناك مفاهيم مغلوطة كثيرة، عن الفقه والشـريعة والسنة والبدعة والكفر والإيمان ومسائلهما، وعن العلماء والجماعات، وغير ذلك.
بالجملة كان هناك مسحة من التشدد، بل والتنطع والغلو في الديـن في كثير من الكتائب والمناطق؛ هذا عشناه وعانيـناه كثيراً، والأمثلة لا تعوزني، والمقام لا يسع للتطويل هنا.
فعلى سبيل المثال: تكاد تكون أحكام الشـرع بل الديـن انحصـر في فهم كثير من المشار إليهم (القوى الفاعلة في وسط المجاهديـن من القيادات الكبرى والوسطى وحتى كثير من القيادات الدنيا ومَن دار في فلكهم) في لفظيـن أو ثلاثة ألفاظ: سُنَّة، وبدعة، ومنهيّ عنه! فأنت لا تكاد تجد في أفهامهم إلا: الشـيء الفلاني سُنة، الشـيء الفلاني بدعة، الشـيء الفلاني منهيّ عنه، وفي كثير من تفاصـيل ذلك أخطاء وأغلاط لا تحصـى، جهل وضعف!
حتى إن الإنسان كان لو قال: الشـيء الفلاني مكروه، أو مستحب مثلاً؛ كان يلاقي الكثير من الاستنكار! وكثير من الأشـياء اعتبرت عندهم سُنة (بمعنى السُّنة في مفهومهم بدون تفصـيل على مقتضـى الفقه) وهي في حكم الشـرع لها درجتها التي قد تكون الإباحة والجواز فقط! ولسنا ننكر إطلاق لفظ السنة على مثل هذا باعتبار وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما المقصود أنهم يجعلونه هو الديـن وهو ضد البدعة، وتاركها مبتدع أو لا يحب السنة وما قارب ذلك، حتى جعلوا أشـياء كثيرة من السنن (بمعناها عند الفقهاء وهي المستحبات) جعلوها في منزلة الواجبات والفرائض ووالوا وعادوا عليها وصنّفوا الناس على أساسها هي أكثر من غيرها، مع أن قصاراها أن تكون جزءاً صغيراً من العمل الصالح الذي يـنبغي أن يقوّم الإنسان بمجموعه، فربما تجد الرجل فيهم مقصـراً في الفرائض فلا يلتفتون إلى ذلك ما دام يطبق السنة ويحب السنة -زعموا- بحرصه على تلك السنن (باعتبار أنها سنة في الأصل حقاً، مع جهلهم هم بالتفاصـيل) التي أشـرنا إلى أمثلتها.
من أجل ذلك اختفى عندهم تقويم الناس بالألفاظ الشـرعية الواردة في لسان الشـرع كالتقوى والصلاح والإيمان والإحسان ونحو ذلك، واستبدل أكثرهم بها ألفاظاً أخرى كبعض ما ذكرناه مثل: يحب السنة، وعكسه لا يحب السنة، وسلفي وغير سلفي وما شابه ذلك، لكن عمومهم لا يعرف الأحكام الشـرعية الفقهية إنما يعرف أن الشـيء الفلاني "سُنة"، وانطبع في مفهومهم أن هذه السنة ضدّها (أي عدمُها والخلو منها) هو بدعة!
ولهذا كان أولئك القيادات يتسابقون في "تطبيق السنة"، "الالتزام بالسنة" ويتفاخرون بذلك! ويمدحون الإنسان إذا مدحوه بأنه "خونا سلفي"، "ملتزم بالسنة"، "يطبق السنة"، ويذمّون آخريـن من الأشخاص أو من الكتائب بأنهم "لا يحبون السنة"، "ماشـي سلفية" [ليسوا سلفية] ونحو ذلك! لاحظ عبارة: "لا يحب السنة"!
الشخص الذي لا يعرف الواقع عندما يسمع هذا الكلام من بعيد، قد يظنه عادياً لا بأس به، أو حتى جيداً، ومَن الذي لا يمدح الالتزام بالسنة والعمل بها؟! سبحان الله! لكن عند التحقيق وبالنسبة للعائش في ذلك الوسط فإن الواقع شـيء آخر مختلف.
كثيراً ما تجد هذا الذي مدحوه بالسلفية وبأنه ملتزم بالسنة ويطبق السنة.. الخ، هو رجل سـيئ الأدب والأخلاق قليل الديـن قليل التقوى فاتر في العبادة، جاهل قليل الفهم للديـن والشـريعة.. الخ، وأشـياء غريبة من المساوئ والأمراض مجتمعة فيه! طيب.. لماذا مدحوه؟
لأنه يحرص على العمامة لدرجة أنه يجعل لبسها كالواجب المفروض! ويـنكر على مَن لا يلبسها، ولأنه يرفع إزاره أكثر من غيره (مع أن الجميع يرفعون الرفعَ الواجب شـرعاً) ولأنه يكثر من الاكتحال وأشـياء من هذا القبيل، ولأنه يكثر من سب "المبتدعة" و"الإخوان" و"الجزأرة" وفلان وفلان..! هذا الشـيء كان طاغياً في سنة خمسة وتسعيـن على سبيل المثال، وهي سنة الذروة بالنسبة للعمل الجهادي العسكري. هذا الشـيء يمكن أن يوجد جنسه وآحاده في أي ساحة دعوية أو جهادية وفي أي زمان، لكن هنا في الجزائر كان طافحاً جداً لدرجة الظاهرة والسمة الغالبة.

تطوَّرت هذه المفاهيم المغلوطة والخاطئة حتى وصلت إلى مستويات قبيحة وفظيعة جداً على يدي الكتيبة الخضـراء "كتيبة زيتوني" ثم على يد الجيا في زمن عنتر فيما بعد.
الخلاصة: التشدد والغلوّ في الديـن والتنطع، وقد قال نبيـنا صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطّعون).
حضـرتُ جمال زيتوني في أوائل سنة ستة وتسعيـن بعد قتلهم للشـيخ محمد السعيد وصاحبه عبد الرزاق رجّام، وفي الفترة التي كانت الجماعة تدّعي فيها أنهما سقطا في كميـن، ولمّــا تعلن وتتبنّى بعدُ قتلهما، حضـرته وقد جاء يزور المنطقة الثانية، فمرّ عليـنا في أحد المراكز الكبيرة، وحضـر معه كتيبته الخضـراء على رأسها عنتر، وكان حطاب وجماعة من أعيان منطقته حاضـريـن، بعد صلاة العصـر اجتمع عليه الشباب وقوفاً متحلّقيـن حوله وتحدّث معهم قليلاً.
لم يسأل عن صلاتهم ولا طهارتهم ووضوئهم وغسلهم، ولا عن سائر عبادتهم، ولا تفقد أخلاقهم، ولا استكشفَ فهمهم لمسائل الديـن والدنيا..! إنما سأل فقط عن "السنة"!! وأشار إلى أمير المركز سائلاً إياه: أيـن عمامتُـك؟
فطفق أمير المركز يحلفُ أنه كان له عمامة لكن ضاعت، وأنه وصـى الإخوة يحضـرون له قماشًا ولحد الآن لم يحضـروا وأنهم وأنهم، واحمرّ وجه المسكيـن، والله لكأنه كان متلبّساً بجريمة كبيرة! هذا حصل أمامي.
المفارقة أنهم كانوا (أغلب المجاهديـن في تلك الكتيبة، وكثيرٌ من غيرها) في تلك الفترة وفي ذلك المركز وغيره يتيمّمون مع وجود الماء ومع موفور الصحة والعافية، الماء أمامهم يسـيل نهراً، فلا يغتسلون من جنابة ولا يتوضؤون لصلاة، من أجل فتوى انتشـرت بيـنهم تقول بجواز التيمم لواجد الماء القادر على استعماله ما دام مسافراً، أي وهم مسافرون يقصـرون الصلاة فلا يحتاجون إلى سبب آخر غير السفر لإباحة التيمم. وقد بذل بعض طلبة العلم جزاهم الله خيراً جهداً في بيان هذا الخطأ والتحذير منه، حتى زال شـيئاً فشـيئاً، وإنما تمسّك به معظم من آل به الخيار إلى البقاء مع الجيا، وانتهى معهم، والحمد لله.
وهذا كما انتشـرت بيـنهم فتوى بعدم صوم رمضان لا أداءً ولا قضاء حتى تقوم الخلافة!
وفتاوى أخرى من هذا الطراز..
وكان يتبنّى ذلك رجالات الجماعة الأقوياء المتنفذون المتنطعون بما فيهم مَن يسمّون بالضباط الشـرعييـن! قد يظن البعض أن هذه أشـياء فردية؛ فأقول له: ظن ما شئتَ، أما أنا فقد عشتُ ورأيتُ! ومَن أراد الاستفادة فإننا نحكي له ونُتعِب أنفسنا من أجله، والحاصل أن هذا الخلل والفقر الفكري والمنهجي والعلمي كان من أسباب الفساد والفشل، وهو سبب ذاتيّ.
ورافقه سبب خارجيّ، وهو خذلان العلماء لهم في الداخل والخارج، ومصـيبة عدم نفير العلماء للجهاد وتقاعسهم وقعودهم حتى سبقهم مَن ليس مؤهّلاً للقيادة.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
2- ما سبق أيضاً يتداخل ويترافق مع شـيء آخر وهو: أزمة الأخلاق.. فكانت تلك الطبقة المشار إليها، وهي الطبقة المؤثرة وصاحبة النفوذ سـيئة الأخلاق ولا تمثل الإسلام تمثيلاً مشـرفاً؛ العنف والشدة والغلظة في التعامل مع الناس، افتقار في جوانب الرحمة والشفقة على الخلق والعفو عن الزلات، وقلة احترام لذوي الفضل، مع مجموعة من الأمراض القلبية والأخلاقية الأخرى كالعجب والغرور والتعالي..! نسأل الله العافية والسلامة.
وهذا كله كان في سنة خمسة وتسعيـن، أيام زيتوني وقبل مقتل الشـيخ محمد السعيد، وبدء انهيار الجماعة وانشطارها عملياً وانتهائها، أما بعد ذلك أي بعد ما عُـرف بــ"مرحلة الخروج" وهي مرحلة خروج الكتائب المتعددة على الجماعة بعد مقتل الشـيخ محمد السعيد؛ فإن الجماعة (الجيا) صارت أكثر غلواً وتنطعاً وفساداً بما لا يقاس بما ذكرتُه هنا، حتى آل الأمر إلى أن كفروا الناس كلهم واستحلوا دماءهم وأموالهم وأعراضهم وصاروا خوارج بلا شك!
3- وجماع ذلك كله: أزمة القيادة.. فرغم كل ما ذكرناه وما لم نذكره، فإن قواعد الحركة الجهادية (الجماعة الإسلامية المسلحة) وعموم أفرادها العاديون كانوا أهل خير، رغم كل النقص ورغم الأمية الضاربة أطنابها فيهم، ورغم ضعف الثقافة والعلم وغير ذلك، إلا أنهم كانوا خيراً من القيادة، فقد كانت القيادة هي الشـر وهي الفاسدة المفسدة، بدل أن تربّي الناس على الخير علّمتهم الشـر وجعلتهم جهالاً ونشـرت بيـنهم الضلالات.
وأعني بالقيادة هنا: القيادة في عهد جمال زيتوني وأبي عبد الرحمن أميـن؛ هذه القيادة الجاهلة المتنطعة الضالة قرّبت كل مَن هو من جنسها من أهل الغرور والجهل والتنطّع والكبر والقسوة والتكالب على الدنيا، وأبعدت الصالحيـن وطعنت فيهم ووضعت عليهم علامات الاستفهام وهمّشتهم، حتى وصل الحال في مرحلة متقدمة بعد ذلك إلى قتل الكثيريـن من أهل الخير بتهم متعددة وسخيفة كثير منها.
وصار قليلو الديـن وعديمو التقوى والمراقبة لله تعالى يتقرّبون ويتزلّفون إلى هذه القيادة يطلبون عندها الحظوة! وهكذا سنة الله في خلقة كما قال سـيدنا عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "الأمير سوقٌ ما نَـفَـق فيه جُـلِـبَ إليه"، ورأيـنا عجائب من تقرّب المتقرّبيـن لهذه القيادة!
وأخذ ذلك شكلاً متصاعداً، حتى وصل في مرحلة "تطيهر الصف" -زعموا- إلى فظاعات مخزية جداً، فكثرت بيـنهم ما يسمّيها الجزائريون بـ"الشـريات" وهي التي تسمّى "المقالب" عند بعض الشعوب، وهي المكر والكيد السـيء من بعضهم لبعض؛ فكان الرجل منهم يتقرّب بصاحبه وجاره وابن محلته إلى الأمراء فيقول لهم هذا الشخص في اليوم الفلاني (ربما قبل عدة سنيـن) كان لا يرفع إزاره مثلاً، وفي اليوم الفلاني (ربما قبل عدة سنيـن) قال الكلمة الفلانية، هذا مبتدع ضال مدسوس متستّر، هذا لا يحب السنة، أنا أعرفه وكذا وكذا.
فإن كان له لدى الأمير حظوة أو كان ممن يحسن التلوّك بكلماتهم وعباراتهم والتشدق بأفكارهم القبيحة؛ فإن الأمير قد يستجيب له فيضـر ذلك الآخر، وقد قتلوا في مرحلة متقدمة كثيريـن بذلك! وهذا شـيء قد يصعب التعبير عنه!! ويصعب على مَن لم يرَ مثل هذه الأشـياء أن يصدقها أحياناً.. وقد يحصل الخطأ في التعبير عنها من جهة أنها أشـياء لم تقع دفعة واحدة، بل جاءت متدرجة وعبر مراحل وبشكل تطوّري تصاعدي.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
والحاصل أن هذه القيادة كانت هي لبَّ ومكمن الشـر في الجماعة.. فإذا عرفت أن القيادة بهذا السوء والفساد، فلا تسأل لماذا حصلت الانتكاسة والنكبة والانكسار.. فهذا أهم سبب.. والأسباب الأخرى هي مساعدة ومكملة.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
والخلاصـــة: أن الذي أعتقده أن الفشل والنكبة والانكسار الذي حصل في الحركة الجهادية والمحاولة الجهادية في الجزائر كان ذاتيّــًا، أي من نفسها، ومن داخلها!
وسببه عدة عوامل متظافرة مجتمعة من الخلل المنهجي الفكري الثقافي العلمي، إلى الخلل الأخلاقي، إلى الضعف في عدة مناحٍ والخلافات والرواسب التي وجدت لها مجالاً لتكون محور صـراعات، إلى غير ذلك.
ويجتمع ذلك كله في: أزمة القيادة؛ فإن الفساد والانحراف كان من القيادة بالأساس.
تولى قيادة الجهاد بالتدريج وبواسطة عوامل وفرص معيـنة وفي غفلة من أهل الخير والصلاح؛ تولى القيادة مجموعة من الأشخاص الجهلة المتنطعيـن المنحرفيـن المجرميـن، أهل الدنيا والانحطاط والتكالب على الفانية، وهم جمال زيتوني وعنتر والمجموعة التي معهم! أما عامة المجاهديـن من الرجال والشباب فكانوا أهل خيرٍ في الجملة، وهم متفاوتون كما في كل أمثالهم من العوامّ؛ فيهم الصالحون وفيهم أهل الآخرة الربانيون وفيهم دون ذلك، وفيهم الضعفاء و"اللي جابتهم الحملة"، و"اللي عمبالو ست اشهور وتفرا" [أي الذي كان يظن أن القضـية ستة شهور وتنتهي، لا تزيد، أي نأخذ الدولة بعدها] وفيهم كل الأصناف، ولم يكن ذلك ليضـر لو كانت القيادة صحيحة صالحة.
كان أمام القيادة فرصة أن تربّي وتعلّم وتفقّه طبقات المجاهديـن وترفع مستواهم وتنهض بهم.. كان بإمكانها أن تفعل الكثير جداً تعليماً وتربية وتوعية وتعبية وصناعة رجال وأجيال.
لكن فاقد الشـيء لا يعطيه.. لقد كانت تلك القيادة -التي تولّت القيادة بانقلاب أبيض- خبيثة فاسدة بكل المقاييس!
لا ديـن المسلميـن.. ولا أخلاق العرب.. ولا حتى فهم الكفار للدنيا.. وقد عُرِض عليها أفكار ومشاريع طيبة كثيرة، ممكنة التنفيذ وتتوفر لها الظروف المواتية والإمكانيات، مِن أعمال تدريب وتسليح وتعليم وتربية وإعلام وغير ذلك، فكانت تتعالى وترفض بجهلٍ وغرور، وربما أيضاً بإيعاز وتأثير من العدو (الاختراقات)!! والكلام يطول جداً.. ولو استقصـيـنا لما كدنا ننتهي.. وإنما هي إشارات موجزة لمن يعتبر، [وقد يُوجَد في هذا الإيجاز الإخلالُ الذي نخشاه، فهذا نموذج أمامكم، لتعرفوا العذر]، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
أمّـا من يحاول أن يقول: السبب هو المخابرات والاختراقات وما شابه.. فهذا نوعٌ من التبسـيط والتسطيح، والهروب من الحقيقة! نعم الاختراقات كان لها دورٌ وهي سبب من ضمن الأسباب.. لكن الحصـر فيها، أو حتى جعلها أهم وأكبر الأسباب، فهذا خطأ.. وهو في نظري كمن يبكي ويقول: العدو غلبني لأنه خدعني..!!

وهل شغلُ العدوّ إلا أن يخدع عدوّه؟! المخابرات هذا شغلها لعنها الله! فحتى لو سلّمنا أن المخابرات اخترقتك واستطاعت أن تسبب لك الانحراف والضلال والفساد والدمار، فأنت الملوم أيها المفرّط الفاسد.. المخابرات لن تستطيع أن تخترقك اختراقاً ضاراً إذا كنت أنت في نفسك سليماً قوياً كاملاً مستقيماً! وحسبنا الله ونعم الوكيل). انتهت شهادة الشيخ عطية الله الليبي عن التجربة الجزائرية كما في لقائه مع شبكة الحسبة.
ونقارن اليوم بين عواد البدري السامرائي الملقب بالبغدادي وصاحبه الخارجي أبي علي الأنباري التركماني الذين هم -والله- أجرم من الزوابري وأمين، ويرافقهم في هذا الجرم العصابة المجرمة من الضباط ذوي السوابق المشينة في تصفية قادات الجماعات المجاهدة، وقتل خيرة المجاهدين والموحدين؛ فقد كان الأنباري يرى ردة جماعة الأنصار لكنه يكتم ذلك إلا للخاصة، ويرى كذلك ردة جميع الفصائل، فصدق فيه قول القائل: ذو شيبة لا علم ولا فقه. وأضف إلى هذا عصابة أبي لقمان الذي اختص بالعمليات الأمنية؛ حيث يعمل معه الأمنيون التركمان: أبو عمر التركماني، وأبو أحمد التركماني، حيث ثبت عنهم أنهم يأتون بالرجل الذي ثبت عليه التهمة فيقتلونه ثم يقتلون من معه حتى لا يعرف أنه قُتل عند جماعة الدولة، ولقد قتلوا العشرات من المسلمين بهذه الطريقة. واليوم تسير مفخخاتهم على المجاهدين تفجر فيهم تقتل خيرتهم، ولقد نقل لنا جماعة من الإخوان أنهم رأوا بأعينهم -في الحسكة- أحد أفراد جماعة الدولة قد فجَّر نفسه على راية لجبهة النصرة؛ فنسأل الله السلامة من الغلو والحقد.
وقد سبق ذلك فعل تعجب منه النقلة والراؤون؛ فإن جماعة الدولة داهموا يوماً مقراً للأحرار لم يفتح الباب؛ فقام أحد التوانسة وقال لجماعته: ارجعوا، ففجَّر حزامه ليفتح الباب لمداهمة الأحرار!
واليوم يؤكد زوابري الشام الأنباري على هذا المعنى عندما سأله الشيخ أبو فراس: لماذا قتلتم الشيخ الحضرمي أمير جبهة النصرة في الرقة؟ فرد العلامة فريد عصره الأنباري زوابري الشام قائلاً: قتلناه لأنه ارتد! فقال له الشيخ أبو عبيدة التونسي: كيف ارتد؟
فقال الأنباري: لقد أخذ بيعة من الجيش الحر! فيقول الشيخ أبو فراس الشامي: سبحان الله، تكفرون بالحسنات؛ فمن يأتي بجماعات من الجيش الحر لجبهة النصرة يعتبر عندكم مرتداً؟!
قلتُ: سبحان الله؛ فهل بعد هذا الضلال من ضلال؟ فهل بعد هذا الجهل من جهل؟ وهل ما زال بعد هذا لمن يناصرهم ويدافع عنهم حجة أن يبقى ينصر زوابري الشام ناهيك عن قتلهم لخيرة قادة الجماعات السلفية المجاهدة في العراق.
وإن عبد الرحمن أمين في الشام هو البغدادي، ولا توجد مقارنة بين زوابري الشام وزوابري الجزائر.
ستندم الأمة والعلماء والمجاهدون على كل لحظة مرت وهم صامتون..
سيندمون ويبكون على كل كلمة أعانوا بها جماعة الدولة في أحد الأيام..
ستعود الأمة إلى ما قال به الكثيرون من الشرفاء والأمناء الذين ظن الناس بهم الشر، ورموهم بكل نقيصة يوم تكلموا غيرة على الأمة وسكت غيرهم، صرحوا بمآلات إعلان دولتهم وأخفى غيرهم، نصحوا وغش غيرهم.
فها هي جماعة الدولة اليوم تحرق الأخضر قبل اليابس بجرمها وظلمها وغيها، تقتل في كل يوم العشرات من المجاهدين، ووالله لقد قتلوا خيرة القراء والشرعيين من الجماعات المجاهدة السلفية، وشهدنا ذلك بأعيننا؛ قتلوا من جبهة النصرة والأحرار وباقي الفصائل المجاهدة، قتلوا أبا سعد الحضرمي، ثم قتلوا الشيخ أبا خالد السوري الذي وصفه الشيخ الظواهري، وقال: من خيرة من عرفناهم.
سبحان الله؛ فهل قتلت الدولة بالشام رأساً من رؤوس الكفر حتى يفخروا بذلك ويفرحوا؟!
وعليه؛ فلا بد للجماعات المجاهدة -وتنظيم القاعدة على رأسهم- أن ينزلوا فتواهم بهذه الجماعة الخبيثة التي لا ترقب في مؤمن إلاً ولا ذمة؛ فإنها جماعة بنيت على الغدر والتكفير والفجور والظلم؛ جماعة تربت على المكوس، وفي كل حين وحين يدندن البغدادي بشطر المال الذي لا يساوي ربع عشر ما قدمه أهل الشام من أموال ورجال، وهي من التنظيم وعادت بعد ذلك للتنظيم.
وادَّعوا كذلك أن لهم خلايا بالشام، والكلام ليس بصحيح؛ لأن الشيخ عطية الله -رحمه الله- هو من كلف الفاروق الشامي بإقامة العمل بالشام ثم أسر بعد ذلك بلبنان، وأما ما يأتي من العراق فإنه مجرد دعم لوجستي للعراق؛ كشراء السلاح والمواد والعلاج والمضافات لإدخال وإخراج المهاجرين لا غير. وأن لا يتعدى تنظيم العراق الحدود، وذلك لأن إمارة تنظيم القاعدة كان لها نظرة في العراق وخاصة الشيخ عطية الله والشيخ عزام الأمريكي.
نقول بعد ذلك: آن الأوان للعلماء أن يتبرؤوا من جماعة الدولة؛ كما تبرأ غيرهم كالشيخ أبي قتادة الفلسطيني حيث تبرأ من الزوابري وجماعته وأفعاله وكانوا لهم من الداعمين الأساسيين؛ قال تعالى: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾، وأقول لمناصري جماعة الدولة:

سنعلم إذا انجلى الغبار *** أفرس تحتك أم حمار

وهل تستوي جماعة الدولة التي تقتل وتكفر المسلمين بقيادتها الخراعية مع المجاهدين الصادقين؟ هل يستوي من وثب على الإمارة وأعماه الجشع والطمع بمن وثب على الكفار يبتغي وجه الله؟ ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلا مَا تَتَذَكَّرُونَ﴾.
وما أحسن ما قيل شعراً:

وما يستوي الشخصان هذا مصعد *** إلى المرقب الأعلى وهذا مصوب

وما يستوي البرقان هذا مبشر *** بغيث وهذا كاذب اللمع خلّب

ولولا العيون الرمد ما كان يستوي *** على حالة ضدان نور وغيهب

وأقول للمهاجرين الصادقين:

ما هاجرتم لتكونوا مطية لرغبات البغدادي وعصابته الذي يريد أن يجعل لنفسه مجداً، ويجعل من جماجمكم سلماً يرتقي فيه لمجده الموهوم الذي سماه خلافة ودولة، وما هي والله كذلك، وهي والله زائلة بإذن الله تعالى.
ونقول لجنود جماعة الدولة:

أما هاجرتم لنصرة رب ودين؟

أما هاجرتم لحفظ الحرمات وصون الأعراض؟

فما بالكم صرتم تسفكون الدماء؟

وتقتلون من جئتم تدافعون عنهم وتحفظونهم؟
فأفيقوا أيها النبلاء، وفِرُّوا من هؤلاء المجرمين قبل أن يأتي عليكم يوم في الدنيا تندمون فيه على إجرامكم وظلمكم، وقد قال تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهم منَ الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر لَعَلَّهُم يرجعُونَ﴾  وتقول حينها: يا حسرتي، يا ليتني لم أتخذ البغدادي وجماعته خليلاً. ولا تنسوا -معشر المخدوعين- يوم يحشر كل أناس بإمامهم، فلا بد أن تنظروا إلى حال إمامكم، وتتقوا الله في دماء المسلمين، وإنا لنخشى أن لا يكون لهذه الكلمات أثر في نفوس السامعين، فيكون حالهم كما قال الله: ﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾، ولسان حالنا ومقالنا معهم كما قال سبحانه: ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

كتبه وأعده إبراءً للذمة ونصحاً للأمة:
أبو مارية القحطاني

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع