سعد محيو
تصدير المادة
المشاهدات : 6917
شـــــارك المادة
- I -
أشرنا في حلقة الأمس (اليوم، غدا، 12-3-2013) إلى أن تفجير الحروب الأهلية المذهبية في أنحاء الشرق الإسلامي، كانت الطريقة الأمثل لتوجيه سهام " الإرهاب" بعيداً عن صدور الغربيين وقريباً نحو صدور الشرقيين.
وبما أن الإسلام منشطر إلى سنّة وشيعة منذ نيف وألف سنة، كان من المغري كثيرا طلي تباين الاجتهادات بينهم باللون الأحمر القاني. والمدخل إلى كل ذلك كان، ولايزال، العراق. لكن، لماذا العراق؟ في 8 آذار/مارس الحالي، ألقى المحلل البريطاني في "فايننشال تايمز" ديفيد غاردنر بعض الأضواء على السبب، حين ركَّز على النقاط التالية: - التحالف الغربي، بدخوله العراق وتفكيكه، قلب موازين القوى في أكثر مناطق العالم التهابا، ليس لأنه أطاح نظام حسين، بل لأنه أوصل الأقلية الشيعية في داخل العالم الإسلامي (والتي هي أغلبية في العراق) إلى السلطة في قلب المنطقة العربية للمرة الأولى منذ سقوط الخلافة الفاطمية العام 1171. - وهذا، إضافة إلى أنه أسفر عن حمام دم في العراق، أشعل مجدداً نزاعاً عمره ألف سنة بين السنّة والشيعة، امتد من المشرق العربي إلى شبه القارة الهندية. - أحداث العراق غيَّرت بالفعل مقومات المنطقة، وهي كانت أخطر بكثير من مضاعفات حرب السويس العام ،1956 لأنها أعطت زخماً لكل ألوان وأنواع الحركات الإسلامية.
- II -
تحليل دقيق؟ أجل. لكن، يجب أن نضيف إليه عاملاً آخر لايقل أهمية. فأرض العراق في الواقع رأس جسر ممتاز ونموذجي لتفجير العالم الإسلامي من داخله، لأنها كانت المسرح الرئيس للمأساة التاريخية لآل البيت على يد الأمويين. كما أنها كانت ساحة المعركة الرئيس بين العثمانيين والصوفيين طيلة قرنين من الزمن ( العراق آنذاك كان يصبح صفوياً فارسياً في الشتاء، وسنّياً تركياً في الصيف! ) . القسمة الدموية السنية – الشيعية انطلاقاً من العراق منذ غزوه العام 2003، حققت، وستحقق أكثر، جملة أهداف إستراتيجية غربية دفعة واحدة. فهي شطرت الشرق الأوسط الكبير إلى شطرين كبيرين متناحرين. وهي جعلت إيران في حال صدام ليس مع أميركا وحسب، بل (مجدداً ) أيضاً مع تركيا وباقي أطراف الغالبية السنّية في العالم الإسلامي. وبالطبع، حين تحاصر جمهورية الخميني على هذا النحو، لن يطول الوقت ( مجدداً أيضاً ) قبل أن تبدأ البحث عن حلفاء لها في الغرب. وهذا بالتحديد ما فعله الصفويون طيلة القرنين 18 و19. وأخيرا، حروب السنّة والشيعة قد تقلب صورة الصراع مع إسرائيل رأسا على عقب. ويكفي للتدليل على ذلك تخيلّ، مثلاً، مصير مواجهة " حزب الله " المصيرية مع إسرائيل، إذا ما جرّه الغرب إلى صراعات طائفية مع السنّة في لبنان وسوريا.
- III -
الغرب، مراكز أبحاث كما مؤسسات سياسية، يمارس هذه الأيام "سياسة تاريخية" (إذا ما جاز التعبير) في العراق وبقية العالم الإسلامي. سياسة تنطلق من الحقيقة بأن الحرب الأهلية السنّية – الشيعية في القرن الأول الهجري أدت إلى أول شرخ ضخم في جسم الأمة؛ وإلى إغلاق باب الاجتهاد لدى السنّة في القرن الثالث عشر الميلادي، وإلى التقية والتقوقع لدى الشيعة. كما أدّت أيضا إلى الحروب العثمانية – الصفوية التي اعترف كبار المفكرين الإسلاميين الإيرانيين، وفي مقدمهم علي شريعتي، بأنها كانت الخطأ القاتل الأكبر في تاريخ بلادهم . كل هذه الأحداث المأساوية أسفرت، كما هو معروف، عن شل طاقات الأمة وجعلها لقمة سائغة أمام الاجتياحات الخارجية، بدءاً من الصليبيين والمغول، مروراً بحروب الأندلس والبلقان، وانتهاء في العصور الحديثة بالاجتياحات الاستعمارية الأوروبية . لولا الحروب الأهلية السنّية- الشيعية ، لما أصيبت الحضارة الإسلامية بالجمود والمراوحة في المكان والزمان ( عند السّنة )، والتقوقع (عند الشيعة) . ولولا هذه الحروب، لما سيطر المتطرفون من كلا الطرفين على جداول الأعمال السياسية والأيديولوجية طيلة أكثر من ألف عام . آثار أقدام "السياسة التاريخية " الغربية مبثوثة في كل مكان، وهذه بعض ملامحها في الولايات المتحدة: • مارتن كرامر( باحث في " موسسة واشنطن لدراسات الشرق الأدنى): " في معظم الإمبراطوريات الديناميكية الإسلامية، عقد لواء الحكم للأقليات. والآن، رسالة الدمقرطة ( من ديمقراطية) هي أن حكم الأقلية بات من مخلفات الماضي، وهذا سيعني بالنسبة للشرق أوسطيين تغيّر موازين القوى بين مختلف المجموعات الطائفية والأثنية، وإطاحة هرميات اجتماعية أقيمت قبل ألف عام عبر الصراعات الداخلية". هل هذا سيعني نسف مقومات الدول الراهنة في المنطقة؟ كرامر يرد بالإيجاب بسرعة، منطلقاً من " نموذج " العراق، " حيث سكان المثلث السنّي يحبون قبائلهم، وبدلاً من الديمقراطية يفضلون حكم الشيخ على رأس كونفدرالية على النمط القبلي. وحيث الشيعة يميلون إلى حكم رجل دين معمم. ما تريده هذه المجموعات هو حق " الحرية الجماعية " المشفوعة بانحسار الدولة. على الولايات المتحدة، برأي كرامر، "الاعتراف باستقلالية المجموعات الاجتماعية والدينية والطائفية". • سونر كاغابتاي ( رئيس " برنامج الأبحاث التركية " الأميركي): الإسلام لايزال منغمساً في تاريخ الشكوك العميقة بين الطائفتين السنية والشيعية. ولذلك، وقبل الدعوة لقيام حوار بناء بين الإسلام والغرب، على المسلمين أولاً احترام بعضهم البعض. بكلمات أوضح، الطريق إلى توازن إقليمي بين الإسلام والديانات الأخرى، يمر عبر محاولة إقامة السلام داخل الإسلام ". • موشي ماعوز (مؤسسة واشنطن لدراسات الشرق الأدنى): "الأقليات الدينية والإثنية أثرّت بشكل عميق على التطورات في الشرق الأوسط طيلة القرنين الماضيين. وما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة هو أن تشجع وتدعم تشكّل تحالفات بين هذه الفئات استنادا إلى أنظمة فيدرالية ديمقراطية". • والي نصر ( باحث في " دراسات الشرق الأوسط ") : التمرد (المقاومة العراقية) جذب المتطرفين من كل المنطقة العربية إلى الجهاد ضد أميركا. لكن جوهر المسألة يكمن في الواقع في الحرب التي تعود إلى قرون عدة، بين السنّة والشيعة. وهذا أمر "أُجبرت " أميركا على الاعتراف به أخيرا، ومعه الاعتراف بمركزية الحقائق الطائفية".
* * *
• كيف ترجمت هذه " السياسة التاريخية " الغربية نفسها على المستوى العربي؟
يتبع...
اليوم غدا
روزانا بومنصف
بريل ديدي أوغلو
شريف محمد جابر
بشير زين العابدين
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة