أحمد عبد العال
تصدير المادة
المشاهدات : 7622
شـــــارك المادة
إن التشكيك والتخوين والتشدد لا يخدم مصلحة الأمة ، ولا يبني كياناً ، ولا يقيم مجتمعاً ، علاوة على مخالفته الصريحة لأحكام الدين وقيمه العليا . إن شعبنا السوري ومنذ ما يقرب من سنتين وهو يواجه آلة قتل لا ترحم ، في حرب من طرف واحد ، دمرت البشر والحجر ، ودفع فيها الناس أغلى ما يملكون ؛ أرواحهم ، أبناءهم ، أموالهم ، مصالحهم .. بيد عصابة حاكمة عقدت العزم على تدمير كل شيء في سبيل بقائها في الحكم واستمرارها في سياسة الفساد ، وقمع الناس وانتهاك الحرمات .
إن الشعب السوري بدأ ثورته سلمية ، ولكن النظام قابل الثورة السلمية بأسلوب القتل والتنكيل والبطش حتى تشكلت لدى الناس قناعة ؛ أنه لابد من الدفاع عن النفس أمام الهجمة البربرية المتوحشة لهذا النظام القاتل . فلجأ إلى استخدام السلاح الذي توفر لديه على قلته ونوعيته التي لا تذكر أمام ترسانة سلاح مدمرة ؛ دبابات ، طائرات ، راجمات صواريخ ، براميل TNTشديدة الانفجار ، إلى سائر أدوات القتل التدمير . لقد وقف العالم من ثورة الشعب السوري موقف المتفرج ، وهو يعطي النظام المهلة بعد المهلة ، والمبعوث بعد المبعوث ، وهو غير جاد في تخليص الشعب المنكوب من براثن هذا النظام المتوحش . لقد شعر كل سوري حر كريم سواء داخل سوريا أو خارجها أنه معني بأن يفعل شيئاً للتخفيف من معاناة هذا الشعب المظلوم المكلوم من قبل النظام القاتل والمجتمع الدولي المتفرج . لقد بدأ الحراك السياسي بتشكيل المجلس الوطني ، ومن ثم الائتلاف الوطني للمعارضة من أجل الخروج بحل يخفف من هذه المعاناة ، مع ما ينوء بها من دماء وسجون وتشرد وجوع وتدمير للممتلكات وانتهاك للأعراض ... الخ . هذا الحراك السياسي لا يغفل تضحيات الشباب المجاهد الذي حقق انتصارات باهرة ـ رغم قلة الإمكانيات ـ على النظام القاتل المستبد . لكن في النهاية لا بد من البحث عن حل في نهاية النفق المظلم ، يرى فيه بوارق أمل بانفراج وصبح جديد . هذا هو واقع الحال الذي تعيشه الأزمة السورية بكل ملابساتها مع تجاهل المجتمع الدولي في التعاطي الجاد معها . إن عقلية المؤامرة وأسلوب التخوين والتشكيك عند بعض الشباب لا يحل المشكلة بل يعقدها ويزيدها تأزماً . ولا ينكر عاقل أن مؤامرة كبرى تدار في الخفاء على هذا الشعب المظلوم ، مؤامرة لها مبرراتها وأسبابها التي لا تخفى ، والحمدلله فإن الخير في قيادات هذه المؤسسات السياسية الثورية ، ومن ورائهم السياسيون و الوطنيون و العلماء ونعتقد أنهم على قدر المسؤولية الوطنية و على معرفة بأبعاد مخططات العدو و أساليبه . فماذا نحن فاعلون ؟ أرى يمكن أن نحقق كل مانريد في هذه الظروف الصعبة التي تمر بنا . ولا شك أن إقامة دولة إسلامية في سوريا مطلب كل مسلم غيور على دين الله ، ولكن ونحن على هذا الحال من الضعف والقمع وهيمنة القوى الكبرى المعادية يتطلب منا ان نعيد النظر في ترتيب الأولويات ، وكما يقال " لا يمكن أن تصنع عملاً كاملاً في وسط ناقص " . فإذا أمكن أن نحقق 70 أو 80% مما نطمح إليه نكون قد أنجزنا شيئاً مناسباً وفق أوضاعنا وظروفنا ، والله تعالى يقول : " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها " . والرسول صلى الله عليه وسلم يقول :" ما نهيتكم عنه فانتهوا ، وما أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " . إن الإصرار على إقامة دولة إسلامية على أرض سوريا الحبيبة هو مطلب شرعي وغاية نتطلع إليها ، ولكن حين تتاح أسبابها الطبيعية ، وتتوفر ظروفها . إن الانتقال من نظام مستبد ديكتاتوري شمولي قمعي استمر ما يقرب من خمسين سنة ، عمل فيه النظام على تجهيل الناس بدينهم ، فابعدهم عن قيمهم وعقيدتهم وأصولهم ، إلى نظام الحكم الاسلامي المنشود ، أرى أن هذا غير ممكن في هذه الظروف . بل نحن بحاجة إلى أجواء من الحرية التي تتيح لنا إعادة الناس إلى عقيدتهم الربانية وتعاليم دينهم الحنيف ، وقيمهم الإسلامية الفاضلة . وهي ما تسمى بـ " الديمقراطية " وأرى أنها مرحلة ضرورية بين النظام المستبد المتسلط ، والحكم بما أنزل الله، ففي أجواء الحرية يتعلم الناس حقيقة دينهم بما يبذله الدعاة والعلماء و المصلحون من جهد مبارك في هذه الشأن ، فإذا حصل ذلك فإن إقامة حكم الله يكون باختيار الناس وإرادتهم من خلال صناديق الاقتراع وليس بفرضه على الناس فرضاً . إن استخدام السلاح كوسيلة لفرض الهدف الأسمى ؛ وهو إقامة دولة إسلامية في سوريا ، وما يرافق ذلك من شطط أو تشدد سوف يكرر التجربة الأفغانية والعراقية والصومالية .. ألخ . وإذا كان النجاح أو الفشل يقاس بالنتائج ، فلنسأل ؛ ما هي النجاحات التي حققتها تلك التجارب القريبة ؟ كما إن عدم ترتيب الأولويات ، واستعجال المراحل يقود إلى الأسوأ دائماً ، فإزالة المنكرات مثلاً لها وقتها ، أو ربما ما نراه منكراً وهو ليس كذلك . ماذا أفاد حركة طالبان الأفغانية من تحطيم تمثال بوذا ، وماذا سيفيد بعض أصحاب الأصوات التي تعلو بمصر اليوم من بعض الشباب المسلم المتحمس حين يدعون إلى إزالة الأهرامات و أبي الهول . بل إن البدء بتحطيم المشاهد التي على قبور الصالحين ( كما يحدث في بعض أنحاء سوريا ) ، في مثل هذه الظروف ليس من الأولويات ، بل الأولوية تكون بالدعوة إلى الحق وإقناع الناس بالحكمة والموعظة الحسنة لاسيما في مثل هذه المسائل الشائكة ، وهذا يقتضي إعادة النظر في ترتيب سلم الأولويات. لقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة بعد البعثة ثلاث عشرة عاماً ، وهو يطوف بالبيت وحوله الأصنام حتى كان فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة . ودخل القائد محمد بن القاسم الثقفي بلاد السند وفتح أفغانستان عام ( 90 هـ ) وكان صنم ( بوذا ) الشهير موجوداً قبل الإسلام بآلاف السنين ، ولم يروَ أنهم سعوا في تدميره . وكذلك عندما دخل الفاتحون مصر في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام ( 21 هـ ) . كانت الأهرامات قائمة وأبو الهول على ماهو عليه اليوم ، ولم يرونها منكراً يجب إزالتها ، إلى غير ذلك من آثار الحضارات القديمة البائدة في البلدان التي طالها الفتح الإسلامي عبر العصور . لذلك نرفض التشدد والتطرف ، كما نرفض اتهام الناس في نياتهم ومقاصدهم بمجرد الظن والهوى ، ودون دليل. أخيراً أقول :
نحن بحاجة إلى قليل من التعقل والحكمة وبعد النظر والواقعية في معالجة الأمور بعيداً عن التوتر والتشكيك والتخوين والتشدد . والله تعالى يقول : " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً " .ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه " . ونسأل الله تعالى الإخلاص في القول والعمل .
المصدر. رابطة العلماء السوريين
خالد محمد الشهري
زهير سالم
مجاهد مأمون ديرانية
صلاح الخالدي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة