حسان العمر
تصدير المادة
المشاهدات : 10655
شـــــارك المادة
الحمد لله رب العالمين، منذ بداية الثورة والنظام العالمي يحاول أن يقضي على هذه الثورة التي اندلعت بغير رغبة منه ورضا بل بغير توقع وفي منطقة تؤثر في ما يسمى التوازنات الدولية. لذلك سكت النظام العالمي فترة طويلة ولم يتحرك أو يقل شيئاً خلال الأشهر الأولى للثورة، وكأنه قد صدم بهذه الثورة الغير مرغوبة في هذه المنطقة الحساسة بالنسبة لهم والبقعة المهمة من العالم باعتبارها مركز للصراع العالمي منذ قرون طويلة.
ورغم أن للثورة المصرية أهميتها أيضاً باعتبارها مجاورة للدولة اليهودية؛ إلا أنهم استطاعوا الالتفاف عليها واحتوائها عن طريق بقاء النظام وزوال الرأس فقط، وبقي الجيش ضامناً للبلاد فأهم مؤسستين وهم الجيش والأمن لم يمسهم تغيير، وهذا ما حدث أيضاً في تونس من قبل، فالجيش والأمن لم يتغير، وكذلك باليمن أيضاً؛ لأن اليمن دولة مهمة بالحرب على ما يسمى الإرهاب استطاعوا أن يلتفوا على الثورة بزوال الرأس وبقاء النظام نفسه وخاصة الجيش والأمن. ولكن هذا الخيار لم يكن بنفس السهولة في سوريا؛ لأن الجيش والأمن في سوريا فضلاً عن تورطهم بجرائم بشعة جداً لم تحدث في كل الدول التي قامت فيها الثورات سواء قبل الثورة أو بعدها؛ فإن الجيش والأمن في سوريا يتبعون المنظومة الطائفية الحاكمة. فالجيش طائفي بامتياز وتم تركيبه بطريقة يصعب معها الانقلابات أو الانشقاق، وهذا ما موجود أيضاً في كل مفاصل إدارة البلاد المهمة. لذلك كان من الصعب ترويج مثل هذا الخيار في سوريا، وإلا فهو الأنسب بالنسبة للنظام العالمي الذي لا يريد أن تخرج سوريا عن حكم الأقلية العلوية، ونظراً لصعوبة هذا الخيار في بداية الثورة، كان الخيار الأنسب بالنسبة لهم هو إعطاء النظام الفرصة للقضاء على الثورة أو على الأقل إنهاكها بحيث يقبل الناس بأقل الممكن من الحقوق، وعندها يمكن تطبيق خطة اليمن على سوريا. لذلك كانت المبادرات الكثيرة التي لا قيمة لها والتي لم يكن من هدف لها سوى إطالة الأزمة حتى يتسنى للنظام أن يقضي على الثورة أو ينهكها. وكانت البداية من مبادرة الجامعة العربية التي يعلم الجميع ما آلت إليه بقيادة الدابي، فالنظام لم يحقق منها شيء، و لم يطبق منها سوى بند المراقبين فقط، وتم تمييع هذا البند أيضاً، وانتهت المبادرة لصالح النظام مع إعطاء الفرصة والوقت للنظام. واليوم نحن مع مبادرة الأمم المتحدة؛ مبادرة عنان التي يكرر فيها النظام الدولي إعطاء الفرص للنظام، فالمبادرة التي لا يوجد فيها شيء من ما يطلبه الشعب سوى وعود عامة لا قيمة لها ولا تتضمن أقل ما يطلبه الشعب؛ وهو تنحي رئيس العصابة بشار. ما هي إلا وقتاً إضافياً للنظام؛ لينجز ما يمكن إنجازه؛ سواء في إنهاء الثورة، أو إنهاكها، أو رسم حدود دولته العلوية. فالمبادرة التي بنودها عامة ولا يوجد فيها خريطة واضحة، فضلاً عن مساواتها بين المجرم وبين من تعرض للذبح والقتل والاغتصاب والتشريد، كذلك لم ينفذ منها النظام شيئاً. فقد تجاوز الموعد المحدد من عنان لإيقاف المذابح حسب المبادرة وبعد تجاوز الموعد وإعطائه مهلة جديدة لم يتوقف عن القتل، بل قلل من عدد القتلى إلى النصف ثم عاد تصاعدياً من جديد، وكأن مطالب الثورة هي تخفيض عدد القتلى فقط. والقصف استمر أيضاً بنفس الوتيرة على حمص، كما أن إدلب وحماة شهدت مجازر وقصف بالمدفعية والطيران وإعدامات ميدانية. وكذلك النظام لم يسحب أياً من قواته ودباباته من المدن. وهذا يعني أن النظام لم يطبق شيئاً من المبادرة وإفراغها من محتواها، ولم يبق منها إلا المراقبين فقط، الذين يطالب النظام أيضاً بالتحكم فيهم كما فعل مع المراقبين العرب. ومع ذلك كله صفق له العالم وكأنه قد أنجز المبادرة واجتمع النظام العالمي؛ ليستهزئ بالعالم وبالشعب السوري ويستغبيه، وقرر إرسال ثلاثين مراقباً سوف يصلون إلى 250 بعد شهرين كما قالوا، أي بعد آلاف الشهداء. لا أرى استهتاراً بدماء الشعب السوري وآهاته أكثر من تلك المبادرة. فكيف لثلاثين مراقباً أن يراقبوا شيئاً، فالأكيد أنهم لن يفعلوا شيئاً، فلماذا إرسالهم إذن؟ إلا من أجل أن يعطوا النظام الفرصة لمزيد من السيطرة، وخصوصاً مع بقاء البوارج الروسية بشكل دائم لتحمي السواحل من تهريب السلاح إلى الثوار بالداخل، مع تزويد النظام بالسلاح والمال من قبل إيران وروسيا خلال هذه الفترة، هذا إذا لم يكونوا جواسيس للنظام على الثورة. ليست المشكلة بالمبادرة الفاشلة قبل أن تبدأ فقط، بل المشكلة أيضاً بموافقة المعارضة، ولا أقصد هيئة التنسيق، بل المجلس الوطني والإخوان المسلمين وغيرهم على مثل هذه المبادرة، رغم أنها بالأصل وحتى لو التزم النظام بها فهي لا تلبي شيئاً من مطالب الشعب. فالمبادرة ساوت النظام السفاح المجرم مع ضحايا القتل والاغتصاب، وهذا أمر مرفوض إنسانياً قبل أن يكون استهتاراً بالشعب وحقوقه. والمبادرة حولت الثورة من شعب يطالب بحقوقه إلى مجرد أزمة داخلية تحتاج إلى حل ومراقبين لمعرفة من هو المعتدي وتحل المشكلة بين المتنازعين. والمبادرة غضت الطرف عن تنحي النظام ومحاكمته. وحولت الموضوع إلى طاولة حوار ومفاوضات بين الضحية والجلاد، ولا أدري على ماذا سوف يتم التفاوض مع نظام يرتكب أبشع ما يمكن تخيله من فظائع، كما أنها أوقفت عمليات الجيش الحر بدون مقابل إلا إعطاء الفرصة للنظام. لكن المعارضة السورية الممثلة بالمجلس الوطني تعيش بعيداً عن الشعب وعن مستوى الحدث، لذلك وافقت على ما أراد النظام بهذه المبادرة والذي دعا له منذ البداية، وهذا يعتبر تنازلاً كبيراً عن المطالبة بحقوق من يقولون أنهم يتكلمون باسمه، وتضييعاً لحقوق الشعب التي استشهد بها. وأخيرا نقول: إن المبادرة فاشلة قبل أن تبدأ؛ لأن النظام قطعاً لا يريد أن يتنازل عن أي شيء من سلطته وطغيانه؛ ولأن النظام العالمي غير جدي بهذه المبادرة ولا يريد تنحي النظام. والمبادرة على الأرض تقريباً انتهت وماتت قبل أن يتحرك المراقبون من فنادقهم، وعلى المعارضة أن تسعى إلى التسليح بأي شكل، وأن تتعامل مع الدول التي تريد تسليح الشعب، وتطالب بالتسليح بصوت عالي وقوي، ولا ترضى بالفتات الذي يلقى لها هنا وهناك، فليس لنا حل -بعد الاعتماد والتوكل على الله والالتزام بأوامره وشرعه- سوى أن نسعى إلى تسليح الثورة وبأسرع وقت ممكن، فالوقت أصبح من دماء بالنسبة لنا، ولا يوجد حل آخر أذا أردنا فعلاً أن ننال جميع حقوقنا في هذه الثورة.
المصدر: المختار الإسلامي
مهنا الحبيل
حسان الحموي
سليم نصار
حسين شبكشي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة