..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

فواجع ثوار سوريا لها سلف

عبد العظيم عرنوس

١ إبريل ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7029

فواجع ثوار سوريا لها سلف
340X297.jpg

شـــــارك المادة

كم يا ترى كان عدد المسلمين منذ غزوة أحد إلى فاجعة بئر معونة، لا شك أن عددهم كان قليلاً بالقياس إلى عدد الشهداء الذين قضوا نحبهم في هذه الفترة الوجيزة، مائة وخمسون شهيداً ارتقوا إلى ربهم فرحين مستبشرين بما آتاهم الله من فضله، سبعون شهيداً في أحد، وعشرة شهداء في فاجعة الرجيع، وسبعون شهيداً من فضلاء الصحابة من القراء في فاجعة الغدر اللئيم في بئر معونة، كم خلف هؤلاء من أرامل وأيتام؟

 

وكم خلفوا من أب مكلوم وأم ثكلى، وكم من دموع حرى ذرفت على فقدانهم. هذا العدد يعتبر بالنسبة لعدد المسلمين وقتئذ هائلاً وكبيراً جداً، والمصيبة بفقدانهم - والإسلام لم يستو على سوقه بعد - موجعة، فما كاد المسلمون يضمدون جراحاتهم وآلامهم بعد أحد حتى نُكأت الجراحات مرة أخرى في الرجيع وبئر معونة، لقد خلفت هذه المواجع في نفس النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته آثاراً غائرة خصوصاً فاجعة قراء الرجيع السبعين الذين قتلوا غدراً في مجزرة رهيبة دنيئة تدل على خسة فاعليها، مما جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقنت شهراً متتابعاً في الصلوات الخمس ويؤمن على دعائه من خلفه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على فداحة المصيبة وكارثية الفاجعة وعظم المصاب وشدة الألم؛ لكن كل ذلك لم يفت في عضد المسلمين ولم يثن عزمهم في مواصلة الدعوة والبذل والتضحية خدمة لدين الله؛ لأن مصلحة الدعوة أهم من الأنفس والدماء؛ بل إن الدعوة لا تنتصر إذا لم تهراق الدماء الزكية التي تضمخ بعبقها وأريجها جسم الدين والعقيدة، إن هذه الحوادث نماذج من التضحيات الهائلة التي قدمها الصحب الكرام ليسقوا بدمائهم شجرة الإسلام الطيبة حتى تؤتي أكلها بإذن ربها نصراً وعزة وكرامة وفتحاً مبيناً.
{وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين * وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لما ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين * فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين}.. الله أكبر.. ثواب الدنيا رفقه ثواب الآخرة، وفوق ذلك محبة الله جزاء على إحسانهم، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.. إن كل المصائب والفواجع والآلام تتوارى حياء أمام هذا الفيض الرباني، وحيال رفرفة المحبة الربانية، إنه الكرم والجزاء الذي لا يعادله جزاء.
يا أهلنا ويا إخواننا ويا أحبتنا في سوريا.. يا من قمتم في وجه أعتى طاغوت يؤزه طواغيت على شاكلته في الإجرام، يا من وقفتم شامخين كالطود الأشم الراسخ في وجه الأعاصير المائجة من شياطين الإنس والجن تستعيدون الحرية والعزة والكرامة، ويا من ترابطون على ثغور الإسلام في بلاد الشام، لئن كنتم قدمتم وبذلتم وفقدتم الأحبة والخلان وأخرجتم من دياركم وسلبت أمولكم وهدمت بيوتكم وسالت دماؤكم الطاهرة، فلكم سلف في النبي –صلى الله عليه وسلم- وصحابته، فها هو النبي وصحبه فقدوا أكثر مما فقدتم، وقدموا أكثر مما قدمتم، وأخرجوا من ديارهم وأموالهم كما أخرجتم من دياركم وأموالكم.. وهذه سنة الله في الدعوات والرسالات.
إن استعادة الحرية المسلوبة تحتاج لثمن، وقد دفعتم الثمن وقبضتم الأجر وأديتم ما عليكم، ما دمتم قد أديتم ما عليكم فإن الله يؤدي ما عليه، فالله لا يخلف الميعاد، والجزاء مضمون عند الله.. روى الحاكم عن عثمان - رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها)).. هذا ثوابكم يا أيها الثوار الفضلاء.. ألا تتضاءل أمام الثواب التضحيات، وتهون المصيبات.
يا أيها الثوار المرابطون على ثغور الحرية، الحارسون للحرمات والأعراض في أرض الشام التي أصبحت أرض خوف، هنيئاً لكم ثواب حراستكم.. روى الحاكم عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر؟ حارس حرس في أرض خوف لعله أن لا يرجع إلى أهله)).

أعطوا ضريبتهم للدين من دمهم ** والناس تزعم نصر الدين مجانا
عاشوا على الحب أفواهاً وأفئدة ** باتوا على البؤس والنعماء إخوانا
الله يعرفهم أنصار دعوته ** والناس تعرفهم للخير أعوانا

لا تظنوا أنكم وحدكم في الميدان فإن الله معكم، والملائكة تثبتكم، ووراءكم أمة من المؤمنين في كل الأرض قلوبها معكم تتوجع لمصابكم وتتألم لآلامكم، وألسنتها تلهج بالدعاء لكم.
ولقد اتصلت أسباب الأرض بأسباب السماء، وما هي إلا لمحة خاطفة كلمح بالبصر، فإذا الباطل زهوق، وإذا النصر يتنزل كالبروق.. نعم لقد استأجركم الله، وقمتم بحق الإجارة، وقبضتم الثمن، وكما قال الشهيد سيد قطب: "أجراء عند الله أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا، عملوا وقبضوا الأجر المعلوم! وليس لهم ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير، فذلك شأن صاحب الأجر لا شأن الأجير".
وايم الله!! إنا لنغبطكم على اختيار الله لكم لتصنعوا لهذه الأمة مجدها، وتعيدوا لها حريتها، ونعم هذا الاختيار، وإنه لذكر وشرف لكم أن تكونوا أهلاً لهذا الاختيار الرباني، فالله لا يصطفي للمهمات العظيمة إلا العظام.. فامضوا في طريقكم ثابتين على الدرب، ففي الكون شموس وأقمار وآمال.. وارتقبوا النصر فإنه قريب قريب..

المصدر: رابطة العلماء السوريين 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع