زهير سالم
تصدير المادة
المشاهدات : 3594
شـــــارك المادة
كانت المبادرة التي أطلقها المجلس الإسلامي السوري تاريخية رائدة بتوقيتها وبمضمونها، بمنطلقاتها وآفاقها، وبمبادئها وهوامشها على السواء. وهي (مبادرة تاريخية) سبق إليها المجلس الإسلامي السوري بحق؛ في حين تأخر الكثيرون على الساحة السورية من تولي زمام اللحظة. اللحظة التي تجسدها سنوات الألق والمجد السورية، التي سينظر إليها عبر شرفات التاريخ كومضات تألق هذا الشعب، الذي طالما حدثتنا النصوص الشريفة عن دوره وعن مجده وعن ظهوره الذي يدور مع التاريخ حيث دار.
والذي طالما قرأنا في أسفار الملاحم الكبرى، عن بطولاته وتضحياته وانتصاراته. ويكفي أن نذكر العالم أجمع ونحن في رحاب المجلس الإسلامي السوري أننا في رحاب موطن (العز بن عبد السلام) القائد الحقيقي لمعركة عين جالوت، التي دافعت ليس عن الشرق الإسلامي وحده وإنما عن الحضارة والإنسان في العالم أجمع... ومبادرة المجلس الإسلامي السوري (مبادرة تاريخية) بحق، لأنها أطلقت في مرحلة كثر فيها الكيد للثورة السورية، وتشابكت فيها محاولات الالتفاف على تطلعات الشعب السوري النبيلة، وتحول فيها هذا الكيد من كيد خفي باطن إلى كيد معلن ظاهر، وأصبحت الدعوة إلى إعادة تأهيل (قاتل الإنسان ومدمر العمران) كما تقول الوثيقة معلنة، يرددها أصحابها بلا تلعثم ولا حياء...!! وكانت مبادرة المجلس الإسلامي السوري (مبادرة تاريخية) ثالثا لأنها قطعت الطريق وفي اللحظة المناسبة، على أولئك الذين يتحدثون عن سورية، وكأنها مزرعة من مزارع آبائهم أو أجدادهم (ورثوها كابرا عن كابر)، فجاءت الوثيقة لتقول لهؤلاء وأولئك أجمعين: إن لهذه الثورة ثوارها، وإن لهذا الوطن رجاله وهم، مع إرادة الخير الأصيلة فيهم، ومع الحرص على السلم الأهلي المتمكن من عقولهم وقلوبهم، أصحابُ القرار الأول والأخير في هذا الوطن، من غير تعسف ولا تعنت، ولا بغي ولا عدوان. لقد شكلت المبادئ الخمسة الضوابط َالأساسية، لأقل ما يمكن أن يقبل به السوريون. بوصفهم مواطنين في دولة تنتمي إلى العصر، ويريدون أن يتمتعوا بكل ما يتمتع به إنسان العصر من حقوق وحريات.. وكان المبدأ الأول، مبدأ أخلاقيا وحقوقيا وسياسيا، أخذُ المجرم بجريمته، ومحاكمته عليها محاكمة عادلة. فكل العالم العاقل يعلم أن الذي أوصل السوريين إلى ما هم فيه، هو بشار الأسد وأركان نظامه الذين أطاعوه وأعانوه.
والجريمة الفاجعة الكبرى التي وقعت في سورية، إذا كانت لاتهمّ هؤلاء المتشاكسين على مصالحهم الصغيرة في المجتمع الدولي، فهي تجثم على قلوب السوريين وتقلق ضمائرهم وتقضُّ مضاجعهم رجالا ونساء، وستظل تفعل ذلك جيلا بعد جيل، إن لم تمسح على الجراح يد القانون العادل.
إن مقتل نصف مليون سوري، وتغييب وتعذيب مئات الألوف منهم، وتشريد الملايين من ديارهم، ليس أمرا هينا، ولا جريمة صغرى، ولا مما يُتسامح فيه مع مجرم ظل الإجرام نهجه ووسيلته. لن يُكافئ المجرم على جريمته. هذا ما تقرره الوثيقة بحزم وجزم، ولن يقبل الشعب السوري، صانع الثورة وصاحب قرارها، بذلك بأي حال. وحين يرى محترفو السياسة إن بالإمكان مكافأة المجرم على جريمته فهذا يعني سقوط كل القيم الأخلاقية والإنسانية والعدلية في هذا العالم.
ومن هنا جاء البند الأول في الوثيقة واضحا جازما صريحا: (إسقاط الأسد وكافة أركان نظامه وتقديمهم للمحاكمة العادلة). ويلتفت البند الثاني من الوثيقة، إلى حقيقة ناصعة في الواقع السوري، طالما راوغ عنها المراوغون، وناور حولها المناورون: (المحافظة على مؤسسات الدولة السورية) فأي عاقل يمكن أن يقول (لا) لمثل هذا العنوان البراق: أي عاقل يمكن أن يقول (لا) للمحافظة على مؤسسات وطنه البنائية الصحية والتعليمية والإدارية؟! ومن هنا يأتي الالتفات الضروري من الوثيقة الواعية التي تقرر بجلاء: نعم للحفاظ على كل المؤسسات البنائية الإيجابية في حياة المجتمع السوري. ولا لمؤسسات القتل والترويع والتخويف والإرهاب.
المؤسستان اللتان كانتا أداتين أساسيتين من أدوات الجريمة الفاجعة، أدوات القتل والتعذيب والتشريد والتدمير. مؤسستان قامتا على جرف، وغذيتا على مدى عقود بالحقد والطائفية؛ المؤسسة العسكرية التي سميت زورا وبهتانا (الجيش العربي السوري) والمؤسسة المخابراتية المظلمة التي سميت بالباطل باسم (المؤسسة الأمنية) وهي إلى مؤسسة الإرهاب والتخويف والترويع أقرب.
ومن هنا جاء النص المباشر في هذه الوثيقة الواعية على ضرورة تفكيك أجهزة القمع الاستخبارية والعسكرية.
وبناء بدائل وطنية نزيهة تحمي السوريين ولا تخيفهم أو تعذبهم أو تقتلهم مع المحافظة على مؤسسات الدولة الإيجابية والبناءة في المجالات الأخرى. ومن قلب الواقع السوري المدّمى، ومن إدراك المجلس الإسلامي السوري، لحقيقة ما يدور على الأرض السورية من قريب، وبعد أن تحولت المعركة في سورية من ثورة شعب ضد ظالمه، إلى حرب (دولية وإقليمية) تشنها دول كبرى على شعب أعزل، في وقت يقف فيه الآخرون في العالم متفرجين.
أو يحاول فيه المنحازون أصلا إلى طرف الطاغية أن يقارنوا تدخلات أفراد فوضيين، بلا ضابط ولا ناظم، كانوا في الأصل وبالا على الثورة السورية ومشروعها، بتدخل دول كبرى على المستوى العالمي والإقليمي، بعتادها الثقيل، وأعدادها المنظمة والمدربة والممولة؛ يعلن المجلس الإسلامي السوري مطالبته الواضحة والصريحة بإخراج كل القوى الأجنبية والطائفية والإرهابية من سورية، وعلى رأسها الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وميليشيا أبي الفضل العباس وكذلك ما يسمى (تنظيم الدولة).
ونعتقد أن من المهم أن يضاف إلى القائمة بعد أن ثبت التدخل الروسي المباشر على الأرض السورية وقوات الاحتلال الروسي البغيض. ولقد نص المبدأ الرابع في هذه الوثيقة الجامعة على وحدة سورية أرضا وشعبا واستقلالها وسيادتها وهوية شعبها. وهي بدهيات أولية كانت وستبقى حقائق ناصعة يجمع عليها كل السوريين العقلاء والأحرار. نقول العقلاء لأن الذين يلقون الكلام جزافا في الحديث عن تقسيم سورية لا يدركون الحقائق الجيوسياسية الضرورية لحياة الدول ونموها وازدهارها واستقرارها.
ونقول الأحرار لأن التقسيم لا يفكر فيه إلا المرتهنون لإرادات خارجية لم ترد يوما للشعوب وبالشعوب خيرا. وكما إن لعبارة وحدة سورية أرضا دلالتها الجغرافية، فإن النص على وحدة سورية (شعبا) دلالته الوطنية والديموغرافية والسيوسيولوجية.
فالمجتمع السوري بكل من فيه مجتمع متضام موحد. والبغي القائم فيه اليوم إنما يحسب على الوالغين فيه فقط. وكذلك فإن النص على استقلال سورية وسيادتها وهويتها لها دلالاتها السياسية الواضحة في الإطار الذي نتحدث فيه. ومن الحديث عن وحدة سورية أرضا وشعبا واستقلالها وسيادتها وهويتها، ومن الاستفادة من التجربة العملية التي مرت بأشقائنا في العراق، بعد الاحتلال الأمريكي البئيس، تعلن وثيقة المبادئ الخمسة للمجلس الإسلامي السوري رفضها لأي شكل للمحاصصة السياسية والطائفية.
لأنه في المجتمع المدني الموحد الذي نادت به الثورة السورية يوم هتفت منذ يومها الأول (واحد واحد واحد الشعب السوري واحد) ولأنه في دولة يسودها القانون والنزاهة والشفافية لا مكان للمحاصصات على أي خلفية من الخلفيات وإنما المكانة دائما للكفاءة والخبرة والاختصاص. والثغرة في عنق القوي الأمين القادر على تحمل أعبائها.... يتبع وثيقة المبادئ الخمسة (2)...
مركز الشرق العربي
حسين شبكشي
أحمد أبازيد
أحمد موفق زيدان
المسلم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة