عريب الرنتاوي
تصدير المادة
المشاهدات : 7036
شـــــارك المادة
المراقب للتصريحات والمواقف التركية الأخيرة حيال الأزمة السورية، يلحظ ارتفاعاً لافتاً في "نبرة" الخطاب، واستعجالاً غير مسبوق، في استدعاء "الإجراءات الملموسة"، و"بلورة خريطة دولية" للخروج من الاستعصاء السوري... لكأن الدبلوماسية التركية في سباق محموم مع الزمن، سيما بعد تكليف كوفي عنان بالملف السوري، مبعوثاً أممياً وعربياً، والبيان الرئاسي الصادر بالإجماع عن مجلس الأمن، دعماً لخطة النقاط الست، التي جال بها الأمين العام السابق، على المسؤولين السوريين، وصناع القرار الإقليمي والدولي.
القيادة التركية بدأ ينتابها القلق الشديد حيال مآلات الأزمة السورية... فهي توقعت رحيلاً وشيكاً للنظام، لكن النظام لم يرحل بعد، ولا يبدو أنه سيرحل قريباً وفقاً لآخر المؤشرات، في المقابل، ما فتئت تركيا، وبالذات محافظاتها الجنوبية، تستقبل اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة، وإلى جانبهم، ضيوف غير مرغوب بهم، من عناصر ونشطاء حزب العمال الكردستاني، الذي تشير كافة الدلائل، إلى أنه بصدد استعادة "شهر العسل" مع النظام السوري... ثم أن المواقف والسياسات الأخيرة لتركيا حيال سوريا، بدأت تثير حنق ورفض قطاعات متزايدة من الرأي العام والنخب السياسية والثقافية والاجتماعية والإعلامية التركية، التي أخذت تتهم قيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم بانتهاج سياسة "الرقص على حافة الهاوية". وعلى وقع التحضيرات لمؤتمر اسطنبول لـ"أصدقاء سوريا"... تجهد الدبلوماسية التركية، مدعومة بحلف رباعي يضم إلى جانبها، كل من قطر والسعودية وفرنسا، لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد: (1) فهي تسعى في رفع سقوف مهمة عنان، وتريد أن تحصر تفويضه في تنفيذ آخر المبادرات العربية القائمة على تنحي الأسد عن كرسي الرئاسة... (2) فرض "ممرات آمنة عميقة" وفقاً لوصف أحمد داود أوغلو، متخطياً حدود الـ20 أو الـ30 كيلومتراً التي كان يجري الحديث عنها، لتصل إلى دمشق أو درعا إن اقتضت الضرورة... (3) فرض منطقة آمنة بقوة الجيش التركي، مدعوماً بمظلة عربية (خليجية بخاصة) ومرجعية "أصدقاء سوريا" بعد أن تعذر إنشاؤها بقرار من مجلس الأمن الدولي... (4) والأهم من كل هذا وذاك، فإن أنقرة تريد إحلال إطار "أصدقاء سوريا" بعد توسيعه، محل مرجعية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بعد أن ثبت لها أن فشل المنتظم الدولي في إنفاذ مشروع تغيير النظام في دمشق... وتريد لمؤتمر إسطبنول نتائج مغايرة لمؤتمر تونس الذي اتسمت قراراته بطبيعة إنشائية، في حين بات المطلوب اليوم، اتخاذ خطوات عملية، بما فيها "شرعنة" العسكرة والتسليح والتدريب. ومن أجل خدمة هذه الأغراض، استنفرت أنقرة كامل جهازها الدبلوماسي وثقلها المعنوي والسياسي، من أجل ترميم الشقوق الآخذة في الاتساع في جدران المعارضة السورية، خصوصاً المجلس الوطني السوري، الذي نشأ في أحضانها وبدعم قوي منها... لذا بادرت إلى توجيه الدعوة لعقد مؤتمر موسع وطارئ للمعارضة السورية، وبمشاركة أطياف من خارج المجلس -لم تتأكد بعد هوية هذه الأطراف-... والهدف إعادة تقديم المعارضة (الخارج) للمجتمع الدولي بوصفها معارضة قوية ومتماسكة من جهة، ودفع المعارضة السورية لطلب "الممرات العميقة" و"المنطقة الآمنة" من جهة ثانية، والمقرر أن يلتئم شمل مؤتمر المعارضة قبل 48 ساعة من انعقاد مؤتمر "أصدقاء سوريا" الذي جرى تقديمه عن موعده الأصلي بيوم واحد. وتجد أنقرة في مسعاها هذا، دعماً قوياً من قبل دولتين عربتين على الأقل، هما السعودية وقطر... حيث تبذل الدولتان جهوداً متسقة مع جهود أنقرة لتحقيق الأغراض ذاته، وثمة ما يشي بأن عملية "تقسيم عمل ومهمات" قد جرى تنسقيها بالتعاون مع الخارجية الفرنسية على هذا الصعيد... كأن تسعى قطر بدعم خليجي بالاحتفاظ برئاستها للجنة الوزارية العربية الخاصة بسوريا، حتى بعد انتقال رئاسية القمة العربية من قطر للعراق في السابع والعشرين من الشهر الجاري عندما تلتئم القمة العربية في بغداد، وثمة معلومات عن "بازار مساومات ومقايضات" مفتوح، من تحت الطاولة وفوقها، مع حكومة المالكي بصدد البيان الختامي للقمة ورئاسة والمشاركة فيها أم مقاطعتها، ومستوى المشاركة وإلى غير ما هنالك مما هو مألوف في عالم القمم العربية. أنقرة حرقت سفنها مع نظام دمشق تماماً... ولقد سبق وأن قلنا في هذه الزاوية، بأن الدبلوماسية التركية أطلقت النار على أقدامها، وما عاد بمقدورها أن تدخل الملف السوري إلا من بوابة المعارضة فقط... وتساور أنقرة أسوأ الكوابيس من مجرد التفكير بالعودة للتعامل مع نظام الأسد، وهي تفكر بكل الخيارات ما عدا هذا الاحتمال... وثمة ما يشي بأن الخلاف التركي السوري، قد دخل في طورٍ من "الشخصنة" الذي يجعل الدبلوماسية فاقدة لقدرتها على اقتراح الحلول والمبادرات الخلّاقة... ولقد ثبت بالملموس في الحالة التركية، أن ممارسة الدبلوماسية شيء، وتدريسها في الجامعات أو التنظير لها، شيء آخر مختلف تماماً. ثمة ما يشي أن تركيا مقدمة على اتخاذ خطوات لم تكن ترغب في اتخاذها، لكل ما سبق ذكره من أسباب وعوامل واعتبارات... وفي ظني أن أية مواجهة قد تنجم عن أي مغامرة تركية في سوريا، سوف تدخل المنطقة والعلاقة بين أممها الأربعة: العرب والأتراك والفرس والأكراد، في حرب المائة عام من جديد... وعندها لن ينفع القول بأن المسؤولية تقع على كاهل نظام دموي زائل في دمشق... عندها لن تجد أنقرة من يشتري حكاية "البعد الإنساني" لتدخلها في الشأن السوري... عندها ستنقلب خرائط التحالفات والاصطفافات في المنطقة برمتها... وسنعيد قراءة كتاب الدكتور أوغلو "العمق الإستراتيجي" ولكن بعيون مختلفة هذه المرة. هل ستنجح أنقرة وحلفاؤها في إعادة صياغة مهمة كوفي عنان؟... هل يشق مؤتمر "أصدقاء سوريا" طريقاً التفافياً حول مهمة كوفي عنان؟... هل ستنجح الدبلوماسية التركية المدعومة من بعض دول الخليج، في إعلاء شأن التدخل الخارجي والعسكرة والتسليح؟... هل ستنجح تركيا في إعادة ترميم صورة المعارضة وصوتها؟... كيف ستتصرف المعارضات السورية الأخرى حيال الدعوة التركية؟... ما مصير مؤتمر المعارضة في دمشق؟... وكيف سيتصرف النظام حيال "الهجوم التركي" المضاد على مهمة عنان؟... وكيف ستتصرف روسيا التي نجحت في اختطاف كثير من الأدوار من أيادي بعض أصدقاء النظام (إيران) وكثير من خصومه (قطر، السعودية وتركيا)؟.... هل يمنح العرب تفويضاً لتركيا للقيام بأدوارهم في سوريا نيابة عنهم؟... ما أثر قرارات القمة العربية على كل هذا وذاك وتلك؟... وفي أي اتجاه ستصدر هذه القرارات، ومن سيتولى ملف سوريا في الجامعة العربية، قطر أم العراق؟... وأخيراً من سيتحمل وزر حرب عربية - تركية نعرف متى تبدأ وكيف، ولكن أحداً لن يكون بمقدوره الآن أن يعرف متى ستنتهي وكيف.... أسئلة وتساؤلات برسم الأيام القادمة.
المصدر: الدستور
غسان شربل
فراس الزوبعي
وائل مرزا
غازي دحمان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة