أحمد دعدوش
تصدير المادة
المشاهدات : 4631
شـــــارك المادة
قبل بداية 2013 كانت آمال الثوار أن يكون عام الحسم، ومع أفول شمس هذا العام الحافل بروائح الدم والبارود وغاز السارين، يبدو المشهد السوري أكثر تعقيدا من قدرة أي محلل على استشراف مستقبله وتلمس آفاقه. فقد انتهى عام 2012 مع إعلان الائتلاف الوطني المعارض إمكانية موافقته على نشر قوة دولية لحفظ السلام إذا تنحى الرئيس بشار الأسد.
لكن الشهر الأول من عام 2013 شهد غارة إسرائيلية على مركز للبحث العلمي يتبع جيش النظام قرب دمشق، وهي غارة استثمرها النظام إعلاميا للضرب مجددا على وتر المؤامرة الدولية التي تستهدفه. في الوقت نفسه، كان الثوار يؤكدون أنهم سيطروا على قرابة نصف مساحة البلاد، وكانوا قد أعلنوا للتو عن معركة "تحرير" حماة، لكن هذه المعركة لم تحقق هدفها وسط قصف النظام المتواصل على أحياء سكنية في مناطق عدة من المحافظة، كما لم تنجح أيضا معركة "الملحمة الكبرى" في نقل الصراع إلى قلب دمشق، بينما لا يزال الثوار حتى الآن يحافظون على مواقعهم في أحياء عدة بالعاصمة مثل جوبر وبرزة ومخيم اليرموك والقابون، بعد أن أحالها النظام خرابا. شهد فبراير/شباط أيضا المزيد من التصعيد الطائفي مع تزايد تدخل اللبنانيين الشيعة في القتال حول بلدة القصير غرب حمص، وتعالت نداءات الثوار طلبا لتدخل دولي يتصدى لتوغل حزب الله اللبناني الذي سرعان ما سيطر على ثماني قرى حدودية.
بينما شهدت دمشق مجددا انفجارا ضخما قرب مقر حزب البعث أسفر عن مقتل نحو خمسين شخصا وسط تبادل الاتهامات بين النظام والثوار، في وقت أكدت فيه هيومن رايتس ووتش أن النظام كان يستخدم بالفعل الصواريخ البالستية ضد مناطق مدنية بالكامل، مما أدى إلى مقتل 141 شخصا معظمهم من الأطفال خلال أسبوع.
تصعيد ومذابح: وفي الثامن من أبريل/نيسان، أخذ الصراع على الأرض السورية بعدا أكثر تعقيدا مع إعلان زعيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" أبو بكر البغدادي عن تبعية تنظيم جبهة النصرة لتنظيمه، وفي اليوم التالي رفض زعيم النصرة أبو محمد الجولاني هذا القرار وأعلن البيعة لأمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، لتبدأ بذلك سلسلة من الاضطرابات التي زادت من تورط الثورة السورية في الصراعات الإقليمية. ومن جهة أخرى، عادت عجلة المذابح الجماعية للدوران في مايو/أيار، فشهدت قرية البيضا قرب بانياس الساحلية مذبحة طائفية ذهب ضحيتها نحو 150 مدنيا معظمهم من النساء والأطفال. وبالرغم من التنديد الدولي وفداحة التقارير والصور فقد أعاد النظام تملصه من المسؤولية، بينما ضاعف الثوار نداءاتهم لتدخل دولي يتصدى لما أسموه خطة تهجير طائفي وتأسيس دولة علوية في الساحل السوري، حيث تواصلت المذابح في المنطقة لأكثر من يوم. وفي أوائل يونيو/حزيران، احتفل النظام وحزب الله في مظاهر كرنفالية بسقوط بلدة القصير في حمص، مما دفع المجلس العسكري الثوري في حلب للتهديد بنقل المعركة إلى داخل لبنان. في حين تقدمت كتائب الثوار في محافظة الرقة واستكملت سيطرتها على مطار منغ العسكري المحاذي للحدود مع تركيا، والذي كان مسؤولا عن الكثير من أعمال القصف والغارات ضد القرى الشمالية. ومع تواصل حالة الصمت الدولي إزاء حمام الدم السوري، استيقظ العالم فجر 21 أغسطس/آب على مجزرة ذهب ضحيتها نحو 1500 شخص معظمهم من النساء والأطفال في ريف دمشق، وذلك نتيجة قصف بصواريخ تحمل غاز السارين السام. ونظرا لضخامة عدد الضحايا وللصدمة التي أحدثتها صور جثث الأطفال، فقد تسببت المجزرة بردود فعل عنيفة، وأتبعها الرئيس الأميركي باراك أوباما بتهديد شديد اللهجة جراء تخطي نظام الأسد للخط الأحمر الذي سبق لأوباما أن حدده ممثلا بـالسلاح الكيميائي، وحبس العالم أنفاسه بانتظار ضربة عسكرية محتملة، إلا أن النظام تمكن مجددا من تفاديها عبر التخلص من سلاحه الكيميائي وكسب المزيد من الوقت لحسم معركته مع الثوار.
تشابك القوى: لم يعلق الثوار الكثير من الآمال على الفقاعة الإعلامية التي أحدثتها مداولات السياسيين حول العالم بشأن الضربة التي لم تقع، وتابعوا معاركهم في شتى المحافظات ضد قوات النظام والكتائب المتحالفة معه، مثل مليشيات "الجيش الوطني" التي شُكلت لتنظيم عناصر الشبيحة، ولوائي "أبو الفضل العباس" و"ذو الفقار" العراقيين، إضافة إلى الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني. وتمكن الثوار في شهر سبتمبر/أيلول من السيطرة على عشرات القرى جنوب حلب، وأحرزوا بعض التقدم في درعا والرقة وحماة، بينما اضطروا إلى الانسحاب من بلدة معلولا المسيحية في ريف دمشق "حقنا للدماء". وانتقد الائتلاف الوطني السوري -في بيان أصدره بشهر أكتوبر/تشرين الأول- العراق لتدخلها "المباشر وغير المسبوق" في سوريا، وقال إن حكومة بغداد "التي يهيمن عليها الشيعة" قدمت تسهيلات "لمليشيات طائفية بدخول سوريا والقتال إلى جانب الأسد"، وذلك على هامش هجمات شنتها قوات عراقية في ريف دمشق بالتنسيق مع مليشيات كردية وفقا لناشطين. ومن جهة أخرى، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على بلدة إعزاز المشرفة على معبر باب السلامة الحدودي شمال سوريا بعد اصطدامها بلواء عاصفة الشمال التابع للجيش الحر في منتصف سبتمبر/أيلول. وبدأت بذلك مرحلة جديدة من الصراع بين الكتائب الثورية مع تصاعد بعض الأصوات في أوساط المعارضة لعزل تنظيم "الدولة الإسلامية" واعتباره طرفا ثالثا، وخصوصا مع اتهامه من قبل بعض الثوار بالاختراق من مخابرات النظام، لكن هذا كله لم يمنع التنظيم من مواصلة توسعه في مناطق بشمال حلب وإدلب واقترابه من المعابر الحدودية، وهو حريص على استعراض مظاهر قوته أينما حلّ.
وفي خطوة اعتبرها البعض رد فعل تجاه تصاعد "قوى القاعدة"، أعلن 43 تشكيلاً عسكرياً في أواخر سبتمبر/أيلول عن انضوائهم تحت "جيش الإسلام" بقيادة زهران علوش، ثم أعلن بعد أقل من شهرين عن اندماج جيش الإسلام مع عدد من كبار فصائل الثوار في تكتل واحد يسمى "الجبهة الإسلامية"، وهو يهدف في ميثاقه لإسقاط النظام و"بناء دولة إسلامية راشدة". وقد أعلنت الجبهة الإسلامية لاحقا انسحابها من هيئة أركان الجيش الحر، مما يعني إفراغ الجيش الحر من معظم قوته في الوقت الذي تستعد فيه المعارضة للذهاب إلى جنيف للتفاوض على حل سياسي للأزمة. وفي الثامن من ديسمبر/كانون الأول أعلنت عشرات الفصائل الأخرى انضمامها إلى تكتل جديد حمل اسم "جبهة ثوار سوريا"، هدفه "إعلاء كلمة لا إله الا الله وإسقاط النظام وحماية الأنفس والبلاد والحفاظ على سوريا موحدة أرضاً وشعباً". ومع اقتراب العام من نهايته، يبدو المشهد أكثر تعقيدا مما كان في بدايته، فثمة اتهامات متبادلة بين كتائب عدة بالتقصير في مساندة بعضها، ويتبادل النظام والثوار الكر والفر في ريف دمشق وحلب وحمص مع احتفاظ كل منهما بمناطق نفوذه، بينما يقترب عدد القتلى على يد النظام من 103 آلاف، ويزيد عدد المباني التي دمرها على 900 ألف، ويدنو عدد النازحين في الداخل من 6.4 ملايين فضلا عن أكثر من نصف هذا العدد في الخارج. الجزيرة
حسين عبد العزيز
محمد ياسر الطباع
سعد محيو
سمير حجاوي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة