..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

طبول الحرب

مجاهد مأمون ديرانية

١٦ نوفمبر ٢٠١١ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3164

طبول الحرب
111.jpg

شـــــارك المادة

رسائل الثورة السورية المباركة (61): طبول الحرب

-1-
إني أسمع قرع الطبول، ومن لا يسمعه؟ لقد كان منذ شهور قرعاً خافتاً يأتي من بعيد فلا يكاد يَبين، فاقترب اليومَ حتى علا ضجيجُه فغطى على كل صوت، ولن نلبث إلا قليلاً حتى نرى عياناً ما استشرفناه بالسماع.
ها قد أمسى مساء الأربعاء ولم نسمع -بعدُ- أيّ شيء عن نتائج الاجتماع الوزاري الذي عُقد في الرباط اليوم على هامش المنتدى العربي التركي، لذلك سنبقى على ما تتحدث عنه التوقعات: "اتفاق متوقع بين تركيا والدول العربية على إنشاء مناطق عازلة داخل الأراضي السورية". البعض يقولون: إن الجامعة ستطلب من مجلس الأمن إصدار قرار يُجيز التدخل لحماية المدنيين عبر تركيا والأردن، وآخرون يتحدثون عن توفير غطاء دولي وعربي لتدخل تركي مباشر على الأراضي السورية انطلاقاً من اتفاقية بين حافظ الأسد وتركيا تمنح الجيش التركي الحق بالدخول إلى الأراضي السورية -بعمق كيلومترات وعلى طول الحدود بين البلدين- في حال ارتأت تركيا أن ثمة ما يهدد أمنها ويستدعي هذا التدخل. أنا لم أسمع بتلك الاتفاقية من قبل، لكن لو كانت صحيحة فعلاً فإنها هي نفسها خير غطاء للتدخل التركي، لأن العمليات العسكرية التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي تُعتبر تهديداً للأمن التركي بالتعريف السابق.
قبل يومين كان الأمين العام للجامعة العربية في زيارة لتونس، ومن هناك دعا إلى فرض حماية دولية للمدنيين في سوريا، متعللاً بأن الجامعة لا تملك الإمكانيات الكافية للقيام بذلك وحدها، وقال: "ليس من الخطأ أن نذهب إلى مجلس الأمن الدولي، فهو المنظمة الوحيدة القادرة على فرض مثل تلك الإجراءات".
إذن؛ يبدو أننا نقترب بسرعة من بدء الحملة على سوريا، وفي هذه الأثناء تستمر التطورات: تركيا تدعو المجموعة الدولية لوقف نزيف الدم في سوريا. تركيا تعترف بالمجلس الوطني السوري بوصفه إطاراً سياسياً معبراً عن إرادة الشعب السوري. رداً على الطلب السوري لعقد قمة طارئة: الأمين العام للجامعة: طلب سوريا عقد قمة طارئة يتطلب موافقة 15 دولة؛ مجلس التعاون الخليجي: طلب عقد قمة عربية غيرُ مُجدٍ حالياً. اقتحام السفارة الأردنية في دمشق بعد لقاء للملك عبد الله الثاني مع القناة البريطانية دعا فيه بشار الأسد إلى التنحي. سفارات المغرب والإمارات وقطر في دمشق تتعرض للاعتداء. فرنسا تستدعي سفيرها في سوريا. الأمين العام للجامعة العربية يدعو إلى اتخاذ ما يلزم لوقف نزيف الدم المستمر في سوريا. وزير الخارجية التركي: القيادة السورية لم تحترم الالتزامات التي قطعتها على نفسها بعد قرار الجامعة العربية، وسوف تدفع ثمناً باهظاً بسبب ذلك.
-2-
كثيرون بدؤوا يسألون: هل هي ليبيا ثانية في سوريا؟ الجواب: ولماذا ليبيا تحديداً؟ ألأنها النموذج الأقرب في التاريخ أم لأوجه الشبَه بين النظامين؟ ربما، لا أحد يستطيع أن يُثبت أو أن ينفي في هذه اللحظة، لكن دعونا نوسّع الاحتمالات قبل التسرع بالجواب.
شاهدنا في الماضي نماذج كثيرة للتدخل الخارجي -الغربي خاصة- في نزاعات إقليمية ومحلية، ولم يكن اثنان منها متماثلَين تماماً. خذوا مثلاً التدخل الدولي في أفغانستان بعد الغزو السوفييتي، حيث اقتصر دور التحالف الأميركي/ الباكستاني/ الخليجي على تزويد المجاهدين بالسلاح والمال والدعم اللوجستي والاستخباراتي والسياسي، وقام المجاهدون أنفسهم بالعمل الميداني كله وصولاً إلى إلحاق الهزيمة بالجيش الروسي وإسقاط النظام الشيوعي بعد عشر سنوات من الحرب.
بعد ذلك بسنتين قادت أميركا بنفسها تحالفاً دولياً موسعاً -من أربع وثلاثين دولة- لإخراج العراق من الكويت، واعتمدت تلك الحملةُ العسكرية الكبيرة على الحرب من الجو حيث شنّت ألفان وخمسمئة طائرة مقاتلة أكثرَ من مئة ألف غارة على الأهداف العراقية، وبعدها حسمت القواتُ البرية للتحالف المعركةَ على الأرض في مئة ساعة فقط!
التدخل الدولي في كوسوفو (1999م) أخذ شكلاً جديداً، وكأنه مزيج من النموذجين الأفغاني والعراقي، فقد اقتصر دور التحالف الغربي على القصف الجوي الذي استهدف القوات العسكرية والبنية التحتية للدولة الصربية، وقامت بالدور الفاعل على الأرض قواتٌ محلية: جيش تحرير كوسوفو. كما أن التحالف الغربي لم يحاول إسقاط النظام الصربي، بل كان هدف الحملة هو حماية ألبان كوسوفو ودعم مشروع استقلال الإقليم عن صربيا، وقد تمت المهمة بنجاح جزئي، حيث خرج الإقليم عن سيطرة صربيا عملياً، لكنه بقي تحت حماية الأمم المتحدة منذ ذلك الحين.
نموذج التدخل الدولي في ليبيا يشبه النموذج الكوسوفي إلى حد ما، حيث كان الهدف الأصلي المعلَن والذي أُطلقت من أجله الحملة الدولية هو حماية المدنيين، ولكن إسقاط نظام القذافي كان هدفاً خفياً مُضمَراً لم يلبث أن اتضح لاحقاً -وتم بنجاح لحسن الحظ-. ولتحقيق الهدفين شَنّ التحالف الغربي (الأميركي/ البريطاني/ الفرنسي في البداية ثم حلف شمال الأطلسي في المرحلة اللاحقة)؛ شنّ حرباً جوية باستعمال القاذفات والصواريخ البالستية، فيما خاضت المعركةَ على الأرض جماعاتٌ محلية مسلّحة من المجاهدين الليبيين المدنيين وبقايا الجيش الليبي المنهار، وصولاً إلى النصر النهائي والقضاء على القذافي ونظامه -بفضل الله-.
-3-
ما يبدو حالياً هو أن التدخل الخارجي في سوريا سيكون نموذجاً معدَّلاً من خلطة تجمع بين النموذجين الأفغاني والكوسوفي/الليبي، مع استبعاد كامل -حتى الآن على الأقل- للنموذج العراقي الذي لا يبدو أن أحداً في سوريا يمكن أن يوافق عليه، أعني دخول قوات عسكرية غربيّة برية إلى الأرض السورية.
فيما يلي تصوري لأبرز خصائص حرب التحرير المنتظرَة في سوريا:
(1) يبدو أن الاعتماد الأكبر سيكون على الجيش السوري الحر الذي يتوسع باطراد، والذي يُتوقَّع أن يكبر بصورة انفجارية بعد بداية تنفيذ الخطة العسكرية، لا سيما وأن تقارير كثيرة تحدثت عن حالات انشقاقات "كامنة"، أي أن أصحابها اتخذوا قراراهم بالانشقاق لكنهم أجّلوا تنفيذه والإعلان عنه حتى الوقت المناسب، ومنهم عدد من أصحاب الرتب الرفيعة. وسوف يكبر الجيش الحر ويتوسع أكثر وأكثر عندما يُفتح باب التطوع في مرحلة لاحقة لاستيعاب الآلاف من الثوار الراغبين في الجهاد.
الجيش يحتاج إلى مال وسلاح، وهنا سيأتي الدور الأميركي والخليجي الذي قطع -فيما يبدو- شوطاً طويلاً في ترتيب ما يلزم للمرحلة المقبلة. هذه الجزئية تشبه سابقتها في أفغانستان ولا تخلو من مشابهة للوضع في ليبيا، لكن الحالة السورية ستنفرد بخصوصية المنطقة الآمنة التي سترتكز عليها عملية التحرير ارتكازاً محورياً، لذلك سبق الحديثُ عنها الحديثَ عن كل ما عداه، وذاع ذكرُها حتى صارت بحكم الأمر الواقع.
(2) سوف أناقش احتمالات هذه المنطقة في المقالة الآتية -بإذن الله-. ما يعنينا هنا الآن هو التأكيد على محوريتها في العمل العسكري المنتظَر، وكما تقول كل التوقعات التي تتحدث عنها فإنها ستكون منطقة آمنة أرضُها وسماؤها، أي أن الحظر الجوي سيكون تكملة لإنشائها وتحصيل حاصل لا بدّ منه، مع أن التوقعات ما تزال متضاربة بشأنه: هل سيكون حظراً شاملاً فوق سوريا كلها، أم سيغطي منطقتَي حظر شمالية وجنوبية كما حصل في العراق بعد حرب تحرير الكويت؟ الاحتمالات كلها واردة: حظر شامل، أو حظر على منطقة شمالية فقط، أو على منطقتين في الشمال والجنوب.
(3) العمليات العسكرية على الأرض ستكون محصورة -على الأغلب- بالجيش السوري الوطني -الجيش الحر-، على أن يتلقى ما يلزمه من أسلحة من الجهات الداعمة عن طريق تركيا، وربما عن طريق الأردن أيضاً في مرحلة لاحقة. الجيش التركي نفسه قد يشارك في العمليات الأرضية ولكن فقط ضمن حدود المنطقة العازلة -والله أعلم-، لكنه يمكن أن يوسّع عملياته في الشرق في مناطق التوتر الكردية إذا استمرت عمليات حزب العمال الكردستاني ضد الجيش التركي.
أيضاً لا أستطيع أن أستبعد احتمال التدخل العسكري التركي المباشر في منطقة الساحل في حالة معينة، لو تطورت الاعتداءات الطائفية -التي بدأت بوادرُها خلال الأيام القليلة الماضية- لتصل إلى درجة المجازر الجماعية والتطهير العرقي -لا سمح الله-. في هذه الحالة لن يكون مستبعَداً أن يحتل الجيش التركي -في عملية عسكرية خاطفة- منطقةَ الساحل، من يايْلاداغي على الحدود التركية إلى العريضة على الحدود اللبنانية، وهي منطقة تضم أكثرَ المواقع خطورة على المدنيين في الوقت الراهن، كما أنها أخطر الجيوب القابلة للانفجار في المستقبل، ولا يُستبعَد أن يكون فصلها في إقليم علوي مستقل واحداً من توجهات النظام الاحتياطية لو أنه فقد السيطرة على العاصمة، وهذا أمر لن تجازف تركيا بقبوله لأنه يمكن أن يحرك الأقلية العلوية على الأراضي التركية -وقد ناقشت هذه الفكرة في مقالة سابقة-.
(4) الأمر الأخير المهم هو الضربات الجوية. هل ستشهد سوريا ضربات جوية كما حصل في ليبيا وكوسوفو؟ حتى الآن لم نرَ ما يشير إلى أي استعداد لعمل من هذا النوع، لكن من الصعب تخيل عملية حربية كبيرة دون ضربات جوية، لا سيما وأن ميزان القوى على الأرض مختل كثيراً لصالح قوات النظام، كما أن أي حظر جوي لم يطبَّق في التاريخ العسكري المعروف دون ضرب الدفاعات الأرضية وأنظمة الرادار ومراكز التحكم والسيطرة. إذن فإن التفكير باستبعاد الضربات الجوية سيكون أقربَ إلى السذاجة، وبما أن الحرب على الأرض صارت أمراً واقعاً –تقريباً-؛ فإن الإسناد الجوي أمر محتوم، إلا أنني أرجو من القادة العسكريين للجيش الحر أن يكون لهم رأي صارم في هذه المسألة، وأن يعارضوا أي ضرب للبنية التحتية -من مطارات وموانئ وطرق وجسور ومصانع ومحطات الطاقة والمياه- وأن يقتصر الضرب على الأهداف الإستراتيجية للنظام.
لقد سبق وأن فصلت الحديث في ذلك كله في مقالة نشرتها قبل سبعين يوماً بعنوان "لماذا يجب أن نرفض الضربات الجوية؟"، فاسمحوا لي أن أنقل منها فقرة مهمة في هذا السياق، لو لم أكتبها حينها لكتبتها اليوم، حيث عارضت الضرب الجوي الشامل الذي يؤدي إلى تدمير الجيش والبنية التحتية للبلاد، وأيّدت ضرب أهداف إستراتيجية سيُضعف ضربُها النظامَ ويساعد على إسقاطه، قلت:
"يجب أولاً تحديد الأهداف المطلوبة، وينبغي أن تُختار على أساس أهميتها بحيث يفقد النظام تلقائياً -في حالة ضربها- جزءاً من قوته الضاربة التي يواجه بها الثورة الشعبية. قائمة الأهداف يمكن أن تشمل قيادات ومقرّات الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة في دمشق وضواحيها، وقيادات المخابرات العامة والمخابرات العسكرية والجوية في كفرسوسة وغيرها، وعُقَد الاتصالات التابعة للأركان العامة، والقصور الرئاسية في دمشق وبقية المدن، ويمكن تنفيذ هذه الضربات بواسطة قوات خاصة على الأرض أو بصواريخ موجّهة تنطلق من الجو أو من البحر، على أن تُضرب الأهداف بدقة عالية لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين. لا أريد أن يُنقَل عني ما لم أقله، لذلك سوف أعيد التأكيد: الذي أؤيده هو ضرب أهداف أمنية وعسكرية "محدودة ومنتقاة ويُتوقَّع أن تشلّ قدرة النظام على الاستمرار" وليس ضرباً جوياً موسَّعاً، وإنما أعيد هذا التأكيد لكيلا يظن أحدٌ أنني أدعو إلى ضربات جوية واسعة على الطريقة التي نفذها الناتو في كوسوفو.
إذا كان ما وصفته في هذه المقالة هو فعلاً خطة العمل العسكري الذي يتم إعداده لإسقاط النظام وتحرير سوريا، فإنه يعني إعلان الحرب على النظام، لأن إنشاء مناطق عازلة على الأرض السورية في الشمال والجنوب يستلزم دخول قوات تركية وأردنية إليها، وهذا ما سيعتبره النظام عملاً من أعمال الحرب، على الرغم من الغطاء العربي الذي ستتحرك تركيا تحته في البداية، وعلى الرغم من الحظر الجوي الذي يُنتظَر أن يُفرَض قريباً تحت غطاء دولي متوقَّع.
ما هي الطريقة التي يمكن أن يردّ بها النظام؟ ما هي احتمالات المناطق العازلة؟ ما هو الإطار الزمني المتوقَّع للبدء بتنفيذ خطة الحرب؟ هذا ما سأناقشه في المقالة الآتية -بإذن الله-. 

المصدر: الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع