أحمد أبو رتيمة
تصدير المادة
المشاهدات : 7220
شـــــارك المادة
صدري يختنق.. ضميري لم يعد يحتمل السكوت.. المحنة التي يتعرض لها إخواننا في سوريا تعرينا جميعاً وتضعنا في مواجهة سافرة مع أنفسنا.. هذا هو البلاء المبين.. الثورة السورية لم تكن ابتلاءً لإخواننا في سوريا وحدهم، بل هي محنة عامة للغربلة والتمحيص، وليميز الخبيث من الطيب، وليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين..
كان الله قادراً أن ينصر هذه الثورة منذ شهرها الأول، ولكن ثمة حكمة بالغة في إطالة أمدها لتتمايز الصفوف وليخرج الله ما في الصدور.. كم من الحقائق تكشفت في عمر الثورة السورية؟ وكم من الشعارات الزائفة تهاوت..؟ كانت هذه الثورة اختباراً لإيمان الشعب السوري فتبين الصادق من الكاذب، ورأينا من اختار الانحياز إلى الحق والعدل، ومن اختار الاصطفاف إلى جوار نظام القتل والإجرام.. لكنها لم تكن اختباراً للشعب السوري وحده، بل كانت اختباراً لمن هم خارج سوريا أيضاً، فتعرت حقيقة روسيا والصين، وتكشف تجردهما من كل خلق وإنسانية، وتبينت حقيقة نفاق المواقف الغربية أيضاً وبعدها عن اتخاذ مواقف جادة لنصرة الديمقراطية.. كما انكشفت حقيقة مهزلة النظام الرسمي العربي كما لم يحدث من قبل، وسقطت أسطورة إيران وحزب الله سقوطاً مدوياً كما لم يحدث من قبل أيضاً.. هذه المحنة العامة لم تستثن أحداً حتى طالتنا نحن أيضاً.. نشعر بالحرج مع كل يوم وأسبوع وشهر ينقضي دون أن تحسم الثورة، ونود لو أنها حسمت بسرعة فيرتفع عنا الحرج ونرجع إلى حالة الاستقرار.. ولكن غاب عنا أن بقاء الأمور في الدائرة الرمادية حتى حين مقصود لذاته للاختبار والتمحيص.. إن علينا بدل أن ننتظر انقشاع الغمامة وجلاء الصورة، أن نسارع إلى الالتحاق بالصادقين، وأن نسجل موقف شرف قبل فوات الأوان.. هي محنة عظيمة تتطلب منا الاختيار بين السياسة وما تقتضيه من تجرد من الأخلاق والإنسانية، أو بين الانتصار للإنسانية مع ما قد يحمله ذلك من مخاطر وصعاب.. وإن وقت الاختيار محدود للغاية؛ لأن كل دقيقة تمر في سوريا تعني مزيداً من الدماء والأشلاء والضحايا.. لقد أقضت سوريا مضاجعنا فما عاد في الوسع أن ننام نوماً هانئاً ونحن نرى مشاهد الموت المروعة لأطفالنا ونسائنا من هناك.. إن إنسانيتنا ذاتها في خطر، وعلينا أن نسارع لإنقاذ كرامتنا وليس لإنقاذ شعب سوريا وحسب.. إن كل ما تلقناه من دروس ومحاضرات حول المبادئ لم يعد لها قيمة إن لم تجد طريقها اليوم نحو العمل.. لأنني أنتمي إلى بني آدم قررت التظاهر نصرةً لمن ينتمون إلى بني آدم في سوريا.. أعتذر أن تكون كل هذه المقدمة السابقة لمجرد تظاهرة، لكن هذا هو جهد المقل فاعذرونا يا أهل سوريا.. قد بادرت بنفسي لهذه الدعوة في غزة لأنني لا أريد أن يقال: إن غزة لم تتظاهر نصرةً لسوريا، واخترت أن أدعو لهذه التظاهرة بنفسي لأنني أود أن يخرج الشعب الفلسطيني من حالة الاستقطاب الحزبي التي قتلت حيويته وعطلت طاقاته وقدراته وجعلته رهينةً للقرارات والاعتبارات الحزبية.. كان شعوري بضرورة إعادة الاعتبار للشعب وإعادة تفعيل الطاقات الشابة دافعاً لي بأن أتخذ هذا القرار بمبادرة شخصية وأن أعتمد وسائلي الخاصة في الحشد والتحضير.. يسألني الناس كم تتوقع أن يحضر هذه التظاهرة، فأقول لهم: ليس هذا مهماً.. المهم أن يكون هناك موقف لأعبر عنه حتى لو كنت لوحدي.. كثيراً ما تراودني فكرة "تظاهرة الفرد الواحد".. فلا يقاس نجاح التظاهرة بعدد من شاركوا فيها، بل يقاس بأن يكون هناك موقف للتعبير عنه حتى لو كان الفرد لوحده. في قرآننا نجد إعلاءً لقيمة الموقف الفردي، حيث يخلد القرآن مواقف لأفراد كانوا وحدهم في مواجهة التيار الاجتماعي الجارف، ومع ذلك يخلد القرآن مواقفهم ليكون في ذلك عبرة لنا بأن نثق بفرديتنا وألا ندع تيار المجتمع يجرفنا ويلغي شخصياتنا، فمؤمن آل فرعون الذي يفرد القرآن سورةً كاملةً تتحدث عنه كان فرداً، ومؤمن آل ياسين الذي جاء من أقصى المدينة يسعى كان فرداً، وإبراهيم –عليه السلام- كان وحده ومع ذلك وصفه القرآن بأنه أمة؛ {إن إبراهيم كان أمة..}... إن المجتمعات تنتظر من يكسر جدار الخوف ويأخذ بزمام المبادرة لتتبعه، ونسأل الله - عز وجل - أن يكتب لنا أجر السبق فيحرك بنا ركوداً ويجعلنا سبباً في الحياة بعد الموت..
المصدر: رابطة العلماء السوريين
يحيى العريضي
مجاهد مأمون ديرانية
عبد المنعم زين الدين
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة