ديمتري أريشكن
تصدير المادة
المشاهدات : 6093
شـــــارك المادة
الكرملين بحاجة لإغلاق الفجوة التي ظهرت في سمعة بوتين بعد الهزيمة الكاملة على الجبهة الأوكرانية.
الحملة العسكرية الروسية في سوريا مجرد خطوة دعائية وخطاب بوتين في الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، جاء من أجل الدعاية لاقتراح وإنشاء ائتلاف واسع ضد داعش (الدولة الاسلامية)، والغرب لن يستطيع رفض هذا الاقتراح لأن الأمر مرتبط بالرأي العام الذي قد أدان حقيقة رفض اوباما لليد الممدودة من بوتين للتعاون وعلى هذا كان الرهان، حيث يمكن في إطار الدعوة لهذا الائتلاف، أن يجد حلاً لمشكلة تقبّل نظام الحكم في سورية من قبل المجتمع الدولي، وتصديه لهذه المهمة وهي الحفاظ على نظام بشار الأسد، ولذلك لديه مهام يجب تحقيها مع هذه المهمة.
أولا: يتعين على الرئيس الروسي أن يظهر للمواطن المحلي (الروسي)، كم هو قوي وحاذق، وأنه لا يقبل التسليم لحلف الولايات المتحدة الأمريكية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الحاجة لإغلاق الفجوة في سمعة بوتين، والتي ظهرت بعد الهزيمة على الجبهة الأوكرانية، ينبغي عليه الخروج من أوكرانيا مع الحفاظ على هيبة جيشه داخليا، ولذلك كان من الضروري عمل شيء آخر غير اعتيادي، على سبيل المثال، البدء بتحقيق مكاسب على أوباما في الفضاء الافتراضي للأزمة السورية.
والسبب الثاني: لمشاركة روسيا في النزاع السوري هو النفط و الغاز، إذا لم تكن سوريا مستقرة فإن مشروع جر أنابيب النفط والغاز من الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية شمالا باتجاه تركيا لن يكون موجوداً، حيث يوجد تفكير لدى تركيا لإنشاء مركز لشحنات النفط المستقبلية إلى أوروبا، وهذا يعني أن الشركات الروسية (غازبروم) و (روسنفت) ستواجه منافسة قوية وخطيرة في السوق الأوروبية.
الحل الوحيد لعرقلة هذه المشاريع هو سوريا والعراق، بحيث لا تسمح هذه الأنظمة بوضع خط أنابيب النفط عبر أراضيها ولذلك، يجب دعم هذه الأنظمة.
غير أن الأسباب الفعلية والواقعية للتدخل في سورية قليلة لدى روسيا، ومجمل دوافع الحملة العسكرية لبوتين على سورية هي لحد كبير خدعة، ولسوء الحظ فإن أنظمة الحكم في سوريا والعراق هي أنظمة شيعية والغالبية العظمى من المسلمين الروس هم سنة، بوتين سيعمل جاهداً للالتفاف على محاربة داعش، ولن يكون بمقدوره في الوقت الحالي مواجهة مسلحي داعش لأنهم سنة، مع العلم بأنه يوجد ما يقارب 20 مليون مسلم في روسيا، وبالطبع هم مسلمون لا يشبهون مسلمي داعش (مع احترامي للموقف الديني والاجتماعي لمسلمي روسيا من داعش).
في روسيا لا يوجد أي دعم أو حتى تفكير في إقامة دولة أو جمهورية إسلامية، ولكن إذا حصلت حرب أو أي نزاع معهم، فإن الوضع سيصبح أكثر تعقيداً، حيث سيتحرك السنة الأوزبكستان والتركمانستان في روسيا نفسها وسيسبب ذلك إضراباً كبيراً.
بالإضافة إلى ذلك ليس جميع الدواعش يقاتلون في سوريا، وحتى لو تم سحق الدواعش في سوريا بشكل تام، سيبقى لديهم ما يكفي من القوى البشرية الحية والأشخاص المعدون إعداداً فكرياً وعقائديا، والقادرون على تأهيل مجموعات متطرفة من أجل القتال في شمال الأوراسيا.
لذلك مواجهة داعش ليست من أوليات بوتين في هذه المرحلة، حيث قال إنه على استعداد للحديث عن الحرب ضدهم، وهو في الواقع يريد التدخل لتقوية جيش الأسد في عدة جبهات من أجل الحفاظ عليه، وهذا بدوره يعني زيادة الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية، في حين أن المحللين السياسيين الأمريكيين قد فهموا مسبقا نوايا بوتين، والآن هذه النوايا ستفهم بشكل واسع في الرأي العام الغربي.
من وجهة نظري، فإن الحملة العسكرية الروسية في سوريا، بعبارة ملطفة هي "مغامرة"، وسياسة دعائية تظليلية مستهلكة لن يتمكن بوتين في الفوز بها،.
الآن معظم سكان روسيا لا يدعمون فكرة التورط في حرب جدية كبيرة في الشرق الأوسط، ولكل حرب منطقها الخاص، الدعاية التظليلية المستهلكة ستتحول تدريجيا إلى دعاية معادية للمطالب الاجتماعية لفئات واسعة من الشعب على أساس مادي. الحرب هي الشيء الممكن دخوله بسهولة ولكن من الصعب الخروج منها.
لذلك أعتقد أن الوضع في سوريا بات يتأجج تدريجياً، ويمكن أن نصل معه الى صراع مع الغرب.
في السابق كنت أعتقد بأن ما يقوله بوتين مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي وسيتوقف عند هذا الحد، لكنه وللأسف قرر الدخول في لعبة إلقاء القنابل.
أنا آمل بالطبع ألا نصل الى أفغانستان ثانية، ولكن الحقيقة هي أن التاريخ الأفغاني يعيد نفسه على الطريقة السورية: حيث كانت المهمة الأساسية السيطرة على الجبهات الرئيسية والسيطرة على الوضع من الجو، وانتهى بنا الحال الى تسع سنوات من حرب ذهب ضحيتها من الجانب الروسي أكثر من 15 ألف شخص، واصيب عشرات الآلاف.
وإذا امتلك بوتين الذكاء الكافي لمعرفة متى يجب عليه التوقف سيكون ذلك جيداً، لكنه واحد من هؤلاء الناس الذين يميلون في المواقف الحرجة إلى التصعيد، وهو يعتقد بأن الجميع يخافه، وهذا ما فعله مع أوكرانيا، حيث أنه عانى من الهزيمة، وبقي طوال الوقت يقصف ويقصف ويصعد من الأمور حتى ذهبت أوكرانيا بشكل كامل إلى أوربا، ودونباس (مدينة أوكرانية، دعمت روسيا فيها الانفصاليين) حاول اقتطاعها ودمجها بروسيا، أما ضم القرم فقد وضعه في موقف صعب.
في المشهد الخطابي السياسي هو بالفعل قد نجح بسبب أن هذه المقولة” القرم لنا" اليوم باتت حقيقة، حيث كان حلم الروس هو إعادة شبه جزيرة القرم لروسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وضم القرم لأوكرانيا، وقد أيده الروس بذلك بمؤيديه ومعارضيه، ولكن "أوكرانيا ليست لنا"، ولدينا مشكلة في ضم القرم، علاوة على ذلك أن تكرار عبارة القرم لنا مع الوقت سيؤدي إلى نتائج عكسية، لأنه في كل شهر وبسبب العقوبات تنخفض مستويات الدخل وترتفع الأسعار، واذا استمرينا على هذا المنوال من المديح بأن (ما قمنا به عمل بطولي) ستصبح الفكرة في عقول الشعب وخصوصا العقول البسيطة كالتالي:
الاستيلاء على جزيرة القرم أدى الى ارتفاع في الاسعار ومن ثم تخفيض الأجور.
وهذا ما حصل ويحصل، ولكن بالطبع الماكينة الدعائية تحاول عدم السماح بظهور أي فهم سلس ومنطقي لما يجري، لذلك ستبدأهذه الماكينة الاعلامية تتحدث عن شبه جزيرة القرم بشكل اقل وأقل و عن سورية بشكل أكبر، وبهذا الشكل سيبدأ لدى الجمهور تكوين انطباع بأن ارتفاع الأسعار ينبع من حقيقة أن أمريكا هاجمت سوريا، ونحن من واجبنا حمايتها.
--------------------------
* ديمتري أريشكن
- يحمل دكتوراه في الجغرافيا
- واحد من أشهر السياسيين الروس المعارضين لبوتين يكتب ويظهر في العديد من وسائل الإعلام الروسية وله العديد من المقالات والأبحاث بما في ذلك صحيفة "ازفستيا"، "ماسكوفسكي نوفستي"، "برافدا"، "سيفودنيا"، "موسكوفسكي كومسوموليتس"، "نوفايا غازيتا" ،"ديلي جورنال" وغيرها.
السوري الجديد
ترجمة/ إسماعيل محمد العودة الله
الجزيرة نت
فكرت بيلا
روجر أوين
يحيى أحمد محمود
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة