غسان شربل
تصدير المادة
المشاهدات : 4083
شـــــارك المادة
كان فلاديمير بوتين ينتظر الفرصة المناسبة لتصفية حسابه مع أميركا التي دفعت الاتحاد السوفياتي إلى المتاحف.
كان يريد أن يثأر من محاولتها تطويق روسيا بتحريك بيادق حلف الأطلسي قرب حدودها ومن تشجيعها الثورات الملونة على أطراف الاتحاد الروسي.
كان يحلم بهز ركائز صورة القوة العظمى الوحيدة وإنهاء عهد «الغطرسة الأميركية».
وكان يدرك أن عملية الثأر ممكنة مع وجود رئيس اسمه باراك أوباما يهجس بإعادة الجنود من الحروب ويُصاب بالذعر من فكرة إرسالهم إلى حروب جديدة.
رئيس أميركي يعتبر أن للقدرة الأميركية حدوداً وأن أميركا نزفت من جيشها واقتصادها ما يُلزمها التخلي عن الحروب الجوالة وسياسة اقتلاع الأنظمة.
وجد بوتين في الأزمة السورية فرصته الذهبية. لن يسمح بتكرار المشهد الليبي. لن يُمرر في مجلس الأمن ما يسمح بإعطاء ظلال من الشرعية لعملية اقتلاع النظام السوري.
ثم إن سورية يمكن أن تكون فرصة لاعتراض «الربيع الإخواني» وكسر الموجة الإسلامية. فرصة لإظهار حدود الدور الأميركي.
نجحت روسيا في عملية شراء الوقت للنظام السوري. وربما كانت تعتقد بقدرته على حسم النزاع على معظم الأراضي السورية إن لم يكن على كاملها.
عملية جنيف نفسها بدت من جانب موسكو أشبه بعملية لشراء الوقت. ظهر ذلك جلياً خلال انعقاد «جنيف 2».
حاول الأخضر الإبراهيمي عبثاً دفع الروس إلى دور أكثر جدية في البحث عن الحل. كان سيرغي لافروف يسارع الى إغلاق الباب. في المرة الأولى قال له إن محادثات «جنيف 1» لم تتطرق إلى مصير الرئيس بشار الأسد ما يعني أن الهيئة الانتقالية ستشكل في ظل الرئيس.
المرة الثانية كان أكثر وضوحاً قال: «إن قدرتنا على ممارسة الضغوط على الأسد أقل من قدرة الولايات المتحدة على ممارسة الضغوط على بنيامين نتانياهو».
فهم الإبراهيمي الرسالة وبدأ يرتب موعد خروجه من مهمته. وبفضل المساعدة الروسية الديبلوماسية والتسليحية ومعها المساعدة الإيرانية المالية والميدانية تمكن النظام السوري من البقاء لكن على جزء من الأراضي السورية.
في قراءة التحركات الروسية الجديدة اليوم لا بد من الالتفات إلى مجموعة عوامل جديدة.
الأزمة الأوكرانية والعقوبات الأميركية والغربية على روسيا. الإطلالة المدوية لـ «داعش» ونجاحها في إلغاء الحدود العراقية -السورية. أدت هذه الإطلالة إلى عودة الطائرات الأميركية إلى أجواء العراق وسورية في مهمات قتالية.
أدت أيضاً إلى إعادة ترتيب الأخطار والأعداء لدى كثيرين وبينهم المبعوث الدولي الجديد ستيفان دي ميستورا. والعامل الذي لا يمكن تجاهله أيضاً هو هبوط أسعار النفط وتهاوي سعر صرف الروبل الروسي.
ثمة من يذهب بعيداً في الشكوك وإلى درجة القول إن خطة دي ميستورا تحمل في طياتها صدى لأفكار روسية وإيرانية.
ويذهب هذا الفريق أبعد ليقول إن التحرك الأخير لنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف يرمي إلى توفير ثياب سياسية لخطة دي ميستورا وإلى ترسيخ فكرة بقاء النظام وتحويل الحل إلى مجرد تشكيل حكومة وحدة وطنية في سورية بعد تقسيم المعارضة أكثر مما هي مقسمة وهو ما أوحته إشارات بوغدانوف في لقائه معها.
من التسرع القول إن تهاوي سعر الروبل سيدفع روسيا إلى تغيير موقفها في سورية.
ومن التسرع أيضاً الاستنتاج أن روسيا تفضل أن تدفع في سورية لأنها لا تستطيع أن تدفع في أوكرانيا.
لكن من الخطأ الاعتقاد أن روسيا تستطيع تجاهل كل هذه العوامل الجديدة والتعامل معها كأنها لم تحدث.
سمع بوتين ولافروف في الشهور الماضية كلاماً عربياً يحض روسيا على لعب دور نشط في حل سياسي للأزمة السورية. ثمة من لفتهما إلى أن سورية تحولت مختبراً لإنتاج أجيال من المتطرفين وبينهم فتيان جاؤوا من الشيشان وداغستان وسيعودون في النهاية إلى الاتحاد الروسي.
وثمة من قال لهما إن خصوم النظام السوري الحالي لا يريدون أبداً تدمير ما تبقى من الدولة السورية في الإدارة والمؤسسة العسكرية والأمنية وأن الحل قد لا يستلزم إبعاد أكثر من أربعين شخصاً.
لم يلمس المتحدثون أن روسيا غيرت موقفها لكنهم يعتقدون أن العوامل الجديدة قد تفتح الباب لقراءة روسية أكثر واقعية إذا تبين أن تآكل الروبل قد يهدد بتآكل مشروع بوتين برمته.
لم تعد الأزمة السورية فرصة لروسيا لتسجيل النقاط. ها هي سورية تتحول فيتنام بشرية ومالية وأصولية ومذهبية.
إنها مكلفة للجميع ولا بد من إعادة القراءة. لا خطة دي ميستورا تكفي ولا ألاعيب بوغدانوف. إطفاء فيتنام السورية يحتاج إلى قرارات كبرى لا بد من اتخاذها. والمزيد من الانتظار لا يعني غير مضاعفة التكاليف وهي باهظة أصلاً. الحياة اللندنية
أسرة التحرير
خورشيد دلي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة