..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مرصد الثورة

الشهيد محمد قاسم آغا

٢٧ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3419

الشهيد محمد قاسم آغا
Untitled picture.png

شـــــارك المادة

أتعلمون أن أبا فيصل لم يتجاوز الثلاث والعشرون ربيعاً؟
أتعلمون أن أبا فيصل طالب في السنة السادسة في كلية الطب البشري في حلب؟!
أتعلمون أن أبا فيصل من حماة الأبية ؟
أتعلمون أن أبا فيصل وحيداً لأبويه؟
أأدركتم ذلك الآن، فلتعلموا أيضاً أن كل ما أراده أبا فيصل هو أن ينقذ حيواتٍ باتت هدفاً دائما لذلك الشبح الأسود المسمى بالموت الذي لم يهدأ للحظة أو ليوم، فقرر أن يلتحق بركب الجنود المجهولين

 

نعم أبا فيصل كان جندياً مجهولاً يعمل بصمت، ولكن بصمت جبار، صمت يزلزل معالم الكلام، فالتحلق بمشفى الشفاء في حلب ليعالج الجرحى والمصابين. 
لم يكن يأبه لمأكله أو مشربه أو حتى ملبسه، فقط قفازا يديه الأبيضين هما الشيء الوحيد الذي يتغير.
كان يلهث بين مريض يحمله سرير وآخر لم تحمله إلا قطعة قماش بالية ممددة على الأرض، فليس هناك أَسرّةً تكفي لتخفف عنهم آلامهم وتسعف الطبيب في علاجهم. 
أسبوع واحد كان وحده الفاصل الزمني بين حياته وموته..
أسبوع واحد جَهد فيه محمد على أن يدواي جراحهم بلا كلل ولا ملل فكسب قلوبهم ودعائهم له بالخير، وكأني أراه يبكي لدى سماعه لدعائهم له ولسان حاله يقول: هي لله هي لله، لا للسلطة ولا للجاه. 
وفي يوم 21/11/2012 عندما كان يعالج الجرحى الذين كانوا يتكاثرون حوله شاكين له جراحهم، فزعين من دمائهم، خائفين على أرواحهم. 
قرر المجرمون أن يتخلصوا من المشفى بكل وحشية. 
لم يكن ليرضيهم أن الجرحى الذين تأذوا بسببهم سيعالَجون من أوجاعهم، سيرجعون للحياة سالمين، ذلك ينغص عليهم حياتهم ويكدر مزاجهم ويخرب عليهم تلك الصورة الإجرامية التي رسموها للجرحى (الموت لا غي)
وعندما قرروا التخلص من المشفى لم يكن ذلك بإغلاقه أو احتلاله كباقي المشافي الأخرى لا بل برميه ببرميل ناسف يسويه بالتراب.
  ويدوي صوت في الأرجاء يصم الآذان من شدته.. تغطي المكان سحابة غبار كثيفة كئيبة تكتم الأنفاس، يتبعثر التراب ومعه قطع وشظايا قاتلة، ويعم هدوءٌ مقيت لثوان معدودة فقط، ثم تعم فوضى البحث عن الناجين... 
  الأمل بالعثور على ناج يبدو مستحيلا.. 
وفجأة تحت عذاب الركام هناك روح تتنفس، أحدهم يحاول التقاط أنفاسه، يحاول الصراخ علهم يسمعون لكن الركام يحجب صوته، كان هناك جسدٌ يبدوا أنه لمصاب مستلق على تذكرة المرضى ما زال على قيد الحياة والأنقاض من حوله، سارع الشباب لمحاولة إخراجه وفي كل لحظة يهمسون لبعضهم أين أبو فيصل؟ لم نجده بعد! .. وبعد محاولات حثيثة لإخراج الجسد وبعد أن حرروا الساقين من الأنقاض وجدوا رأسا!! يبدو أنه لرجل قد فارق الحياة..

أخرجوا المصاب.. لازال على قيد الحياة.. ثم عادوا إلى الرأس الذي وجدوه والوجه متجهٌ نحو الأرض..
حفرو قليلا من حوله ليجدوا يداً بقفاز طبي.. فـأدركوا عندها أنه شخص من كادر المستشفى، تابعوا الحفر حول رأسه حتى بان وجهه..
إنه أبو فيصل وقفازاه تحكي ذلك، كان مرمياً فوق جسد المصاب محاولاً إنقاذ حياته، وبعد ذلك أخرجوا جسده ووجدوا معه جسد فتاة كانت تعمل ممرضة في المشفى اسمها بشرى شيخو هي الأخرى لم تترك المصاب، حملوه بعيدا عن مسرح الجريمة التي ارتكبها الوحوش بحقه وقلوبهم تتقطع ألما وكمداً.
لا تحزنوا عليه يا إخوتي هو شهيد هو سعيد وليموتوا بغيظهم فخلف محمد ملايين الأبطال أمثاله كتب عنه عبد الرحمن الكيلاني:
نصف الوجه هذا للطبيب محمد قاسم آغا، طالب في السنة السادسة في كلية الطب.
  انضم الأسبوع الفائت إلى طاقم مشفى دار الشفاء في حي الشعار بحلب، وانفجر البرميل فوقه ظهر اليوم....

إلى أين تهرب يا دكتور محمد من كل طوابير المصابين الواقفين - وغالبا المستلقين - أمام عيادتك: دكتور قدمي تنزف، دكتور رأسي ينفجر، دكتور لساني نسي الحرف، دكتور أذني تحكني، دكتور أنا أسعل، يا دكتور أهذا نزيف من شظية أم مجرد رعاف؟ دكتور معدتي تصلبت من عدم الرغيف، دكتور عيني تعبت من متابعة الطائرات، دكتور لا أستطيع الركض، دكتور أريد المعركة والمعركة لا تريدني تقول أن لا أطراف لدي لحمل السلاح، دكتور أنا لا أسمع من الانفجار، دكتور سحبت أمي من الأنقاض فنسيت نصفها في الأسفل، دكتور أنا لا أنام من الألم، دكتور دكتور دكتور دكتور.....
وأنت بأعتى أسلحتك، عدة طبية كاملة بكل مشارطها وسكاكينها وأدواتها الرقيقة التي تتوغل في اللحم وتستخرج الشظية، تتنقل بينهم تحاول المساعدة، وعندما تضجر تصرخ بكل صوتك: تعبت يارب تعبت، يارب تعبت وأريد دكتور "
إلى أين ذهبت يا دكتور بكل هذه السرعة والانزلاق للأسفل واستعجال دفنك؟
  يا دكتور ليس في الأسفل مرضى، يا دكتور ليس في الأسفل جرحى، يا دكتور ليس في الأسفل إلا سرمديون شربوا إكسير الخلد وخلدوا ..
وأنت استعجلت اكسيرك يا دكتور.
موعد انتظرته في أول ساعة من بدئك الضغط والتوغل والسحب والتخييط، من حينها وأنت تترقب البرميل المكتوب عليه اسمك، هابطا ينتقم منك على كل تلك الحيوات التي أنقذتها من موته الدافق.
  كنت تتساءل لماذا تأخر؟
لم يتأخر، أسبوع من المهنة لا يكفي.
وكنت تحكي عن كم أن القتلة حمقى إذ انشغلوا بالجرائم الصغيرة ونسوا الانقضاض على أكبر أعدائهم.
  لقد تذكروا يا دكتور، انقضوا عليك.
وكنت تثق باحترافك المهنة وقدرتك على تفادي الشظية أو على الأقل تفادي النزيف وإبقاء الجروح مفتوحة على اتساعها، كنت تثق إلا أن الموت محتم أكثر من إنقاذ طبك يا دكتور.
لك السلام، وللرفيقين ولمرضاك ال13 السابقين أو الذين كانوا محتملين وتأكدت احتمالاتهم، وللإنسانية أكبر وأعرض سرير لديك، وكل أجهزة الصدمة والانعاش، ولهاثك من المحاولات ..
لا فائدة، ارفع أجهزتك عنها واندفن في خلدك..
ولينصب عليك ذلك الإكسير الحلو، بنفس المفاجأة والكثافة التي انصب بها ذلك البرميل.. واخلد
وكتب صديقه 
تركت أمك وخواتك اللي مالهن غيرك بعد وفاة أبوك
تركت مدينتك حماه الفداء وطلعت ع حلب الشهباء من بداية إعلان بدء تحريرها لتسعف الجرحى فيها
نيالك ياطبيب الإنسانية استشهدت وأنت عم تعالج الجرحى والكفوف موجودة على أيديك لحظة استشهادك

إهداء للشهيد
رحمك الله يا محمد كل ما أردت هو إسعاف الجرحى،
يالحجم صدقك مع الله حتى يكرمك بما تريد وأكثر
ليتنا نمتلك ربع همتك وشجاعتك التي ملكها قلبك
وليتنا نمتلك ربع تضحيتك التي قدمتها روحك
فليسكنك الله الجنة يابطل.

 

 

قصص شهداء الثورة السورية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع