محمد حسن عدلان
تصدير المادة
المشاهدات : 9668
شـــــارك المادة
الباب يقرع بدون موعد منذ الصباح ونحن في عطلة المدرسين الصيفية، لا أذكر العام بالضبط إلا أنه في أواخر القرن العشرين، نظرت زوجتي من ثقب الباب، كان هناك عنصران غريبان، أحدهما يحمل محفظة (سمسونايت) والآخر محفظة صغيرة كالجزدان. أسرعت إلي شاحبة وتنذر بالشؤم: أسرع إليهم يبدو أنهم من المخابرات :يا الله! ما هذا الصباح؟.
لقد تعودنا على أن من يأتي بدون موعد ويحمل المحفظة، فهو إنما جاء ليملأ محفظته، متطفلون غرباء كالسرطان، يرهبونك تحت مسميات متعددة: أمن، تموين، بلدية صحة زبالة ... هم رجال دولة الممانعة، نعرفهم من منظرهم الكريه، أو لهجتهم المليئة بالشتائم والكفر، فهم ينتشرون في الأحياء كضباط احتلال ولكن والله لا يفيدون الوطن بقشة، بل بالعكس يعيقون الأعمال، ويعرقلون السير ويزعجون من هب ودب، يجمعون الرشاوى، يملؤون محفظتهم ويعودون. الخلاصة: (خير ما فيهم ودخانهم يعمي العيون ) قمت وفتحت لهم : أهلا ، خير إن شاء الله؟. العنصر الأول: طبعا خير، عندنا كتاب قيم من خطابات سيادة الرئيس حافظ الأسد، وشراؤه ضروري للمثقفين أمثالك . العنصر الثاني: خاصة إذا كانوا في الخليج ، فهو مهم لرفع اسم الوطن هناك. ارتبكت، وفكرت في جواب لا يورطني.. سبق كلامي أحدهم: نحن لجنة لنشر الوعي الوطني، ومعنا تصريح من المسؤولين لتوزيع هذا الكتاب القيم . ورأينا سيارتك الخليجية فدلونا عليك، وناولني كتابا قميئا وهو يقول : ثمنه فقط (1500ل س) يذهب ريعه لطباعة خطب وصور القائد، وإذا دفعت أكثر فمن خاطرك. همست في نفسي: أين مكائد الشيطان من تفنن هؤلاء في اللصوصية، ألا يدرون أني أغيب سنوات، بعمل مضن، وأجر محدود، هاربا من ظلم حكومتي إلى ظلم الجشعين في الغربة، لأشتري سيارة متهالكة من مخلفاتهم ، أحضر للوطن لأعوض عما عانيت، فأواجه بمثل هذه الوجوه الكالحة، والذئاب المتربصة تريد تحويل تعب الناس إلى صور حافظ الكريهة وإلى جيوب المتطفلين اللصوص) أصررت على موقف، وأجبتهم : لا يوجد عندي مبلغ فائض فكل شي مخطط له، وليس هذا الكتاب القيم مدرجا بالخطة هذا العام، ثم أضفت: وعندي كتب للقائد مشابهة. صرخت زوجتي تناديني من الداخل، فقد كانت تسترق السمع: محمد ، تعال. تركتهم كالمستنكرين لوقاحة خائن الوطن، وأتيت لها ، قابلتني بزعيق تكتمه بصعوبة ولكن يعبر عن انفعالها، أفهمه ولا يصل لسمعهم : أعطهم ما يريدون ، أعطهم فقد يكيدوا لك بما لا تحمد عقباه، حاولت مجادلتها فردت متوسلة : أعطهم ، أعطهم واصرفهم ، اشتر سلامتك ، أتريد أن يبلغوا عنك ويستجوبوك ويهينوك، أيعجبك لو وضعوا اسمك على الحدود ومنعوك من السفر، سينقطع رزقنا ونموت جوعا، وبدت مرعوبة وكأن كارثة محدقة بنا. كانت وجهة نظرها صائبة، لقد كنت مثلها مرعوبا وقلقا فالوضع لا يطمئن، ولكن كنت أكابر وأتظاهر بالرجولة والعناد. ناولتهم النقود، وشكرتهم على وطنيتهم، فانصرفوا لصيد آخر. عندما ذهب الكابوس ، قلت لولدي متنهدا : ارم الكتاب في الحاوية . فصرخت زوجتي كأن أفعى لسعتها: وإذا شاهده عمال القمامة، أليسوا جميعا عملاء للمخابرات كما تعرف، بالتحقيق سيعرفون مصدره ونذهب بمصيبة. ولكن غدا في الرحلة لا يوجد حمام، فإذا فعلها الأولاد يمسحون بأوراقه، يكفينا لعدة رحلات إنه مفيد وقيم .
حذيفة عبد الله عزام
عربي 21
نيوز سنتر
العصر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة