مهدي الحموي
تصدير المادة
المشاهدات : 8768
شـــــارك المادة
هذه حماه... هنا لؤلؤة العاصي التي تمسك الصحراء بشرقها والساحل السوري بغربها...
وتحمل الحب والوفاء والحدائق الغنّاء في قلبها. سكن حبّها وجدان كل من زارها، وألهمت بالحب قلوب شعرائها، وفاض عشقها لغيرها فرمت له الأزهار من أشجارها المدلّاة فوق سطح نهرها الذي يحكي تاريخ حضارة أفاميا ومملكة أبي الفداء.
هنا أقدم مدينة في التاريخ ... هنا الاعتداد بالماضي... هنا مسجد النوري الذي بناه الأيوبون، وأهداه صلاح الدين منبرا مماثلاً لمنبر أهداه للمسجد الأقصى وآخر أهداه إلى المسجد الأموي في دمشق، ويراها الحمويّون تكريماً وتقديراً لدورهم البطولي في معركة حطين وما بعدها من الحروب الصليبية، كيف لاوهم من قيس و(إن قيساً ضراء الله ـ كما في الحديث. هنا المسجد الكبير الذي بني قبل العثمانيين والأمويين والخلفاء الراشدين وقبل المسيح وقورش، فاخشع إنك أمام مسجد دخله أبو عبيدة إبن الجراح وترك جروح ضربات سيفه على حديد نوافذه،وفتحه بعد أن كان معبداً وثنياً ثم صار كنيسة. هنا نهر العاصي الخالد الذي توضأ به الصحابة العظام، وتعزف نواعيره الغنّاء على شطآنه أنغام العشق الذي لا ينتهي مهما طال الزمان. هنا يرسل الملك المظفر الأيوبي والملك أبي الفداء كما الشهداء والعلماء من قبورهم رسائل إيحاء خفية تبعث على الاعتداد والإباء والنخوة. هنا ولد أول من قاتلوا المستعمرين الفرنسيين.. هنا ترضع الأمهات الحمويات أولادهن الحليب المحلّى بنكهة الوطن الحبيب، كيف لا ومنذ طفولتهم يسمعون( في المظاهرات وحتى في الأعراس) آيات الفخر التي تتردّد على ألسنة آبائهم بتاريخهم النضالي ضد الاحتلال الفرنسي، وهم يهتفون بها ـ الطيارة رميناها والدبابة حرقناها- . هنا شاهدت بندقية أبي (والتي كنت أحملها في طفولتي وأقف بها متباهياً أمام المرآة) والتي قاتل بها الفرنسيين، وقص عليّ قصص مشاركاته بها في كمائن القطار، وحصار ثكنة الشرفة، (وكيف أتى الجنود البريطانيون إلى الجنود الفرنسيين ليخلصوهم من أيدي الحمويين) و من هنا ذهب المجاهدون المتطوعون لحرب 1948. ومن هنا أيضاً ذهب مئات المتطوعين لقتال إسرائيل عبر الأردن بدفع من الشيخ مروان حديد عام 1969، واستشهد منهم صديقيّ مهدي الإدلبي (أبو معاذ) زهير سعدو (شرحبيل) وكذالك الشهيد نصر عيسى، ومن هنا أيضاً انطلقت رياح التغيير في سوريه في معظم مراحلها السياسية. ومن هنا ومنذ 1964 إنطلق أول النضال السلمي والتوعية ضد البعث الطائفي الاستبدادي وسلطته من السارقين والمارقين وأولاد الحرام. فقتل المجرمون 72 شهيدا ممن دافعوا عن بلدهم بسبب ذالك، وقتل بعضهم بجانبي. وهنا انطلق الثائر الأول القائد الشهيد مروان حديد ـ تلميذ العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد ـ بصوته الحازم وقلبه القوي وهمّته العالية، يدعوا إلى الثورة المسلحة ورفع العار والاستبداد، بالتضحية والنضال العنيد، قبل أن تثبت أقدام البعث الطائفي على الأرض، بعد أن لم يجدي الكفاح السلمي، ثم دفع روحه ثمناً لذالك، ولا تزال هذه الروح العظيمة تناديهم بالنضال حتى الانتصار أو الموت.. وقد لبّت حماة النداء منذ خمسين عاماً وما زالت تقاوم. هنا هاجمت قطعان نظام الأسد الأب الحاقدة هذه المدينة الرائدة في الثمانينات، ليفعلوا المذبحة الكبرى بجيوشهم الطائفية من سرايا الدفاع والوحدات الخاصة.. ليقضوا على مهد الثورة، فدافع المجاهدون بها حتي نفذت ذخائرهم واستشهد غالبيتهم العظمى. و هنا أيضاً ولد الطيبون الودودون واللذين يدافعون عن صديقهم حتى الموت، والذين يجوعون ورؤوسهم عالية، لأن غناهم وثروتهم هي في الشرف الذي يحملوه، وهنا الجار الذي لا يضام،والضيف المحبوب، والأخ الذي لا ينسى رغم المرارة والأسى. هكذا كنا وهكذا مر التاريخ، تاركاً بصماته في شخصية كل حموي، فهو يفخر ببلده ويحبها، ويصعب عليه فراقها أو نسيانها فهي جزء من الوطن السوري العربي الكبير. من أجل ذالك أحببتها، وكل ذرات قلبي تحنّ إليها، بعد فراق دام اثنين و ثلاثين عاما من الغربة القسرّيةً، فألف سلام عيك يا مدينة الإباء والشهداء. ـ وقريباً سنلتقي..
محمد الخليلي
شفاء العوير
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة