الجزيرة نت
تصدير المادة
المشاهدات : 7574
شـــــارك المادة
الشيخ أنس سويد أكد بأنه خرج من حمص بعد أن وصلته تهديدات بالقتل
قال الشيخ أنس سويد أبرز شيوخ باب السباع بمدينة حمص: إن الرئيس السوري بشار الأسد "عاجز ولا يملك من أمره شيئاً"، ولم يتمكن من اتخاذ أي قرارات في سبيل إيجاد حل للأزمة التي تعيشها المدينة التي باتت تلقب بـ"عاصمة الثورة السورية". وأضاف سويد، الذي التقى الأسد ثلاث مرات منذ بداية الأزمة: أن حمص تعيش وضعاً يفوق الكارثة الإنسانية، وأن 70% من سكانها باتوا مهجرين إما داخلها أو خارجها بسبب العنف الذي يمارسه النظام.
وفيما يلي الحوار الذي أجرته الجزيرة نت مع الشيخ سويد: لو حدثتنا كيف بدأت الثورة في مدينة حمص؟ - عندما بدأت الثورة في درعا كان الناس في باب السباع، بل في حمص كاملة في توتر شديد. لم يتحمل الناس هناك ردة الفعل القاسية والعنيفة التي كانت من النظام. وقبل ذلك كان أهالي حمص يعانون من ضغوط كبيرة عليهم من محافظ حمص إياد غزال، وهو أحد أقارب بشار الأسد، حيث مارس كل أنواع الضغط والعنف على أهالي حمص، فمنعهم الكهرباء والماء، وضيق عليهم في كل شيء وحول "حلم حمص" إلى دمار لحمص. ما هو حلم حمص؟ - "حلم حمص" هو مشروع لترحيل لكل أهل السنة من السوق التجاري والمجيء بإخواننا العلويين لاستلام مراكز المدينة الأساسية، حتى إن تجار حمص كتبوا رداً على حلم حمص "نعم لبشار الأسد ولا لحلم حمص"؛ لأن المشروع الذي أتى به المحافظ هدم الكثير من الأبنية وضيق على الناس بشكل لا يوصف، حتى أن أهل حمص كانوا يقولون: إن بشار الأسد يحكم سوريا كلها بينما حمص يحكمها إياد غزال. وأول المظاهرات قبل أحداث درعا كانت تطالب بإسقاط المحافظ، وعندما خرجت درعا خرجت أول مسيرة في باب السباع ورفعت شعار "بالروح بالدم نفديك يا درعا". وأنا خطبت خطبة حاولت فيها تهدئة الناس ركزت فيها على معنى "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"، راجعت بسببها معظم فروع الأمن. وبعد ذلك امتدت المظاهرات إلى بابا عمرو والخالدية، وهكذا حتى انتشرت المظاهرات في حمص كلها، والمغذي الأكبر للمظاهرات وانتشارها هو النظام بسوء تصرفه وقمعه وقهره. هل صحيح أن أحد أسباب توسّع المظاهرات هو تغذية الطائفية؟ - أود الإجابة أولاً على سؤال: هل في حمص طائفية. فأقول: هناك طائفية بامتياز من قبل النظام الذي يمارسها على أهل السنة في حمص بشكل لا يمكن تخيله، تصور أن كل أحياء السنة في حمص تقطع فيها الكهرباء مدة ثماني ساعات في اليوم، وكل أحياء السنة إذا خرجوا مظاهرات يمنع عنهم الخبز لأيام، لتبدأ الأحياء الأخرى بتهريب الخبز لهم من الأحياء الأخرى، الكهرباء تقطع بالأيام عن أهالي حمص إضافة للاتصالات. ولكن لا بدّ أن أنوه إلى أن علاقتنا مثلاَ بإخواننا المسيحيين في الحي علاقة إخوة، وانتابنا الحزن لسقوط بعض الشهداء(1) منهم وقمنا بتعزيتهم، أما إخواننا العلويون فبعضهم يجمعنا بهم إخوة الرضاعة، لكن النظام دمر علاقتنا بالعلويين عندما قام بتسليح أحيائهم، حتى أنه عندما يعتقل ثائر من العلويين يعذبه أضعاف الآخرين ليبعدهم عن الثورة. ماذا عن لقاءاتك مع الرئيس الأسد، نعرف أنك كنت ممن التقوه أكثر من مرة، ماذا دار بينكم؟ - اللقاءات التي حضرتها مع الرئيس خلال الثورة كانت ثلاثة لقاءات، اللقاء الأول في أبريل/ نيسان، وكنا نحو عشرين من علماء حمص وتكلمنا معه لأربع ساعات ونصف الساعة، واللافت أنه كان يظهر الاستغراب في كل شيء. حدثناه عن ممارسات الأمن والشبيحة، والحاضرون ذكروا له كل شيء بالتفصيل وكان يسجل الملاحظات بنفسه.
اللقاء انتهى إلى عدم وعدنا بأي شيء، وطلب منا أن نساهم معه في تهدئة المظاهرات حتى تترتب الأمور، وخرجنا من عنده بلا نتيجة. كان المشايخ لا يستطيعون الوقوف في وجه المظاهرات، وكل شيخ كان يحاول تهدئة المظاهرات كان الناس يضربونه على المنبر ويمنعونه من إمامتهم في الصلاة. بعدها دعيت للقاء مع مشايخ فلم أذهب، فاعتقلني الأمن العسكري وسألني لماذا لم أذهب؟ فبررت الأمر بأنني آثرت ترك الأمر لغيري. في اللقاء الثاني أرسل الرئيس يطلبني لوحدي، وجاءت الدعوة لأن المظاهرات في باب السباع كانت مشتعلة بشكل كبير، فسلم علي وسألني إن كنت شيخ باب السباع فأجبته بالإيجاب فرحب بي، رغم أنني كنت عازماً على عدم الطلب منه أي طلبات لأن المرة الأولى انتهت إلى لا شيء ولم يتغير شيء. بدأ الرئيس حديثه بالدعوة إلى تهدئة المظاهرات، وكان يقول: إنه يعلم أن كل المشاكل سببها ممارسات الأمن والمخابرات والشبيحة، قائلاً: "إذا كان لديك ألف صورة في ذهنكم ففي ذهني عشرات آلاف الصور، فلا تحدثني عن الممارسات السلبية وأعرف أن الحل هو سحب الأمن، لكنني لا أستطيع سحب الأمن إلا بعد تهدئة الشارع"، وأعاد هذا الحديث في اللقاء الذي استمر لأكثر من ساعتين ثلاث مرات. رددت عليه بالقول: إنك يا سيادة الرئيس تطلب منا معادلة خاطئة لو سمحت، فقال: تفضل، فقلت: أنت تطلب أن نهدئ الشارع لتسحب الأمن، وهذا لا نقدر عليه لأن الشارع ليس ملكنا، والشيخ الذي يتحدث مع الناس بغير وتيرة الشارع يضرب ويعتبر خائنا، فالأفضل أن نبقى طرفاً محايداً بين الدولة والناس. كما قلت له: إن الناس يقولون: إنهم لن يهدؤوا حتى تنسحب قوات الأمن، وما هو الضامن إذا جلسوا في بيوتهم ثم يأتي الأمن لأخذهم من هذه البيوت، هم ثائرون الآن ويتم قتلهم. فماذا سيحدث إن عادوا للبيوت؟ فرد الرئيس: أنا لن أكرر أخطاء الثمانينات. فسألته: سيادة الرئيس ما هو الضامن؟، فقال: هذه هي المشكلة أن الثقة فقدت. فقلت له: الحل سياسي وليس بأن نخرج للناس لتهدئتهم، فجاوبني: أنا نظرتي للمشايخ خطأ وكنت أخاف من صاحب كل لحية والمحجبات، ومرة ذهبت إلى حلب وجلست في المطعم فوجدت نساء كلهن محجبات، فقلت: شو أنا بأفغانستان، بعدها سألت الدكتور البوطي عن سر الحجاب الكثير في حلب هل هم طالبان أم القاعدة؟ فأجابه البوطي أن هؤلاء أناس متدينون على الفطرة. تخيل رئيس دولة تحدثه عن الأمة وعن الحل السياسي فيخرج بك إلى أمثلة لا علاقة لها بالموضوع. ثم سألته: ماذا إذا ذهبنا للناس وضغطنا بكل قوة لوقف المظاهرات، وهذا أمر يحتاج ربما لشهر، ولكن لن ينجح ما دام هناك شهداء يسقطون كل يوم، فهل عندكم مجال على الأقل استبدال الرصاص الحي بالمطاطي، فأجاب: المشكلة أن الاقتصاد عندنا منهار، هكذا كان جواب الرئيس. بعد ذلك طلبت من الرئيس أن أتحدث بأريحية وأن يعطيني الأمان، وأبلغته أن فروع الأمن حاسبتني على ما قلته أمامه في المرة السابقة، فضحك وقال: المهم ما يحاسبوني أنا. فقلت له: سيادة الرئيس الناس يتساءلون في الشارع: هل رئيسنا يملك القرار أم أنه عاجز، فقال: ما هو السبب؟، فقلت: أنت تقول إنك لم تعط أوامر بالقتل لكن القتل مستمر، لماذا لا تعاقب من يعصون الأوامر؟ وهناك قتلة من الجيش اشتهرت أسماؤهم في كل محافظة -وذكرت له بعض الأسماء- علقِ المشانق لهؤلاء وبعدها نظم انتخابات، وِثق أن الناس سينتخبونك. فأجابني بطريقة صدمتني وقال -والله على ما أقول شهيد-: أنا عاقبت عاطف نجيب اللي قلع أظافر الأطفال، وعاقبت ابن عمي في اللاذقية جميل الأسد، وعندما تحركت بانياس عزلت زوج بنت خالتي، والله عندما عزلته اتصلت خالتي وعمرها كبير وعاتبتني ووعدتها بأن أعيده لمنصبه بعد أن تنتهي الأزمة، واتصلت الوالدة لنفس الأمر...، فأنا صدمت وقلت: كيف هو السبيل للحديث مع هذا الإنسان، وهو يتحدث بجدية عن "زعل" خالته ولم يأسف للشعب الذي يموت؟! لذلك احترت بأي لسان سأتحدث معه. والحقيقة التي كشفها الحوار مع الرئيس أن من يدير البلد أسرة كاملة، بشار الأسد جزء منها، وما يقال عندنا في حمص: إن القائد المحرك الحقيقي هو والدة بشار التي تملك خبرة مما عايشته مع حافظ الأسد. أيضاً سألته عن سبب إرسال أكثر من مائتي دبابة لبابا عمرو عاثت فيها دماراً، فجاوبني: هناك عصابات مسلحة، فقلت له: نحن سمعنا كما سمعتم فهل ألقيتم القبض عليها؟ فقال: إنها هربت والمشكلة أننا عندما نرسل الجيش لمكان تهرب هذه العصابات لمكان آخر. ما هي خلاصة اللقاءات بعد هذه الجولات الطويلة من الحديث؟ - الخلاصة أن الرئيس لا يريد منا إلا أن نهدئ الشارع الذي لا يهدأ رغم القتل والمجازر، ونحن كنا نقول له: إن الشارع ليس ملكنا وإنما هو ملكك أنت، فعاقب من أساء وأخطأ وسينضبط الشارع لوحده. لماذا خرجت من حمص الآن؟ - خرجت لأن تهديدات النظام طالتني، ووصلتني تهديدات بالقتل والخطف من قبل الأمن والشبيحة، وحاولوا الضغط علي بعد أن بثوا مقابلة مع شاب أعرفه على قناة الدنيا يقول: إنني من العصابات المسلحة، وحاول عقيد في القصر الجمهوري الضغط علي بهذا الاعتراف، علماً أن الشخص الذي اعترف عاجز ولديه إصابة كبيرة في رجله ولا يمكنه استعمال السلاح. وطلب مني هذا العقيد إما أن أفتي بحرمة التظاهر والخروج على الحاكم وإدانة الثوار في حمص أو أن أواجه السجن، فرتبت أموري وحضرت لأحد أفرع الأمن ووجدت كاميرات قناتي الدنيا والسورية بانتظاري وتحدثت بخطاب لم يعجبهم، فطلبت إمهالي يومين لأرتب أموري من جديد، والحمد لله يسر لي الله الخروج من سوريا. كيف تركت حمص؟ - لا يمكن أن أصف ما تعانيه إلا أنه كارثة إنسانية، حمص تعيش أكبر من الكارثة، وأكثر من 70% من سكانها إما باتوا مهجرين داخلها أو خرجوا إلى مدن أخرى، وكل يوم يتأخر فيه العالم عن التدخل تزداد الكارثة والمأساة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأصل في اعتبار الأخوة وكذلك إطلاق لفظ الشهادة على جانب الدين، لترتب أحكام شرعية عليهما ( نور سورية).
عكاظ
العصر
أنور مالك
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة