الشرق الأوسط
تصدير المادة
المشاهدات : 3939
شـــــارك المادة
بعد أن أطلقت السلطات السورية سراح الصحافي في وكالة «رويترز»، سليمان الخالدي، كتب عن تجربته في السجن عندما ألقي القبض عليه بعد أن كتب مواضيع من درعا يفضح فيها القمع الذي يتعرض له السكان. وكتب الخالدي عما شاهدته في الزنزانة حيث اعتقل: «كان الشاب معلقا ورأسه متدليا إلى أسفل ويسيل من فمه لعاب أبيض ذو رغوة. وتبدو أناته أقرب إلى أنات وحش منها إلى أنات إنسان. كانت هذه واحدة من صور الإذلال الإنساني الكثيرة التي شاهدتها أثناء أربعة أيام حللت فيها ضيفا غير مرغوب فيه لدى الاستخبارات السورية، حينما تم احتجازي في دمشق بعد قيامي بإعداد تقارير إخبارية عن المظاهرات في مدينة درعا جنوب سورية». ويروي الخالدي: «في غضون دقائق من احتجازي، تم إدخالي مبنى تابعا لجهاز الاستخبارات السورية.. وشاهدت رجلا معلقا من قدميه، بينما كان يصطحبني أحد السجانين إلى غرفة التحقيق لاستجوابي، وداخل غرفة التحقيق، جعلوني أجثو على ركبتي ومرروا شيئا تبينت بالكاد أنه إطار سيارة فوق ذراعي». وقال الصحافي إن المحققين اتهموه بأنه جاسوس، وقال: «كان السبب الرسمي الذي تقدمت به السلطات السورية لوكالة الأنباء (رويترز) تبريرا لاحتجازي هو أنني لم أكن أملك التصاريح المطلوبة لمزاولة المهنة؛ فلم يكن عملي كمراسل صحافي رسمي لحساب وكالة الأنباء (رويترز) ومزاولتي لعملي المهني حجة مقنعة لرجال يكسبون قوت يومهم من إهدار الكرامة الإنسانية». صاح المحقق قائلا: «إذن أنت أيها العميل الأميركي الرخيص! أتيت لإعداد تقارير صحافية عن وقائع الدمار والتمثيل بالجثث أيها الحيوان. لقد أتيت لتسيء لسوريا أيها الكلب». وأضاف يقول في قصة نشرتها وكالة «رويترز» أمس: «من خارج الغرفة، كان بإمكاني سماع صوت قعقعة القيود والصرخات الهستيرية التي ما زال صداها يتردد في ذهني حتى اليوم. وقد نجح المحققون باحترافية ودون كلل في إبقائي في حالة من التوتر العصبي في كل مرحلة من مراحل عملية الاستجواب التي استمرت لعدة أيام.. (اخرس أيها الوقح. أنت وأمثالك أناس وحشيون ترغبون في تحويل سوريا إلى ليبيا جديدة)، هكذا خاطبني محقق آخر، الذي ظل يصيح: (اعترف يا كاذب)». عبر الخالدي الحدود من الأردن، حيث عمل كمراسل صحافي لوكالة الأنباء «رويترز» لما يقرب من عشرين عاما، وفي 18 مارس (آذار)، بدأت حالة الاهتياج في درعا، وقال إنه أمضى معظم فترة العشرة أيام التالية في المراسلة من تلك المدينة، وتم إلقاء القبض عليه في 29 مارس (آذار)، حيث كان ذاهبا لمقابلة شخص في منطقة قديمة بالعاصمة السورية، وقال: «اقترب مني اثنان من رجال الأمن في زي مدني وطلبا مني عدم المقاومة، حيث أمسكا بذراعي واتجها بي إلى محل حلاقة إلى أن أتت سيارة بيضاء لتقلني إلى مبنى المخابرات. أظهر المحققون اهتمامهم بجانبين على وجه الخصوص في تقريري الصحافي، وهما حقيقة أنني قد كتبت عن مشاهدتي متظاهرين يحرقون صورا للرئيس السابق حافظ الأسد، والد بشار، وسماعي هتافات مضادة لماهر الأسد أخي بشار وقائد الحرس الجمهوري». وأضاف: «شعرت أن ضيوفي أرادوا أن يظهروا لي، كصحافي أجنبي، الوسائل التي ينتهجونها مع السوريين. ولأشجع نفسي على تحمل ما يمكن أن يحدث وأنجو بها من حالة الانهيار النفسي والعصبي التام، حاولت أن أركز ذهني على ذكريات الطفولة القديمة. لقد ساعدتني تلك الألعاب الذهنية في تجنب التفكير في طفلي التوأمين وزوجتي في وطني عمان، الذين ليست لديهم أي وسيلة لمعرفة مكاني أو حتى ما إذا كنت حيا أم لا». وروى أن الاستجواب استمر لمدة ثماني ساعات حتى منتصف الليل من أول أيام احتجازه، وفي الأغلب، كان معصوب العينين، ولكن كانت تتم إزالة العصابة لمدة بضع دقائق. وقال: «أتاح هذا لي، على الرغم من الأوامر بإبقاء رأسي لأسفل حتى لا أبصر المحققين؛ أن أرى رجلا مقنعا يصرخ من شدة الألم أمامي. وحينما طلبوا منه خلع سرواله، بات بإمكاني أن أرى أعضاءه التناسلية المتورمة المربوطة بإحكام بحبل بلاستيكي. قال الرجل، الذي ذكر أنه من مدينة إدلب شمال غربي سوريا: ليس لديّ ما أقوله، لكنني لست خائنا للوطن ولا ناشطا سياسيا. فأنا مجرد تاجر». وتابع يروي: «شاهدت منظرا أفزعني، رجلا يرتدي قناعا وقد أمسك بزوج من الأسلاك المعدنية من مقبس كهربائي منزلي وقام بصعقه بالكهرباء في رأسه. وفي لحظات أخرى، ربما بدا المحققون أكثر لطفا، غير أنهم سرعان ما كانوا يعودون إلى أسلوبهم القاسي، فيما بدا أشبه بأداء متناغم يهدف لإنهاك قواي.. (سنجعلك تنسى من أنت)، هكذا خاطبني أحد المحققين مهددا إياي في المرة السادسة التي تلقيت فيها ضربة على وجهي. لم أستطع تبين ما تم ضربي به. لكنه بدا أشبه بقبضة حديدية». قال إنه تعرض مرتين أثناء فترة احتجازه للجلد على كتفه، مما ترك رضوضا وكدمات ظلت لمدة أسبوع بأكمله.. وقال: «في أثناء الفترات الفاصلة التي كنت فيها في الممر وظهري مواجه الحائط ويدي في الهواء، كنت أقف على مرأى من الجميع، حيث دفعني بقوة 12 رجل أمن على الأقل، وانهالوا علي بالسباب. غير أنه ربما تتجلى بعض مظاهر الإنسانية في لحظات غير متوقعة»، وأضاف: «في وقت ما، تلقى المحقق الذي كان يصرخ فيّ ناعتا إياي بالكلب (وهي كلمة مهينة للعرب على وجه الخصوص) مكالمة على هاتفه الجوال. وفجأة باتت لهجته ودودة وحنونة، وهو يقول: (بالتأكيد يا عزيزي سأجلب لك ما تريده)، متحولا فجأة من ضابط بارع في فنون التعذيب إلى أب متسامح». وتابع يروي أنه ظل راقدا لفترة طويلة على فرشة في زنزانة بلا شباك، مضاءة بضوء نيون خافت، بينما كانت الصراصير تحيط به. قال: «ذكرتني الصرخات التي كنت أسمعها من حين لآخر بالمكان الذي أنا فيه وما يحتمل أن يحدث لي. كنت قيد الحبس الانفرادي واعتاد السجانون إعطائي قطعة من الخبز الجاف أو ثمرة بطاطس وطماطم مرتين كل يوم. وعندما كنت أرغب في الذهاب إلى دورة المياه، كان علي أن أقرع باب الزنزانة. وحينها يأتي سجان لاصطحابي، مع أنه ربما كان يستغرق الأمر ساعة حتى تلبى حاجتي». وأضاف: «فكرت في آلاف المحتجزين بالسجون السورية وكيف يتحملون الحبس الانفرادي وإهانة الكرامة ربما لعقود. وفكرت أيضا في الروس الذين كنت قد قرأت عنهم أثناء فترة نفيي في سيبيريا، وفي معنى الحرية بالنسبة للسوريين والعرب الآخرين الذين يعيشون تحت قيادة حكام مستبدين عبر أنحاء المنطقة. بالطبع لم أكن أول شخص يتم إيداعه بهذه الزنزانة، فقد قام سجين سابق غير معروف هويته بنقش كتابات على الحائط بأظافره، كما يبدو. وكانت العبارة المقروءة بشكل واضح فيها هي: (الله ضد الظلم)». وفي اليوم الرابع من احتجازه، أتى المحتجزون لأخذه ووضعوه في سيارة أقلته إلى مكان ثبت فيما بعد أنه مجمع مبان ضخم يعد مقرا رئيسيا لجهاز الاستخبارات في منطقة نائية من دمشق. وقال إنه أمضى ساعتين في زنزانة.. بعدها تم أخذه إلى غرفة مجاورة. وأدهشه أن يجد رجلا مهذبا يبدو عليه مظهر السلطة، الذي قال له: «سنعيدك إلى الأردن». وأضاف يروي: «أدركت لاحقا من متابعة الصور في وسائل الإعلام أن هذا الرجل كان هو اللواء علي مملوك، مدير إدارة أمن الدولة في سوريا، الرجل الذي قام من يعملون تحت إمرته باحتجاز آلاف السوريين في سجون مماثلة بأنحاء مختلفة من سوريا. وقال إن مراسلاتي من درعا لم تكن دقيقة، وإنها قد شوهت صورة سوريا».
الجمهورية
مجاهد مأمون ديرانية
محمد حسن عدلان
أسرة التحرير
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة