أميمة الجابر
تصدير المادة
المشاهدات : 4165
شـــــارك المادة
الآباء الصالحون عادة لا يفكرون في ترك بيوتهم وأسرهم إلى غربة يخفى عليهم مستقبلها إلا بسبب واضح مفهوم، وأسوأ ما يمكن أن تتعرض له الأسرة في وجهة نظري في هذه الرحلة هو عدم قدرته على اصطحاب أسرته، فالرحلة قد تطول والمعاناة قد تبدأ!. بعض المغتربين من الآباء يسافرون و هدفهم إشباع حاجات أسرهم بالمتطلبات الأساسية و القيام بالالتزامات التي ينبغي عليهم توفيرها، لكن يتغير الوضع بمجرد تحقق هذه الأشياء، فنجد الأسرة بعد ذلك تزداد تطلعاتها إلى الثراء، في حلقات لا تنتهي من الرغبات. حقيقة لا شيء مثل الغربة في قسوة آثارها النفسية و الاجتماعية .. تشير جميع الدراسات النفسية إلى محورية دور الأب في حياة أبنائه، وأن مجرد وجوده ولو كان صامتاً يسد فجوة عميقة في نفوس الأبناء، فالأب ليس وسيلة لتوفير المال ولا يمكن أن تقتصر مسؤوليته على ذلك فقط .. فوجوده مع أبنائه بمثابة الدعامة الأساسية في نموهم و تطورهم النفسي والاجتماعى، وغيابه في جميع المراحل أمر صعب للغاية، وقد يسبب لهم أذى كبيراً خاصة في المراحل الأولى وكذا في مرحلة ما يسمونها بالمراهقة.. كذلك في مراحل تحديد مصيرهم الدراسي فقد يهملون دراستهم وكثيراً من مبادئهم، فعدم وجود راع لسلوكهم أو مراقب لتصرفاتهم له آثار نفسية مزمنة سلبية الأثر. فالأسرة التى يبعد عنها قائدها مثل السفينة التى يغيب عنها ربانها فمن البديهي أن تغرق خاصة عندما يتركها فى لحظاتها الحرجة. في بعض الأحيان يكون السفر والبعد الخفيف للأب عن أسرته له فوائد في تجديد الأجواء الأسرية وتوثيق العلاقة بين الزوجين فيشعر كلاهما بالشوق للآخر، يحدث ذلك عندما تكون أصل العلاقة بين الزوجين قوية وقائمة على المودة والثقة والتفاهم. لكن إذا لم تكن العلاقة هكذا فعندئذ يكون البعد والفراق له أثره السلبي جدا بل والهادم للأسرة. غياب الزوج لفترات طويلة عن بيته وأولاده يشتت الجمع وقد يكون مفتاحاً لمفاسد أكبر وشرور نخشى أن تقع، وبسببه يزداد الفتور فتوراً، وتتفكك وتضعف العلاقات الزوجية، حتي إن بعض الزوجات يشعرن عند عودة الزوج أنه مجرد ضيف غريب عن المنزل . فالبعد لفترات طويلة يجعل الزوجة تتعود أن تعيش بمفردها، و قد تزداد المشاجرات بين الزوجين وبين الأب وبين الأولاد عند عودته في فترة الإجازة التى يقضيها معهم! لقد أصبحت الزوجة هنا بعد غياب الأب تلعب دورا مزدوجا لتعويض غياب الأب، فالأم حينئذ أصبحت مسؤولة عن إدارة شؤون أسرتها ونفسها من الألف للياء . بعض النساء يشعرن بالخوف على أولادهن بعد غياب الأب فيقمن بإغلاق العالم على أنفسهن وعلي أبنائهن والانعزال وتجنب الاختلاط بالآخرين مما يسبب حالات كثيرة من الانطواء عند الأبناء . وأحيانا تتصف الأم عند غياب الأب بالعصبية الشديدة والانفعال الزائد لما تتحمله من ضغوط، إضافة لمعاناتها غياب زوجها عنها و فقدانها الدعم النفسي، فالعلاقة الزوجية أساسها المودة و الرحمة و التواصل و الحب والمشاركة و ليس المال . وفي بعض المجتمعات قد تعاني الزوجة عند غياب الزوج من تدخل الأهل فى تربية الأبناء مثلا كتدخل الأجداد أو الأعمام أو الأخوال أو غيرهم، فتجدهم يريدون فرض وصاياتهم على الأولاد بحجة الخوف عليهم، قد يكون ذلك في بعض الأحيان شيئاً إيجابياً لضبط سلوك الأبناء، لكنه أيضاً يكون سلبي الأثر في حالات عديدة، فالأم تريد تربية أولادها بطريقة معينة علي غير ما يريد الأهل فيحدث صدام بين الطرفين!. أيضا في بعض الأحيان يريد الأب تعويض غيابه عن أبنائه فيعطيهم كثيرا من الأموال كشيء بديل لغربته، فيعيش الأبناء عيشة مرفهة ولا يتعودون تحمل المسؤولية و لا التربية علي الاخشوشان فقد تأتي عليهم أيام صعبة تحتاج لصمود وجلد بعيد عن مفهومهم، أو أن يستخدم الأبناء هذه الأموال في اتباع سلوك سلبي مع أصحاب السوء كإدمان للمخدرات، فيعود الأب فيجد ثمرة عذابه وغربته أبناء مدمنين!. من جانب آخر فإن الغياب الطويل للزوج وانقطاعه عن البيت ينبت نوعا من الشك لدى الزوجة في زوجها من ناحية حبه لها، واشتياقه إليها مما يجعلها تحدث نفسها قائلة " لو كان يحبني لما استطاع كل هذا الابتعاد عني والغياب كل هذه الفترة الطويلة "! كل هذه المعاني وغيرها يدعو الأسرة أن تبذل كل جهدها لتظل مجتمعة حتى لو تطلب الأمر بعض التضحيات، فلا يتحقق الاستقرار النفسي إلا بوجود أفراد الأسرة معاً، و لابد أن ندرك هذه الحقيقة . عند حالات الاضطرار قد يغيب الأب لأسباب غير اختيارية، علينا أن نفكر في بعض الحلول لاستمرار الود والترابط مع السفر و الفراق.. فيراعي الأب جاهدا عدم بعده عن زوجته فترة تتراوح بين أربعة إلى ستة أشهر لا أكثر من ذلك، بحسب نصيحة ورؤية الفاروق عمر رضي الله عنه . كذلك تكثيف التواصل مع وجود التكنولوجيا و الاتصالات المتعددة الحديثة فى زمننا هذا ما يؤدي خدمة مهمة في التغلب على حدة الفراق. ومن المهم مشاركة الأب في أمور أبنائه من خلال هذا التواصل، وكلما زاد ذلك كان أكثر إيجابية، وأمامي من الحالات ما يدل على ذلك وقد نجحت الأسرة تربوياً برغم سفر الأب لاهتمامهم بإحياء وجوده بينهم والتواصل معه بشكل يومي دائم . بالطبع على الزوجة أن تتحلى بالحكمة و الصبر خصوصا إذا كان الزوج في حاجة لهذا السفر كسفر لطلب رزق أو تعليم، مع البحث عن حلول للمشكلات التي تسببها الغربة بهدوء . إن لكل غربة ضريبة و يستحيل أن يحصد من ورائها عسل فقط دون أن نحصد معه مرا، لكننا نرجو من الله تعالى الخير، فندعوه ونرجوه ونراقبه ونتقيه، فهو سبحانه الصاحب في السفر و الخليفة في المال والأهل والولد.
المسلم
سلمان العودة
مجاهد مأمون ديرانية
عامر الهوشان
خالد روشه
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة