عامر الهوشان
تصدير المادة
المشاهدات : 5242
شـــــارك المادة
رمضان شهر القرآن إذ فيه نزل بنص كلام الله في كتابه العزيز: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ..... } البقرة/185، بل إن جبريل عليه السلام كان يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان من كل عام، ففي الحديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ .....) صحيح البخاري برقم/3220. وفي رمضان يزداد إقبال المسلمين على تلاوة كتاب ربهم سبحانه ويتنافسون على ختمه عدة مرات , متأسين بذلك بخاتم الأنبياء والمرسلين وبسيرة السلف الصالح الذين كانوا لا يهتمون بشيء في شهر الصيام اهتمامهم بتلاوة القرآن , حتى ورد عن الكثير منهم أنهم كانوا إذا دخل رمضان تفرغوا فيه لتلاوة القرآن .... فكان الزهري إذا دخل رمضان يقول : إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام .... لا شك أن التنافس في الإكثار من تلاوة القرآن الكريم في رمضان والاستزادة من عدد الختمات أمر رائع ومستحسن ومأجور, وكيف لا وسيرة السلف الصالح تعج بأخبار تنافسهم في ختم القرآن في شهر الصيام , فكان قتادة إذا جاء رمضان ختم القرآن في كل ثلاث ليال مرة , فإذا جاء العشر ختم في كل ليلة مرة , وكان الإمام الشافعي يختم القرآن في رمضان ستين ختمة "مرتين في كل يوم وليلة" كما ذكر الإمام الذهبي ..... إلا أن ذلك التنافس لا ينبغي أن ينسي المسلمين وجوب التدبر والتفكر والتأمل فيما يتلاون ويقرؤون , ولا أن يغفلوا عن واجب العمل بأوامر كتاب الله تعالى ونواهيه , والوقوف عند حدوده والالتزام بأحكامه وإحلال ما أحل وأباح وتحريم ما حرمه وترك ما نهى عنه ....فمن المعلوم أن الغاية من نزول القرآن على خاتم الأنبياء هو العمل بمضمونه وتحويل أوامره ونواهيه إلى واقع حياة في المجتمع الإسلامي . استوقفني في هذا الشهر الكريم مقالات الأستاذ أمير سعيد اليومية على الموقع تحت عنوان : "في نور آية كريمة" , والتي يطوف بنا من خلالها في كل يوم رمضاني على زهرة من أزهار آيات كتاب الله تعالى لنشتم عبيرها , ويغوص بنا في كل ليلة بمعاني آية كريمة لننهل من كنوزها....... فقلت في نفسي : كأن رسالة الكاتب الأولى من هذه المقالات اليومية لعموم المسلمين أن يجعلوا لهم نصيبا من الفهم والتدبر والتأمل بآيات كتاب الله تعالى في رمضان , تماما كما يحرصون على الإكثار من تلاوته والتنافس في ختمه عدة مرات , وكأن الهدف الأسمى والغاية الأولى من هذا العمل المشكور هو لفت الانتباه إلى ضرورة العودة إلى الغاية العظمى من نزول القرآن الكريم على خاتم الأنبياء والمرسلين متمثلا بــ الفهم والعمل بعد التلاوة . ولا يظنن ظان أن تلاوة التدبر والفهم تمهيدا للعمل وتحويل ما نتلوه من كتاب الله إلى واقع حياة يتعارض مع الإكثار من التلاوة والاستزادة من الختمات في رمضان , بل هما في الحقيقة خطان متوازيان لا يمكن أن يتعارضا أو يتقاطعا . إن تخصيص المسلم وقتا معينا في رمضان – وبعد رمضان بالتأكيد - لفهم آية أو عدة آيات من كتاب الله تعالى , والالتزام بذلك كمنهج يومي مستعينا بكتب التفسير وما ذكره العلماء الثقات حول تلك الآية أو الآيات ....هو في الحقيقة من أشد الضروريات و أوجب الواجبات في عصر ابتعد فيه المسلمون عموما عن الفهم والتدبر والتأمل بآيات القرآن الكريم كما ينبغي , وحصروا علاقتهم بكتاب ربهم بالتلاوة والقراءة فحسب !! لا أظن أنني بحاجة إلى سرد الكثير من الأدلة على ضرورة الفهم والتدبر لما نتلوه من كتاب الله تعالى في رمضان وفي غيره من شهور العام، فالتأمل والتدبر مقصد أساسي من مقاصد نزول القرآن قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } ص/29 . ومن يستعرض حياة الصحابة الكرام وسيرتهم العطرة مع القرآن الكريم يمكنه أن يلاحظ مدى اهتمامهم الشديد بكل آية وكلمة مما ينزل به الوحي جبريل عليه السلام على خاتم الأنبياء والمرسلين , ومن ثمّ العمل بمضمون تلك الآيات دون أي تلكؤ أو تباطؤ . وسأكتفي هنا ينموذج واحد ومثال فريد على حرص الصحابة على امتثال أوامر كتاب الله تعالى ونواهيه , والذي لا يمكن أن يأتي إلا بعد الفهم والتامل والتدبر , فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ , وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ , وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ . قَالَ أَنَسٌ : فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ . قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَخٍ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ ) . فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ . صحيح البخاري برقم/1461 إن إدراج مسألة الفهم والتدبر لآيات القرآن الكريم في رمضان مع برنامج التلاوة والإكثار من الختمات لهو من الأهمية والضرورة بمكان , فما يعاني منه المسلمون من عدم فهم ما يقرؤون فضلا عن عدم تطبيق مضمونه وتنفيذ محتواه هو في الحقيقة الخطر الأكبر الذي ينبغي الإسراع في معالجته.
موقع المسلم
خالد روشه
رابطة خطباء الشام
محمد العبدة
رقية القضاة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير