..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

العبرة بالخواتيم والقبول

عامر الهوشان

١٩ ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3687

العبرة بالخواتيم والقبول

شـــــارك المادة

لا يقتصر تطبيق هذه القاعدة الإسلامية الذهبية على شهر الصيام والقيام فحسب، بل يشمل جميع العبادات والطاعات التي يقوم بها المسلم تنفيذاً لأمر إلهه وخالقه سبحانه، سواء أكانت فرضاً أم سنَّة ونافلة . ونظراً لخطورة هذا الأمر وأهميته في الإسلام، فإن العلماء والدعاة يركزون على هذه القاعدة ويذكرون بها المسلمين في كل مناسبة، ولعلَّ من أهم هذه المناسبات شهر رمضان المبارك وما بعده،

 

 

الذي قد يغفُل فيه بعض المسلمين - وخصوصاً في أواخره - عن العبادة والطاعة، لينصرفوا إلى الأسواق استعداداً لاستقبال عيد الفطر السعيد، ناهيك عن غفلتهم عن تلك القاعدة بعد انتهاء الشهر الفضيل، حيث ينصبُّ اهتمام جُلِّ المسلمين على العمل، دون أن ينتبهوا إلى الغاية العظمى منه، ألا وهي القبول.
وإذا كان كثير من الدعاة يذكِّرون المسلمين بضرورة الإكثار من العبادة والطاعة في العشر الأواخر من رمضان، نظراً لاشتمالها على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، فإن مدى الاستجابة لهذا التذكير قد يستمر عند البعض إلى ليلة السابع والعشرين من هذا الشهر الكريم، لينتهي الشهر بعد تلك الليلة عملياً في نظر كثير من المسلمين، ويظهر ذلك عملياً من خلال قلة عدد المصلِّين في ليلة الثامن والعشرين والتاسع والعشرين، رغم احتمال أن تكون ليلة القدر في إحداهما.
ولعل من أعظم الأحاديث التي تذكّر المسلم بأن العبرة بالخواتيم والقبول، وليس بمجرد العمل الصالح في البدايات دون تحقق القبول، ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عَنْ سَهْلٍ قَالَ: (الْتَقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَاقْتَتَلُوا فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ، فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا أَجْزَأَ أَحَدٌ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ. فَقَالَ: (إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ) فَقَالُوا: أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟! فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لَأَتَّبِعَنَّهُ، فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ، حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ: (وَمَا ذَاكَ) فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: ( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّة) صحيح البخاري برقم /4209
نعم ... قد يعمل بعض الناس أعمالاً طيبة وصالحة فيما يبدو للناس، ولكنها مشوبة بالرياء أو ما شابه ذلك من الأمراض القلبية الخفية التي لا يطّلع عليها إلا الله سبحانه، والتي تفسد العمل وتذهب بثوابه وأجره عند الله، وتجعله هباءً منثوراً غير مقبول ولا مأجور.
ولعلّ من أخطر الأحاديث التي تشير إلى هذا الأمر، ما ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضى الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أول الناس يدخل النار يوم القيامة ثلاثة نفر : يؤتى بالرجل أو قال بأحدهم فيقول: ربّ علمتني الكتاب فقرأته آناء الليل والنهار رجاء ثوابك فيقال: كذبت إنما كنت تصلّي ليقال إنك قارئ مصلّ وقد قيل اذهبوا به إلى النار.
ثم يؤتى بآخر فيقول: ربِّ رزقتني مالاً فوصلتُ به الرحم وتصدقت به على المساكين وحملت ابن السبيل رجاء ثوابك وجنتك فيقال: كذبت إنما كنت تتصدق وتصل ليقال إنك سمح جواد وقد قيل اذهبوا به إلى النار.
ثم يجاء بالثالث فيقول : رب خرجت في سبيلك فقاتلت فيك حتى قُتِلتُ مقبلاً غير مدبر رجاء ثوابك وجنتك فيقال: كذبت إنما كنت تقاتل ليقال إنك جريء شجاع وقد قيل اذهبوا به إلى النار)
المستدرك للحاكم برقم 111 وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وإذا انتقلنا إلى مسألة قبول الطاعات والعبادات فإننا ندخل في الحقيقة في صلب الفهم الخاطئ الموجود لدى بعض المسلمين، الذين يظنون أن القيام بالطاعة والعبادة هو نهاية الأمر وغايته، غافلين عن أنّ قبول الله لهذه العبادات هي الغاية المرجوّة التي يتحصل من خلالها على الثواب والأجر والجزاء.
ولعلّ من أكثر العلامات والإشارات الدالة على قبول الله تعالى لصيام العبد المسلم وقيامه، هو استمراره ومواظبته على طاعة الله تعالى وعبادته، والتزام أوامره واجتناب نواهيه بعد انتهاء رمضان، تماماً كما كان في شهر الصيام.
فإن أراد المسلم أن يتيقن من قبول الله لطاعته وعبادته في رمضان من عدمه، فلينظر لحاله مع الله تعالى بعد رمضان، فإن رأى من نفسه الإقبال على الطاعة والعبادة وفعل الخير، فهي بشارة له بقبول الله تعالى لصيامه وقيامه، وإن رأى من نفسه الارتداد إلى المعصية والانحراف عن منهج الله بعد رمضان، فهي نذير شؤم بعدم القبول عند الله تعالى.
لقد كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم إذا خرج رمضان يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم صيام رمضان وقيامه، نظراً لفهمهم أهمية قبول الطاعات والعبادات، وعلى الرغم من اجتهادهم في إتمام العمل و إكماله و إتقانه، إلا أنهم بعد كل هذا يخافون من رده ويدعون الله بقبوله، وكانوا إذا فعلوا العمل الصالح وقع عليهم الهمّ، أيُقبَل منهم أم لا، ولذلك ورد عنهم الأثر المشهور : "كونوا لقبــــــــــول العمــل أشدّ اهتماماً منكم بالعمــل ".
وفي ذلك يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: " لإن أستيقنُ أنّ الله تقبّل مني صلاة واحدة أحبّ إليّ من الدنيا و ما فيها إنّ الله يقول: "إنما يتقبل الله من المتقين"، ويقول فضالة بن عبيد : " لإن أكون أعلم أنّ الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها لأنّ الله يقول " إنما يتقبل الله من المتقين".
فانظر أخي وراقب ما تفعل بعد شهر الصيام، واحرص على أن تجني ثمرة الصيام التي أخبرنا الله تعالى بها بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة/183


المسلم

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع