المجلس الإسلامي السوري
تصدير المادة
المشاهدات : 3462
شـــــارك المادة
أولاً: أهمية الشورى:
جاء الإسلام بمبدأ إنساني غاية في الأهمية، وهو مبدأ الشورى الذي سُميت سورة من سور القرآن الكريم باسمه “الشورى”؛ دلالة على أهمية تحقق هذا الشرط في أي شأن من شؤون المسلمين، وعلى الرغم من اختلاف الفقهاء حول آليات تنفيذ هذا المبدأ من ناحية الاختيار أو الوجوب والإلزام، لكنهم مُجْمِعُون على ضرورة تَحَقُّقها بين المسلمين، مصداقًا لقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: 159].
فهي الأساس الشرعي لنظام المجتمع، الذي يلتزم بحقوق الإنسان، وسلطان الأمة، والتضامن الاجتماعي.
ثانياً: تعريف الشورى:
الشورى اصطلاحاً:
بذل الوسع في الوصول إلى الرأي الأصوب عن طريق تقليب وجهات النظر في موضوع محدد مع أهل التقوى والعلم والوجاهة.
ثالثاً: أدلة الشورى:
الشورى في القرآن الكريم:
وردت كثير من الآيات في القرآن الكريم تتحدث عن الشورى:
1 – إما كأمر من الله لرسوله بأن يستشير أصحابه رضوان الله عليهم كما في قوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر) [آل عمران: 159]. 2 – وإما كصفة يمدح الله بها عباده المؤمنين كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون) [الشورى: 38].
الشورى في السنة النبوية: أسس النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم للشورى نظاماً ومنهجاً وسنة عملية، وقد كان في ذلك موضع الأسوة والقدوة، حتى قال عنه أصحابه، على لسان أبي هريرة رضي الله عنه: ((ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من النبي صلى الله عليه وسلم). وقد ثبت أنه شاور أصحابه في شتى الشؤون، فقد شاور الأنصار في القتال في بدر، وشاور المسلمين في أسرى بدر، وفي أحد، وفي الخندق، وفي الحديبية، وفي الطائف، كما شاورهم في سن الأذان، وفي قصة الإفك، وغير ذلك من الأمور مما هو مبسوط في كتب السنة.
المبحث الثاني: حقيقة الشورى:
أولاً: مجالات الشورى اتفق العلماء على أنَّ الشورى ضرب من الاجتهاد واستثارة الآراء بحثاً عن الحكم في مسألة حادثة، فإذا كانت المسائل منصوصاً عليها مقطوعاً بحكمها فلا اجتهاد ولا شورى في موضع النص، لأن الاجتهاد عندئذ اعتداء على النص المعصوم، وهذا هو التقدم بين يدي الله ورسوله المنهي عنه بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1]. وقد وردت عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير من الآثار التي تدل على عدم التفاتهم إلى الشورى إذا كان في المسألة نص.
والنص الذي لا تكون معه الشورى هو النص القطعي في دلالته، العاري عن خصوصية الزمان أو المكان أو الحالة أو الشخص، وذلك لأن الصحابة اجتهدوا واستخدموا قاعدة الشورى مع وجود النصوص عندما تبين لهم أن النص مقيد بظرف أو زمان أو حال، كتعليق حكم قطع يد السارق في الحروب والمجاعات، وتعليق سهم المؤلفة قلوبهم في فترات قوة الدولة الإسلامية، ولا يعد هذا التعليق إلغاء للحكم، بل دوراناً مع غايته وعلته، وحملاً له على الظروف المناسبة لتطبيقه.
ومن أهم مجالات الشورى الأمور التالية:
1- اختيار الإمام أو الرئيس وتنصيبه وطرق ووسائل تحقيق ذلك. 2- المشاكل السياسية التي تعود إلى علاقة الدولة بدولة أخرى مما قد يعود إلى مبدأ السلم والحرب. 3 – قضايا الثقافة والدعوة الإسلامية والبحث في سبلها ومناهجها. 4 – الأمور الداخلية المصلحية التي يراد الوصول إلى كشف القيمة المصلحية التي فيها، أو يراد التعرف على الدرجة التي تقف عندها في سلم الأولويات التي تصنف بموجبها مصالح الأمة (حفظ النفس والعقل والدين والعرض والمال).
5- سائر الأحكام القضائية التي تنهض على البينات والحجاج في الدرجة الأولى، وعلى قرائن الأحوال في الدرجة الثانية، فهذه الأحكام وإن كانت مبادئها الكلية منصوصاً عليها ولا يجوز الخروج عنها ولا التشاور في ذاتها، إلا أن تطبيقاتها على الأفراد عند الترافع والدعاوى تحتاج إلى بصيرة نافذة وإلى كثير من النظر في حال المترافعين والتدقيق في دعاويهم.
6 – استخراج الحكم الشرعي من نص غير واضح الدلالة، أو نص يحتاج إلى التأكد من ثبوته. 7 – النظر في مصير مستند حكم إجماعي قام على الدليل المصلحي وحده، وذلك على ضوء النظر في مستجدات المصالح المتطورة. ثانياً: شروط أهل الشورى
أهل الشورى: هم أولو الأمر الذين يقدرون على إبداء الرأي وحلِّ المشكلات، وتطلق عليهم عدة تسميات، فهم أهل الاختيار وأهل الحل والعقد وأهل الشورى، وقد تكلم العلماء عن الصفات التي يجب أن تتوفر فيهم، وقد حددها الماوردي وأبو يعلى بثلاثة شروط، وهي: العدالة، والعلم، والرأي والحكمة( )، وهذه الثلاثة متفق عليها بين العلماء، وهناك صفات مختلف فيها الشروط المتفق عليها:
1 – الشروط المختلف فيها:
بعد أن ذكرنا الشروط الضرورية في أهل الشورى نفصل الكلام في شرطين وقع الخلاف حولهما وهما:
الأول: مشاركة غير المسلم في الشورى: واختلفوا في حكم مشاركة غير المسلم في مؤسسات الشورى على ثلاثة أقوال لكل منها دليله وحجته:
وبناء على ما سبق فإنَّ الرأي السديد أنهم ما داموا مواطنين فلهم حق المشاورة إذا توافرت فيهم الشروط والضوابط الآتية:
1ـ أن تكون استشارتهم في القضايا التي تعالج الشؤون الدنيوية والفنية مثل شؤون الاقتصاد والصناعة والتجارة والزراعة. 2ـ توفر الخبرة والرأي والعلم. 3ـ انتفاء التهمة، وتوفر الثقة والأمان. 4ـ أن لا ينفرد غير المسلمين في مؤسسة معينة للشورى، بل لابدَّ من مشاركتهم للمسلمين( ).
الثاني: عضوية المرأة في مجلس الشورى:
هناك اختلافات بين العلماء حول شرط الذكورة في أعضاء مجلس الشورى فقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على رأيين: الرأي الأول: عدم جواز عضوية المرأة في مجلس الشورى، وقال بذلك من المعاصرين أبو الأعلى المودودي والدكتور عبد الحميد الأنصاري. الرأي الثاني: وهو جواز عضوية المرأة في مجلس الشورى، وذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء.
من خلال عرض الرأيين وما ساقوه من الأدلة يظهر أن أدلة المانعين لا تدل صراحة على أن المرأة لا حق لها في الشورى، وليس هناك دليل من السنة على أن النبي صلى الله عليه وسلم تجنب مشورة النساء، وإذا كان الإسلام قد أباح لها أن تشترك في أمور أكثر خطراً وأعظم أثراً من الشورى فإن لها حق الشورى من باب أولى، وقد ثبتت مشاركة المرأة في كثيرٍ من قضايا الشورى، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون برأيها والعمل به، وقد شهد التاريخ الإسلامي مواقف سياسية للنساء المسلمات في الأزمات التي حلت بالمسلمين أنفسهم أو مع أعدائهم، فإن من الأمور السياسية: البيعة والأمان والجوار وإبداء الرأي والمشورة والانحياز إلى تأييد فريق من الفرقاء المختلفين سياسياً بالفعل أو القول( ).
ثالثاً: طرق اختيار أعضاء مجلس الشورى:
إن نصوص الشورى في الإسلام جاءت عامة مرنة لم تلزم المسلمين بعدد معين لرجال الشورى، ولا بطريقة بعينها لكيفية اختيارهم، ولا بنظامٍ خاصٍ للاقتراع بينهم، بل أمرت هذه النصوص بالشورى، وألزمت المسلمين أن لا يصدروا في جميع أمورهم إلا عن شورى، أما عن كيفيتها وتنظيمها فقد وكل هذا إلى عرف الجماعة ومستواها وظروفها في العصور المتعاقبة( ). وفي الحقيقة فإنه لم يحصل في العصور المتتالية للإسلام أي انتخابات لمجلس الشورى بالطريقة المعروفة اليوم، ولو حصل لما اختير غير الذين كانوا يستشارون بالفعل، فعلمهم وسابقتهم في الإسلام، وجهادهم في سبيله أهَّلَهُم بطبيعة الأمور لتلك المنزلة وهذه المكانة.
وعلى ذلك فإن إختيار أهل الشورى يمكن أن يكون بطريقتين:
فتفويض الأمة الكامل لانتخاب مجلس للشورى جائز شرعاً، وجعل عدد محدود باختيار الإمام جائز شرعاً. ويقدر هذه المصالح جمهور علماء الأمة. وللظروف والملابسات دخل عظيم في اختيار الأسلوب المناسب لتطبيق هذه الأحكام.
رابعاً: إلزامية الشورى: ذهب جمهور العلماء وبعض العلماء المعاصرين إلى أن الشورى معلمة في حق الحاكم وليست ملزمة فلا يلزم برأي الأغلبية . ومن العلماء الذين قالوا بأن الشورى معلمة: الجصاص الحنفي، وابن عطية المالكي، وابن تيمية، والقرطبي، ومن المعاصرين: الطاهر بن عاشور، وعبد الكريم زيدان، وأحمد محمد شاكر، وحسن هويدي، ومحمد سعيد رمضان البوطي.
ولقد ذهب كثير من العلماء المعاصرين إلى أن الشورى ملزمة، فعلى ولي الأمر أن يقول برأي الأغلبية، وإن خالف رأيه، ومنهم أبو الأعلى المودودي والشيخ محمود شلتوت وعبد الكريم زيدان في آخر ما انتهى إليه والأستاذ عبد القادر عودة ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا ومحمد سليم العوا وسيد قطب ومحمد البهي ومحمد الغزالي وطه سرور وأحمد شلبي وكثير من العلماء المعاصرين( ). وذهب ابن تيمية إلى أن الخلافة تكون بموافقة أغلبية أهل الشوكة، أي أهل الشورى وأهل الحل والعقد، فقد قال: “ولو قُدِّر أن عمر وطائفة معه بايعوه وامتنع سائر الصحابة عن البيعة لم يصر إماماً بذلك وإنما صار إماماً بمبايعة جمهور الصحابة الذين هم أهل القدرة والشوكة، ولهذا لم يضر تخلف سعد بن عبادة لأن ذلك لا يقدح في مقصود الولاية، فإن المقصود حصول القدرة والسلطان اللذين بهما تحصل مصالح الإمامة، وذلك قد حصل بموافقة الجمهور على ذلك”.
إن الفريقين قد استدلوا بنفس الآيات ولكن حملها بعضهم على إلزامية الشورى وحملها البعض الآخر على عدم الإلزامية ولو تأملنا بحوادث السيرة النبوية نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستشير في أموره كلها. ولكن لا فائدة من الشورى إذا قلنا أنه يجب على الإمام أن يستشير الأمة ممثلة بأهل الحل والعقد فيها أو أهل الشورى ثم يأخذ برأيه وينفذه ويضرب برأيهم عرض الحائط، فإن هذا يولّد ضعف الثقة بين المستشير والمستشارين، وربما أوغر هذا صدور أهل الحل والعقد على الأمير، وأنتج التدابر والتشاحن والتنافر إن كانوا أقوياء.
والقول بأن الشورى غير ملزمة يؤدي إلى استبداد الحاكم وظلم الرعية وقتل شخصيتها، ولقد ولّد هذا الرأي حكاماً فاسدين ظالمين، لا يقيمون للأمة وزناً، ويتخذون قرارات مصيرية بالنسبة لها، ولقد حدثت مظالم كثيرة في المجتمعات الإسلامية سواء ما كان منها متعلقاً بتنصيب رئيس الدولة وعزله والولاية بالعهد إلى شخصين فأكثر، أو ما كان متعلقاً بسياسة الأمة وعلاقتها مع أعدائها في السلم والحرب، أو ما كان متعلقاً بالأحوال الداخلية والله أعلم.
ثم إن القول بأن الشورى ملزمة تقتضيه المصلحة العامة للأمة، وحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله. يقول القرضاوي في كتابة (من فقه الدولة): “ومهما يكن من خلاف فإذا رأت الأمة أو جماعة منها أن تأخذ برأي الإلزام في الشورى فإن الخلاف يرتفع ويصبح الالتزام بما اتُفق عليه واجباً شرعاً، فإن المسلمين عند شروطهم، فإذا اختير رئيس أو أمير على هذا الأساس وهذا الشرط فلا يجوز له أن ينقض هذا العقد ويأخذ بالرأي الآخر، فإن المسلمين كما قلت ولما جاء في الحديث على شروطهم، والوفاء بالعهد فريضة {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 91] وحين عرض سيدنا عبد الرحمن بن عوف على سيدنا علي على أن يبايعوه على الكتاب والسنة وعمل الشيخين أبي بكر وعمر قَبْلَه رفض هذا- أي الالتزام بعمل الشيخين- لأنه إذا قَبِلَه يجب أن يلتزم به، وإنما رفضه لأنه إمام له اجتهاده ونظرته المستقلة عن نظرة الشيخين قبله، وقد تغير الزمن والحال، وقَبِل ذلك سيدنا عثمان، فبويع على ذلك. والشاهد: أن من تبايعه الأمة على شرط يجب أن يوفي به ما استطاع”.
والخلاف في مسألة الشورى وإلزاميتها إنما يكون عند وجود الحاكم الذي توافرت فيه الشروط كاملة من اجتهاد وعلم. أما مع عدم استجماع الشروط كاملة في الحكام، فإن القول بإلزامية الشورى هو الذي يجب العمل به والله تعالى أعلم.
المبحث الثالث: الشورى المعاصرة:
إنَّ الدول الحديثة على اختلاف نظمها اتخذت أنماطاً شتى لتحقيق معنى الشورى وتطبيقه في مجتمعاتها معتمدة على الديمقراطية وفكرة العقد الاجتماعي وإعطاء الأغلبية حقها في إصدار القرارات العامة.وقد مارست الأمة الشورى بأساليب شتى فقد اتخذت مجالس للشورى واعتمدت أهل الحل والعقد ومؤسسات الشورى واتخذ الخلفاء والولاة المشيرين والمستشارين واستشاروا الجماعة والأفراد والنساء والرجال والشباب في شؤون الدولة المختلفة وأهمها اختيار رئيس الدولة دون أن يكون لها نظام محدد وشكل ثابت.
أولاً: الشورى والديمقراطية:
تعريف الديمقراطية: حكومة الشعب الذي تمثله أغلبيته وهي طبقة العامة. 1- نواحي الاتفاق والاختلاف بين الشورى والديمقراطية: أ. نواحي الاتفاق: تتفق الشورى والديمقراطية في النقاط التالية: 1- السلطة للشعب في انتخاب رئيس الدولة، سواء أكان انتخاباً من أهل الحل والعقد أو من عامة الناس. 2- رفض جميع أشكال الحكم المطلق أو الاستبدادي أو القبلي أو الثيوقراطي (الحكم الكهنوتي). 3- تعددية الأحزاب والجماعات ضمن الإطار العام للإسلام (في الإسلام) أو الدستور أو الميثاق (في الديمقراطية) . 4- إعطاء الحريات للأفراد ضمن النظام العام. 5- حرية الشعب في اختيار ممثليه.
ب. نواحي الاختلاف بين الشورى والديمقراطية: إذا نظرنا إلى الديمقراطية بأصولها الفلسفية الأيديولوجية، وإلى الشورى بلبوسها الإسلامي فإننا نلحظ فارقين رئيسيين هما المصدر والتشريع: 1- المصدر: فنظرية الشورى في الإسلام نابعة من ضرورة انضباط كل مفاصل الدولة في الإسلام بالأحكام الشرعية، لأن الحاكمية لله تعالى، وهو مبدأ لا يجوز الخروج عليه، ولذلك فإن الالتزام بالشورى هو التزام بالحكم الشرعي المستمد من الوحي الإلهي، بينما تستمد الديمقراطية أصولها من تصالح الناس وتوافقهم على مبادئ تضبط لهم شؤون حياتهم، وبالتالي يجوز لهم الخروج عنها إلى غيرها متى ما وجدوا المصلحة في غيرها.
2 – التشريع: فليس من حق أهل الشورى أو المجالس النيابية في الإسلام أن تخرج عن الإطار العام للشرع، لأن التشريع حق لله تعالى، أما في الديمقراطية فلا حدود ولا ضوابط إلهية، وإنما ما يتوافق عليه الناس في دساتيرهم وقوانينهم.
بين آليات الشورى وآليات الديمقراطية: بعد أن بينا نقاط التوافق والخلاف بين الشورى والديمقراطية لا بد أن نبين أن الخلاف في الأصل الفلسفي لا يعني رفض الآليات والإجراءات التي قد تتبع في الشورى أو الديمقراطية، وإنما الرفض للبعد الفلسفي في الديمقراطية، وهذا مما لا يخالف فيه مسلم يعتز بدينه وانتمائه، يقول القرضاوي: “إن الإسلام قد سبق الديمقراطية بتقرير القواعد التي يقوم عليها جوهرها، ولكنه ترك التفصيلات لاجتهاد المسلمين وفق أصول دينهم ومصالح دنياهم وتطور حياتهم بحسب الزمان والمكان وتجدد أحوال الإنسان… ومن حقنا أن نقتبس من غيرنا من الأفكار والأساليب والأنظمة ما يفيدنا، مادام لا يعارض نصاً محكماً ولا قاعدة شرعية ثابتة، وعلينا أن نحوّر فيما نقتبسه ونضيف إليه ونضفي عليه من روحنا ما يجعله جزءاً منا ويفقده جنسيته الأولى، ومن هنا نأخذ من الديمقراطية أساليبها وآلياتها وضماناتها التي تلائمنا، ولنا حق التحوير والتعديل فيها، ولا نأخذ فلسفتها التي يمكن أن تحلل الحرام أو تحرم الحلال أو تسقط الفرائض”.
يقول الشيخ محمود شلتوت: “الشورى من الأمور التي تركت نظمها وإجراءاتها دون تحديد رحمة بالناس من غير نسيان توسعة عليهم وتمكيناً لهم من اختيار ما يتاح للعقول وتدركه البشرية الناضجة ومادام المقصود هو أصل المشورة والوصول بها إلى قوانين التنظيم العادل التي تجمع الأمة ولا تفرقها والتي تعمر وتبني ولا تخرب ولا تهدم فالأمر في الوسيلة سهل ميسور”( ). ويضيف الشيخ القرضاوي ملحظاً مهماً فيقول: “ولا يلزم من الدعوة إلى الديمقراطية اعتبار حكم الشعب بديلاً عن حكم الله إذ لا تناقض بينهما، ولو كان ذلك لازماً من لوازم الديمقراطية فالقول الصحيح لدى علماء المحققين :إن لازم المذهب ليس بمذهب وأنه لا يجوز أن يكفر الناس أو يفسقوا أخذاً لهم بلوازم مذاهبهم فقد لا يلتزمون بهذه اللوازم”.
ولإزالة شبهة أن تتخذ المجالس النيابية وسيلة من وسائل تغيير شرع الله فإنه يمكن أن توضع مادة في الدستور تنص صراحة على بطلان كل حكم أو قرار أو قانون يخالف الشريعة الإسلامية. وبناء على ذلك فإذا أردنا بالديمقراطية أن يختار الشعب ممثليه بنفسه، ويستمد من الديمقراطية تنظيم الانتخابات والإجراءات، فهو أمر لا يعارض الشريعة ولا مشكلة في الاصطلاحات. أما إن أردنا بالديمقراطية أن الشعب مصدر التشريعات والحكم فهو أمر مخالف للشريعة والله أعلم .
ثانياً: المجالس النيابية وصلاحياتها:
استقر العمل في الحكومات المعاصرة على اختيار أساليب وطرق تنظم عمل المؤسسات النيابية: كمجلس الشيوخ، ومجلس النواب، ومجلس الأعيان، ومجلس الشعب، ومجلس الأمة، ومجلس الشورى، وقد تشتمل بعض المؤسسات على مجلسين، وبعضها على مجلس واحد، فهل يتعارض الأخذ بها مع مبدأ الشورى في الإسلام . فالإسلام لا يمنع أن يكون هناك مجلس منتخب من الأمة على اختلاف فئاتها ينتخبون بحرية تامة وانتخاب عام ممثلين عنهم في كل ولاية أو مقاطعة حسب قانون البلد وأنظمته، وهذه الانتخابات وإن لم تكن موجودة على هذه الصورة في عهود الإسلام إلا أنها كانت موجودة في صورة الانتخاب الطبيعي، والذي بموجبه نال عدد من الزعماء أو الشخصيات القبول من الناس الذين أوصلوهم إلى مركز الصدارة، فصاروا من أهل الحل والعقد، فهم يمثلون عنصر التأثير الاجتماعي الذي يتمتعون به، حيث يكون انحيازهم إلى رأي أو قرار مدخلاً كافياً لرضى الناس به ودخولهم فيه وانصياعهم لحكمه.
وقد ثبت في عصرنا جدوى الوسائل النيابية الحديثة، فليس هناك ما يمنع من الأخذ بها إذا لم تتعارض مع نصوص الشريعة ولا تناقضها، بل تحقق المقصود من الشورى، قال الشيخ محمد عبده: “ومعلومٌ أن الشرع لم يجئ ببيان كيفية مخصوصة لمناصحة الحكام، ولا طريقةٍ معروفةٍ للشورى، كما لم يمنع كيفية من كيفياتها الموجبة لبلوغ المراد منها، فالشورى واجبٌ شرعيٌّ وكيفية إجرائها غير محصورة في طريق معين فاختيار الطريق المعين باق على الأصل من الإباحة والجواز”.
وإذا كانت هناك ثغرات في النظام النيابي الغربي أو مساوئ في تطبيقه، مثل الغش والخداع والتزييف والتلاعب وشراء الأصوات والغوغائية والتملق للناس واستغفالهم واستغلالهم ونحو ذلك، فإن بالإمكان مجانبة ذلك ما دمنا نحيط هذا النظام بسياج القيم والأخلاق التي جاء بها الشرع الإسلامي.
نبيل العتوم
المرصد الاستراتيجي
غياث بلال
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة