غياث بلال
تصدير المادة
المشاهدات : 10403
شـــــارك المادة
ظهرت المقالة على موقع مجموعة نهضة في 3 آذار 2013، ونعيد نشرها هنا بإذن من الكاتب يتناقل الكثير من السوريين مقولة منسوبة للرئيس الراحل شكري القوتلي حيث قال لجمال عبد الناصر في معرض تسليمه السلطة إبان الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958 مفادها (سأسلمك شعباً نصفه زعماء ونصفه الآخر أنبياء).
لعله يعني بذلك أن عموم الشعب السوري كبير الطموح وصعب القياد ولعل تجربة الثورة السورية خلال السنتين الفائتتين وتكاثر الأشخاص والكيانات والهيئات التي ادعت تمثيل الشعب السوري وتنافست على قيادته تؤكد هذا المعنى. رغم أن المقولة المنسوبة للراحل شكري القوتلي عمرها أكثر من 56 سنة إلا أن هذه الظاهرة لم تحظَ بدراسة حقيقية تختبر صحتها وتحلل أسبابها وتقترح حلولاً للتعامل معها. ولعل مثل هذه الدراسة أصبحت اليوم في ظل ظروف الثورة الشعبية التي تعيشها سوريا أكثر إلحاحا و ضرورة من أي وقت مضى. سبق وأن أشرت في مقال سابق (نظرة إدارية نقدية للكيانات والتنظيمات الثورية السورية) إلى بعض أسباب الفشل الإداري لهذه الكيانات من خلال التعرض لبعض جوانب الضعف في الهيكليات الإدارية لهذه الكيانات. وفيما يلي محاولة بحثية على مستوى التحليل الاجتماعي تحاول أن تفتح الباب لفهم أسباب تكاثر الكيانات الثورية والعسكرية والسياسية التي ظهرت في ظل الثورة الشعبية السورية ومن بعد ذلك انفراط عقد الكثير منها مبكرا قبل أن تنجز أهدافها التي تأسست من أجلها. وكذلك من أجل اقتراح حلول تعالج هذا القصور في الكيانات والمنظمات المعنية. نشوء المجموعات وخصائصها: عندما يتواصل أي شخصين لفترة زمنية كافية تنشأ بينهما علاقة معينة لها مواصفات ومحددات تحدد إطار التعامل فيما بينهما وعندما يقومان بتنظيم هذه العلاقة يصبحان فريق عمل كلما ازداد عدد أعضاء الفريق تصبح هذه العلاقة أعقد وتتعدد أبعادها. ويمكن إيجاز خصائص أي فريق عمل بما يلي: أهداف المجموعة: يعيش الإنسان في الحياة ضمن مجموعات يضطلع ضمنها بأدوار مختلفة: فهو أب في المنزل و موظف في الشركة وعضو في مجموعة عمل سياسية. كل مجموعة من هذه المجموعات تقوم لأجل تحقيق أهداف محددة هي الغاية من العمل الجماعي ضمن فريق. وعادة ما يتحقق الانسجام والتفاهم بين أعضاء الفريق الواحد بالقدر الذي يتحقق فيه الفهم المشترك لأهداف هذه المجموعة. وجود هذه الأهداف ووجود الفهم المشترك الصحيح لها ووضعها في خطة عمل قابلة للتنفيذ يخلق للمجموعة مشروع عمل يستقطب طاقاتها ويطور كفاءاتها ويمكنها من زيادة التواصل بين أفرادها مما يعمق شعور الإنتماء ويخلق مفهوم "نحن" على حساب مفهوم "الأنا" ويقارب بين وجهات النظر والسلوكيات بين أفرادها المختلفين كما يساعد أفرادها على بلورة أدوارهم فيها وفهمهم لواجباتهم وحقوقهم بشكل أفضل. وفي نفس الوقت فإن غياب هذا المشروع وخاصة في الفترة الأولى بعد تأسيس المجموعة أو الكيان المعني سيؤدي إلى فقدان هذا الوسط أو المركز الذي سيجمع الأطراف المختلفة حوله وبالتالي سيكون التواصل بين الأفراد ضعيفاً والعمل الجماعي شبه معدوم مما سيؤدي بكل فرد من أفراد المجموعة للبحث عن دور له يؤديه خارج إطار المجموعة وبالنتيجة لن يكون لديه وقت للعمل مستقبلا في إطار المجموعة. أو سيؤدي إلى انشغال أعضاء المجموعة بالخلافات الإدارية والتنظيمية أو العقائدية والإيديولوجية فيما بينهم. مما ينقل العمل إلى سكة التأزم ويجعله عرضةً للانحلال. في الكثير من الكيانات التي اجتمعنا بها في ظل الثورة كان الهدف من تشكيلها هو شعارات كبيرة اعتُبرت أهدافاً مثل: إسقاط النظام، توحيد القوى الثورية في سوريا، بناء الدولة المدنية، بناء الدولة الإسلامية أو دولة الخلافة. وبعد اجتماعهم عدة اجتماعات يحاول أعضاء هذه الكيانات تحويل هذه الشعارات إلى أهداف واقعية ومرحلية قابلة للتنفيذ, ولكنهم يكتشفون أنهم غير متفقين على طريقة تحقيق هذه الأهداف المرحلية رغم اتفاقهم على الشعارات الكبرى، مما يؤدي عمليا إلى موات مجموعتهم قبل بدئها بالعمل. وفي حالات أخرى يتفقون على الأهداف المرحلية ولكنهم يعجزون عن تحويلها لمشروع عملي قابل للتنفيذ وذلك إما لنقص الخبرات أو نقص الكفاءات أو لعدم ملائمة الظروف وبالتالي تبقى المجموعة لفترة طويلة دون عمل حقيقي سوى الاجتماعات الدورية التي يتناقص عدد الملتزمين بها مع الأيام حتى تنتهي المجموعة وتتلاشى. اختلاف الأهداف الشخصية عن أهداف المجموعة: في ظل الثورة اجتمع ناشطون كثيرون كان القاسم المشترك بينهم هو الرغبة بالتغيير مما دفعهم لبناء مجموعات عمل من أجل تنظيم عملهم لتحقيق هذا الهدف المشترك. في بعض الأحيان، قد تتوفر لمجموعة عمل ما كامل أسباب النجاح، حيث تكون لديها أهداف واضحة ومحددة وطريقة واضحة لتحقيق هذه الأهداف. إلا أن العنصر البشري في أية مجموعة يتطور دائماً مع الزمن، وقد تختلف مصالح أحد الأعضاء الشخصية عن مصالح المجموعة مع مرور الأيام فيقدم مصالحه بالشكل الذي يؤذي عمل المجموعة. أو قد تتوفر له من خلال عمله في المجموعة فرص تتيح له تحقيق مصالح شخصية على حساب المجموعة مما يولد لدى باقي أعضاء المجموعة شعور بالغبن والخديعة، وهذا يؤدي بدوره إلى شلل المجموعة وتوقفها عن الإنتاج لاختلال العلاقات بين أفرادها وافتقادها للحد الأدنى اللازم من الثقة الذي يؤهلها للاستمرار في العمل. قواعد ونواظم العلاقات داخل فريق العمل: عادة ما تنشأ هذه القواعد والنواظم بشكل طبيعي أو غير واعٍ فتكون أشبه بالقواعد غير المكتوبة والمستمدة عادة من البيئة التي نشأ بها فريق العمل أو من طبيعة العلاقات بين أعضاء الفريق. فكل فريق عمل يكون لديه تصور لما هو صحيح وما هو خاطئ وما هو مقبول وما هو غير مقبول. وتساهم النشاطات الجماعية التي يقوم بها أي فريق في تقريب وجهات النظر وتعميق الفهم المشترك لأهداف الفريق وكذلك لضوابط وقواعد العمل الجماعي. هذه القواعد قد تتحول فيما بعد إلى قيم خاصة بالمجموعة يعرف بها أفرادها أنفسهم من خلال ذكر كلمة "نحن" أي من خلال شعورهم بالانتماء للمجموعة. فعلى سبيل المثال: أذكر أحد الأعضاء في فريق العمل الذي كان يقاطع جلسات الاجتماعات دائما لطرح قضايا جانبية أو ليست مدرجة على جدول الأعمال. وعندما تكرر الأمر تم زجره من العديد من الأعضاء لمخالفته ما هو معروف بالبديهة من التزام بجدول الأعمال. كما أن هناك أيضا شخص كان يوجه اعتراضاته من خلال التعرض للأشخاص بدل التعرض للسلوك الذي يزعجه مما جعله منبوذا من باقي الفريق ورفض الآخرين التعامل معه. تقوم كل مجموعة بحماية الضوابط والقواعد الخاصة بها أيضا بشكل تلقائي من خلال ازدرائها للشخص الذي يخل بهذه القواعد والتعامل معه على أنه غير منضبط أو ربما منبوذ. وفي أغلب الأحيان يتم تثبيت هذه القواعد من خلال محاولة البعض خرقها فتتم معاقبتهم بالشكل الذي يثبت هذه القواعد ويعلم جميع الأفراد الحدود التي لا يسمح لهم بتجاوزها. يتم تغيير هذه القواعد عادة بشكل تلقائي وبطيء يبدأ في اللاوعي نتيجة تغير ظروف المجموعة وينتهي بالتنفيذ. أو يبدأ لدى بعض الأفراد الذين يكسرون بعض القواعد ويفرضون قواعد جديدة كأمر واقع، وفي حال تعايش باقي الفريق مع القواعد الجيدة يكونوا بذلك قد غيروا قواعد ونواظم مجموعتهم. وفي حال تم رفض التغيير من باقي المجموعة قد يؤدي ذلك إلى صراع على النفوذ من أجل تحديد قواعد المجموعة. كيفية التعامل مع من يخل بقواعد المجموعة أو الخارجين عن هذه النواظم: في كل مجموعة هناك دائما من لا ينسجم مع بعض قواعدها و يخل بها بشكل مستمر رغم أنه ينتمي للمجموعة لإيمانه بأهدافها ولقبوله بالدور المناط به فيها. وجود هؤلاء الأشخاص يعتبر طبيعي و ضروري في كل مجموعة حيث أنه يقوي الروابط ويزيد التماسك بين باقي أفراد المجموعة لأنه يعمق مفهوم "نحن" لديهم ويدفعهم لتعريف أنفسهم بالتمايز عنه نظرا لالتزامهم بالقواعد التي قام هو بخرقها. وفي كثير من الأحيان تقوم المجموعة بتفريغ الاحتقانات والخلافات الداخلية لديها من خلال توجيه الخلافات والأنظار للخروقات التي يقوم بها الأشخاص الذين لا يلتزمون بالقواعد المتفق عليها. وجود مثل هؤلاء الأشخاص يجعلهم كبش فداء للكثير من مشاكل المجموعة ويعمق شعور القوة والنفوذ للجهة التي تعد نفسها الحامية لقواعد ونواظم المجموعة. العديد من الكيانات والتنظيمات المختلفة التي عايشتها كانت تسعى دائما لطرد مثل هؤلاء من المجموعة عند أول فرصة. والحقيقة وبما أن مفهوم الالتزام نسبي فإنه بعد أن يتحقق لها مرادها تبحث عن غيرهم من الأفراد الأقل التزاما بعادات وقواعد المجموعة وتحولهم لمنبوذين جدد وتسعى لطردهم لدى أقرب فرصة أخرى. أو أن الطاقات التي كانت تصرف على الخلافات مع المنبوذين المطرودين سيتم تحويلها إلى تجاذب للنفوذ حول صلاحيات فرض القواعد والنواظم مع الأطراف الأقل انسجاما مع المجموعة التي سعت لطرد المنبوذين الأوائل وبالتالي سيؤدي إخراج المنبوذين إلى إضعاف المجموعة واشتغالها بالصراعات الداخلية. في فرق العمل التي تعتمد هذه السلوكيات يسود الخوف والانغلاق ولا تتمتع بقابلية النمو والتطور. تجدر الإشارة أنه في بعض الأحيان يتحول بعض أفراد المجموعة لمنبوذين ليس لأنهم خرقوا العادات والتقاليد و القواعد ولكن لأنهم مختلفون فقط: كأن يكون من منطقة مختلفة عن باقي المجموعة أو يتكلم بلهجة مختلفة أو ينتمي لطائفة أخرى أو شريحة إجتماعية مختلفة وبالتالي سيتم التعامل معه على أنه الآخر المختلف في المجموعة وسيكون من الصعب عليه جدا أن يخرج من هذا الدور. وعادة ما تظهر هذه السلوكيات في المجموعات المنغلقة على أنفسها وغير القادرة على استيعاب المختلف عنها. في مجموعات العمل المنفتحة والتي اكتسبت القدرة على التعامل مع الآخر المختلف يتم التحاور معه والنظر له على أنه عامل إغناء لأنه يستطيع النظر من خارج الصندوق ويملك نظرة مختلفة قد تضيء للآخرين زوايا مظلمة لم يكونوا قادرين على رؤيتها. وفي نفس الوقت وجود هذا النوع من الأشخاص يشكل ضمانة وحماية للفريق من التحجر والانغلاق نتيجة سيادة النظرة الموحدة المنسجمة تجاه أغلب القضايا لدى أعضاء الفريق وفي نفس الوقت يعطي الفريق فرصة مستمرة بمراجعة القواعد والنظم وحتى مراجعة الأهداف والبديهيات المتفق عليها للفريق بما يسمح له بالتطور المستمر ومواكبة العصر وعدم الابتعاد عن الواقع. توزيع الأدوار والمسؤوليات: في كل علاقة مستقرة تنشأ بين أثنين يكون هناك تصور من كل طرف ماذا سيقدم له الطرف الآخر. بناء على هذه التصورات والتوقعات ينشأ توزيع أدوار تلقائي يرتضيه كلا الطرفين مثل علاقة الأستاذ والطالب، أو الموظف ومديره في العمل، الجندي و رئيسه، الزوج والزوجة. بعض هذه الأدوار نختاره بأنفسنا والبعض الآخر قد يفرض علينا. وهذا الأخير يخضع عادة للتصنيفات الاجتماعية والعرف والثقافة السارية في المجتمع. فإذا كنت ملتحياً وتصلي قد يتم تصنيفك في فريق العمل كإسلامي وينتظر منك أن تتصرف وفق هذا التصنيف أما إذا كان اسمك الحركي جيفارا فسيتم تصنيفك أنك يساري وينتظر منك أيضا أن تتصرف وفق هذا التصنيف. وهذا ما يمكن تسميته بالتصنيف الأولي. وأحيانا تتحول هذه الأدوار لقالب لصاحبها أو سجن له يصعب عليه الخروج منه. من خلال العمل والممارسة يأخذ كل شخص دور له في الفريق ومكانة معينة يفرضها عادة إما من خلال عمله أو من خلال تراتيبية معينة تحكم العلاقات في فريق العمل. تعارض الأدوار: خلال عمل الفريق يتطور أداء أعضاء الفريق وتتطور شخصياتهم. وهو تطور تأتي به التجربة، حيث أن العلاقة بين التجربة وبين أفرادها هي علاقة نمو متبادل، فالتجربة تنمو بأفرادها والعكس صحيح، ونتيجة لهذا التطور قد تصبح بعض الأدوار غير ملائمة لبعض الأفراد. ففلان مثلا كان دوره دائما هو الهتاف في المظاهرات والآن يرى بنفسه الكفاءة والقدرة على تنظيم المظاهرات. وآخر كان دوره فقط رفع الأخبار إلى القنوات الإعلامية ويرغب اليوم بالظهور على الشاشات كمتحدث إعلامي وآخر كان عضو أمانة عامة ويرغب أن يكون اليوم في المكتب التنفيذي. هذا التطور الذي يشعل الطموح للتغيير لدى الإنسان قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى تضارب المصالح نتيجة لتعارض الأدوار. بعد نشوء المجموعات وبدئها في العمل يكون كل عضو قد أخذ مكانه وأي تبديل في الأدوار سينجم عنه تعارض وتضارب يستوجب الحل وإلا فإنه سيؤدي إلى التنافس الهدام. ففلان يريد أن يكون الناطق باسم المجموعة بعد أن كان مراسلاً لها مع العلم أنه لدى المجموعة ناطق باسمها. في هذا الحال قد يبدأ كل طرف ببناء تحالفات لاستقطاب الآخرين لطرفه من أجل تحقيق مصالحه أو الحفاظ عليها مما يؤدي إلى حدوث اضطراب في العلاقات في المجموعة. وسيؤدي ذلك لتشكيل مجموعات متناحرة داخل مجموعة العمل وتقسيم وتصنيف أعضاء المجموعة إلى مع وضد وحيادي. في حال ازدادت هذه التناقضات داخل مجموعة العمل عن حد معين فإنها ستؤدي بها إلى الشلل ووقفها عن العمل المنتج وتحولها إلى خلية مضطربة تعج بالخلافات والأحقاد وإذا طال بها الأمد دون أن تتمكن من حل هذه الاضطرابات أو تنظيمها فإنها ستؤدي إلى انفراط عقدها. أضف إلى ذلك، إن معظم الأعمال في بيئة الثورة هي أعمال تطوعية واتفاقاتها أدبية لا تتمتع بطريقة قانونية أو رسمية لتثبيتها ولا يوجد دائما بالضرورة جهة قانونية للتحكيم والفصل في الخلافات قبل استفحالها، مما يؤدي في غالب الأحيان إلى تفاقم الاختلافات الصغيرة بالشكل الذي قد يخرجها عن السيطرة. ومن حيث النتيجة فإن الكثير من الأفراد أو المجموعات الذين لم يجدوا لأنفسهم الدور المقنع الذي يرغبون به ضمن مجموعة العمل التي يعملون بها وفي نفس الوقت ليس لديهم رغبة بالدخول في حالات صراع وتنافس هدام مع الآخرين غادروا مجموعاتهم وأسسوا مجموعات عمل جديدة تتيح لهم الأدوار التي كانوا يطمحون لها في مجموعتهم الأولى. وفي ظل ظروف الثورة التي لم يتبلور فيها العمل المؤسساتي بشكل واضح تكاثرت لدينا المجموعات والتنظيمات بشكل هائل وتقلصت أحجامها لتتألف من أفراد معدودين في أغلب الأحيان. فقط المجموعات المنفتحة القادرة على التعامل مع الآخر ومواجهة التحديات بشجاعة من خلال الحديث الصريح عن العلاقات والإشكالات فيها بما يمكنها من تحقيق قدر أدنى من التفاهم ومرونة نسبية في تبديل الأنماط والأدوار والأهداف هي المجموعات القادرة على النمو والتطور بشكل سليم وصحي. العمل المؤسساتي كأداة للتطور و الارتقاء: الانتقال بالعمل الثوري إلى النمط المؤسسي هو انتقال تفرضه ضرورة استيعاب تطور أفراد المجموعة الذي جاءت الإشارة له فيما تقدم، وهو تطور يترافق عادة مع اكتسابهم لمهارات جديدة من خلال الخبرة التي اكتسبوها في عملهم يدفعهم للبحث عن دور جديد لهم في المجموعة. تغيير الأدوار هذا يتحول عادة إلى تضارب مصالح قد يؤدي إلى شلل المجموعة أو انهيارها وهذا ما عانت منه أغلب المجموعات والكيانات الثورية في الواقع السوري. من هنا يصبح توافر آليات العمل المؤسسي شرطاً لازماً لاستمرار أي عمل جماعي تشاركي، حيث تقوم هذه الآليات بخلق المناخ الإداري السليم والذي يضع توصيفاً واضحاً للأدوار والمسؤوليات وتعريفاً لحدودها وهوامش تداخلها وطبيعة الأطر الناظمة للعلاقات التي تصل بين أفراد المجموعة ومعايير الانتقال من دور لآخر بشكل يحافظ على سلامة الاصطفاف الداخلي برغم الحركة الدؤوبة الملازمة لنمو التجربة. وعليه فإن العمل المؤسساتي يقوم بما يلي: • تحويل القواعد والنواظم المتفق عليها إلى نظام داخلي مكتوب • تحويل الأدوار وطريقة توزيعها إلى هيكلية واضحة ومكتوبة وتشرح طريقة توزيع الأدوار أو تدويرها وتترك هامش للتطور و التغيير. • تحويل الأهداف والقيم التي كانت أساس تشكل فريق العمل إلى أهداف واستراتيجيات ينجم عنها برنامج عمل يستوعب الجميع ويعمل على تحقيق الغاية من مجموعة العمل. • كما ويقوم كذلك بتحديد الأطر القانونية والتنظيمية للفصل في الخلافات والقضايا الإشكالية و بهذا فالمؤسسة قامت بتأطير وتنظيم طريقة تبادل الأدوار في المجموعة بشكل قانوني يوظف تطور الأفراد وازدياد خبرتهم في خدمة تطور المؤسسة بدل أن يؤدي تطور الأفراد من خلال عملهم إلى تهديم المؤسسة التي يعملون بها. كما تساهم المؤسسة في إبطاء ديناميكية التغيير في الفريق بالشكل الذي يسمح له بالعمل المستقر والثابت و تساهم أيضا في توحيد الفهم المشترك الجماعي لأهداف المجموعة و لموضوع عملها. وفي حال أمكن تسجيل المجموعة في أي دولة مجاورة فهذا سيخلق لها حالة من الاستقرار والمرجعية القانونية والقضائية التي ستساهم في تعميق استقرار المؤسسة والحد من نسبة الفساد فيها. العوائق التي حالت دون تحول كيانات الثورة للمؤسسات: لم تستطيع أغلب الكيانات الثورية السورية التحول إلى مؤسسات قادرة على مراكمة الخبرات وإدارة الطاقات بالشكل الذي يضمن تجاوز العقبات و ضمان سلامة سير أعمال المؤسسة. ولعل توافر عنصر الاستقرار يعتبر شرطاً أساسياً للعمل المؤسسي بينما الواقع أن هذا العنصر هو من أكثر الأمور ندرةً في المشهد السوري سيما في بداية الأحداث الجارية. فيما يلي شرح لأهم الأسباب التي نعتقد أنها حالت دون هذا التحول المطلوب: صعوبة التواصل - أسباب تقنية و أسباب ثقافية. لا شك أن مسالك الاتصال بين النشطاء عانت من تحديدات واقعية غاية في القسوة، ليست تقف عند الرقابة الاستخباراتية التي تهدد الأمن الشخصي للناشط، ولا في تردي البنى التحتية لتكنولوجيا الاتصال الحديثة، إنما في جملة من الأسباب الموضوعية يمكن تصنيفها ضمن أسباب تقنية و أخرى ثقافية على النحو التالي: أسباب تقنية: كما هو معروف فإن الضغط الأمني والتنكيل الشديد بالمعتقلين فرض شروط صعبة للتواصل بين العاملين في الثورة وخاصة في داخل سوريا، ما دفع بهذا التواصل ليكون قائماً على مايلي: • عبر شبكات التواصل الاجتماعي التي يتيحها فضاء الانترنت كالسكايب أو الفيسبوك، دون تواصل مباشر، وفي أغلب الأحيان لا يعرف الناشط عن من يكلمه إلا أنه ثقة وموثق من طرف فلان ولا يعرف عنه الكثير وأغلب الناشطين كانوا يتعاملون بأسماء وهمية • بين أناس لا تجمعهم قبل الثورة روابط و إنما تعرفوا على بعض من خلال النشاطات الثورية • إضافةً إلى تردي كفاءة التواصل الالكتروني في تلبية متطلبات الثوار نظراً لتخلف قطاع الاتصالات في سوريا عموماً و محدودية هذا النمط من التواصل في قدرته على ضمان المستوى المطلوب من حماية الأمان الشخصي للناشط. جميع الظروف المذكورة أعلاه جعلت من التواصل بين الناشطين منقوص وغير قادر على نقل كامل الصورة بالشكل الكافي لبناء الثقة المستقرة ورسم الحدود السليمة في التعامل بين الأفراد. حيث تقتصر الرسالة هنا على الكلمات وتغيب لغة الجسد التي يتيحها أي لقاء بين شخصين من حركات اليدين والوجه وبالتالي غياب الانطباع البصري والذاكرة المكانية وغير ذلك من عناصر الاتصال التي تساهم في رسم حدود واضحة لكل شخص في تصرفاته بالشكل الذي يؤسس لعلاقة سليمة بين الطرفين. كما أن محتوى أي رسالة يتم إيصالها لأي طرف آخر يتم تفسيرها دائما حسب نوع العلاقة بينهما وطبيعتها، و لكن طبيعة الظروف السابقة لا تساعد على تأسيس علاقات صحية ومستمرة. فنفس العبارة يمكن فهمها على أنها مديح أو استهزاء أو استفزاز، والمحدد الذي يعطي التفسير الصحيح هو طبيعة ونوع العلاقة القائمة بين المتحدثين. كما أن بيئة التواصل عبر السكايب تسهل التواصل مع عدة أشخاص في وقت قصير أو حتى في وقت واحد مما يسرع من ديناميكية بناء التحالفات والمؤامرات ويسرع كذلك إمكانية فرط عقدها بالشكل الذي يحرم أي عمل جماعي من الإستقرار. يمكن القول أنه لا يمكن بناء مؤسسة كاملة مستقرة من خلال الإتصال فقط عبر الإنترنت لفقدان أغلب الأسباب الضرورية للتواصل الصحيح واللازم لتمتين أواصر العلاقات فيها وتثبيت أسسها.
أسباب ثقافية: لا شك أن غياب الأطر التي تنظم العمل الجماعي خلال الأربعين السنة الماضية حرمت أجيال عديدة من اكتساب مهارات التواصل و التعامل التي يحتاجها الإنسان العامل ضمن فريق. فالعمل الجماعي يحتاج إلى منظومة من المهارات مثل: القدرة على الاستماع والقدرة على التفاوض، القدرة على التفهم وتجاوز الإشكالات وبناء التحالفات وتقديم الأهم على المهم و غيرها مما تزخر به مراجع علم بناء المؤسسات. فالمراقب لمعظم الأعمال الجماعية في زمن الثورة يجدها إما عائلية أو فئوية أو طائفية أو مناطقية بالشكل الذي يجعل الفريق دائما صغيرا ومحدودا بعدد قليل من الأفراد المنسجمين مع بعضهم ومردّ ذلك عدم قدرتهم على التعامل مع أفكار مختلفة والخروج عما هو مألوف بالنسبة لهم. بدأت الكثير من الكيانات والأعمال كبيرة وجمعت الكثير من التوجهات والرؤى ولكنها مع مرور الوقت إما إنتهت لمجموعة فئوية قامت بإخراج كل من لا يتفق مع فكرها خارج الفريق أو تحولت إلى مجموعة مختلطة غير منسجمة وفاقدة لموضوع العمل الجماعي الذي أسس له الفريق وبالتالي تكون غير منتجة وغير فاعلة. أغلب هذه التجمعات تحولت لتجمعات وظيفية استفادت من الاسم العريض الذي استطاعت تحقيقه في بداية العمل الجماعي وانتهى بها المطاف بعدة أشخاص يستخدمون هذا الاسم لتحقيق أهداف سياسية حزبية أو فئوية أو مصالح شخصية. يمكن تصنيف سلوك مجموعات العمل المنغلقة في التعامل مع الاختلاف والتعارض الناجم عن الأفكار الخارجة عن أطر المألوف لديها بأحد الأشكال التالية: • كبح الاختلاف والتعارض: ويكون ذلك عن طريق التواصل و التعامل بشكل سطحي بين أفراد المجموعة بحيث لا يتم السماح بالوصول للمستوى الذي يمكن أن ينجم عنه اختلاف و تعارض. ولكن هذا الأسلوب لا يسمح أيضا بإنجاز أعمال ضخمة أو معقدة. وقد يصلح لفريق عمل مؤقت تم إنشاءه لفترة معينة من أجل إنجاز مهمة معينة ثم يذهب أفراده كل بحاله. • الإقصاء والعزل: التعامل بإقصاء مع من لا نتفق مع آراءه وذلك بعدم دعوته للتشارك في العمل في المجموعة أو الحرص على استبعاده دون الآخرين مما يحول المجموعة إلى لون و اتجاه واحد مع مرور الوقت وبالتالي تحويلها إلى مجموعة فئوية. و في حال كان الإقصاء متعرض لمجموعة أشخاص داخل المجموعة فإن ذلك سيخلق حالة توتر قد تنتهي بالانقسام وتأسيس مجموعة جديدة من رحم الأولى. • توظيف القوانين التنظيمية لقمع الرأي المخالف: وذلك يتم عادة من خلال التصويت على موضوع الخلاف وحسمه عن طريق ديكتاتورية الأغلبية بدل نقاشه وتقليبه ومحاولة البحث عن حلول. هذه الطريقة تترك أيضا جروح غير مندملة وتؤدي لنشوء توتر وتخلق عداءات بين أفراد الفريق. • بناء التحالفات: يحاول البعض كسب الآخرين لطرفهم من خلال إقناعهم وبناء تحالفات معهم وبالتالي تحويل المعارضة لأقلية وهذا الأمر كان متوفراً بسهولة في بيئة الثورة عن طريق إستخدام شبكات التواصل الاجتماعي الذي أتاح فرصة التحدث مع عدة أشخاص في وقت واحد في نفس الوقت الذي يتم به عرض الفكرة للنقاش أو التصويت. مفهوم التمثيل والقيادة في ظروف الثورة: عند ظهور تنسيقيات الثورة في الأحياء والقرى التي انطلقت فيها المظاهرات تم تقديمها على أنها قيادة للثورة في مناطقها والانطلاق على أنها تمثل الثورة في المناطق التي ظهرت بها. ثم اعتمدت بعد ذلك معظم الكيانات الثورية في بنائها على تمثيل مناطق أو تمثيل التنسيقيات التي تمثل بدورها مناطق تواجدها. ولكن طريقة التمثيل المتبعة لا يمكن أن تصنع قيادة وإنما تصنع نخبة. أعضاء البرلمان في كل العالم هم نخبة من المجتمع تقود المجتمع وتضع التشريعات له بقوة القانون وليس بقوة التمثيل أو بقوة الفكر. لا يمكن صناعة قيادة بهذا الأسلوب في ظروف الثورة لأسباب عديدة، أهمها ضبابية مفهوم التمثيل وغياب القوة التنفيذية التي تصنع من النخبة قيادة. كما أن ظهور التنسيقيات وظهور هذه الكيانات والتنظيمات قام بمبادرة من أصحابها الذين وجدوا ضرورة لها من أجل تنظيم عملهم، ولم يكن بتفويض أو بدعوة من سكان أي منطقة من المناطق وبالتالي لا يمكن لأي جهة أن تدعي حق التمثيل الحصري لمنطقة ما وتطالب الآخرين بالانضواء تحت جناحها. وبالتالي فإن إدعاء حصرية التمثيل هو إقصاء للآخر ينتهي غالبا بعزل صاحبه وتحويله عمله إلى نادي مغلق . التمثيل الحصري يكون فقط عن طريق التمثيل الصحيح عبر الانتخاب الصحيح وهذا غير متوفر في بيئة الثورة إلا في بعض المناطق المحررة لا في جميعها. وبالتالي لا يمكن حصر تمثيل الثوار في أي مكان بجهة واحدة تدعي شرعية التمثيل. كما أن القيادة الحقيقية تكون بالفكر الصحيح والجامع. يمكن لفكرة صحيحة يحملها شخص أن تمثل السوريون كلهم ولكن لا يمكن لشخص أن يمثل منطقة أو مجموعة أشخاص فضلاً عن قيادتها في ظل غياب الآليات الصحيحة لتحقيق ذلك. وبالتالي فإن الجهود الكثيرة والكبيرة التي سعت لجمع عدة كيانات تحت جهة واحدة من أجل توحيد الجهود أو توحيد الثوار والموقف السياسي للثورة باءت بالفشل الذريع وذلك لإغفالها موضوع عدم صحة مفهوم التمثيل والقيادة وآلية وتوزيع الأدوار وديناميكية تغييرها، وتوازن المصالح والمنافع الفردية التي أدت إلى تكاثر وتوالد هذه الكيانات بدل من توحيدها وذلك للأسباب التي سبق وأشرنا لها في فقرة تعارض الأدوار أعلاه. ضعف الخبرات وفقدان النخب والكفاءات: عندما انطلقت الانتفاضة الشعبية في المدن والقرى السورية خرج المئات من الشباب الغاضبين والثائرين بغرض التمرد على واقعهم يحملون مطالب التغيير التي تحقق لهم مستقبل أفضل. كان أغلب المتظاهرين الذين أشعلوا فتيل الثورة من الشريحة العمرية ما بين 16 إلى 35 سنة كحد أقصى. أما الشرائح العمرية الأعلى فكانت مشاركتها في الثورة أضعف ولعل مرد ذلك لما رسب في ذاكرتهم من أحداث حماة وأخواتها في الثمانينات، كما أن روح المغامرة وحب التغيير تضعف لدى الإنسان مع تقدم العمر. كان الجيل الأول من المتظاهرين يضم كوكبة من المثقفين وأصحاب الشهادات الجامعية والفكر المتنور الذين خرجوا في الثورة ولديهم تصور لما يريدون أن يصلوا إليه، وهو أوسع من مجرد إسقاط النظام. لم يطل المقام بهؤلاء حيث أنه لم تمضِ الأشهر الستة الأولى من الثورة حتى استشهد أغلبهم أو اعتقل أو اضطر لمغادرة سوريا تحت وطأة الملاحقة الشديدة. فقد أدرك النظام الحاكم منذ الأيام الأولى للثورة أهمية هذه الشريحة فكانت مستهدفة بشدة دون غيرها من باقي شرائح الثورة لأنها تمثل البوصلة الصحيحة لتوجيه الثورة و إخراجها من دوائر ردة الفعل ووضعها في مكان الفعل الصحيح. فالكثير ممن دخلوا المعتقل في الشهور الأولى للثورة من حملة الشهادات الجامعية أو أصحاب النشاطات الفكرية لم يخرجوا إلى اليوم. بعد سنة من الثورة لم يتبقَ منهم في الداخل إلا النذر اليسير وفي نفس الوقت استقطبت الثورة شرائح كثيرة وأعداداً غفيرة من المشاركين في الثورة الذين لم يمتلكوا قبلها أي تجربة إدارية أو حزبية، كما أن تجربتهم في الحياة لا زالت في أولها بحكم أعمارهم اليافعة مما حرمهم من امتلاك ملكات إدارية كانت ضرورية من أجل قيادة الكيانات الثورية التي عملوا من خلالها. إن أي عمل جماعي يحتاج إلى مشروع مؤسس بطريقة سليمة وعلى فكر صحيح ويحتاج كذلك لقيادة ناجحة قادرة على إدارة هذا المشروع والتعامل مع الأطراف المختلفة من شركاء ومنافسين وأعداء من أجل إنجاح مشروعها وهو ما لم يتوفر في أغلب الأحيان للكثير من الهياكل الثورية السورية. التمويل والتدخل الخارجي: هناك الكثير من الدول التي تمتلك في سوريا مصالح ولديها أجندات تسعى لتحقيقها. و نظرا لصعوبة التدخل المباشر في الواقع السوري فإن الكثير من هذه الأطراف سعت للمراهنة على أحد الأطراف في الداخل السوري ومده بالدعم المالي والمادي للاعتماد عليه في تحقيق مصالحها، مما أدى إلى تدخل خارجي موجه في منظومة تطور العمل والبناء في داخل مجموعات العمل السورية مما أخل بالأعمال القائمة والتي كانت تتطور بشكل مقبول وأدى لتفتيتها من خلال خلق خلل إداري وتنظيمي. حيث أعطى دخول المال السياسي القادم عن طريق أفراد للداخل السوري سلطة وقوة لهؤلاء قد لا يكونوا مؤهلين لها بالضرورة. وبالتالي فإن دخول الدعم المالي عن طريق أفراد من دون وجود خطة عمل واضحة لطريقة التعامل مع هذا الدعم يكون له في أغلب الأحيان أثر سلبي في بنية وهيكلية المؤسسات ومجموعات العمل وفي أغلب الأحيان ينتهي بها إلى التشظي لأنه يعمل على إعادة تموضع نقاط القوة والقرار في داخل العمل الجماعي ويثير التنافس الهدام حول الموارد المحدودة. نتائج و استخلاصات: تميزت الثورة السورية بعدة ظواهر لم تظهر في أي ٍمن النزاعات المشابهة في العالم: • الدفق الهائل للمعلومات و الأخبار والتوثيقات لعمليات القتل و الانتهاكات والمظاهرات رغم التضييق الأمني الشديد ووحشية النظام في التعامل مع المعارضين وصعوبة التواصل في الداخل السوري وصعوبة الاتصال مع الخارج، فأعداد الفيديوهات التي توثق لأحداث الثورة تقدر بالملايين وأعداد الجهات الإعلامية العاملة على نقل الصورة والمعلومة تقدر بالمئات وكذلك هناك العشرات من الجمعيات التي توثق لضحايا النظام. • التطور السريع والملفت للنظر في الحركة الشعبية التي نظمت صفوفها في فترة الحراك السلمي من خلال التنسيقيات والتنظيمات الأكبر ثم خلق شبكة وبنية تحتية للعمل العسكري بشكل سريع فاق كل التوقعات رغم التضييق الداخلي والخارجي على الناشطين وعلى تدفق المساعدات بكافة أشكالها. • رغم محاولة الكثير من دول العالم خنق الثورة السورية والعمل المسلح من خلال تجفيف الموارد ومنع الأسلحة النوعية من النفاذ إلى التنظيمات الثورية المسلحة إلا أن هذه التنظيمات استطاعت خلال فترة قصيرة جدا خلق صناعة عسكرية محلية وفرت لها الحد الأدنى الكافي للاستمرار والكافي لاقتحام مخازن النظام والحصول على حاجاتها من خلاله. • رغم فقدان البيئة الصحيحة للتمثيل والانتخاب و التنظيم السليم والشرعي فإنه من الملاحظ أن المدن والمناطق المحررة استطاعت ضمن الظروف المتاحة لها إدارة مناطقها بشكل مرضي نسبيا مقارنة بالإمكانات المتوفرة داخليا والخبرات المكتسبة وهو مالم تستطع دول أخرى تحقيقه في ظروف مشابهة خلال سنوات طويلة. • يتميز الشعب السوري بنسبة مرتفعة من أصحاب الشهادات والتعليم العالي وكذلك بنسبة مرتفعة من الحضر سكان المدن مقارنة بباقي دول المنطقة وبالتالي فإن فرص التطور الشخصي للأفراد مرتفعة بالشكل الكافي الذي يؤهلهم لإبداع الإنجازات المذكورة أعلاه على صعيد العمل الثوري والعسكري والذي ترك أثره في الثورة السورية وميزها عن مناطق النزاع الأخرى في العالم. ولكن كما شاهدنا أعلاه فإن التطور الفردي في غياب المؤسسات الراسخة والقائمة على أسس صحيحة وسليمة والتي لم تعرفها سوريا منذ خمسين عاماً يؤدي إلى التنافس الهدام وتشظي الأعمال الجماعية وتدميرها بدل تطورها والارتقاء بها. سوريا تتمتع ببنية علمية وبيئة ثقافية وبنية تحتية من الخبرات والكفاءات مشابه لما هو متوفر في تركيا ولكنها تفتقد المؤسسات الراسخة الموجودة هناك. وفي حال استطاع الشعب السوري إيجاد هذه المؤسسات سيتمكن من استقطاب الطاقات ومراكمة الخبرات وبناء الدولة ومنافسة الأمم في فترات قياسية وهذا التحدي يحتاج شعباً نصفه من الزعماء والنصف الآخر من الأنبياء ولكن مع الأطر الصحيحة التي تنسق وتنظم الجهود والطاقات.
المجلة الدولية لدراسات الثورة السورية
المركز الإعلامي لدعم ثوار حمص
اللواء موشي ديان
فريق التحليلات والتكتيكات للثورة السورية
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة