المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية
تصدير المادة
المشاهدات : 2979
شـــــارك المادة
سعى وزراء دفاع إيران وروسيا ونظام الأسد إلى توجيه رسائل مهمة خلال لقائهم الأخير في طهران 9 يونيو 2016. فقد أكدوا على ضرورة منح الأولوية للحرب ضد الإرهاب، وعلى أن مسألة مستقبل الأسد في الحكم تعود إلى الشعب السوري وليس إلى المفاوضات، ويبدو أن ذلك هو ما دفع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى تحذير نظيره الروسي سيرجي لافروف من أن "صبر واشنطن في سوريا له حدود"، في إشارة إلى الجهود التي تبذلها موسكو من أجل تجنب مناقشة مستقبل الأسد في الحكم.
كما اتفق الوزراء الثلاثة على ضرورة ربط أي وقف مستقبلي لإطلاق النار بين نظام الأسد والميليشيات الحليفة له من جهة وقوى المعارضة من جهة أخرى بالعمل على استهداف التنظيمات الإرهابية وتقويضها، على أساس أن ذلك يمثل المدخل الحقيقي، في رؤيتهم، للوصول إلى تسوية سياسية للحرب في سورية. رفع مستوى التنسيق: يمكن تفسير سعي كل من إيران وروسيا ونظام الأسد إلى رفع مستوى التنسيق فيما بينها تجاه تطورات الوضع في سورية في ضوء عدة اعتبارات تتمثل في:
1 .التطورات الميدانية في بعض المناطق السورية، حيث تزامن الاجتماع مع تصعيد "جيش الفتح" في ريف حلب الجنوبي، والهجوم المضاد من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" لاستعادة بعض القرى في ريف منبج الجنوبي الغربي. وبالتالي سعت الأطراف الثلاثة من خلال اللقاء الأخير إلى التحذير من أن استمرار المواجهة المفتوحة بين النظام من جهة والتنظيمات المسلحة من جهة أخرى يمكن أن يؤدي إلى تقويض الجهود المبذولة لتسوية الوضع في سورية. 2.توتر العلاقات الأمريكية-الروسية، لا سيما بعد اتجاه الولايات المتحدة إلى نشر أجزاء من الدرع الصاروخية في رومانيا، وهو ما يبدو أنه سوف يدفع روسيا إلى تبني خطوات تصعيدية في المقابل. وقد كان واضحًا، وفقًا لاتجاهات عديدة، أن واشنطن سعت إلى تأجيل اتخاذ تلك الخطوات إلى ما بعد تسوية الحرب السورية، إلا أن العقبات العديدة التي ما زالت تحول دون تحقيق ذلك، يبدو أنها دفعت واشنطن ليس فقط إلى اتخاذ خطوات إجرائية في هذا السياق، وإنما أيضًا إلى إبداء استيائها تجاه اتساع نطاق الخلافات مع روسيا حول الوضع في سورية. ففضلاً عن تصريحات كيري الأخيرة التي حاول من خلالها ممارسة ضغوط على موسكو من أجل مناقشة القضايا الشائكة على غرار مستقبل الأسد في الحكم، فقد أعربت واشنطن عن استيائها لغياب التعاون مع موسكو حول الوضع في سورية، وأشارت وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن الولايات المتحدة لا تزال غير عازمة على تنسيق عملياتها في سورية مع القوات الروسية بشأن استهداف الجماعات الإرهابية فيها، وهو ما دفع بعض المسؤولين الروس إلى اعتبار هذا الإعلان بمثابة تطبيق لسياسة المعايير المزدوجة. 3.تقدم النظام والأكراد في الرقة، فبالتوازي مع اقتراب قوات نظام الأسد من مدينة الطبقة في محافظة الرقة بدعم جوي من جانب القوات الروسية، تقدمت الميليشيات العربية الكردية المشتركة، خاصة "قوات سوريا الديمقراطية"، مدعومة بضربات جوية من جانب التحالف الدولي، نحو مدينة منبج في ريف حلب. ويبدو أن هذه التطورات دفعت اتجاهات عديدة إلى ترجيح تعرض روسيا لضغوط مزدوجة من جانب إيران والولايات المتحدة. ممارسة ضغوطات: ووفقًا لذلك، فإن واشنطن تسعى في الوقت الحالي إلى ممارسة ضغوط على موسكو من أجل منع نظام الأسد من الاستمرار في التقدم داخل محافظة الرقة، في حين تبذل طهران جهودًا حثيثة من أجل دفع موسكو نحو تقديم مزيد من الدعم للنظام في مواجهته مع تنظيم "الدولة" في تلك المحافظة، باعتبار أن تقدم النظام في الرقة ربما يفرض تداعيات إيجابية تساهم في تغيير توازنات القوى لصالحه وتقليص الضغوط المفروضة على حلفائه من أجل مناقشة قضية مستقبل الأسد في الحكم. ومن هنا ربما يمكن القول إن موسكو تواجه مأزق "الخيارات المحدودة" في سورية، إذ أن رفع مستوى دعمها للنظام سوف يساهم في تصعيد حدة التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة، وسيدفع الأخيرة إلى اتخاذ مزيد من الخطوات التصعيدية في الملفات الأخرى، على غرار نشر الدرع الصاروخية في رومانيا. وفي المقابل، فإن استجابتها للضغوط الأمريكية بمناقشة قضية مستقبل الأسد، من شأنه توسيع نطاق الخلافات مع إيران، في وقت تسعى روسيا إلى رفع مستوى التعاون مع الأخيرة، على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، فضلاً عن أن ذلك ربما يدفع طهران، وحلفائها، لا سيما "حزب الله" اللبناني، إلى التحرك بشكل منفرد لدعم النظام، وهو ما يمكن أن يضع مزيدًا من العقبات على الجهود التي تبذلها روسيا للوصول إلى تسوية سياسية للأزمة. وعلى ضوء ذلك، اتجهت موسكو نحو تقليص حدة التوتر مع واشنطن وطهران في وقت واحد. فقد أشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى أن موسكو تسعى للحفاظ على الدعم الأمريكي لجهودها من أجل الوصول إلى تسوية سياسية حيث قال في هذا السياق: "إنني أعول على أن ينضم شركاؤنا الأمريكيون لكي لا نسمح للإرهابيين باستغلال الوضع الراهن لتعزيز مواقعهم على الأرض". كما أكد وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو على أن لقاء طهران يهدف إلى رفع مستوى التعاون والتنسيق بين الدول الثلاث في محاربة الإرهاب وإحلال الأمن والاستقرار في سورية، في إشارة إلى أن موسكو لم تتراجع بعد عن موقفها الداعم لنظام الأسد، وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن اجتماع طهران وجه رسائل عديدة يتمثل أهمها في أن الأطراف الثلاثة ما زالت قادرة على تحييد خلافاتها المتعددة في التعامل مع التطورات الميدانية والسياسية في سورية، والتي بدأت تتصاعد مع اقتراب نظام الأسد والميليشيات العربية الكردية من المعقل الرئيس لتنظيم "الدولة" في الرقة.
عدنان علي
ترك برس
الشرق الأوسط
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة