طريف يوسف آغا
تصدير المادة
المشاهدات : 2906
شـــــارك المادة
إذا عرف السبب بطل العجب.
كنت قد نشرت قبل اسبوعين مقالاً باللغة الانكليزية ذكرت فيه لماذا على الأمريكيين إعادة انتخاب (أوباما) وعدم التصويت (لرومني)؟. وبعد يوم من الانتخابات راسلني أحد أصدقائي الأمريكيين الذين يعملون في الجهاز التدريسي في إحدى كليات هيوستن مازحاً: لقد قرأ الأمريكيون مقالك وعملوا بنصيحتك.
لم أكتب مقالي اليوم لأخوض في الأسباب السياسية والاقتصادية والعسكرية التي حسمت نتيجة الانتخابات بالصورة التي رأيناها، فقد فعلت ذلك في مقالي السابق الذكر. أما مقال اليوم فهو، من عنوانه، لذكر السبب الذي دفع الأمريكيين ذوي الأغلبية البيضاء إلى حسم أمرهم واختيار رجل نصف أبيض- نصف أسود على رجل أبيض صافي البياض ومرتين. وبالرغم من أن هذا المقال قد يبدو من مفرداته عنصرياً، ولكن يخطئ الكثيرون حين يظنون أن المجتمع الأمريكي وبالرغم من كل تحرره وتطوره قد تحرر كلياً من تلك الآفة التي تدعى العنصرية. كانت قد جرت قبل الانتخابات التي انتهت الاسبوع الماضي تصفيات لاختيار المرشح الأقوى للحزب الجمهوري ليتحدى الرئيس الديمقراطي (أوباما) الذي مازالت تحق له ولاية أربع سنوات ثانية. وقد فاز بتلك التصفيات الحاكم السابق لولاية (ماساشوسيتس) العريقة (مِت رومني) على كافة منافسيه الجمهوريين الذين كانوا حوالي العشرة. وقد فاز عليهم لا لأنه كان بالضرورة أقوى منهم، ولكن لأنهم كانوا بالتأكيد أضعف منه، فقد كان لكل واحد منهم قصة أو مشكلة أو فضيحة جعلته إما ينسحب أو يخسر بالتصويت. وفي اليوم الذي تمكن فيه (رومني) من هزيمة آخر منافسيه وبات واضحاً أنه قد فاز بترشيح الحزب الجمهوري، تأكدت من خلال حياتي الطويلة هنا في أمريكا أن (أوباما) قد ضمن ولاية ثانية، إلا في حال وحصل شئ كارثي غير متوقع. وقد أكد لي ذلك الحدس ماكان يقوله الزبائن الذين يترددون على شركتي والذين هم من كافة الألوان والجنسيات والاتجاهات. حتى أن أحدهم، وهو أبيض أصلي وليس من عشاق (أوباما)، همس وقتها في أذني قائلاً: راحت على الجمهوريين للمرة الثانية! السر في هذا الموضوع يعود في الحقيقة إلى ما أسميه بالخطوط الحمراء الغير معلنة للبيت الأبيض. فبالرغم من أن الدستور الأمريكي لايضع سوى شرطاً واحداً للترشح لمنصب الرئاسة، وهو أن يكون المرشح مواطناً بالولادة، وماغير ذلك من اللون أو الجنس أو الديانة أو الاتجاه السياسي غير ذي أهمية، إلا أن هذا في الواقع كلام نظري بحت. فهناك على أرض الواقع خطوط حمراء غير معلنة مازالت تحول بين أي بعض الأمريكيين والبيت الأبيض. وهنا يأتي السؤال الأهم: ماذا فعل (رومني) كي يكون من هذا البعض؟ الجواب ببساطة أنه (مورمون). والمورمونية هي مذهب ديني يصفه أتباعه بأنه أحد مذاهب المسيحية البروتستانتية، أنشأه في بداية القرن التاسع عشر في ولاية (فيرمونت) شخص يدعى (جوزيف سميث) اعتبر نفسه واعتبره أتباعه حينها نبياً يوحى إليه. تبرأت كافة المذاهب المسيحية الرئيسية من هذه الدعوة بسبب مخالفتها للتعاليم الأساسية وأيضاً لوضعها انجيلاً خاصاً بها، وتم اضطهادها والتضييق عليها، فرحل الرجل مع أتباعه إلى الغرب واختاروا ولاية (يوتا) النائية حينها للعيش بعيداً عن الاضطهاد. ولكن تم قبولهم فيما بعد ضمن نسيج المجتمع الأمريكي المتنوع بعد أن وافقوا على التخلي عن بعض معتقداتهم المخالفة للقانون مثل تعدد الزوجات، وهم يبلغون اليوم حوالي السبعة ملايين حول العالم معظمهم في أمريكا وكندا وأوربا ولهم كنائسهم الخاصة. ولكن وبالرغم من قبول هذه الفئة منذ زمن في المجتمع، إلا أن الأمريكيين الذين يبلغون حوالي الثلاثمئة مليون نسمة، وغالبيتهم العظمى من الأوربيين البيض البروتستانت، يبدو أنهم قد قرروا أن (المذهب الديني) هو خط أحمر (غير معلن) بالنسبة للبيت الأبيض، وهو أحمر بكثير من خط (لون البشرة) الذي تجاوز (أوباما) مادام الأخير يتبع للأغلبية البروتستانية. وماجرى هذه الأيام يذكرني بانتخابات عام 2000 حين ترشح عن الحزب الجمهوري حاكم ولاية تكساس حينها (جورج بوش الابن) وعن الحزب الديمقراطي (آل غور) الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس المحبوب شعبياً (بل كلينتون) لفترتين متتابعتين. وقد كانت كافة المؤشرات تؤكد حينها أن (غور) سيفوز بالانتخابات بسبب بسبب وعوده بالاستمرار بسياسات (كلينتون) الاقتصادية التي حققت انجازات باهرة. ولكن الرجل ارتكب حينها خطأ ً سياسياً قاتلاً مشابهاً لما حصل اليوم حين اختار السيناتور اليهودي (جو ليبرمان) لمنصب نائبه، فحصل حينها أن خسر تلك الانتخابات بالرغم من دعم اللوبي الإسرائيلي القوي له. وكان ذلك تأكيداً لوجود تلك الخطوط الحمراء الخاصة بالبيت الأبيض والتي لايمكن حتى لإسرائيل المدللة نفسها تجاوزها. هذا عن الانتخابات الأخيرة، حيث فضل الأمريكيون تجاوز الخطوط الحمراء (للون البشرة) على تجاوز تلك الخاصة (بالعقيدة الدينية)، فأبقوا (أوباما) في مكانه. ولكن ماذا عن انتخابات عام 2008 حيث كان (أوباما) حينها السيناتور من ولاية (إلينوي) والمرشح الديمقراطي ضد المرشح الجمهوري السيناتور (جون ماكين) من ولاية أريزونا، والأخير هو الأبيض ابن الأبيض والبروتستانتي ابن البروتستانتي، وحتى يحمل وسام بطل حرب، فما الذي جعله يخسر تلك الانتخابات لصالح (أوباما)؟ كانت كافة المؤشرات تؤكد فوز (ماكين) بلا أدنى شك، وهذا ماكنت أسمعه أيضاً من الزبائن المترددين على شركتي حينها، والذين أجمعوا أن على (أوباما) صاحب الأصول الافريقية الاكتفاء بوصوله إلى ترشيح الحزب الديمقراطي لأول في تاريخ الانتخابات الأمريكية، ولكن عليه أن لايحلم بالوصول إلى البيت الأبيض. ولكن حصل حينها مالم يكن متوقعاً وارتكب (ماكين) خطأ ً سياسياً قاتلاً بدوره حين اختار (سارة بيلين) حاكمة ولاية ألاسكا لمنصب نائبة الرئيس. وقد همس نفس الشخص الأمريكي إياه في أذني حينها: كنت سأصوت بلا تردد لصالح (ماكين) ولكنه الآن وقد اختار امرأة لمنصب نائبه، فأنا - والكلام مايزال له – لست مستعداً لأن أرى امرأة في البيت الأبيض، وأي (رجل) مهما كان لونه أفضل عندي من أي (امرأة) في هذا المنصب. وفي الحقيقة فقد كان على (ماكين) أن يتعلم من درس انتخابات عام 1984 حين قام نائب الرئيس السابق (جيمي كارتر) والمرشح الديمقراطي حينها (وولتر مونديل) ولأول مرة في تاريخ الانتخابات الأمريكية باختيار (امرأة) هي عضوة مجلس النواب عن ولاية نيويورك (جيرالدين فيرارو) لمنصب نائبته، فخسرا خسارة تاريخية أيضاً أمام الرئيس الجمهوري المحبوب شعبياً (رونالد ريغان). لاشك أن المجتمع الأمريكي قد خطا خطوات واسعة منذ الاستقلال، حيث جرى العرف أن أي منصب سياسي مهما كان هو مجرد حلم للنساء وأصحاب الأصول الافريقية واللاتينية والأقليات الدينية. ثم رأينا كيف وصل هؤلاء تباعاً إلى كافة المناصب من وزراء ونواب وممثلين دوليين، إلا أن البيت الأبيض تحديداً بقي عصياً عليهم في الوقت الراهن على الأقل. ولولا أن الأمريكيين قد وجدوا أنفسهم قبل أربعة سنوات أمام إحتمال وصول (امرأة) إلى الرئاسة، ولولا أنهم وجدوا أنفسهم الآن أمام (مورموني)، لما انتخبوا (أوباما) حينها ولما أبقوه في الحكم اليوم، وإذا عرف السبب بطل العجب.
عمار النوري
عباس عواد موسى
علي الصراف
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة