..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

لاتتركوها عارية ..

غزوان طاهر قرنفل

٢٧ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3576

لاتتركوها عارية ..
1.jpg

شـــــارك المادة

قليلة هي الثورات اليتيمة ... لكن ليس من ثورة عارية عبر التاريخ - المعاصر على الأقل - كما هي الثورة السورية !!. فمنذ صرخة الولادة الأولى من درعا الكرامة ، لم يكن لذلك الحراك الثوري من داعم أو نصير.. واتكأت الثورة طوال شهور عدة على محض اندفاعها الثوري المتفجر في نفوس أرهقها الكبت والقهر والاستبداد المديد ، وحرض فيها العنف المتمادي مكامن قوة لم تكن تتحسسها في نفسها طوال سني القمع والاستباحة ...

 

لتنتقل شرارتها عبر المساحة السورية كلها وتشعل إوار لهيب لم يعد من الممكن إطفاؤه أو احتواؤه قبل أن يصل إلى منتهاه في التهام هشيم سلطة مافيوية وضعت نفسها في مواجهة مكشوفة ومفتوحة مع الشعب الذي طالما اكتوى بنيران ظلمها وإذلالها . لم يلق الشعب السوري الذي قدم خيرة أبنائه ثمنا لفاتورة حريته دعما يذكر .. وترك لمصيره المحتوم أمام طاغية استأسد على شعبه الأعزل وهو الذي طالما طأطأ الرأس وجرجر ذيول الخيبة والمهانة أمام خصوم الخارج الحقيقيين منهم والمفترضين !! ... وبخلاف كل ماتصدعنا به أبواق العصابة عن المؤامرة الكونية على ( صمود سوريا وممانعتها ) فإن هذه الثورة صناعة سورية خالصة استولدها السوريون من رحم قهرهم المظلم ليخرجوا بها وعبرها إلى شفق الفجر الذي طال انتظاره ... وكان من الطبيعي في حمأة هذا الصراع أن تفرز الثورة كوادرها وقياداتها ورموزها لتتصدى لمسؤولية القيادة .. وكان طبيعيا أكثر أن تستعين تلك القيادات الشابة برموز معارضة لطالما شنفت آذاننا بنضالاتها المريرة طوال عقود في مواجهة نظام العسف والاستبداد ... وبعد طول انتظار كانت الولادة العسيرة للمجلس الوطني السوري الذي حاول أن يكون خيمة جامعة لكل السوريين بكافة أطيافهم السياسية ومشاربهم الفكرية وانتماءاتهم الدينية والعرقية والمذهبية .. واكتسب هذا المجلس مشروعيته الثورية من القوى الفاعلة على الأرض في محاولة صادقة لمنحه زخما من شأنه أن يكسبه دعما واعترافا دوليين يمكن له من خلالهما الاستثمار الفاعل لصالح قضية الثورة وليكون عنوانا ومرجعية سياسية لتلك الثورة ... ولكن مع الأسف ورغم مضي أكثر من سنة على تشكيله لم يكن الحصاد وفيرا ولم تكن النتائج مشجعة بل لعلي لاأبالغ إن قلت أنها كانت صادمة ومخيبة للآمال ... فالصراعات السياسية ، والسعي المحموم للاستحواذ على مراكز القرار الفاعل ، والطموحات الشخصية الجامحة والأنانية أنهكت المجلس ونخرت بنيانه الهش سريعا .. فضلا عن فشله الملحوظ في صياغة علاقة جدية وحيوية مع الجيش السوري الحر الذي لم يتمكن بدوره من صنع هيكلية تراتبية حقيقية ومتماسكة لتكون مرجعية فاعلة ووحيدة لكل القوى الثورية المسلحة .. ماحد من قدرته على الفعل رغم تلقيه مساحة دعم اقليمي ودولي لابأس بها ، ماانعكس سلبا على فكرة حقيقة أو أحقية تمثيله لثورة الشعب السوري . ومايؤسف له أن هذا النظام الفاجر الذي أتقن عبر خبرته الطويلة كيف يمزق خصومه ويشق صفوفهم ويشرزم قواهم ، عرف كيف يستثمر هذا الهزال في المعارضة فأخذ يرسل الرسائل للمجتمع السوري أولا أن هاهي معارضتكم .. محض شخوص متناحرة تتصارع على مجرد مكاسب تافهة وأنتم تدفعون الثمن من دماء شبابكم واموالكم وامنكم .. وليرسل للمجتمع الدولي المتردد أصلا .. أن لاعنوان للاستقرار في سوريا وماحولها إلا بوجودي وبقائي ، وهاهي شرازم المعارضة أعجز من أن تتفق فكيف لها أن تدير مرحلة انتقالية فضلا عن أن تعيد بناء دولة وسلطة ديمقراطية ؟؟!!! . أيها المعارضون المتعارضون أما آن الأوان لتدركوا أنكم تنحرون الثورة والمستقبل السوري بأكثر مما تفعل سلطة العصابة ... أما آن لكم أن تدركوا أن دماء الشهداء الذين صنعوا هذه الثورة أثمن كثيرا كثيرا كثيرا منكم ومن صراعاتكم التافهة ومناكفاتكم الغبية ؟؟... أيها المعارضون المتعارضون .. أما وقد انقضى اكثر من عام على اعلانكم تشكيل مجلسكم الوطني الموقر او الغير موقر دون أن تتمكنوا من فعل شيء يذكر إلا الاعلان المدوي عن عجزكم وفشلكم فإنه باعتقادي آن أوان المكاشفة ، ودقت ساعة الحقيقة لتعلنوا هذا الفشل بكل جرأة وتنحيكم عن صدارة المشهد ... فشباب الثورة وكوادرها التي صنعت وقادت الحراك الثوري طوال شهور الثورة في أصعب وأقسى الظروف وتمكنت من مواجهة فجور السلطة وتماديها ودمويتها ، لهي أقدر على مواجهتكم وتعريتكم وشطبكم من معادلتها .. بل هي أقدر من أي وقت مضى بحكم تمرسها على أن تفرز هيئتها السياسية والقيادية التي تمثلها بحق وتكون اكثر قدرة على الفعل من برودكم وعجزكم . ولتكفوا عن تبرير فشلكم بالتلطي وراء الزعم أنكم لم تعايشوا تجربة سياسية حقيقية سابقة وان المجتمع السوري كان في حالة تصحر سياسي طوال عقود .. فهذا التصحر حقيقة لاوجود له إلا في عقولكم المتخشبة وشخوصكم المحنــطة ... ولعل تجربة المجلس الانتقالي الليبي الذي تمكن بفضل المخلصين من أبنائه من إدارة مرحلة انتقالية مشهود لها وننحني أمامها رغم التصحر السياسي المديد في ليبيا !!! . أيها المعارضون المتعارضون ... الثورة السورية قدمت فاتورة لم يقدمها أحد قبلها ، وربما لايقدمها بعدها أحد .. وهي تستحق منا كل اخلاص وتفاني في خدمتها وإنجاحها ، والشعب السوري يستحق منا جميعا الكثير من الاحترام والتواضع أمامه ... فإن كانت ثورته يتيمة ولم تحظ بالتأييد والدعم من العالم ، فالأولى بنا نحن السوريين أن لانتركها عارية أيضا .. لاعنوان سياسي لها يحفظ لها عفتها ويدفع عنها شبق المتربصين وشهوة السماسرة والقوادين .

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع