أبو طلحة الحولي
تصدير المادة
المشاهدات : 2843
شـــــارك المادة
سلام الله عليك يا مصر .. لقد عرف العالم قدرك، وقوتك، فحاربوك حرباً باردة في ثورتك .. لأنهم يعرفون حجمك ووزنك في العالم العربي والإسلامي وأهميتك لبلاد الشام خاصة .. سلام الله عليك يا مصر .. أسابيع وأيام عاشها العالم كله، مشدودا إليك، يترقب الوضع لديك بحلوه ومره، مشدوداً إليك وهو لا يدري أيبكي أم يضحك لما يحدث فيك من التقلبات ومن الأحداث المتسارعة..
سلام الله عليك يا مصر .. لقد جعلك النظام السابق وما قبله دولة لا مكان لها .. وآن لك أن تعودي إلى مكانتك العظيمة، وإلى وضعك الطبيعي بالنسبة إلى العالم العربي والعالم الإسلامي.. سلام الله عليك يا مصر .. ملايين البشر، تسمروا أمام الشاشة سواء كانوا على البر أو في البحر أو الجو، يتابعون لحظة النطق باسم الرئيس المصري الأول ما بعد الثورة.. سلام الله عليك يا مصر، فقد استنفرت كل مراكز الدراسات ووسائل الإعلام وأبنية المخابرات في بقاع الأرض كلها .. تتابع أمر استقرارك ونهضتك وعافيتك من مرضك طوال السنين الماضية .. وتتابع باهتمام وحرص شديد كيف ستخرجين من أزمتك؟ وترفعين رأسك عالياً متحدية الظلم والطغاة .. سلام الله عليك يا مصر فالطريق أمامك حافل بالشوك والعقبات والصعاب .. بل اعذريني إن قلت أنك ما زلت في بداية الطريق .. فالطريق طويل .. فكان الله في عونك !! سلام الله عليك يا مصر .. فقد كانت ثورتك غنية بالدروس والعبر، وعلى الثورة السورية أن تقطف منها الثمار اليانعة، وأن تبتعد عن المزالق والأخطاء التي وقعت فيها: أولاً: إن وضوح الهدف منذ البداية أمر مهم جداً في كتابة تاريخ مستقبل الثورة، ومستقبل الأجيال القادمة، ومستقبل العالم. ونتيجة الغبش الذي تراكم على الثوار نتيجة ضياع الهدف، لدى بعضهم، وعدم وضوح الرؤية لدى البعض الآخر، انتشر وبائين: أما الأول: فقد ضاعت معالم الثورة، واختلط لديهم الحق بالباطل لدى كثير من الثوار والمؤيدين للثورة. أما الثاني: فقد استطاع المحسوبين على النظام السابق من الترشح للرئاسة. فكانت الصدمة والكارثة أن انقسم الناس الى ثلاثة أقسام: قسم مع هدف الثورة الأصيل المنادي بالحرية فكانوا 13 مليون (ثلاثة عشر مليوناً). وقسم خانوا هدف الثورة الأصيل فارتموا في أحضان العبودية ـ وهم ثوارـ فكانوا اثنا عشر مليوناً. وقسم ثالث: وعددهم خمسة وعشرون مليون وهم الذين ضاعت معالم الثورة لديهم فوقفوا بزعمهم على الحياد ينتظرون النتيجة فلم يصوتوا لأحد. وما دار في خلدهم أن عدم تصويتهم هو ضياع لمصر وللأسف الشديد.
ثانياً: إن القبول بأنصاف الحلول، يشتت من عمل الثوار وأهداف الثورة، فالذين وقفوا في انتخابات الرئاسة على الحياد بزعمهم فلم يصوتوا عددهم كبير، وهذا يدل على أن القبول بأنصاف الحلول قاصمة كبرى للثورة، فهؤلاء كان لهم دور كبير في تكثير السواد للحرية لو كانوا يفقهون حقيقة خروجهم في الثورة، وطبيعة الطريق المؤدي للحرية، وخطر الاستعجال للخروج من النفق المظلم كما كان يشيع أصحاب النظام السابق وإعلام النفاق .. ولذا على الثورة السورية أن لا تستعجل، وخاصة المجلس الوطني، فهو خادم للثورة وليس وصيٌ عليها، فقد أدرك الثوار في الداخل ولله الحمد طبيعة الطريق، وحقيقة الخروج في الثورة فباعوا أرواحهم لله " هي لله، هي لله " . ولهذا لا لأنصاف الحلول فقد أخطأت الثورة في مصر منذ البداية في وضع يدها بيد الجيش والقيادة العسكرية فسلموا أمرهم للجيش ولم يشاركوهم في صناعة القرار، فأصدرت القيادة العسكرية البيانات تلو البيانات لتحجيم دور الرئيس، فقد تسلم د. محمد مرسي الرئاسة وقد سبقته القيادة العسكرية إلى حل البرلمان ـ الذي انتخب بأفضل انتخابات نزيهة على مستوى العالم، والتي مدحها واثنى عليها العدو قبل الصديق ـ ووضعوا إعلاناً مكملاً للدستور ليكونوا دولة داخل دولة. وقيدوا يد الرئيس حتى لا تمتد إلى السلطة العسكرية.
ثالثاً: وضوح الهوية: انطلقت الثورة في مصر وشارك بها جميع الأطياف من العلمانيين والإسلاميين، وكان من المفترض أن تخفف هذه الثورة المباركة حدة العداء بينهما، وتشق قنوات جديدة للاتصال بينهما، وخاصة أن العلمانيين يتشدقون بالديمقراطية والحرية، ولكن عندما تم تشكيل لجنة تعديل الدستور برئاسة المستشار طارق البشري لتعديل ما أجمع عليه الثوار من مواد كانت سبباً في إفساد الحياة الاجتماعية والسياسية، حدثت الانقسامات وطفت على السطح العداوة المدفونة بين الصدور، وانطلق العلمانيون في تأجيج الصراع وإثارة الاعلام بشأن هوية مصر الإسلامية، بحجة أنها تعارض مبدأ مدنية الدولة. لقد بدا الخلاف سياسياً في ظاهره، ولكن لا توجد سياسة ـ مهما كان نوعها ـ من غير هوية .. فقد تحول الخلاف إلى صراع للهوية، رغم أن اللجنة كان بها علمانيين وهم الأكثرية وقبطي، ومع ذلك اعتبر العلمانيين أن وجود إسلاميين في اللجنة جريمة لا تغتفر .. إن هوية الثورة أمر ذو أهمية كبرى في حياتها ومستقبلها، والسبب الحقيقي لعدم تدخل العالم لإنقاذ سوريا هو هويتها الإسلامية السنية، فلو كان غالبية الشعب السوري ذو هوية علمانية لتدخل الغرب بقوة، ومنذ أول يوم، ولكن لأن الشعب السوري مسلم سني لا يتدخلون، وهاهم يتفرجون على الدماء والمذابح والمجازر بلا أدنى مبالاة ينتظرون البديل المناسب لهم .. وحتى لا تقع الثورة الحبيبة في سوريا في صراعات وتشتت يجب توضيح الهوية .. فالثورة قام بها جميع أطياف الشعب ومذاهبه كالجسد الواحد، فمن الجامع كان يخرج الشباب الثائر السني والمسيحي والدرزي والعلوي الشريف، ولم تكن هناك مشكلة، فجميعهم كانوا في وئام وسلام على مدار التاريخ، ولذا يجب أن لا نقع في شراك ومتاهات تحديد الهوية، فالهوية واضحة جلية، فالثوار ـ بكافة طوائفهم ـ يرفعون شعارات واضحة بكل عزة وكبرياء، منطلقة من هويتها الوطنية الحقيقية المستظلة بمظلة الإسلام، في حين نجد هناك انطواء وخجل ـ وقد يكون رفضاً ـ في رفع هذه الشعارات من قبل المجلس الوطني وهذا الأمر له خطورته على مسار الثورة فلينتبه له الشرفاء والوطنين من أعضاء المجلس الوطني لهذا الأمر. فالثوار في الداخل لن يسمحوا لفئة قليلة من العلمانيين بالثورة المضادة للثورة، وتشويه هوية سوريا العريقة الممتدة عبر التاريخ .. ومن الملفت للنظر أن جميع المظاهرات خرجت من المساجد وكان يخرج بها كما قلت سابقاً السني والمسيحي والدرزي والعلوي الشريف، إلا أننا لم نجد مظاهرة خرجت من المراكز الثقافية والتي كان يتم فيها التنظير والبحث والدراسات وورش العمل والحديث عن الديمقراطية والحرية.
رابعاً: سلام الله عليك يا مصر، واذكري أيام تولي سيف الدين قطز بن عبد الله المعزي الحكم، وقد كانت بلاد الشام تجتاحها الوحوش التترية، ومصر مهددة بغزو تلك الوحوش، مع الارتباك الداخلي السياسي والاقتصادي في مصر، وكان على سيف الدين قطز التعامل مع هذه الأوضاع السيئة فقام وجمع العلماء والأمراء في مجلس وطني " وعرفهم أن هذا الملك المنصور هذا صبي لا يحسن التدبير في مثل هذا الوقت الصعب، ولا بد من أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه كل أحد، وينتصب للجهاد في التتار، فأجابه الجميع: ليس لها غيرك." فتم إسقاط النظام الهش وعزل الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك، ووحد الصفوف المختلفة، ورمى وراء ظهره كل الخلافات التي حصلت بينه وبين كبار قادة المماليك البحرية الذين فروا إلى بلاد الشام، فقربهم واستفاد من خبراتهم في محاربة الصليبين، ولم يخاف من ظهور قوى سياسية تنقلب عليه، فقد حدد هدفه من توليه الحكم في جهاد الوحوش التترية فقط .. فقد تولى السلطة من أجل الجهاد، ولم يجاهد من أجل السلطة .. ثم سعى إلى توحيد مصر والشام رغم أن الأيوبيين في الشام كانوا يعتبرونه عدواً لهم، فأرسل إليهم الرسل لإذابة الخلافات بينه وبينهم، فمنهم من استجاب ومنهم من وقف على الحياد ومنهم من اعترض وانضم للتتار. وعندما بدأ يعد العدة كانت مصر تمر بأزمة اقتصادية كبيرة، فجمع الأمراء والعلماء والقادة لمشاورتهم "فيما يعتمد عليه من أمر التتار، وأن يؤخذ من الناس ما يستعان به على جهادهم، وحضر أصحاب الرأي في دار السلطنة بقلعة الجبل، وحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام، والقاضي بدر الدين السنجاري - قاضي الديار المصرية -، وأفاضوا الحديث، فكان الاعتماد على ما يقوله ابن عبد السلام، وخلاصة ما قال: "إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص- أي: حزام الرجل وحزام الدابة- المذهبة والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة، مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا يجوز". وقبل سيف الدين قطز فتوى العز بن عبد السلام بكل هدوء، وتواضع فباع كل ما يملك وأمر الأمراء والوزراء أن يفعلوا ذلك، ففعلوا مثله. ثم تجهز والتقى بالوحوش التترية خارج مصر، وانتصر في معركة عين جالوت في يوم الجمعة 25 رمضان سنة 658هـ- 6 سبتمبر1260م وهو يصرخ " وإسلاماه وإسلاماه " .. وطهر بلاد الشام من التتار معلنا توحيد مصر والشام، ثم استشهد رحمه الله فكانت مدة حكمه سنة إلا يوم .. فتذكري يا مصر هذا القائد العظيم وخذي عبرة من انجازاته العظيمة .. وسلام الله عليك يا مصر في دروس وتأملات أخرى ...
حسان الحموي
إلياس هاني
سلسبيل زين العابدين
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة