سلوى الوفائي
تصدير المادة
المشاهدات : 7209
شـــــارك المادة
حقٌ إنسانيٌ لا جدال فيه، لكنني أقف في صفوف الفقراء لأحتفظ وإياهم بحقي في الحلم على طريقتي. فحين يصير الحلم أكبر من الحالم يتحول إلى كابوس مرعب لمائة عام مقبلة.
كلّ ما قالته الصحف والإنترنت ورجال الأعمال والدبلوماسيون فيما مضى عن حلم حمص لا يعنيني، ما يعنيني أنا الفقيرة الغنية بعشقي الخرافي لحمص هو ماذا سأروي لأولادي عن معاني الحلم وكيف سأفسره لهم، وأنا لست ابن سيرين ولا أملك من فنون التفسير سوى قلب صغير تعلق بأهداب أم رؤوم، شابت ذوائبها وهي تروي الياسمينة والفلة والقرنفلة في باحة الدار؟ كان من الممكن أن أتجاهل التفسير وأقول لهم إنها مجرد أضغاث أحلام ما عليكم إلا أن تلتفتوا يسرة وتنفثوا ثلاث مرات قائلين: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ولا ترووا حلمكم لأحد مغبة أن يقع. ولكن حين تلامس الرؤية أقدار جيل بأكمله يختلف الموضوع ولا أستطيع أن أتجاهله. هنا يتداخل الحلم بالواقع كتداخل السكين في أنسجة القلب...إنّها سكين مصمّمة حسب المواصفات العالمية القياسية .. حضارية بكلّ المعايير، نال مصمّمها براءة اختراع لأنّه استطاع أن يزوّدها برأس نووي فأصبحت تضاهي كلّ سكاكين العالم بقدرتها على اختراق شغاف القلب... واستطاعت هذه السكين أن تقطع نياط الروح وأن تجتثّ همزات الوصل بين أعضاء الجسد الواحد ببراعة المحترف، هذه هي مشكلتي مع الحلم ومشكلة كلّ الأمهات والآباء من شرق حمص لأقصى غربها ... لقد شعروا فجأة أنّ الأرض تميد من تحتهم وأنّ الآثار الجانبية للدواء الذي وصفه الأطباء لشفاء علّة التخلف في حمص بدأت تفعل فعلها ولربّما أدت إلى تغيير زمرة دمهم ولون بشرتهم وصوت ضحكتهم، ولربّما يشيخ من تأثيرها الولدان، ولربّما تسقط بسببها أسنان الشباب دفعة واحدة. حاولوا كثيرا تمزيق حمص، حاولوا فكّ ضفائرها ونثر شعرها، حاولوا تقويض أركان البنية الديموغرافية لحمص، وتشتيت سكانها وإعادة هيكلتها على طريقتهم. ولطالما قاوم أهلها محاولات التفكيك هذه، وتصدوا لها حتى أنّهم خرجوا بالعصيّ إلى مركز قيادة المحافظة، لوقف عمليات هدم سوق الناعورة العريق وإخلاء البيوت والمحلات من أصحابها قسراً. ومع ذلك ظلّ أهل حمص يشعرون أنّ المدينة تتجه باتجاه خطير، يهدّد حاضرها ومستقبلها، يتركّز بتغيير معالم المدينة، وإعادة توزيع سكانها وسحب السجادة من تحت أقدام البعض لوضعها تحت أقدام فئات معينة معروفة. وفي مسار التغييرات الكبرى، تتمّ السرقات الكبرى الممنهجة تحت غطاء التطوير والتحديث، كلمتان ممزوجتان بالكثير من التآمر والاستغلال. لقد حاولوا أنْ يسرقوا ميراث الأجداد وكنوزهم الثمينة، حتى شعرنا لوهلة أنّنا سنبلّ قصائد ديك الجن الحمصي ونشرب ماءها. حاولوا أنْ يفجّروا بعبوة ناسفة كلّ الخرائط الذهنية والتضاريسية للعدية وأنْ يمحوا بضغطة زر واحدة كلّ الأهازيج الشعبية التي لقننا إياها العشب الأخضر يوماً على ضفاف العاصي تحت عرائش الميماس. واليوم يعود التتار بصورة أبشع لتحقيق حلمهم القديم، حلم التقسيم، حلم إقامة الدولة العلوية على أرض العدية. وفي مساحة دافئة كأرض حمص ينام فيها الناس على جرح واحد ويصحون على جرح واحد، تصبح أحلام التقسيم كابوساً غير مسموح به... وعلى هذه المساحة الآمنة لا مكان للصواعق التي تزلزل الأركان ولا مجال للأعاصير الاستوائية التي تغرق الأزمان ولا مبرر لكلّ التناقضات الجوية التي لم تعتدْ عليها أمطار نيسان... حمص اليوم تباد حجراً حجراً، وتقصف شجراً شجراً، وتحرق بشراً بشراً، وتستمر سياسة البشر المحروقة فوق الأرض المحروقة، وتستمر سياسة لعبة التجويع والترويع القذرة بهدف دفع الأهالي للنزوح، تحت تهديد خطر الذبح والاغتصاب، ليتمّ الاستيلاء على ممتلكاتهم وسرقة أموالهم وأرزاقهم، وتدمير وحرق ما بقي منها، بركان الحقد المتأجج يقذف حممه بلا رحمة، والهدف إخلاء حمص من سكانها وتحويلها إلى مملكة أسدية ترتع فيها الوحوش، وبدعم روسي-إيراني، وتغطية دولية وصمت عربي، و مباركة إسرائيلية تباد مدينة بأكملها. ويستفحل المجرمون في إجرامهم إلى حدّ المغالاة والاستمراء لأنهم أصيبوا بسرطان القتل والتعطش للدماء فلم يعد يفلح معهم حتى العلاج أو اللقاح، كنا قبل اليوم نحلم باستعادة الأندلس واسترجاع مزارع الدراق في غرناطة، بعد أن نصلي ركعتين في الأقصى، ونحتسي فنجان قهوة في بيارات البرتقال في يافا، ونلقي أمسية شعرية حول الكرامة العربية في المركز الثقافي العربي في غزة. فأصبحنا اليوم نحلم بالعودة إلى حمص، و نحلم باستعداتها من براثن المحتلين. قال لي والدي يوماً: إنّ مفتاح القدس ثلاثيّ الأبعاد يتكون من أقانيم ثلاث: الإيمان والعلم والكفاح، هذي الأقانيم الثلاثة كيف تهزم إذا ما اجتمعت؟ واليوم أصبحت أتلعثم في حروفي كلّما نطقت اسم الغالية " حمص" ويتحول لون وجهي إلى مزيج من الشمع والزعفران ... أليس هذا لون وجه الحقيقة ؟؟؟ ولوجه الحقيقة أقول: إنّ لحمص حلم غير حلمهم، فحلم حمص صقر جامح يحلقّ في الأعالي ولا يرضى إلا القمم سكناً له، فحين يطير حلمهم بجناحين من شمع لابدّ أن يذوبا تحت شمس النهار الساطعة. لقد أخطأوا حين حاولوا أن يزرعوا بذورهم في أرض شديدة الملوحة وأخطؤوا حين لم يدرسوا مكانيك التربة وبنية الطبقات الجيولوجية للعقلية الحمصية، ولم يدركوا مدى استعدادها لمقاومة البركان، أخطؤوا حين لم يدركوا أنّ اختراق خط بارليف أهون بكثير من اختراق جدران قلعة حمص؛ لأنّ اختراقه يعني اختراق شغاف القلب النابض بعشق هواء العدية. فلتنهضي يا قوات الردع الحمصية ولتعلني حروب الردّة من جديد ... قاومي ذلك التيار الذي سيمزق أوصالك، وسيجرفك بعيداً عن جذورك ويطمس معالمك، ويغير ملامح وجهك الفاتن. لا تتألمي إنْ شوّهوا وجهك الجميل فالجمال الرباني الذي يراه العاشق في وجه معشوقه لا يغيره الزمن وعوامل الطبيعة، وإن حفر الزمن أخاديده فيه وحوّله إلى ما يشبه البرتقالة الهرمة ... فسرّ جمال البرتقالة الهرمة يكمن في أنّها تختصر الأبعاد وتلغي المسافات على تضاريس الجسد الواحد لتزداد القلوب اقتراباً وتتأجج حباً وتكاتفاً.
علي الخشيبان
السوري الثائر
نبيل جلهوم
حسان الحموي
اختي حق لكي هذا
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة