..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

هكذا أُخرجت سوريا من إطارها العربي وأُلحقت بإيران

صالح القلاب

٢٤ مايو ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3290

هكذا أُخرجت سوريا من إطارها العربي وأُلحقت بإيران
القلاب.jpg

شـــــارك المادة

يستغرب البعض كيف أن سوريا في عهد حكم من المفترض أنه حكم حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي شعاره «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» وأهدافه «وحدة.. حرية.. اشتراكية»، قد أُخرجت من إطارها العربي وتحولت إلى رأس جسر لإيران التي كنا نعتقد أن ثورة الإمام الخميني، في فبراير (شباط) عام 1979، ستحولها إلى عمق للعرب يصل إلى خراسان وأبعد، لكن ثبت - للأسف - أن اعتقادنا لم يكن دقيقا ولا صادقا، وأن النزعة الفارسية التوسعية في اتجاه منطقتنا وليس في أي اتجاه آخر لدى هؤلاء «المعممين» أشد عدوانية مما كانت عليه زمن الشاه السابق محمد رضا بهلوي، الذي مثله مثل والده قد ضاقت به الدنيا بما رحبت وانتهى نهاية مأساوية ولم يجد أرضا يُدفن فيها إلا أرض الكنانة العربية.

 

ربما أن الذين ما زالوا يرفعون شعار «الرسالة الخالدة» الذي كانوا حكموا على صاحبه، مؤسس «البعث» في أربعينات القرن الماضي، بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى، لم يسمعوا أن علي لاريجاني كان قد وصف الدعوة إلى الارتقاء بصيغة مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى اتحاد فيدرالي أو كونفيدرالي بأنها دعوة «بدوية»!! وربما لا يعرف هؤلاء أن «الشعوبية» في جمهورية إيران الإسلامية قد عادت إلى أشد مما كانت في بدايات الدولة العباسية عندما كان «الجاحظ» - ويا ليت عندنا الآن ألف جاحظ - هو صوت هذه الأمة ضد هجمات تلك الشعوبية.

عشية الانقلاب على رفاقه في حزب البعث في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970، تعهد الجنرال حافظ الأسد، الذي بقي يرفع شعارات قومية بينما هو يمارس أبشع السياسات الطائفية، بالترويج إلى كونه ضد توجهات هؤلاء الرفاق اليسارية والعلمانية، وأنه سيخرج سوريا من عزلتها ويعيدها إلى الإطار العربي. وكانت البداية، بعد أن نفذ انقلابه على هؤلاء الرفاق وأرسلهم إلى زنازين سجن المزة إلى أن أكلت أعمارهم الواحد بعد الآخر، أن اتجه إلى الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات وإلى معمر القذافي وجعفر النميري، وأقام معهم اتحادا رباعيا وضع على رأسه رئيس نقابة المعلمين أحمد الخطيب، رحمه الله، الذي كان قد استخدمه كـ«مُحلل» لضمان انتقال رئاسة الدولة له بعد فترة زمنية انتقالية كان خلالها - وإلى أن رتب الأوضاع لرئاسة طويلة استمرت لنحو أربعين عاما - رئيسا للوزراء.

لم يدم هذا الاتحاد، الذي كان مفتعلا وكان حافظ الأسد يريده قاطرة لنفوذه في المنطقة، طويلا، وكانت النهاية عندما اختار السادات بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 طريق الصلح مع إسرائيل، والذي انتهى به إلى اتفاقيات كامب ديفيد المعروفة، فكان أن ذهب هذا الرئيس السوري السابق إلى بغداد هرولة ليحمي نظامه من الاستفراد، وليتفق مع أحمد حسن البكر وصدام حسين على ما سمي «الميثاق القوي» الذي تضمن تأكيدات على وحدة «القطرين» ووحدة جناحي حزب البعث، والذي لم يصمد إلا لفترة قصيرة جدا، حيث بدأت بعد ذلك حرب باردة وساخنة تواصلت فعليا وعمليا إلى حين غزو العراق في عام 2003 وإسقاط نظام البعث العراقي الذي هو نظام صدام حسين.

وحقيقة، فإن حافظ الأسد منذ وصوله إلى الحكم وحتى وفاته بقي يتبع سياسة عنوانها إبعاد مصر عن العراق، وإضعاف مصر وإضعاف العراق بقدر الإمكان، وعنوانها أيضا السيطرة على القرار الوطني الفلسطيني، والسيطرة أيضا على لبنان وعلى الأردن، ليكون هو الرقم الرئيسي في هذه المنطقة، وليتفاوض مع الإسرائيليين ومع الأميركيين نيابة عن هؤلاء جميعا. لكن هذه السياسة إن هي نجحت في لبنان فإنها واجهت فشلا ذريعا، حيث كان الملك حسين عصيا على مثل هذه التطلعات الاستحواذية، وحيث اضطر ياسر عرفات إلى الابتعاد عن دائرة النفوذ السورية باختيار تونس مقرا له ولقيادته بعد إخراجه وإخراج قواته من بيروت، ولاحقا من لبنان كلها، في أعقاب الغزو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية في يونيو (حزيران) عام 1982.

لقد بقي الرئيس حافظ الأسد يتأرجح بين معادلات هذه المنطقة، وبقي يغير اتجاهاته من تجربة الاتحاد الرباعي الآنفة الذكر الفاشلة إلى الميثاق القومي مع العراق الأكثر فشلا إلى التحالف مع السادات والذهاب معه إلى حرب أكتوبر ثم الاختلاف معه بسبب «كامب ديفيد» التي كانت معاهدة صلح منفردة مع إسرائيل ولم تشمل هضبة الجولان المحتلة التي لا تزال محتلة، وكل هذا إلى أن انتصرت ثورة الخميني في فبراير عام 1979، فكانت بداية التحول الاستراتيجي الذي انتزع سوريا من إطارها العربي وجعلها مجرد رقم، وإن كان في البدايات أساسيا في المعادلة الإيرانية الشرق أوسطية الجديدة التي لا تزال مستمرة حتى الآن.

بعد التحاق حافظ الأسد بإيران الخمينية كان عليه أن يتخلص من النظام العراقي الذي مع بدايات ثمانينات القرن الماضي أصبح في ذروة تألقه وقوته، وكان عليه أن يواصل الهيمنة العسكرية والأمنية والسياسية وكل شيء على لبنان، وأن يبدأ بتخطيط السفير الإيراني في دمشق وممثل الولي الفقيه في هذه المنطقة محمد حسن اختري إقامة دولة حزب الله هذه القائمة الآن داخل الدولة اللبنانية، وأن يحول حركة حماس الناشئة إلى ضرس ملتهب في فك ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، وأن يؤمن جبهته الشمالية بالاستجابة للضغط التركي وطرد عبد الله أوجلان من دمشق وإبعاد مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي من منطقة البقاع اللبناني ومن الأراضي السورية.

وهكذا فقد دخل حافظ الأسد، الذي يعتبر لاعبا سياسيا بارعا لا يقارن به ولده بشار الأسد في هذا المجال على الإطلاق، في المنظومة الإيرانية بصورة مطلقة، ولهذا فقد دخل الحرب إلى جانب إيران ضد العراق وكأنها حربه هو نفسه، لكنه، ولدهائه السياسي الذي غاب عن سوريا نهائيا بمجرد غيابه، بقي يحتفظ بعلاقات متينة مع الدول الخليجية كلها على أساس أن انحيازه لجمهورية إيران الإسلامية «يُعقلن» مواقفها تجاه هذه الدول، وعلى أساس أنه لا بد من استيعاب هذه الدولة «الشقيقة» الصاعدة وعلى الأقل تجميد قضايا الخلاف معها والتي في مقدمتها وأهمها قضية الجزر الإماراتية الثلاث التي كان الإيرانيون قد احتلوها في عام 1971.

لكن هذا الدهاء السياسي ما لبث أن غادر سوريا بمجرد رحيل حافظ الأسد ومجيء نجله بشار إلى موقع المسؤولية، حيث ذابت سوريا الدولة ذات المصالح الخاصة وذات السيادة نهائيا في دولة الولي الفقيه، وأصبح القرار السوري، حتى القرار المتعلق بالعلاقات العربية والعلاقات الدولية الحساسة، في طهران أكثر منه دمشق، وبالطبع فإن هذه التبعية المرعبة حقا قد أُعطيت بعدا طائفيا بات واضحا ولا يستطيع أي كان إنكاره، كما أعطيت إطارا سياسيا هو «فسطاط الممانعة والمقاومة» الذي يضم أيضا حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية، جناح خالد مشعل سابقا وجناح إسماعيل هنية في الفترة الحالية.

لقد أصبحت سوريا مجرد رقم ثانوي وصغير في المعادلة الإيرانية الشرق أوسطية والدولية أيضا، ولقد خرجت في عهد بشار الأسد والمجموعة الحاكمة الحالية من إطارها العربي بصورة كلية ونهائية، فهي خسرت علاقاتها - التي بقي حافظ الأسد يحرص على الحفاظ عليها رغم العلاقات الناشئة الوطيدة التي أقامها مع إيران الخمينية - مع المملكة العربية السعودية ومع بقية دول الخليج، وهي لم يعد معها من العرب إلا نوري المالكي وحسن نصر الله والمجموعات الحديثة وبعض البؤر الطائفية والمذهبية في المنطقة العربية.

 

المصدر : الشرق الأوسط

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع