..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

تصبحون على تفجير

سلوى الوفائي

١١ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2696

تصبحون على تفجير
1.jpg

شـــــارك المادة

أصبح الوضع في دمشق أكثر كارثية من أن نستمر بطلب التواطؤ العاطفي مع المدن الثائرة، لأن العيون الدمشقية ذاتها تلطخت بمشاهد شلالات الدماء بعد أن تسربت إليها من حمص ودرعا وإدلب. ثمة قضية تقتات من دمنا جميعاً، وتفتت عظامنا حتى أصابتنا الهشاشة، ماذا يبقى لنا حين يغتالون دمشق؟ المصيبة هنا أكبر من تصريحات نعامة تواري رأسها بالتراب، وغراب ينعق على الأعتاب، وببغاء يردد على مسامعنا ما حفظناه وصرنا نتقيأ من سماعه. فما السبيل لوقف تتطاير الحمم من البركان الثائر؟

 


مسلسل التفجيرات الإرهابية المزعومة لا تعرض حلقاته إلا بوجود لجان المراقبة (المتفرجين) وكأن المخرج قد خصّهم بهذه الحلقات الفريدة التي تحمل توقيع الحسون وممهورة بخاتم المعلم وصادرة عن الديوان الرئاسي الأسدي، هؤلاء الذين تحالفوا مع الشيطان كي يشعلوا الشرق الأوسط حرائق ويمطروه زلازل وحمم بركانية تحت شعار: (الأسد أو نحرق البلد). الصور الأولية لضحايا التفجيرات اليوم في دمشق تبدي أكثر ما تخفي من هول الكارثة، ولا تحتاج لقارئة الفنجان النزارية لتدلي بدلوها وتستقرئ مجهولاً لم يعد خافياً على أحد.
من يصدق أنّ ضحايا التفجيرات كانوا يسيرون في الشارع بالملابس الداخلية وبلا أحذية؟ مشهد لم نراه حتى على شاطئ الرمال الذهبية اللاذقية - الذي أصبح طابور أخضر لرامي مخلوف تحتاج تصريحاً رسمياً للدخول إليه وحجزاً مسبقاً على متن طائرات السكاي فيو-. ضحايا بلا ملابس وبلا أحذية ومكبلي الأيدي بوثاق... لا يمكن أن يكون حدثاً عرضياً عابراً.
مرة أخرى يرينا النظام الأسدي وجهه القبيح بوضوح سافر، إذ يحمل المعتقلين الذين قضوا نحبهم تحت التعذيب في السجون الأسدية ويضعهم مكان التفجيرات ليتخلص من جثثهم بطريقة سهلة، ويخيف بهم المراقبين ليمنع تحركهم بحرية ويفرض عليهم حماية أسدية وخارطة طريق أسدية ودليل سياحي فاخر يحمل هوية متملق من الدرجة الأولى. ويوهم العالم الأعمى أن ثمة عصابات مسلحة تهدد أمن البلد، فتكون له ذريعة كي يضرب بيد من حديد، ويستجدي المساعدات الدولية لمحاربة السلفيين الفارين من القاعدة، التي أصبحت شماعة المجرمين يعلقون عليها ضحاياهم كما يعلقون النجوم على أعواد المشانق. مسكينة هذه القاعدة كم تحمّلت اتهامات، ليتها قامت بارتكاب نصفها أو ربعها لما كنّا وصل الحال بنا إلى ما وصل. ثمة شياطين شريرة تدخل إلى أجسادنا وتقتل تلك الدمشق الجميلة التي تسكننا.
ثمة مهرجون من فئة الكمبارس لا يصلحون حتى لأدوار البطولة في الكذب يحاولون اغتيال الجميلة، ويقودنها إلى الزجّ في أتون الصراع بقوة الجاذبية الخشبية لكراسي السلطة. وحدهم أنصاف المهرجين يمتطون ظهور الموتى بدل ظهور الأحياء ليكسبوا جولة فاشلة. يطلّ علينا د. عزمي بشارة ليقول: " سوف يكشف التاريخ يوماً عن هوية مرتكب الجريمة العبثية البشعة المتجسدة في تفجيرات دمشق. لا حاجة للاجتهاد لمعرفة هوية المتضررين الأبرياء فأشلاؤهم في الساحات. ولكل واحد منهم حياة ودنيا ورواية. ولكن الجميع مدعو لمناقشة هوية المستفيد من مثل هذه التفجيرات حتى قبل معرفة هوية الفاعل. فهذه المناقشة المواطنية العربية والسورية ضرورية وحاسمة لردع الفاعلين. فمن المستفيد"؟ فكيف نرد على مثقف عربي يحمل مرجعية الكنيست الإسرائيلي بكلام يرضي قناعاته الأسدية؟
إنّ المستفيد من التفجيرات هو من يملك تاريخ مهني في الإرهاب، هو النظام السوري يا دكتور بشارة ولسنا بحاجة لنصيحة مبطنة بالحوار مع السلطة كجزء من الوطن وطرف في المناقشة والحوار... فلم لا توفر على نفسك عناء التحليل والنصائح التي لا تمسح دمعة أم ثكلت بأولادها، ولا زوجة فجعت بزوجها، ولا طفل بأهله، ولا حرّة كريمة بعرضها الذي انتهكته كلّ القبائل العربية منذ عصر قحطان؟ لماذا يسقط أولئك الأطفال، والرجال، والشيوخ والنساء الآن في سورية؟ ومن المستفيد؟؟؟ سؤال يطرح نفسه ويجيب بآن معاً. لو كانت التفجيرات من فعل العصابات المسلحة المزعومة المعادية للنظام الأسدي ومن يواليه لوقعت في الأحياء الموالية للنظام، في مخطط 86 في دمشق مثلاً، أوفي حي من أحياء الزهرة وعكرمة الجديدة والنزهة في حمص، أوفي القرداحة... أما أن تكون العصابات المسلحة قاتلاً ومقتولاً بآن معاً فمن يصدق هذه الخرافة؟ فقط في سورية يتحول الدم إلى ذهب ويتكدس الذهب فوق الذهب. وليس هناك من يقول: أيها السيد الضمير.. متى تصحو؟ الحقائق أضحت ناصعة كالشمس وأكبر من أن يتسع لها بطن النعامة التي لا تزال تراوغ رغم كل ذلك الموت الذي يزدرد سورية قطعة قطعة، وطفلاً طفلاً وصرخة صرخة. هذا المرض العضال الذي يشلّ الروح يفترض اجتثاثه. ولابدّ من جدار تبنيه العصابات المسلحة المرصعة بالذهب مع الشبيحة المرصعة بالدماء لتوقف أسراب الجراد التي تأكل سورية الحبيبة يوماً بعد يوم. وعلى الأفواه الملأى بالعار أن تمتلئ بالكلام، على أعضاء المجلس الوطني أن يحملوا قضية التفجيرات إلى محكمة العدل الدولية وإلى مجلس الأمن فوراً، كي تبدأ التحقيقات حول هوية الضحايا وزمن وفاتهم وسبب الوفاة، معززة بشهادة الطبّ الشرعي، وموثقة بالصور، قبل أن تقوم العصابة الأسدية بدفن الضحايا في مقابر جماعية لدفن الحقيقة معهم في قبور الظلم. إن لم يفعلوا ذلك، ترقبوا مزيداً من التفجيرات، حتى تتحول دمشق إلى حمص ثانية، وحماه ثالثة... كلّ السوريين وكلّ المراقبين يعرفون من هم أصحاب العقول العفنة الإرهابية المجرمة واحداً واحداً. ولكن إياكم أن ترفعوا الصوت، كي لا توقظوا الموتى....

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع