..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

خواطر في زمن المحنة: أنموذج عن السياسي الذي نريده

ماجد الدرويش

١٣ إبريل ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3136

خواطر في زمن المحنة: أنموذج عن السياسي الذي نريده
6.jpeg

شـــــارك المادة

لا أدري لماذا جاءتني هذه الفكرة وكيف، وهي أن أكتب عن شاعر من شعراء الأمة في العصر الحديث، سوري الجنسية، أديب الطبع والقيم، صادق المشاعر تجاه قضايا أمته، وقبل هذا كله هو سياسي بارز كان له دور هام حيال الأحداث التي عصفت ببلادنا في مطلع القرن العشرين.
لعل السبب في هذا هو ما سمعته على لسان أحد الإخوة الأكارم يذكر أن أحد السياسيين، أثناء مقابلة له، ردد بيتا من قصيدة، هو:

لا يلام الذئب في عدوانه *** إن يكن الراعي عدوَّ الغنم

فذكرت أن هذا البيت من قصيدة للشاعر عمر أبو ريشة بعنوان (أمتي)، يلومها فيها على تقصيرها، ومع أنني درست هذه القصيدة في المرحلة المتوسطة، إلا أنني اليوم عندما تذكرتها، وجدت لأبياتها وقعاً ما زال يتجدد ويتردد في جنبات تاريخنا الحديث. لذلك أحببت أن أتذكر هذا الشاعر الذي يحترق جنباته أسى على أوضاع أمته، والسياسي الذي لم يدخر وسعاً في حمل همومها بصدق وإخلاص، فرأيت فيه نموذجاً للرجال الذين نصبو أن يتقلدوا أمور الأمة. فمن هو عمر أبو ريشة؟
هو شاعر سوري، ولد في منبج، وتلقى تعليمه الابتدائي في حلب، وأتم دراسته الثانوية في الجامعة الأمريكية، ثم أرسله أبوه إلى انجلتــرا عام (1930م)، ليدرس الكيمياء الصناعية.
وهو من كبار شعراء وأدباء العصر الحديث، وله مكانة مرموقة في ديوان الشعر العربي، وهو الإنسان الشاعر، والأديب الدبلوماسي، الذي حمل في عقله وقلبه الحب والعاطفة للوطن، وللأمة، وللإنسان، وللتاريخ العربي والإسلامي، ففجر هذه الأحاسيس في أعماله الأدبية المتنوعة بأرقى وأبدع الصور والكلمات والمعاني.
تقلد شاعرنا العديد من المناصب: حيث عمل في مقتبل عمره مديرًا لدار الكتب في حلب، ثم انتخب عضواً في المجمع العلمي عام 1948م، ثم عين ملحقًا ثقافيًا لسوريا في الجامعة العربية، ثم سفيراً لسوريا في البرازيل، ثم تنقل بعدها في الأعمال الدبلوماسية بين الأرجنتين، وتشيلي، والهند، والولايات المتحدة.
وقد امتاز بحضوره القوي حيث وجد، وبحمله لقضايا أمته في كل محفل حلَّ به، فاستحق التكريم ممن عرفوه، لذلك قلِّد العديد من الأوسمة: من البرازيل، والأرجنتين، والنمسا، ولبنان، وسوريا. كما كرم في العديد من المؤتمرات العربية والدولية. ولما أحيل إلى التقاعد بفعل (الحركات التصحيحية) اختار كسواه من رجالات سوريا الصادقين تمضية بقية الحياة في الرياض، وفيها وافته المنية يوم السبت 22 ذي الحجة عام 1410هـ، الموافق 14 /6 /1990م، وتم نقل جثمانه ودفن في مدينة حلب في سوريا. رحمه الله –تعالى- رحمة واسعة.
وقد ترك شاعرنا إرثاً أدبياً حافلاً من الأعمال الأدبية، والمسرحيات الشعرية الهامة في تاريخ الشعر العربي الحديث، والقصائد الرائعة التي تواكب هموم الأمة وتطلعاتها ومشكلاتها. ومن هذه الأعمال:
- الدواوين الشعرية: بيت وبيتان، نساء، كاجْوارد، غنيت في مأتمي، أمرك يا رب.
- الأعمال المسرحية: تاج محل، علي، رايات ذي قار، الطوفان.
- مجموعة قصائد شعرية.
- ملاحم البطولة في التاريخ الإسلامي.
- وله ديوان شعريٌ باللغة الانجليزية.
- والكثير من المؤلفات والقصائد الشعرية الهامة والتي تعد من أبدع الأعمال الشعرية في النصف الثاني من القرن العشرين.
وقد اخترت من قصائده هذه القصيدة التي خاطب بها أمته لائماً لها على ما حلَّ بها من مصائب، {ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
أمتي:

أمتي هل لك بين الأمم ***  منبرٌ للسيف أو للقلمِ
أَتَلقَّاكِ وطرفيَ مُطْرِقٌ *** خجلا، من أَمْسِكِ المنصرِمِ
ويكاد الدمعُ يهمي عابثاً ***  ببقايا كبرياءِ الألمِ
أين دنياك التي أَوْحَتْ إلى  ***  وتري كلَّ يتيمِ النَّغَمِ
كم تخطيتُ على أصدائه ***   ملعبَ العِزِّ ومغنى الشَّمَمِ
وتهاديتُ كأني ساحبٌ ***  مئزري فوق جباه الأنجم
أمتي كم غصةٍ داميةٍ ***  خنقَتْ نجوى علاكِ في فمي
أي جرح في إبائي راعفٍ ***  فاته الآسي فلم يلتئم
أَلِإِسرائيلَ تعلو رايةٌ  ***  في حمى المهد وظِلِّ الحرمِ!؟
كيف أغضيتِ على الذل ولم ***  تنفضي عنك غبار التُّهَمِ؟
أَوَ ما كنتِ، إذا البغي اعتدى  ***  موجةً من لهبٍ أو من دمِ!؟
كيف أقدمت، وأحجمت ولم  ***  يشتف الثأرُ، ولم تنتقمي؟
اسمعي نوح الحزانى واطربي ***  وانظري دمع اليتامى وابسمي
وَدَعي القادةَ في أهوائها ***   تتفانى في خسيس المغنم
رب وامعتصماه انطلقت  ***  ملء أفواه البنات اليُتَّمِ
لامست أسماعهم لكنها ***  لم تلامس نخوة المعتصم
أمتي كم صنم مجَّدْتِهِ  ***  لم يكن يحمل طُهْرَ الصَّنَمِ
لا يلام الذئب في عدوانه ***   إن يك الراعي عدوَّ الغنم
فاحبسي الشكوى فلولاك لما ***  كان في الحكم عبيدُ الدرهم
أيها الجندي يا كبش الفدا ***  يا شعاع الأمل المبتسم
ما عرفْتَ البخل بالروح إذا *** طلبَتْها غُصَصُ المجدِ الظَّمي
بورك الجرح الذي تحمله ***  شرفاً تحت ظلال العلم

 

المصدر: رابطة العلماء السوريين

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع