..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

وا إسلاماه

مؤمن مأمون ديرانية

٢ إبريل ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 8191

وا إسلاماه
899899899+.jpeg

شـــــارك المادة

كُتب أوّل هذه السطور ليلة سقوط حي بابا عمرو بيد عصابات نظام الأسد المجرم وبعدما أقدموا عليه من فظاعات يندى لها جبين الإنسانية.. لكن الكلمات حشرجت فلم تكتمل، وشُلّ القلم فلم يعد يستطيع أن يجري، ولم أملك تلك الليلة إلا دموعاً سكبتها وليلة أرقتها ودعوات اختنقت فيها الكلمات رفعتها في جوف الليل إلى الله الواحد القهّار المنتقم الجبّار، أن ينتصر لعباده المظلومين ويشف صدور قوم مؤمنين.

 

 

رب وامعتصماه انطلقت *** ملء أفواه الصبايا اليتّم
لامست أسماعهم لكنها *** لم تلامس نخوة المعتصم

دفع الشعب السوري -وما يزال يدفع- ثمناً غالياً لحريته التي يطلبها، للخلاص من عصابة المجرمين التي استعبدته قرابة نصف قرن، استباحت فيها كلّ شيء، ولم ترقب في هذه الأمة إلّاً ولا ذمّة. لقد استباحوا كلّ الحرمات كما لم يستبحها عدوّ من قبل فكانوا العدوّ الأكثر عدواناً وإجراماً، وفاقوا اليهود في عدوانهم وإجرامهم بمراحل، في مشاهد غابت عن البشرية منذ زمن طويل، فسالت دماء الرجال والنساء والعجائز والأطفال، وعُذّب الناس في وحشية عصيّة على الوصف، وهتكت الأعراض بشكل منهجي ووحشي، وهو المشهد الأكثر إيلاماً، ومع ذلك لا يزال العالم يشاهده مع غيره من المشاهد الأليمة بكثير من اللامبالاة وعدم الاكتراث.
بعد أربعة أسابيع متصلة من القصف الهمجي الوحشي بالمدافع والصواريخ، ليس على الجبهة مع العدو الصهيوني، ولا ضد قوات عسكرية غازية، بل على أحياء حمص القديمة المكتظة بسكانها، وقد انهارت عمارات على ساكنيها فدُفنوا تحت الأنقاض، وقُتل وجُرح آلاف من الرجال والنساء والعجائز والأطفال، اليافعين منهم والرُّضّع.. بعد أربعة أسابيع من الاستغاثات والنداءات واستصراخ أهل الإسلام وأهل العروبة وأهل الإنسانية، استغاثات الناس الذين عاشوا تحت النار والحصار أسابيع متواصلة واكتووا بنار عصابات الأسد، وكانوا يعلمون ما تُعدّه لهم هذه العصابات، ويعرفون ما ينتظرهم عندما يقتحم المجرمون أحياءهم ودورهم، واستغاثات (هادي العبد الله) الذي بُحّ صوته وهو يستغيث من قلب حمص على جميع الفضائيات ويحذّر مما سيحدث.. كانوا يستغيثون ويقولون لنا أنهم يعرفون جيداً هؤلاء المجرمين، وأنهم سيفعلون بهم ثانيةً ما فعلوه في حماة الشهيدة قبل ثلاثين عاماً.. بعد كلّ ذلك لم تلاقِ أيّ من هذه الصرخات نخوة المعتصم، وخذلناهم اليوم كما خذلنا حماة بالأمس، وتركناهم يُذبحون ونحن نتفرّج على شاشات الفضائيات مسترخين على الأرائك. كنا نظن أن حماة قُتلت في عصر الغيبة الإعلامية ولن يُقتل مثلها ثانية في عصر الثورة الإعلامية، فإذا بالحكاية تتكرّر، ليس في غيبة من العالم بل أمام أعين الناس والعالم هذه المرّة. قال إخواننا الأتراك أنهم لن يسمحوا بحماة ثانية، لكن حماة ثانية حدثت وكان اسمها حمص هذه المرّة، ولم يفعل أحد شيئاً إلا الكلام، ولأن المجرمين يعلمون أنه لن يحدث إلا الكلام هم ماضون في طريقهم لا يأبهون لأحد.
اقتحمت عصابة الأسد قلعة بابا عمرو الصامدة، بعد ملحمة صمود بطولي عظيم لأربعة أسابيع، وصبّت إجرامها على الضعفاء الذين خُلّفوا، واستباحت الدماء والنساء وهتكت الأعراض، وعملت على إذلال الناس وإلقاء الرعب في قلوبهم بكل الوسائل. أحرقوا عائلات كاملة وهم أحياء ولم يتركوهم إلا جثثاً متفحّمة. ذبحوا عائلات بأكملها ذبحاً بالسكاكين، ذبحوا الناس أمام بعضهم حتى الأطفال منهم، ونحن نترفّق بالخراف فلا نذبح واحداً أمام الآخر، وخلّفوا وراءهم بيوتاً مليئة بجثث المذبوحين، ورأينا صفّاً من الأطفال المذبوحين وقد بال أحدهم على سرواله ليترك لنا الصورة التي لم نشهدها لتروي لنا ما حدث؛ صورة الطفل الذي ملأه الرعب وهو يرى أخاه يُذبح أمام عينيه وينظر إلى السكين برعب وهي في طريقها إلى عنقه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. ترك لنا البريء الصغير الصورة الكبيرة لما حدث مطبوعة على سرواله الصغير، لكنها أيضاً لم تلاقِ نخوة المعتصم. جمعوا الفتيات في الساحات العامة وعرّوهن من ثيابهن واغتصبوهن علناً. ورأينا في شريط يدمي القلب جنود جيش الأسد يسوقون فتاة شابة إلى شاحنة مغلقة ثم يخلع أحدهم حزامه العسكري يناوله لرفيقه ويتبعها إلى الشاحنة بينما ينتظر بقية الجنود على الباب ليتناوبوا على الفتاة واحداً بعد آخر، والذي يصوّر الشريط من سطح عمارة مطلة يختنق صوته بالبكاء وهو يصوّر، ولا أظنه ينسى هذه اللحظات أبداً. ووضعوا النساء بعد تكشيفهن على الدبابات دروعاً بشرية يحتمون بهن من ضربات الجيش الحر. وعلّموا أبواب البيوت التي لم يبق فيها إلا النساء في الأحياء التي اقتحموها لتكون مكاناً لتسلية الجنود في الأيام اللاحقة. وأُخذت مجموعات من الفتيات إلى مصير مجهول، لكن كل ذلك لم يلاق نخوة المعتصم.
كنا نظن أن الأمة لا يمكن أن تسكت وأن العالم لن يسكت على شيء من هذا. ظننا أن الأمة ستنزل كلها إلى الشوارع عند ذبح أول طفل وعند اغتصاب أول امرأة، وأن العالم سيتخذ إجراءات صارمة، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث.
لو استجابت الأمة لاستغاثات الناس في حمص ومدّتهم بالعون، ربما كان هذا سينقذ الناس الذين ذُبحوا والأعراض التي انتهكت. لقد بقي مقاتلو الجيش الحرّ البواسل يدافعون عن حيّ بابا عمرو ببسالة وشجاعة نادرة حتى آخر طلقة معهم، ويستصرخونا أن نمدّهم بالمال والسلاح ليقاتلوا حتى آخر رجل منهم، لكن أحداً لم يمدّهم. كيف نشعر عندما نعلم أن دراهم لو كنا اقتطعناها من رفاهيتنا كانت ستحمي تلك الفتيات وأولئك الأطفال وتدفع عنهم شيئاً مما أصابهم. لو أنفقنا هذه الدراهم في سبيل الله لحمت أعراض بناتنا وأنقذت حياة أطفالنا.
ماذا أصاب هذه الأمة وماذا أصاب الناس أجمعين؟ كيف يمكن أن يحدث كلّ هذا والناس منصرفون إلى شؤون حياتهم والعالم ما زال يمارس النفاق السياسي ولا يفعل شيئاً؟ أين هم المسلمون وماذا كانوا فاعلين لو أن الكعبة هُدمت في بيت الله الحرام؟ ما يجري على أرض سورية أكبر كثيراً من هدم الكعبة. إذا كان إزهاق نفس بريئة أعظم عند الله من هدم الكعبة فكيف بكل هذه الدماء التي سالت والأشلاء التي مُزّقت والأنفس التي عُذّبت والأعراض التي انتهكت؟ أليس كلّ ذلك أعظم من هدم الكعبة؟ كيف يهنأ لنا عيش ونحن نرى ونسمع ولا نحرّك ساكناً.
كتبت في أيام الثورة الأولى أقول أننا سنحاكم المجرمين وسنشنقهم في ساحة المرجة، وسنجلد ظهور المنافقين الذين أيّدوا هذا النظام المجرم على سور الجامع الأموي عندما تنتصر هذه الثورة المباركة. لكن بعد كلّ هذا الإجرام لم يعد الجلد عقوبة كافية لهؤلاء، وعلى رأسهم شيخ السوء البوطي وأخوه المنافق الحسون، صار هؤلاء المنافقون ومعهم كلّ من يؤيّد القتلة شركاء في القتل، شركاء في قتل الناس وتعذيب الأطفال واغتصاب النساء، شركاء في الجريمة يستحقون المحاكمة والعقاب إلى جانب القتلة الذين أيّدوهم. أما الصامتون الذين كانوا يوماً مطالبون بالصمت فقط إن لم يقدروا على قول كلمة الحق، فلم يعد الصمت يُجزؤهم ولا يُبرئ ذمّتهم عند الله، وصاروا يستحقون أن تُجلد ظهورهم على سور الجامع الأموي بعد انتصار الثورة المباركة -بإذن الله-.
أما المجرمون الذين قتّلوا وذبحوا وحرّقوا واغتصبوا فلن ينجوا من العقاب. ليجتهد الضحايا والشهود في التعرّف على أسمائهم وحفظ وجوههم. لقد اقترب يوم القصاص.
وليس الذين انتهكوا الأعراض وحدهم المجرمون، بل أيضاً الجاهليون الذين عاقبوا بناتهم المصابات بدلاً من أن يمسحوا جراحهن ويواسوهن في مصابهن. وأريد أن أقولها بملء فيّ: أيّما رجل من هذه الأمة يظن أن هذه النسوة قد فقدن شرفهن فهو فاقد للشرف ولا يعرف معنى الشرف، فاللاتي ضحين وأوذين في معركة الحرية هن عنوان للشرف والتضحية والجهاد. وإذا كان الشباب في زمن السلم يطلبون ذات الجمال والمال والحسب والنسب، ففي زمن الجهاد والبذل والتضحية سيتسابق الشباب الصالحون للفوز بواحدة من هذه الفتيات المجاهدات الصابرات.
وكما قال بعض أبناء هذه الثورة المباركة: ليس من هذه النسوة العفيفات من فقدت شرفها عندما انتهك عرضها، بل الصامتون هم الذين فقدوا شرفهم عندما حدث ذلك أمام أعينهم ولاذوا بالصمت.
لعن الله المجرمين ومن ناصرهم ومن أيدهم ومن سكت عنهم، عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
لقد دفع شعب سورية ثمناً غالياً في سبيل حريته بعد نصف قرن في الأسر، ولا زال دون حريته طريق فيه دماء وأشلاء، لكن هذه الثورة لن تلين وهذه الأمة لن تستسلم ولو فنيت عن آخرها، رغم أنف المجرمين، ورغم أنف المنافقين، ورغم أنف الصامتين.
لقد تعلّم أبناء هذه الثورة المباركة بعد عام من التضحيات أن ليس لنا إلا الله.. لم نعد نرجو عوناً من العالم الذي يتلاعب بدمائنا وآلامنا ويعطي المجرمين المهلة تلو المهلة، لعلهم يكملوا ذبحنا ويرفعوا عن أدعياء الإنسانية هذا الحرج الذي يتكبدونه أمام عدسات الإعلام. لكن لا زال لنا أمل في هذه الأمة وما زلنا نستصرخها: وا إسلاماه.. لعل هذه الصرخة تلاقي يوماً نخوة المعتصم.
لقد خلقنا الله أحراراً.. لنعيش أحراراً.. ولن يخذل الله مؤمناً يطلب الحرية.

المصدر: أرفلون نت

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع