الشرق الأوسط
تصدير المادة
المشاهدات : 3513
شـــــارك المادة
أكدت مصادر شيعية سوريا لـ«الشرق الأوسط» تدخل حزب الله اللبناني وإيران في الأزمة السورية من أجل «حماية» القرى والبلدات الشيعية والمقامات الدينية التي يتعرض لها «التكفيريون». وكشفت المصادر عن وجود «مراكز تدريب للحزب في البقاع اللبناني تقوم بتدريب شبان من الشيعة السوريين على القتال، ودفع رواتب لهم للقتال في سوريا». ويؤكد معارضون سوريون أن أعداد هؤلاء تقارب الـ1500 عنصر، ومثلهم من الإيرانيين يساعدون النظام في إدارة المعركة، معتبرين أن الكلام عن 5 آلاف عنصر مبالغ فيه.
ومنذ أن اندلعت الأزمة السورية، وتحولها إلى «العسكرة»، ارتفع منسوب الكلام عن مشاركة حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري، من منطلق الترابط الاستراتيجي بين الحزب والنظام السوري الذي يعتبر الشريان الحيوي الذي يوصل المساعدات الإيرانية (على أنواعها) إلى الحزب في لبنان. وعلى الرغم من أن السياسيين اللبنانيين يتحدثون عن امتناع الحزب عن الانصياع لرغبة النظام بتفجير الساحة اللبنانية لتخفيف الضغط عنه، فإن هؤلاء أنفسهم ينتقدون انغماس الحزب في دعم النظام على حساب الشعب، بينما لا يكاد يخلو تصريح لقادة الجيش السوري الحر من الإشارة إلى دعم الحزب ومشاركته النظام في «قتل الشعب السوري».
ويعتبر الخبير الاستراتيجي اللبناني العميد المتقاعد نزار عبد القادر، أن مشاركة حزب الله في القتال في سوريا لم تعد سرا على أحد، لافتا إلى أنه، وعلى الرغم من المعلومات التي تم تناقلها منذ أشهر حول هذا الأمر، بقي الشك موجودا، إلى أن اعترف أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله بهذا الأمر بنفسه، عازيا ذلك إلى التداخل السكاني والجغرافي في المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا في شمال البقاع ومحافظة حمص. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لا يمكن القبول بهذا السبب الذي يقدمه نصر الله بهذه البساطة، لأنه، وكما نعلم، الحزب الذي كان داعما لكل الثورات العربية تنكّر للثورة السورية بسبب ارتباطه مع النظام السوري الذي يدعمه بالسلاح، ومن خلال العمق الاستراتيجي السوري في حربه ضد إسرائيل»، مضيفا: «أعتقد أنه، وفي ظل إصرار الرئيس بشار الأسد على استكمال الحسم العسكري، وبذلك كل ما يمكن لديه للبقاء في السلطة، من الطبيعي أن حزب الله سيتورط أكثر فأكثر في المعركة إلى جانب حليفه، وليس بعيدا أن تأخذ عملياته الطابع العلني وتولي بعض المهمات لحماية النظام في العاصمة السورية». وتخوف عبد القادر من قيام حزب الله ببعض العمليات ضد معارضين سوريين، في حال وجودهم في لبنان، واصفا ما يقوم به حزب الله اليوم بـ«الورقة الخطيرة التي يلعبها الحزب»، لكن لا مفرّ له من أن يلعبها حتى النهاية.
ليس من السهل الكلام مع مسؤولي حزب الله عن موضوع «تدخل» الحزب لوجيستيا في الأزمة السورية. لكن الحزب الذي كان يصف في البداية هذه المزاعم بأنها «مضحكة» عاد ليلتزم سقف «الخطاب الرسمي»، الذي أدلى به أمينه العام السيد حسن نصر الله، الذي قال فيه إن هؤلاء «لبنانيون يعيشون في سوريا ويدافعون عن قراهم».
لكن «الحاج»، أحد مسؤولي الحزب في البقاع اللبناني يقول إن الحزب يدافع عن منطقة لبنانية، هي «الجزء اللبناني» من بلدة القصير الحدودية. ويقول «الحاج» الذي فضل الإشارة إلى نفسه بهذا الاسم لـ«الشرق الأوسط» إن قسما من هذه البلدة يقع داخل الأراضي اللبنانية، وهم يتعرضون إلى هجمات من قبل المعارضة السورية، مشيرا إلى أن «مسؤولي الرصد» في الحزب استطاعوا تسجيل مكالمة بين معارضين مسلحين يخططون فيها لمهاجمة البلدة وقتل الرجال وأسر النساء، فكمنوا لهم وأوقعوا في صفوفهم خسائر كبيرة جدا، بينما سقط لنا شاب كان يدافع عن المنطقة. ويوضح أن الوضع في تلك المنطقة تحول الآن إلى ما يشبه خطوط التماس بين الجانبين.
وتشكل الأزمة السورية هاجسا كبيرا لدى الحزب، لكن «الحاج» يؤكد أن الحزب مرتاح إلى المستقبل؛ فإذا انتصر النظام استمر الحال كما كان سابقا، وإذا سقط فإن هذا سوف يعد من «علامات الظهور المنصوص عليها (في الروايات الشيعية) عن خروج الإمام المهدي». ويعتبر هذا الكلام امتداد للتعبئة الآيديولوجية الموجود لدى الحزب، إذ تتحدث الروايات الشيعية عن «ظهور السفياني في الشام (سوريا) وتنكيله بالشيعة قبل ظهور المهدي». ويورد «الحاج» رواية عن «لعب الصبيان» يقول إنها منسوبة إلى علماء السنة والشيعة، مفاده «تكون فتنة كأن أولها لعب الصبيان كلما سكنت من جانب طمت من جانب فلا تتناهى حتى ينادي مناد من السماء ألا إن الأمير فلان، وفتل ابن المسيب يديه حتى أنهما لينفضان، فقال: ذلكم الأمير حقا (ثلاث مرات)».
ويشير «الحاج» إلى أن هذا الكلام يعززه بدء «المشكلات» في سوريا عبر صبيان كتبوا على الجدران، بالإضافة إلى امتداد هذه الأزمة.
ويقول مسؤول لبناني معارض إن حزب الله يتدخل فعليا في الحرب السورية، مشيرا إلى أن المعلومات المتوفرة لديه تشير إلى أن الحزب تكفل بمراقبة جزء من الحدود اللبنانية السورية لمنع تحرك المعارضين في الاتجاهين، وهو ما يفسر تراجع نشاط المعارضة السورية في تلك المنطقة، موضحا أن مرابض مدفعية وراجمات الصواريخ التابعة للحزب في الأراضي اللبنانية تشارك بفعالية كبيرة في المعركة، بينما يتحدث معارضون سوريون عن قصف من الأراضي اللبنانية (منطقة حوش السيد علي) وقرية زيتة (سكانها من الطائفة الشيعية) بالصواريخ على بساتين القصير وريف القصير الغربي (النهرية - الاذنية - أبو حوري).
وبينما يشكك خبراء عسكريون في إمكانية دخول حزب الله في المعركة إلى جانب النظام بشكل سافر، فإن هؤلاء لا يخفون شكوكهم حول تقديم الحزب «مساعدة تقنية» للنظام، لجهة المشاركة في غرف العمليات المخصصة لإدارة المعركة، علما بأن مسؤولي الحزب يتحركون بشكل كبير عبر الحدود.
لكن الجديد في هذا الخصوص، هو معلومات أكدها شيعة سوريون لـ«الشرق الأوسط» عن وجود للحزب في المناطق التي يسكنها الشيعة في سوريا، بالإضافة إلى مساهمة واضحة للحزب في حماية مرقد «السيدة زينب» المشهور في ضواحي دمشق، وللتدليل على ذلك وزع معارضون سوريون صورا لسيارة تحمل رقما لبنانيا عليها ملصق فيه صورة لشاب كتب تحتها أنه «سقط دفاعا عن مقام السيدة زينب»، قالوا إنها صورت في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت التي تقع تحت نفوذ حزب الله.
وأكّد فهد المصري، مسؤول الإعلام في الجيش الحر، لـ«الشرق الأوسط» أنه «منذ أسبوعين تقريبا، أرسل حزب الله إلى جبل القلمون عشرات العناصر»، لافتا أيضا إلى أن عناصر حزب الله منتشرون بشكل رئيسي في الزبداني وريف حمص، وتحديدا في مدينة «دبلة» المسيحية إلى جانب الشبيحة من النظام، لافتا إلى أن الأيام المقبلة ستشهد معارك فاصلة بين حزب الله والجيش الحر في هذه المناطق.
واعتبر المصري أن القول بدخول 5 آلاف عنصر من حزب الله أخيرا إلى سوريا مبالغ فيه، مشيرا أيضا إلى أن وجود هؤلاء في العاصمة محدود، ويقتصر على مواقع وأماكن محددة، مؤكدا أنهم يتولون مهمة حراسة مقام السيدة زينب في دمشق.
وقال أحمد، إن شقيقه عباس وهو سوري من بلدة نبل في ريف حلب قد التحق بمركز تدريب للحزب في البقاع اللبناني مع عدد من أبناء البلدة، وبلدات شيعية أخرى في المنطقة ليتدرب على سبل الدفاع عن أهله. وأشار إلى أن الشبان ينقلون إلى دمشق بالسيارة ومنها إلى حلب بالطائرات، ليصار بعدها إلى نقلهم عبر المروحيات العسكرية إلى البلدات التي يفترض بهم الدفاع عنها. ويدافع أحمد، الذي يعمل في بيروت عن ما يقوم به هؤلاء، مؤكدا أن شقيقه «كغيره من الشبان يقومون بذلك مضطرين بسبب هجمات (المجموعات التكفيرية) التي تستهدف البلدات والقرى الشيعية في سوريا»، مشيرا إلى أن هؤلاء الشبان يتقاضون رواتب جيدة «للتعويض عن انقطاع أعمالهم»، كاشفا عن وجود خبراء إيرانيين أيضا يساهمون في هذا المجهود.
ولا يوجد معلومات دقيقة عن عدد الشيعة في سوريا، لكن تقريرا أعدته وزارة الخارجية الأميركية حول «الحريات الدينية» في عام 2010 يشير إلى أن نسبتهم تبلغ نحو 2.5 في المائة من عدد السوريين، وهم يتألفون من الشيعة الاثني عشرية، والإسماعيلية والزيدية. وفي حين يتركز وجود «الإسماعيليين» في ريف حماه وفي مدينة السلمية تحديدا. يتركز وجود الشيعة السوريون من المذهب الاثني عشري في محافظة إدلب، وأكبرها الفوعة، وكذلك في بعض قرى حمص وحلب مثل الزهراء ونبل التي تعد أكبر تجمع للشيعة الاثني عشرية في سوريا حيث يبلغ تعداد سكانها 30 ألف نسمة. ويوجد الشيعة السوريون في دمشق في حيي الأمين والجورة في دمشق القديمة، بالإضافة إلى وجودهم في محيط «السيدة زينب». ويقول أحمد إن الإيرانيين يقدمون المال والسلاح لنصرة أبناء الطائفة الشيعية «المهددة من قبل التكفيريين»، موضحا أن هذا «أقل الواجب» من قبل الحزب وإيران.
بدوره، أفاد ضابط منشق لـ«الشرق الأوسط» بأن هناك معلومات مؤكدة تفيد بأن عناصر من حزب الله وخبراء إيرانيين يوجدون في دمشق ويقيمون فيها كخبراء في مجال الإعلام والأمن، ويترددون على المؤسسات الإعلامية وعلى الأجهزة الأمنية، ويتنقلون في سيارات ضخمة ذات زجاج أسود داكن، ويشاركون في التخطيط وإدارة العمليات العسكرية، ومنهم من يقطن في كفرسوسة. وذكر الضابط الذي رفض الكشف عن اسمه، أنه وعندما ارتكب النظام مجزرة الحولة وانتظر حينها يوما حتى يصدر تعليقه على الأمر، تدخل الخبراء الإيرانيون الموجودون في وزارة الداخلية مستنكرين الوضع، ومتهمين تصرّف وزير الإعلام آنذاك، عدنان محمود، معتبرين أنه كان عليه أن يقول إن العصابات المسلحة ارتكبت المجزرة، الأمر الذي أدى إلى استبدال الوزير الحالي عمران الزعبي به.
ويؤكّد العقيد عارف الحمود، رئيس عمليات شهداء سوريا في الجيش الحر، أن لحزب الله مشاركة فعالة على أرض المعركة في سوريا، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «قياديون من الحزب يتولون مهمة تدريب عناصر النظام وضباطه، لا سيما من القوات الخاصة والمخابرات العسكرية والجوية، ويتركز وجودهم في منطقة الدريج بريف دمشق في (مدرسة الصاعقة والمظلات) حيث يخضعون لتدريبات تتراوح مدتها بين 3 و4 أسابيع»، لافتا إلى أن هذه المعلومات أكدها ضباط انشقوا أخيرا عن النظام.
ولفت الضابط إلى أن هناك بعض الجثث لعناصر من حزب الله لدى الجيش الحر الذي يبادله بهم عناصر معتقلين لدى النظام السوري، وهذا ما حصل عندما قتل القائد «أبو العباس» مع 15 عنصرا آخرين منذ شهرين تقريبا، وتم تشييعه في لبنان، مؤكدا في الوقت عينه أن هناك قائدا آخر لا يزال موجودا لدى الجيش الحر، بعدما تم اعتقاله في منطقة السيدة زينب حيث يوجد عناصر الحزب بشكل كبير.
محمد أمين، عبد الرحمن عرابي
عبسي سميسم
العربية نت
سوريون نت
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة