..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مقالات منوعة

سحرة فرعون

سلوى الوفائي

١٣ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2584

سحرة فرعون
1.jpg

شـــــارك المادة

سأتلو عليكم اليوم نبأ سحرة فرعون، أولئك الذين يزيّنون له سوء عمله، ويطمسون بصره، ويفتون له بأمور ما أنزل الله بها من سلطان. كنّا نخشى الحديث عنهم إجلالاً لعلمهم واحتراماً لكتبهم التي ملأت الآفاق، وكنّا نسمع منهم قولاً بليغاً يفحم اللبيب، لكنّ كلّ علم إبليس وبلاغته لم تكن لتنجيه من عذاب الله لأنّه فسق وخرج من الطاعة إلى المعصية ومن الهدى إلى الضلال. وكذلك مثل علماء السلطان.

 


والله - عز وجل - الذي كرّم العلماء، ضرب في كتابه العزيز أشنع مثل لعلماء السلطان الذين يكتمون ما علّمهم الله ويعرضون عنه، إذ يقول الله - تعالى -: {واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَو شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَو تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175-176].

إنه مشهد من المشاهد العجيبة، الجديدة كلّ الجدة على ذخيرة اللغة من التصويرات. إنسان يؤتيه الله آياته، ويخلع عليه من فضله، ويكسوه من علمه ويعطيه الفرصة كاملة للهدى والارتقاء ولكن هاهو ذا ينسلخ من هذا كله انسلاخاً. ينسلخ كأنما الآيات أديم له متلبس بلحمه فهو ينسلخ منها بعنف ومشقة، انسلاخ الحي من أديمه اللاصق ويتجرد من الغطاء الواقي وينحرف عن الهدي ليتبع الهوى فيلتصق بالطين المعتم، ثم إذا هو مسخ في هيئة الكلب يلهث إن طورد ويلهث إن لم يطارد.
وفي صورة جلية أخرى، يصوّر الله - تعالى - العالِم الضّال بالحمار؛ {مثلُ الذين حُمّلوا التوراة ثمّ لم يحمّلوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً} [الجمعة: 5]. وكذلك عبّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أولئك حين قال: ((إنّما أخاف على أمتي الأئمة المضلّين))، والإمام المضلّ يحمل وزر نفسه ووزر من تبعه إلى يوم الدين.
ومن فضل الفتن في الدنيا أنّها تكشف المنافقين المدّعين الأفّاقين من المؤمنين، وتميز الخبيث من الطيب، وتمحّص القلوب ليصطفي الله من عباده المخلصين. وكم سقطت عمائم ولحى لم تكن خالصة لوجه الله، بل كانت أداة بيد الحاكم استخدمها لاستمالة الأغلبية المسلمة ولتبرير سوء أعماله، ووسيلتهم إلى ذلك ليّ أعناق الآيات لتخدم السّفاح وتلتمس له الأعذار وتزيّن له الباطل، وتظهره بمظهر المصلح الأمين وهو الطاغوت الزنيم. وكبير هؤلاء كان علامة الشام البوطي الذي علّم السحرة فنون السحر. وإن تتبعاً عميقاً لتصريحاته منذ قيام الحراك الثوري في الشام يجعلنا نوقن بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّه منافقٌ عند الله كذابٌ، فمرة يتّهم المتظاهرين بأنّ جباههم لا تعرف السجود، ومرة يصفهم بالحثالة المأجورين والملاحدة الحاقدين على كتاب الله الذين يتمردون عليه كلّ جمعة، ومرة يدّعي أنّ أصابع صهيونية تحركهم بتخطيط من الخارج، ومرّة يتحدّث عن سلّة إصلاحات سيده لتخدير الثورة وشلّ يد الثائرين، ومرة يتّهم غليون بأنّه ملحد كافر، ومرة يتمنّى أن يكون إصبعاً في يد حسن نصر الله، ومرة يفتي الناس أن تسجد فوق صورة بشار لله - تعالى - وتعتبرها سجّادة، ومرة يردّ على معتقل يستفتيه بمن عذّبه في السجن ليشهد أنّ لا إله إلا بشار، فيردّ عليه: "لا تسألني عن النتيجة واسأل عن السبب، فلو لم تخرج على النظام الحاكم لما سجنت أصلاً"، وآخر إبداعاته أنّه وجد روسيا والصين أفضل عند الله من علماء المسلمين. فكيف لا يمعن الأسد بالقتل وسفك الدماء وقد وجد من يبرّر له جريمته ويزيّن له قبح عمله؟
الأولى اليوم أن نطلب رأس البوطي قبل رأس الأسد، لأنّه يرى فساد الحاكم ولا يدعو للخروج عليه، ويعرف بطلان ولايته أصلاً، ويصفها بأنّها "بيعة خالية من الشوائب". وقد اتّضح اليوم وضوحاً خالياً من الشوائب أنّ البوطي ما هو إلا أحد المتاجرين بالدين، علماء السلاطين، الذين جعلوا إلههم هواهم، وصدق من قال: "إنّ شرّ العلماء أقربهم إلى الأمراء".
طوبى للفتن.. فهي التي تعرّفنا صديقنا من عدونا، وتميز الخبيث من الطيب، وفي أشدّ أوقات الفتنة تشتدّ الحاجة إلى معين صاف نرده وننهل منه ونستمد منه النور الإيماني والرؤية الصالحة والقدوة الحسنة، وأهل الشام اليوم بأمس الحاجة لصوت أئمتهم الذين صدقوا الله ما عاهدوه عليه، والذين لا يخشون في الله لومة لائم، والذين يجاهدون بكلمة حق عند سلطان جائر.
فأين هم علماء الشام وأئمتها وماذا ننتظر منهم في هذه المحنة؟

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع