..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الشام المباركة

اللاذقية

ويكيبيديا

٢٢ ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 12317

اللاذقية
000.jpg

شـــــارك المادة

اللاذقية (باليونانية:Λαοδικεία نقحرة: لاوديكيا، باللاتينية: Laodicea ad Mare)
مدينة سوريّة، تعتبر الخامسة في الجمهورية من حيث عدد السكان، بعد دمشق وحلب وحمص وحماة، تقع على الساحل الشرقي البحر الأبيض المتوسط، ضمن شبه جزيرة بحرية على بعد حوالي 385 كم من الشمال الغربي للعاصمة دمشق وهي المنفذ الأول للبلاد على البحر المتوسط والحاضنة لأكبر مرافئها، ما أكسبها موقعًا تجاريًا فريدًا، وأغناها بالعديد من المرافق الحيوية والصناعية والتجاريّة؛ فضلاً عن ذلك فإن المدينة هي المركز الإداري لمحافظة اللاذقية.

 


أيضًا فإن المدينة تعتبر مركزًا سياحيًا هامًا لغناها بالمواقع الأثريّة التي يرقى بعضها إلى العصر الفنيقي، فضلاً عن المناخ المعتدل وتوفر خدمات الصناعة السياحية. كانت المنطقة التي تشغلها المدينة حاليًا مأهولة بالسكن البشري منذ العصر الحجري، وقد شهدت ازدهارًا فنيًا واقتصاديًا وثقافيًا نادرًا وظهرت من أوغاريت الأبحدية الأولى.
كما كانت مركزًا هامًا في العصرين السلوقي والروماني، إلا أن وقوعها قرب الحدود مع الإمبراطورية البيزنطيّة بعد الفتح الإسلامي، حولها لما يشبه دول الثغور، وأدى أيضًا إلى تراجع أهميتها ودورها، وما ساهم في تردي الوضع الكوارث الطبيعية والزلازل التي أصابتها، فضلاً عن الإهمال الإداري خصوصًا إبان الحكم العثماني؛ بيد أن المدينة قد أخذت أهميتها في التنامي منذ القرن العشرين، واستطاعت أن تصبح مركزًا تجاريًا وصناعيًا وثقافيًا وسياحيًا هامًا، حتى غدت مقصد حوالي نصف مليون زائر سنويًا.
تطور عدد سكان المدينة بشكل ملحوظ منذ بداية القرن العشرين بفضل تزايد أهميتها ونمو سوقها التجاري، ويبلغ عدد سكانها حسب إحصاءات 2009 650,558 نسمة.
وهي مدينة متنوعة طائفيًا فهناك مسلمون علويون ومسلمون سنيّون والمسيحيون أغلبهم يتبع طائفة الروم الأرثوذكس إلى جانب أقليات أخرى.
أما من الناحية العرقية فالعرب السوريون هم الأغلبية الساحقة مع وجود أقليات أرمنية وتركمانية.
أغلب سكان المدينة متعلمون وتبلغ نسبة الأمية في المحافظة 9% أي أقل من المعدل العام في سوريا. أما النشاط الاقتصادي للسكان فهو يبدأ من خدمات الاستيراد والتصدير ومن ثم الأعمال المرتبطة بالسياحة والصناعة حيث ينشط في المدينة عددٌ من الصناعات كالسجاد والألمنيوم والإسفلت وغيره. اختيرت قلعة صلاح الدين، على بعد 3 كم من المدينة، كواحدة من مواقع التراث العالمي، المحمي من قبل اليونيسكو.

أصل التسمية:
نعتت اللاذقية بعدد وافر من الأسماء، بتطور المراحل والحقب التاريخية التي مرت عليها، ففي أيام الفينيقيين أطلق عليها اسم "أوغاريت" لكونها الضاحية الجنوبية لمدينة أوغاريت الشهيرة، وكذلك "شمرا" وأقدم من هذين الاسمين "ياريموتا" الذي ظهر في مراسلات تل العمارنة، ثم حوّل الاسم إلى "راميتا" ومعناه "المرتفعة" وسماها الفيلسوف والمؤرخ فيلون "راماثوس" وهو اسم أحد الآلهة الفينيقية.
أما السكان المحليون دعوها "مزبدا" التي تعني في العربية "زبد البحر"، أما الإمبراطور جوستيان أطلق عليها اسم "تيودوريارس"، في حين أسماها الصليبيون "لاليش".
أما أكثر الأسماء شيوعًا، وهو الاسم المتداول إلى اليوم، هو الاسم الذي أطلقه عليها في القرن الرابع قبل الميلاد الإمبراطور سلوقس نيكاتور بعد أن جدد بنائها وهو "لاوديكيا" على اسم أمه، كما سمى أنطاكية على اسم والده أنطوخيوس، كما سمى أفاميا على اسم زوجته. ومن ثمّ حُرفت على نحو ما لتصبح "اللاذقية"، أما خلال العهد الروماني سماها يوليوس قيصر في القرن الأول قبل الميلاد "جوليا"، وسماها الإمبرطور سيبتيموس سيفيروس باسمه أي "سبيتما السافريّة" غير أن الأسماء الرومانية لم تنتشر وظلّت التسمية السلوقية هي الشائعة، وعندما قامت الدولة الأموية في دمشق أطلق عليها اسم "لاذقية الشام" تمييزًا لها من بين عدد من المدن يحمل الاسم نفسه، أما عن ألقابها فتوصف بكونها "عروس الساحل".
أما شعار المدينة، فقد تمّ اعتماده العام 1975 من قبل مجلس مدينة اللاذقية، وهو يمثل مرساة سفينة يحيط بها دلفينان، تعتبر نسخة لإحدى الآثار المكتشفة والتي تعود للقرن الثاني قبل الميلاد في المدينة، كذلك فهي تتواجد على عدد كبير من القطع النقدية التي تعود للفترة السلوقية، وتعتبر اللاذقية المدينة الوحيدة في الشرق الأوسط التي استعملت حيوان الدلفين كأحد رموزها ومن المدن القليلة في بلاد الشام التي لم تشتق اسمها من السريانية أو الآرامية.
أما المرساة أو الياطر فهو يشير إلى الملاحة عصب الحياة الاقتصادية في المدينة، وقد وضع اسم "لاذقية العرب" لكونه أحد الأسماء التي سميّت بها من قبل المسلمون عند دخولهم المدينة في القرن السابع، تمييزًا لها عن ثمانية مدن أخرى تحمل الاسم نفسه؛ وقد وضع هذا الشعار جبرائيل سعادة.

الموقع:
تقع اللاذقية ضمن شبه جزيرة طبيعية على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط في الشمال الغربي للجمهورية العربية السورية؛ يحد المدينة من الغرب البحر الأبيض المتوسط، ومن الشمال البحر أيضًا ثم منطقة دمسرخو التي باتت تعتبر من التوسع الطبيعي للمدينة، أما من الجنوب تحدها مجموعة من القرى والسهول الزراعيّة قبل أن تصل إلى مدينة جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية؛ أما من ناحية الشرق فتحدها سلسلة جبال اللاذقية المرتفعة، والتي تشكل حاجزًا طبيعيًا عن سهل الغاب.
ولكونها تقع ضمن شبه جزيرة، فتتخذ المدينة شكل مثلث، لكن التوسعات العمرانية بدءًا من النصف الثاني للقرن العشرين، أخذت من خلالها المدينة بالزحف نحو الداخل خارج شبه الجزيرة الطبيعية التي نشأت فيها؛ أما شاطئ المدينة يعتبر متنوعًا للغاية، فهو رملي في شمال المدينة، ثم يتحول إلى صخري في وسطها وجنوبها، ويعود رمليًا في ضواحيها الجنوبية، كمنطقة برج سلام مثلاً.
المناخ:
يعتبر مناخ المدينة مناخًا متوسطيًا معتدلاً، يتميز بأربع فصول واضحة فهناك الصيف الحار والجاف ومن ثم ربيع وخريف معتدلان وأخيرًا شتاء بارد وممطر؛ تبلغ درجات الحرارة ذروتها في شهري يوليو وأغسطس والأمر نفسه بالنسبة لدرجات الرطوبة، أما شهري يناير وفبراير فهما الأكثر برودة. ولا تتساقط الثلوج في المدينة، إلا أنها تتساقط بغزارة في المناطق القريبة منها والجبال المحيطة بها، كصلنفة.
لقد ساعد مناخ اللاذقية المعتدل، على أن تكون المناطق المحيطة بها مناطق زراعيّة بامتياز، فاشتهرت في العصور القديمة بريف خصب وغني خصوصًا بالحمضيات وكروم العنب التي منها كان يصنّع محليًا النبيذ اللاذقي ويصدر إلى اليونان ومصر، وقد اشتهر هذا النبيذ بجودته وشهرته، إلا أن صناعته تراجعت بشكل كبير، في أعقاب الفتح الإسلامي وأخذت زراعة الحمضيات تتوسع على حسابه، كذلك ظهرت زراعة التبغ في المدينة، وهي مستمرة حتى اليوم.
ما قبل التاريخ:
إحدى المواقع الأثرية في أوغاريت التي تقع 12 كم شمال المدينة.
في منطقة ستمرخو الواقعة على بعد 10 كم شرق المدينة حاليًا، اكتشفت آثار أقدم الإنسان العاقل خارج القارة الإفريقية وهي أدوات حجرية مصنوعة من الصوان على شكل فأس له قبضة مستديرة وحدان ورأس مدبب ترجع بتاريخها إلى مليون سنة تقريباًَ؛ كما اكتشفت آثار للإنسان العاقل تعود إلى سبعمائة ألف سنة في موقع الشيخ محمد وفي موقع بكسا، وهي أدوات تشبه أدوات موقع ستمرخو ولكنها أكثر تطوراً، وعثر في مواقع الشير والهنادي والخلالي على أدوات تعود إلى حوالي ثلاثمائة ألف سنة تتميز بدقة الصنع، كما تمّ الكشف في هذه المواقع على بقايا إنسان النياندرتال وآثار أخرى تعود إلى 35000 سنة وحتى 12000 سنة قبل الميلاد.
تدل المكتشفات الأثرية، أن الانتقال من مرحلة الجمع والالتقاط والصيد إلى مرحلة تدجين الحيوانات والزراعة، في منطقة اللاذقية الحالية، بدأ منذ الألف السابع قبل الميلاد، إذ كشفت التنقيبات الأثرية في رأس شمرا عن معالم قرية قديمة تعود للعصر الحجري الوسيط والعصر الحجري الحديث وأظهرت هذه الاكتشافات أن سكان القرية عرفوا تدجين الحيوان والزراعة وبناء البيوت من الحجارة والطين وأغصان الأشجار، كما أقاموا التحصينات واستخدموا الأواني الفخارية، وحسب كلود شيفر فإن دراسة الأدوات الأثرية التي اكتشفت في رأس الشمرا توحي بأن سكان المنطقة قد انحدروا من المنطقة الشمالية للهلال الخصيب، كما دلت المكتشفات على وجود اتصال تجاري مع مناطق في سوريا الشمالية.
أما في موقع تل سوكاس، دلت الاكتشافات الأثرية أن الحياة البشرية في الألف السادس قبل الميلاد، كانت قد تطورت بحيث صنع السكان مطاحن للحبوب من حجر البازلت وخبزوا أواني من الفخار والغضار، وقد عثر على خزف يعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد، عند مصب نهر السن.
إن الكُسر الفخارية المكتشفة على بعد ثلاث كليومترات إلى الشمال الشرقي المدينة، تعكس حياة مدنيّة راقية خلال العصر الحجري ومن أغلب نواحي الحياة البشرية السياسيّة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ كما أثببت هذه الحفريات منذ عام 1929 أن اللاذقية القديمة أو أوغاريت لا تزال بكاملها ترقد تحت التراب، وبتتابع عمليات الحفر والتنقيب اكتشفت أوغاريت التي كانت اللاذقية الحالية بمثابة ضاحيتها الجنوبية، وتربطها بها علاقات سياسية وتجارية.
قوام الحياة الاجتماعية والاقتصادية في تلك الفترة كان معتمدًا على الصيد البحري واصطياد الخنزير البري، فضلاً عن تدجين البقر والماعز، وكانت لهم حياة ثقافية نشطة، تمثلت بما عثر عليه من أرقم فخارية كتب عليها باللغة المسمارية؛ واستطاعوا خلال العصر البرونزي أي حوالي العام 3500 قبل الميلاد زراعة الزيتون والفستق واللوز والتين، فضلاً عن استحداث تنظيمات للفلاحين والعمال بما يشبه النقابات في أيامنا المعاصرة، لكن المدينة خلال هذه الفترة انحصرت في القسم الشمالي من تل رأس شمرا، وانقرض الوجود البشري في سائر أنحائها.
وبغضون نهاية العصر البرونزي حوالي العام 1600 قبل الميلاد أخذ الحوريون يفدون إلى المدينة حتى ظهرت جالية كبيرة منهم فيها؛ وتظهر الرُقم العائدة إلى تلك الحقبة، والتي اكتشف بعضها في إيبلا أو في العراق، أن للمدينة علاقات تجارية وسياسيّة واسعة مع مختلف الممالك كجزيرة كريت ومملكتي ماري وإيبلا القريبتين من نهر الفرات، ومصر حيث أهدى الفرعون لهذه المدينة ولملكها الهدايا الثمينة من تماثيل عاجية وتحف تحمل كتابات ورموز مصرية، منها عقد من اللؤلؤ يحمل قلادة نقش عليها اسم الملك سنوسرت الأول، ومنها تمثال للأميرة شنوميت زوجة الملك سنوسرت الثاني. وثمة تمثال يمثل كاهنًا.
وإلى جانب مصر، فإن أوغاريت كانت على علاقة جيدة مع قبرص ومع شواطئ بحر إيجه.
وقد تكون عمارة القصر الملكي المكتشف، والمخطوطات التي تظهر تصاميمه، أكبر دليل على الترف والقوة اللتان تمتعتا بهما المدينة؛ إن أحد الرقوم يذكر أن سطوة المدينة امتدت من جبل الأقرع شمالاً حتى مدينة بانياس جنوبًا وبلغ عدد سكانها خمسون ألفًا موزعين على مائتي قرية، أما أوغاريت العاصمة بلغ عدد سكانها ثمانية آلاف؛ وإلى جانب العاصمة الدائمة، كانت منطقة رأس ابن هاني نحو الشمال، تشكل المقر الصيفي للعائلة الحاكمة. وقد ظلّ ازدهار أوغاريت قائمًا في عهود أربعة ملوك هم: الملك نقمد الثاني وابنه أرخلب، وشقيقه نقمفيع، وفي عهد هذا الأخير حصلت معركة قادش حيث اصطدم الحثيون والمصريون في معركة، آثر خلالها الأوغارتيون الوقوف إلى جانب الحثيين، الجار الشمالي للمملكة، وتلى نقمفيع ابنه عميستر الثاني، ثم أبيران الثاني فحفيده نقمد الثالث وأخيرًا عمورافي آخر ملوك المدينة، إذ إنها قد دمرت بعدئذ، كسائر مدن الساحل السوري بسبب غزوات "شعوب البحر" حوالي العام 1182 قبل الميلاد.
المكتشفات الأثرية دلت أيضًا على وجود العديد من الطرقات المرصوفة، والدور والأبنية المزينة للسكن والمباني الإدارية والحكومية، ومكتبة فخمة في القصر الملكي، وهذا الأخير يتميز بكونه من أكبر قصور الشرق القديمة بمساحة عشرة آلاف متر يدافع عنه برجان ضخمان وقد طليت بعض جوانبه بالفضة؛ وبالنظر إلى الحياة الصناعية فإن المدينة اشتهرت بصناعة وبيع الأخشاب والمعادن والأواني المزحرفة والمنسوجات والأقمشة، وعصر الزيتون والقمح والشعير؛ وأما مينائها كان مركزًا مهمًا للتجارة، وقد امتدح الشاعر اليوناني هوميروس في الإلياذة الصناعات والأواني التي تصنع فيها وقال "لا توجد آنية أخرى تنافسها في جمالها".
وعلى الرغم مرور ما يقارب تسعون عامًا على اكتشاف المدينة، إلا أن عملية التنقيب لم تكشف حتى الآن سوى على ثلث المدينة، ولا يزال ثلثي المدينة بحاجة إلى كشف؛ إن صعوبة التنقيب في تلك المنطقة، تعرقل عملية الكشف عن سائر الآثار.
السلوقيون وازدهار المدينة:
إن شعوب البحر وهي على الأرجح يونانية العرق والتي دمرت أوغاريت وأفقدت اللاذقية استقلالها ورقيّها الحضاري السابق، حافظ على أهمية موقعها ومرفئها في التجارة الخارجية، وتعتبر هذه المرحلة التي امتدت ما يربو على قرن من الزمان من المراحل الغامضة في تاريخ المدينة، تلتها قرابة عام 1100 قبل الميلاد دخول بلاد الشام بشكل عام في حكم ممالك المدن والإمبراطوريات فسيطر عليها الأشوريون ثم البابليون في القرن السابع قبل الميلاد وأخيرًا الفرس بدءًا من القرن السادس قبل الميلاد، وحتى دخول الإسكندر المقدوني إلى سوريا ناقلاً إليها الثقافة اليونانية في القرن الرابع قبل الميلاد.
وطوال هذه الفترة، لم يكن للمدينة أهمية تذكر أو نشاطات أو فعاليات حفظها التاريخ لنا، باستثناء جعلها منفتحة على الثقافة الآرامية بدلاً من الحضارة الفينيقية التي اشتهرت بها منذ فجرها. لا تزال آثار الحضارة الآرامية ماثلة في المحافظة من خلال أسماء القرى المشتقة غالبًا من الآرامية أو السريانية بل وبعض المصطلحات في اللهجة الدارجة بين السكان، غير أن التطورات التاريخية اللاحقة جعلت المدينة منفتحة على الثقافة اليونانية ولم تكن الثقافة الآرامية هي المسيطرة كما هي الحال في أغلب مناطق الداخل، وذلك على وجه الخصوص، بدءًا من عام 333 قبل الميلاد، وهو العام الذي أصبحت به سوريا تابعة للإسكندر المقدوني بشكل رسمي.
وتدين اللاذقية بإعادة إعمارها إلى سلوقس الأول الذي خلف الإسكندر المقدوني في حكم سوريا مؤسسًا الإمبراطورية السلوقية؛ قام سلوقس الأول بتسوير المدينة وشق القنوات المائية لتنظيم تدفق المياه فيها، ورمم تصميمها بحيث تلائم التصميم اليوناني للمدن، كما قام بإعادة تأسيس مرفئها فعادت السفن اليونانية تستعمله بعد أن كان قد تحول إلى مرفأ للصيادين؛ ويقول الرحالة والجغرافي اليوناني سترابو أن اللاذقية خلال العصر السلوقي كانت من أكبر مدن ساحل البحر المتوسط وأجملها من حيث العمارة، ومرفئها ذو شهرة عالميّة، وهو أصل قوة اقتصاد المدينة التي طبعت في القرن الثاني قبل الميلاد نقودا باسمها.
كما ذكر بأنها محاطة بريف خصب غني بكروم العنب على وجه الخصوص التي يصنع منها النبيذ الفاخر ويصدر.
وعمومًا فلا تزال حتى اليوم تثمل في المدينة بعض آثار العهد السلوقي ممثلة ببقايا القنوات المائية وأطلال معبد باخوس إله الخمر عند الإغريق، ففي منطقة الصليبة لا تزال تنتصب أربعة أعمدة بشكل نصف مستطيل مع قوسها مزخرفة بأشكال نافرة من العنب تشير إلى كينونة البناء الأول؛ هناك أيضًا عدة أعمدة شبيهة بهذه، في منطقة الزراعة وفي ساحة أوغاريت وفي حارة العمود قرب الكورنيش الجنوبي، ويقال أن عمود هذه الأخيرة كان برجًا لأحد النسّاك العموديين، وربما يعود للقديس ألكسي.
كذلك فإن اسم اللاذقية الحديث، يدين لسلوقس الأول والذي أسماها لاوديكيا تكريمًا لوالدته، ومن ثم حرّف الاسم في المراحل اللاحقة إلى اللاذقية؛ لم يبن سلوقس الأول اللاذقية فحسب بل أنطاكية وأفاميا وسلوقية وعددًا آخر من المدن، وتدلّ المجريات التارخية أن المدينة ألفت مع هذه المدن نوعًا من الاتحاد، وأصدرت معهم عملة واحدة؛ وقد سمي هذا الاتحاد "الشقيقات الأربع"، أصيب السلوقيون أواخر أيامهم بالضعف ما فسح المجال أمام الملك دكران الأرمني احتلال بلاد الشام لفترة قصيرة من الزمن، ومن ثم آل حكم المدينة عام 64 قبل الميلاد إلى الإمبراطورية الرومانية.
العهد الروماني:
أصبحت سوريا بدءًا من العام 64 قبل الميلاد جزءًا من الإمبراطورية الرومانية بعد أن فتحها القائد الروماني بومبيوس الكبير مفوضًا من يوليوس قيصر الذي منحها عام 47 قبل الميلاد بضع امتيازات خاصة؛ لكن اندلاع النزاع بين قادة القيصر بعد مقتله وتنافسهم على السلطة أثر على المدينة بشكل سلبي، ففي عام 44 قبل الميلاد اندلع القتال بين كاسيوس ومنافسه دوبللا وقفت المدينة إلى جانب دوبللا، فحاصرها كاسيوس العام 43 قبل الميلاد، واستطاع احتلالها فدمر عددًا من مبانيها وأحرق أحياءً بكاملها انتقامًا.
لكن كاسيوس فقد المدينة بعد ثلاث سنوات فقط حين استطاع القائد مارك أنطونيو السيطرة عليها، ثم أعلنها مدينة معفاة من الضرائب نظرًا لأوضاعها الاقتصادية السيئة، وعندما أعجبه مناخها أقام فيها مدة من الزمن للاستجمام. وزارها عام 20 قبل الميلاد الإمبراطور أوكتافيان وأقام بها أيضًا. ومع مطلع القرن الأول كانت المدينة قد عادت إلى سابق عهدها، من حيث كونها مركزًا تجاريًا مزدهرًا وميناءً نشطًا للاستيراد والتصدير، وفي أواسط القرن الأول دخلتها المسيحية، وكان "لوقيوس" أو "لوقا" المذكور في سفر أعمال الرسل في الكتاب المقدس أول أساقفتها وهو أحد تلامذة بولس الرسول.
وتدل الآثار المسيحية التي تعود للحقبة الرومانية ومن ثم الحقبة البيزنطية، كدير الفاروس مثلاً أن المدينة كانت معقلاً قويًا للمسيحية في العهود المبكرة. وإلى جانب المسيحية وبقايا الوثنية، سكنت اللاذقية جالية يهودية كبيرة في القرنين الأول والثاني.
خلال القرن الثاني كانت المدينة تصدر الفضة والبرونز وتربطها علاقات تجارية قويّة مع أغلب مراكز حوض المتوسط التجارية، بيد أنه مع نهاية هذه المرحلة في عام 193 استعر الخلاف بين سبتيموس سيفيروس وبيسينيوس نيجر حول عرش روما؛ استطاع نيجر احتلال اللاذقية وتخريبها لكن سيفيروس الذي سيغدو الإمبراطور الروماني، هزم نيجر في معركة إيسوس، وأمر بإعادة بنهائها، وأمر أن يخلد انتصاره فيها من خلال بناء قوس النصر الذي لا يزال ماثلاً حتى الآن، جاعلاً إياه مركز المدينة إذ تفرع من القوس شارعان متصالبان كمحورين للمدينة، كما قام بتوسعة المرفأ، ومنحها لقب "متروبوليت" أي "مدينة رئيسية"، ثم أمر بتقديم هبة سنوية من الحنطة لها وأمر أيضًا بتوسعة شوارعها. ويعود للفترة ذاتها بناء المدرج الروماني في جبلة القريبة منها. في القرن الثالث دخلت اللاذقية ضمن حدود مملكة تدمر في عهد ملكتها زنوبيا، غير أن عهد الاستقلال هذا سرعان ما تبدد مع عودة الرومان عام 297 وتدميرهم المملكة خلال عهد الإمبراطور تراجان.
في عام 395 قسمت الإمبراطورية الرومانية وكانت اللاذقية من نصيب الإمبراطورية البيزنطية أو "الإمبراطورية الرومانية الشرقية"، وأدمجت ضمن مقاطعة إدارية أطلق عليها اسم "سوريا الكبرى" كانت عاصمتها أنطاكية.وسيكون للمدينة تاريخ سيء خلال هذه المرحلة مع الكوارث الطبيعية خصوصًا الزلازل، إذ أصابتها ثلاث زلازل مدمرة أعوام 494 ثم 529 و555، كان أقساها الذي وقع في 2 يناير 529 وأدى إلى مقتل سبعة آلاف وخمسمائة من سكانها وتدمير أجزاء كبيرة منها، ما اضطر الإمبراطور جستينان إلى إعفائها من الضرائب لمدة ثلاث سنوات وتقديم مساعدات من روما لإعادة إعمار ما تهدم منها وإرسال معونة "حنطة" سنوية لسكانها، كما استحدث ولاية جديدة أسماها تيودوريارس، كان مركزها اللاذقية وألحق بها كل من جبلة وبانياس وسائر الساحل السوري.
الممالك الإسلامية:
استطاع القائد المسلم عبادة بن الصامت فتح اللاذقية عام 637 سلمًا دون قتال كأغلب المدن الشاميّة، وضمت المدينة إلى ولاية حمص، غير أنها عادت إلى حكم البيزنطيين عام 705 من خلال المردة الذين سيطروا على المنطقة الممتدة بين جبل الأقرع شمالها وحدود فلسطين وبعد أن خرجوا منها من خلال اتفاق بين الإمبراطور والخليفة الوليد بن عبد الملك، أعادوا الكرة عليها في عام 718 ودمرّوا القسم الأكبر من عمرانها، فأمر عمر بن عبد العزيز بإعادة بنائها وتسويرها.. بيد أنه ولكونها واقعة على الحدود فقدت أهميتها التجارية والاقتصادية وانزوت أخبارها حتى نكاد لا نعرف من أخبارها في القرن الثامن والقرن التاسع إلا النزر اليسير. في عام 809 تعرضت المدينة لزلزال أتى على أغلب عمرانها؛ ومع قيام الدولة التنوخية التي شملت حدودها جميع الساحل الشامي والمناطق الداخلية حتى معرة النعمان زارها وسكن بها عدد من رجال الدولة والأمراء، وزارها الشاعر أبو الطيب المتنبي وكانت ذات علاقة طيبة مع الدولة الحمدانية في حلب. سيطر البيزنطيون على المدينة عام 970 للمرة الثالثة منذ دخولها في حدود الممالك الإسلامية واستطاع الفاطميون استعادتها عام 980 والقضاء على الحامية البيزنطية الكبيرة فيها. عاد التنوخيون لحكم اللاذقية مع بداية القرن الحادي عشر وعندما استنجد الخليفة القائم بأمر الله بالسلاجقة لردع البويهيين في بلاد فارس عام 1055 ثم استطاعوا تأسيس دولتهم فتحوا المدينة عام 1086 وقضوا على الأمراء التنوخيين رغم مساندة هؤلاء للسلاجقة في حروبهم ضد البويهيين، وكانت اللاذقية قد خضعت عام 1074 للحكم البيزنطي لفترة وجيزة. حكم السلاجقة لم يطل في المدينة إذ خرجوا منها نهائيًا مع قدوم جحافل الصليبيين.
بدأ الصليبيون غارتهم على اللاذقية يوم 17 أغسطس 1097 وكانت غارة بحرية قادمة من قبرص ومكونة من ثمان وعشرين سفينة، وغدت المدينة مسرحًا للخلافات بين الأمراء أنفسهم والإمبراطورية البيزنطية حول أحقية حكمها خصوصًا أن البيزنطيين احتلوا بانياس على مقربة منها نحو الجنوب ثم سيطروا على المدينة نفسها، في عام 1099 قام بوهيموند الأول بحصار المدينة وبعده بعدة أشهر قام عمّه تانكرد بفتح اللاذقية وإجلاء البيزنطيين عنها واستمرّ الحصار حولها ثمانية عشر شهرًا ولم ينته حتى عام 1103.

مرفأ اللاذقية
مطالبة البيزنطيين بالمدينة وغاراتهم عليها لم تتوقف واستطاعوا احتلالها لفترات قصيرة غير أنهم لم يتمكنوا أبدًا من احتلال قلعتها، انتهى الصراع على المدينة عام 1108 حين توصل أمراء أنطاكية وطرابلس والإمبراطور البيزنطي إلى اتفاق يقضي بفصل منطقة اللاذقية إلى قسمين الشمالي منه يتبع إمارة أنطاكية ويشمل المسافة الواقعة بين أنطاكية وبانياس ومن ضمنها المدينة، على أن يكون ما هو جنوب بانياس من نصيب إمارة طرابلس، وتم إرضاء الإمبراطور بمنحه حق التجارة البحرية فيها وفي مينائها لقاء خدمات جيش أنطاكية له.
دعيت اللاذقية لاليش وقسّمت على ثلاث مناطق، وبنى الصليبيون فيها ثلاث قلاع وسور كبير لتحصينها لم يبق من هذه الآثار اليوم سوى بعض الأطلال، كذلك فقد اعتنوا بمرفئها ورصفوه بالحجارة البيضاء، واستوطنوا في بعض أحيائها غير أن تركيبتها السكانية لم تتغير فظلّت غالبية السكان من المسلمين مع أقلية من الروم الأرثوذكس إضافة إلى الوافدين الفرنجة.
في عام 1126 كانت المدينة جزءًا من مهر الأميرة أليس ابنة بالدوين الثاني ملك القدس، وقد تبرعت الأميرة بعدد من الأبنية للإسبتارية فغدت المدينة القاعدة الرئيسية لهم في الساحل السوري.
هاجم عماد الدين زنكي عام 1136 المدينة وقتل سبعة آلاف من ساكنيها وأسر عددًا من جنود حاميتها، أعاد نور الدين زنكي الكرة عام 1171، كما أصيبت المدينة بزلزالين مدمرين عامي 1157 و1170.
وعلى الرغم من كون مرحلة الحروب الصليبية مرحلة حروب مستمرة، إلا أن اللاذقية قد غدت خلالها مركزًا تجاريًا هامًا خصوصًا مع إيطاليا، ودخلت العديد من المفردات الإيطالية إلى اللهجة المحكية في المدينة، وغدا اسمها مدينة التجار، لكثرة التجار والأعمال التجارية التي قامت بها خلال هذه الحقبة.
في عام 23 يوليو 1188 استرجع صلاح الدين الأيوبي المدينة بعد حصار دام شهرًا، وسلّم شؤون إدارتها إلى ابن أخيه الملك المظفّر تقي الدين عمر؛ وبعيد وفاة صلاح الدين عام 1192 دبّ الخلاف بين أولاده السبعة عشر حول ورثة أبيهم وأصبحت اللاذقية إثر ذلك ومنذ عام 1193 تحت حكم الملك الظاهر غياث الدين الغازي ثم آلت لحكم الملك الظاهر عام 1197 ثالث أبناء صلاح الدين وملك حلب؛ وهو من أمر أن يبنى فيها عام 1211 الجامع الكبير الذي لا يزال شاهدًا على تلك الحقبة حتى أيامنا هذه؛ وفي عام 1123 سيطر الصليبيون على المدينة من جديد وطردوا الأيوبيين منها.
في 22 مارس 1287 أصيبت المدينة بزلزال عنيف دمّر أغلب مبانيها وخزانات مرفئها فاستغل الناصر قلاوون ذلك لفتحها، وتم له ذلك في 20 أبريل 1287، فدخلت المدينة ضمن حدود دولة المماليك.
وقد جنبها وجودها تحت الحكم الصليبي خلال منتصف القرن الثالث عشر الاجتياح المغولي الذي دمّر بغداد وحلب ودمشق وعددًا من المدن الشاميّة الأخرى.
خلال الحكم المملوكي ألحقت اللاذقية بنيابة طرابلس التي استحدثت العام 1289 وكانت تشمل الساحلين السوري واللبناني وقسمًا من الساحل الفلسطيني حتى عكا، وكان يرأس كل نيابة نائب السلطان الذي هو أشبه بسلطان مصغر.
في عام 1324 حاصرها الصليبيون من جديد قادمين من قبرص إلا أنهم فشلوا في احتلالها رغم تهديم عدد من مرافقها الهامة، وستنتظر المدينة قرنًا ونصف من الزمان أي حتى عام 1477 ليزورها السلطان أبو النصر الأشرف قايتباي فوجد أن بعض أبنيتها لا يزال متهدمًا فأمر بترميمها، وكذلك شيّد فيها الحمامات العامة والجامع المنصوري والمدرسة الخاصة بتعليم الصوفية، كما أمر بتوسعة المرفأ فأصبح يتسع لسبعة سفن في آن واحد. حسب ما أثر عن الرحالة، فإن المدينة كانت حينها تعاني من الجفاف وأن ذلك أدى إلى اختفاء الأشجار منها واستعمال الصهاريج في عمليات الري؛ وأخيرًا دخلت المدينة ضمن حدود الدولة العثمانية سلمًا عام 1516 في أعقاب معركة مرج دابق.
العهد العثماني:
كانت المدينة تتبع ولاية طرابلس العثمانية ثم ولاية بيروت، ودخلت ضمن حدود إمارة فخر الدين المعني الثاني العام 1606، فشهدت نوعًا من الانتعاش الاقتصادي كان قد بدأ أواخر القرن السادس عشر، عندما قام الأمير علاء الدين بتشييد عدد من الخانات والمساجد والحمامات العامة فيها؛ لكن حكم فخر الدين لن يستمر طويلاً، وعادة المدينة إلى الحكم العثماني المباشر بعد زوال الدولة المعنية عام 1635.
وعندما ربطت الامبراطورية العثمانية نفسها مع الأوروبيين بمعاهدات اقتصاديّة، حولت أسواق الامبراطورية إلى مكان لتصريف المنتجات الأوروبية، كانت اللاذقية ضمن ضحايا تلك السياسة فأسس الأوروبيون أول متجر لهم في المدينة العام 1688، وعندما أصبح أرسلان باشا وليًا على طرابلس في الهزيع الأخير من القرن السابع عشر، عهد شؤون الولاية الشمالية إلى أخيه قبلان مطرجي، الذي نقل مركز الإمارة الشمالية من جبلة إلى اللاذقية، فساعد ذلك بنمو المدينة، التي شهدت العام 1712 هجومًا من القراصنة على سواحلها، فأسروا عددًا من أبنائها وباعوهم كرقيق في الجزائر.


ومن المعروف أنه وحتى العام 1724 لم يكن في المدينة أية مدرسة ابتدائية أو ثانوية، إنما كان العلم مقتصرًا فقط على الكتاتيب في المساجد، حيث يقتصر التعليم على القراءة والكتابة ومبادئ الحساب.
في عام 1737 ثارت المدينة على حاكمها ياسين بيك ابن إبراهيم العظم، وبدءًا من عام 1744 أخذ اقتصاد المدينة بالانتعاش بسبب تصدير التبغ وقد اشتهر في مصر وأوروبا "التبغ اللاذقاني" وغدا ذو شهرة واسعة على ما نقله الرحالة الفرنسي فولينه والذي كتب أن عشرين سفينة فرنسية سنويًا كانت تأتي لنقل التبغ اللاذقاني نحو الغرب.
وفي عام 1759 أصيبت المدينة بوباء الطاعون الذي أتى على آلاف من سكانها؛ وكذلك فقد كان للمدينة موعد مع الزلازل الكبيرة أعوام 1796 و1811 و1822، وقد تناقل الأهالي هذه الأحداث بواسطة الذاكرة الشعبية، ومن الشائع أن هذه الزلازل قد سببت انشقاق الأرض وانقلاب أحياء بكاملها.
في عام 1726 تمت إعادة بناء الجامع الجديد الذي لا يزال قائمًا إلى اليوم بأمر من والي طرابلس، وكذلك شهد عام 1721 ترميم عدد كبير من مساجد المدينة وكذلك كنيستين من كنائسها.
في العام 1825 بني مسجد السوق وفي عام 1832 دخلت المدينة ضمن حكم إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا ورغم أن حكمه للمدينة لم يستمر لعشرة سنوات متواصلة إلا أنه أبدى اهتمامًا خاصًا بها، فأقام بها ثكنة عسكرية وعيّن عليها مديرًا مرتبطًا به مباشرة، وبعد خروج الحكم المصري وعودة المدينة إلى حضن العثمانيين أعلنتها الحكومة قائممقامية عام 1834 وقسّمت القائممقامية إلى أربعة أقضية يرأس كل قضاء مدير، وقد تبعت لوالي طرابلس، في عام 1874 أسس تجار المدينة شركة "مؤسسة تبغ اللاذقية" وأعلنت الدولة العثمانية حصر التبغ في المدينة، ثم أسست "خان الدخان" عام 1892 ليكون مقرًا للشركة، وقد غدا الخان مقر الحاكم العسكري الفرنسي ثم متحف المدينة الوطني بعد الاستقلال.
وباء الكوليرا:
أصيبت المدينة بوباء الكوليرا أو ما كان يعرف وقتذاك الهواء الأصفر العام 1848، لكن الأوضاع أخذت تتحسن بعد ذلك، فأنشئت مدارس ابتدائية وإعدادية في المدينة عام 1859، ودخلها الهاتف عام 1862 والتلغراف عام 1863 من خلال ربطها مع كل من طرابلس وحلب واسطنبول. ثم تمّ توسيع السوق عام 1865، وربطت المدينة مع قبرص هاتفيًا من خلال سلك تحت الماء عام 1872، ما أوجب وجود مترجمين في مراكز البريد والتلغراف فيها، وباستثناء انتقال أحداث فتنة 1860 بين المسيحيين والمسلمين إليها، فلا يوجد ما يعكّر صفو النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
يذكر التاريخ أن سكان المدينة قد عاشوا أربعين يومًا في الحقول والعراء إثر تخوفهم من زلزال كاذب في مارس 1872 ثم في أبريل من العام نفسه، لكن شيءًا لم يحدث، وإنما الذي حدث، هو انتشار وباء الكوليرا من جديد عام 1875 حتى اضطر سكان المدينة لهجرانها نحو القرى المجاورة خوفًا من العدوى أو الموت، إذ إن عدد حالات الوفاة اليومية قدرت بثلاث إلى خمس حالات.
شهدت المدينة أول إحصاء سكاني عام 1880، أظهر أن عدد سكانها حوالي العشرة آلاف نسمة، ثم شهد عام 1893 إحصاءً ثانيًا أظهر أن عدد سكانها قد ارتفع إلى اثنين وعشرين ألف نسمة، وشهد عام 1895 افتتاح أول مدرسة ثانوية في المدينة؛ وحوّلت المدينة إلى متصرفية عام 1908 إثر انقلاب حزب الاتحاد والترقي.
ومع بداية القرن العشرين، أطلقت في المدينة أول صحيفة منها كانت تدعى "اللاذقية" تلتها صحيفة "المنتخب" عام 1910 و"أبو النوّاس" عام 1911، أما آخر حاكم عثماني على اللاذقية فهو رشيد بك طليع، إذ احتلت خلال متصرفيته اللاذقية الجيوش الفرنسية وذلك في 5 نوفمبر 1918.
التاريخ الحديث:
بعد خروج العثمانيين خضعت المدينة للحكم الفرنسي المباشر، ورغم أنها شكليًا اعتبرت جزءًا من المملكة السورية العربية في دمشق ومثلت في مجلسها النيابي بستة مقاعد إلا أن سلطة المملكة لم تكن متواجدة على أرض الواقع.
دولة العلويين:
بعد سنتين وإثر سقوط المملكة السورية وقيام الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان أعلن الجنرال هنري غورو في 31 أغسطس 1920 ميلاد "دولة العلويين" ومن ثم حوّل اسمها إلى "حكومة اللاذقية" مع وضعها تحت الإدارة المباشرة لفرنسا؛ كانت مساحة هذه الدولة 7000 كم2 وعدد سكانها 300,000 نسمة، وهي تشمل إضافة إلى اللاذقية الأقضية التي كانت تابعة لها زمن العثمانيين أي الحفة وجبلة وبانياس وما فصل عما كان سابقًا تابعًا لطرابلس أي تلكلخ وصافيتا وطرطوس وجزيرة أرواد، لكي يتناسب الاسم بشكل أكبر مع المضمون فصل لواء جسر الشغور عن حلب ولواء مصياف عن حماه لكونها ذوي غالبية علويّة وألحقا بالدولة التي لم تشمل لواء إسكندرون رغم أنها ذات غالبية عربية بسبب مطالب تركيا بحكمها.
ظلّت الدولة تحكم بشكل مباشر من قبل فرنسا ولم يوضع لها دستور محدد، غير أن الحاكم الفرنسي الجنرال نيجر أنشأ مجلسًا تمثيليًا له صلاحيات المجلس النيابي مكون من سبعة عشر عضوًا عشرة منهم علويين وثلاثة سنّة وثلاثة مسيحيين وإسماعيلي واحد، في الدولة الأولى للمجلس التمثيلي عيّنت فرنسا جميع النوّاب وفي الدورات اللاحقة عيّنت الثلث وانتخبت الثلثان.
في 28 يونيو 1922 أعلن هنري غورو ميلاد "الاتحاد السوري" بين حكومات دمشق وحلب واللاذقية بعد أن لمس عدم رغبة الشعب بالانقسام وعيّن المفوض الفرنسي مجلسًا تأسيسيًا من خمسة عشر عضوًا خمسة أعضاء عن كل دولة مهمتها انتخاب رئيس الدولة والإشراف على عمل الوزارة التي سيشكلها وقد مثّل مدينة اللاذقية في المجلس اسحق نصري وعبد الواحد هارون،
وفي 5 ديسمبر 1924 أعلن الجنرال غورو حل الاتحاد وإقامة الوحدة بين حكومتي دمشق وحلب فقط مع بقاء حكومة اللاذقية مستقلة، وبعد حوالي الشهرين في 15 يناير 1925 عيّن الجنرال سراي مفوضًا ساميًا وصرح في 19 يناير أن أبناء الدولة السورية كذلك حكومتي اللاذقية وجبل العرب هم من وجهة النظر الخارجية من "التابعية السوريّة"، جاء تصريحه في أعقاب تصاعد الطلبات المنددة بالانفصال ومن أبرزها "حزب الاستقلال"، وعلى أرض الواقع فإن أحدًا لم يؤيد حكومة اللاذقية المستفة ل عدا بضع زعماء عشائر علويّة، بينما وقف أغلب الشعب بجميع أطيافه ضدها، ويذكر في هذا الصدد صالح العلي وأنصاره الذين قادوا ثورة مسلحة ضد فرنسا لمدة أربع أعوام وهم علويون.
أخيرًا في 5 ديسمبر 1936 أعلنت حكومة اللاذقية إلى سوريا مع احتفاظها باستقلالها المالي والإداري، ثم قرر نواب المحافظة التخلي عن هذا الاستقالا المالي والإداري، وأصدرت الحكومة برئاسة جميل مردم بك خلال رئاسة هاشم الأتاسي قرارًا بتعيين مظهر أرسلان أحد أركان "الكتلة الوطنية" كأول محافظ على المدينة بدلاً من الحاكم الفرنسي شلوفر الذي تحّول لقبه إلى المفوّض السامي فيها.
إثر إيقاف فرنسا لمفاعيل المعاهدة السوريّة - الفرنسيّة الناظمة لشؤون الانتداب والتي تنصّ على الاستقلال الداخلي، أعادت فرنسا استقلال حكومة اللاذقيّة، وعمّت الإضرابات والعصيان المدني في 6 فبراير 1939 ثم في يونيو 1939، وعادت المفاوضات مع فرنسا حول الوحدة وأخيرًا أعيدت الوحدة مع إعلان استقلال سوريا في 20 ديسمبر1942، ثم زارها في 19 مارس وحتى 23 مارس 1944 الرئيس شكري القوتلي، ليكون أول رئيس يزور المدينة في التاريخ الحديث وأول حاكم لسوريا يزورها منذ أن زارها السلطان الأشرف في القرن الثالث عشر. غير أن المظاهرات خلال تلك الفترة تركزت حول موضوع جلاء الجيش الفرنسي عن سوريا وفي 5 يوليو 1945 اندلعت احتجاجات مسلّحة ضد الوجود الفرنسي في المدينة أدت إلى مقتل عشرين شخصًا وجرح حوالي السبعين،
في 21 يوليو 1945 قرر مجلس المدينة إعادة تسمية الشوارع بأسماء عربية بدلاً من أسمائها الفرنسية والعثمانية وهي الأسماء التي لا تزال مستعملة حتى اليوم، وقد أدّت الثورة إلى جلاء جزئي للجيش الفرنسي عن المدينة في 5 أغسطس 1945 ثم جلاؤه الكامل في 21 مارس 1946، وقد استكملت سوريا جلاء القوات الفرنسية عن أراضيها في 17 أبريل 1946.

أما عن وضع المدينة بعد الاستقلال، فقد صدر مرسوم تأسيس شركة مرفأ اللاذقية العام 1950 ووسّع عامي 1956 و1975، ما ساهم في جذب رؤوس الأموال وزيادة عدد سكان المدينة، حتى بلغ 45000 نسمة العام 1948، واضطرت الحكومة لحفر آبار ارتوازية لتأمين مياه الشرب مع تزايد عدد السكان، وذلك عامي 1953 و1963 ثم أنشأ سد نهر السن الذي يأمن مياه المدينة حتى اليوم العام 1971؛ وبنتيجة توسعها شملت المدينة العديد من القرى التي كانت تعتبر خارجة عن حدودها الإدارية في السابق كالقنينص والبساتين، وفصلت عنها محافظة طرطوس العام 1966؛ ثم صدر مرسوم تأسيس جامعة تشرين الحكومية عام 1971 وبدأ الدوام فيها عام 1983، كذلك فقد تم ربطها بدءًا من 16 نوفمبر 1975 بأطول خط سكة حديد في سوريا يتجه من دمشق نحو حمص واللاذقية فالقامشلي، ووضع عام 1950 أول مخطط تنظيمي للمدينة عدّل ثلاث مرّات خلال عقد الستينات لوحده بنتيجة تطور المدينة وزيادة مشاريعها العمرانية والتجارية.
من ناحية الحروب والمعارك، فقد نشبت قبالة شواطئ المدينة معركة اللاذقية البحرية بين الجيش السوري والجيش الإسرائيلي عام 1973، والتي أفضت لغرق خمسة سفن حربية سوريّة.
سكان المدينة:
بالنسبة للتوزع العرقي والإثني للسكان، فغالبية السكّان من العرب السوريين إلى جانب وجود نسب قليلة من المجموعات العرقية كالتركمان والأكراد والسريان والأرمن التي يبلغ عدد أفرادها، هناك أيضًا مجموعة صغيرة من ذوي الأصول اليونانية. في أعقاب حرب 1948 أقيم في المدينة وحتى اليوم مخيم للاجئين الفلسطينيين تشرف عليه وكالة غوث اللاجئين وهو من المخيمات الصغيرة الحجم ويبلغ عدد قاطنيه 6,500 وهي يعتبر من المخيمات غير الشرعيّة أقيم بحكم الأمر الواقع عام 1956 وأغلب قاطنيه تعود أصولهم ليافا والجليل، وبنتيجة توسعات المدينة فقد غدا المخيم جزءًا منها غير أنه لا يزال ذو حدود واضحة.
يتكلم السكّان اللغة العربية وفق اللهجات الشامية وتتخصص المدينة بنوع من اللهجة الشامية هو اللهجة الساحلية، عمومًا فإن انتشار هذه اللهجة يرتكز بشكل مكثّف في بعض المناطق كحي الصليبة، وترتكز اللهجة بمطّ الألف أو قلبها واوًا في بعض الألفاظ.
شهدت اللاذقية ازدهارًا ديموغرافيًا كبيرًا ونموًا سكانيًا مطردًا منذ بداية القرن العشرين وتسارع النمو السكاني في أواسط القرن بسبب تزايد أهمية المدينة وتوسع سوق علمها؛ شكلت الهجرة من الريف عماد التوسع؛ ولايزال حتى يومنا هذا قسم كبير من سكان المدينة قيودهم في سجلات الدولة الرسمية في القرى والبلدات المحيطة باللاذقية؛ إن هذا من شأنه أن يعيق عمليات الإحصاء السكاني أو وضع عدد دقيق للسكان أو نسب محددة لتوجهاتهم.
هناك ظاهرة لافتة في الساحل السوري من ناحية انتشار العمران، إن من ينظر من نافذة طائرة محلقة فوق المناطق الساحلية في سوريا، سوف يدهشه منظر انتشار العمران، حتى ليكاد يتخيل نفسه أمام مدينة واحدة لا مدن متناثرة متباعدة عن بعضها البعض. هنا تحولت المدن إلى مراكز أخطبوطية، وذلك من جراء انتشار العمران على طول الطرق الممتدة منها إلى الريف. فكل مدينة في الساحل السوري أصبحت تتكون من مركز (جسم الأخطبوط) وأذرع ممتدة خارجها باتجاه الريف، وتنطبق الظاهرة نفسها على التجمعات السكانية في الريف من القرى والبلدات. هذه الظاهرة سوف تستمر في المدى الاستشرافي، بحيث تتشكل ما يمكن تسميته بالمدن المنتشرة، بدلاً من المدن المجمعة، وسوف يتغير مفهوم المدينة كثيرًا في المستقبل، في الساحل السوري، بحيث يتحول الساحل كله إلى مدينة، تشكل حقول الريف حدائقها.

الديانة:
يشكل المسلمون أغلبية سكان المدينة وتترواح نسبتهم بين 82 إلى 88% من مجموع السكان، المدينة بحد ذاتها ذات غالبية سنيّة بينما محيطها وتوسعاتها ذات غالبيّة علويّة، أما في مدينة اللاذقية فيشكل المسلمون السنة ما بين 57%-59% والمسلمون العلويون بين 24%-26% والمسيحيون بين 13%-15%، أما محافطة اللاذقية بحسب رأي إيفان مانحيم أحد الباحثين الإمريكيين فإنه مع التقريب تبلغ نسب التوزع الطائفي فيها، 70% للطائفة العلويّة، بينما المسيحيون 14% والسنّة 12% حيث يتركز السنة عند الساحل والعلوية في الجبال أما سائر الأقليات الإسلامية كالإسماعيليين فحوالي 2%. والإحصاء الوحيد الذي لحظ التوزع الطائفي يعود لعام 1932 وهو يشمل دولة اللاذقية برمتها. تؤدي الفرق الإسلامية شعائر العبادة في المساجد نفسها في المناطق المختلطة، وبغض النظر عن بعض التشنج في الخطاب الطائفي الذي رافق الاحتجاجات السورية 2011 فإن المدينة لا تعاني من توتر طائفي.

مسجد عمار بن ياسر في اللاذقية

أهم المعالم الإسلامية في المدينة تتمثل بالمساجد القديمة التي ترقى للحقبتين المملوكية والعثمانية، كمسجد أرسلان باشا الذي بني بأمر من والي بغداد عام 1650، والمسجد الجديد الذي يحاكي نوعًا ما في بناءه بناء المسجد الأموي في دمشق ويرقى تاريخ بناءه إلى عام 1724، وهناك أيضًا الجامع الكبير، الذي يعتبر أقدم مساجد الساحل السوري ويرقى تاريخه لحوالي العام 1370؛ وإلى جانب المساجد القديمة هناك المساجد المبنية على طراز معماري حديث كجامع الجود وجامع العجان وجامع ياسين؛ كما تحوي المدينة، مدرسة شرعية ومعهدًا لتحفيظ القرآن، فضلاً عن عدد من المقامات كمقام أبي الدرداء والإمام البطرني، الذي أزيل مع توسيع المرفأ.

شكلت اللاذقية ومنذ القرون الأولى مركزًا هامًا للمسيحية، وتعود أقدم الكنائس المكتشفة إلى القرن الثالث، في حين أن المسيحية في سوريا الداخلية لم تصبح دين السكان حتى أواخر القرن الرابع.
وبطبيعة علاقاتها التجارية مع اليونان فقد طغى المذهب البيزنطي الأنطاكي عليها، على عكس سوريا الداخلية خصوصًا في أريافها حيث انتشر الطقس السرياني، لكن للطقس السرياني وجوده التاريخي في المدينة إذ يذكر التاريخ رسامة أسقف من كنيسة السريان الأرثوذكس عام 578.
وتختلف النسبة التقريبية للمسيحيين في اللاذقية وهي تتراوح بين 12 إلى 18% من مجموع السكان، يأت في مقدمهتهم الروم الأرثوذكس الإنطاكيون وهم يشكلون غالبية ساحقة من مسيحيْ المدينة، يليهم الموارنة والأرمن الأرثوذكس رغم أن أغلب نفوسهم في بلدة كسب الواقعة على الحدود مع تركيا، إلا أن قسمًا كبيرًا منهم يقيم في المدينة بشكل دائم. تاريخ الأرمن في المدينة يرقى للقرون الوسطى، أي قبل النزوح الأرمني العام 1915، إذ كان للأرمن كنيسة وفندق في اللاذقية في القرن الرابع عشر، محولين المدينة إلى مركز في طريق الحج إلى القدس. هناك أيضًا عدد من اللاتين ويتبع لهم أيضًا عدد من العائلات السريانية الكاثوليكية والأرمنية الكاثوليكية، إذ إن أبناء هاتين الطائفتين لا كنائس لهم بسبب قلة عددهم؛ هناك أيضًا عدد قليل من الروم الكاثوليك والإنجيليين موزعين على ثلاث كنائس معمدانية وكنيسة لوثرية.
المدينة هي أيضًا مركز لعدد من الأبرشيات المسيحية، ومن المعروف أن مجمع نيقية عام 325 اعتبر اللاذقية أسقفية قائمة بحد ذاتها؛ أقدم الأبرشيات هي أبرشية الروم الأرثوذكس، ثم الأبرشية المارونيّة التي استحدثت عام 1736 وكان كرسيّها في طرابلس ثم قسمت الأبرشية إلى أبرشية طرابلس وأبرشية اللاذقية ومركزها طرطوس عام 1979؛ أما أبرشية الروم الملكيين الكاثوليك فقد أنشئت العام 1964 وكان كرسيّها حتى عام 2000 في مرمريتا، في حين أن الرومان الكاثوليك المدينة يتبعون لأسقف حلب. أبرز معالم المدينة المسيحية هي كنيسة القديسة تقلا التي أعيد اكتشافها عام 1999 وترقى إلى القرن الرابع، وكنيسة القديس نيقولاوس تعود للقرن الخامس، وكنيسة قلب يسوع الأقدس للاتين التي بنيت العام 1933 ويطغى عليها الطابع المعماري لعصر النهضة الأوروبيّة، في حين أن كنيسة الأرمن أو كما يطلقون عليها اسم "كيدون الأرمن" فهي تحوي على نقوش وأشكال نافرة تعود للقرن الثالث عشر.

من المعروف أنه وحتى العام 1948 كان يقطن في المدينة مجموعة يهودية تقدر ببضع المئات، إلا أنها أصغر بكثير من الجاليات التي كانت تقيم في دمشق أو حلب أو القامشلي والتي تقدر بالآلاف، بيد أن هذه المجموعة من المواطنين كان لها علاقاتها التجارية واستثمارتها الخاصة وكنيس خاص بها، حتى دعي أحد أحياء مدينة اللاذقية باسم "حي اليهود"؛ إلا أن عددًا كبيرًا من هؤلاء هاجر لدى قيام دولة إسرائيل ولحقهم قسم أكبر إثر حرب الأيام الستة عام 1967 وانتشار اللغط بين اليهود والصهيونية؛ وقد اختفى اليوم الوجود اليهودي من المدينة، ولم يبق منه سوى اسم "حي اليهود"؛ وهذا ما حصل مع جميع الجاليات اليهودية في سوريا أيضًا.
اللاذقية الرسمية:
لكونها مركز محافظة، فإن جميع وزارات الدولة وهيئاتها تمثل بمديريات عامة في المدينة، هناك أيضًا عدة ثكنات على أطرافها تتبع لوزارة الدفاع ومقرّات للجمعيات والهيئات الحكومية كهيئة دعم تنظم الأسرة؛ كذلك تحوي المدينة على نقابات واتحادات للعمال والفلاحين والطلبة.
يوجد في المدينة أيضًا عدد من القنصليات والبعثات الرسمية الأجنبية، كالقنصليات البريطانية والفرنسية وعدد آخر كان أحدث ما فتتح منها القنصليّة الأسبانيةعام 2010. أما بالنسبة للنشاط الحزبي، فينشط بها عدد من الأحزاب أهمها حزب البعث العربي الاشتراكي وتحوي المدينة مركز قيادة الحزب لفرع المنطقة الساحلية في سوريا؛ وإلى جانب حزب البعث تنشط عدد من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية أبرزها الحزب الاشتراكي العربي والحزب الشيوعي السوري والحزب السوري القومي الاجتماعي، هناك أيضًا النفوذ السياسي المحلي، لبعض العائلات ووجهاء المدينة.
بموجب قانون الانتخابات السوري فإن المحافظة هي الدائرة الانتخابية، وتمثّل محافظة اللاذقية بسبعة عشر ممثلاً في مجلس الشعب؛ الحال نفسه بالنسبة لانتخابات المجالس المحليّة حيث تعتبر المدينة دائرة واحدة غير مقسّمة على أحياء، وتنتخب مجلسًا بلديًا يرأسه رئيس مجلس المدينة، أما بالنسبة للتقسيمات المحليّة فهي مقسمة إلى واحد وعشرين حيًا يرأس كل حي مختار معيّن من قبل وزارة الإدارة المحلية ويشكل صلة الوصل معها؛ يرأس محافظة اللاذقية محافظ معيّن من قبل رئيس الجمهورية ويعاونه رئيس مجلس المدينة ومجلس مدينة اللاذقية المنتخب؛ تحوي المدينة أيضًا على عدد من الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني.
الاقتصاد:
إلى جانب كون اقتصاد المدينة يعتمد على السياحة عمومًا، فهو يعتمد أيضًا على المنشآت الصناعية والتجارية إذ ينشط فيها بنوع خاص بحكم موقعها، المخلصون الجمركيون ومكاتب الاستيراد والتصدير، إذ يعتبر مرفأ اللاذقية الميناء الأول لسوريا على البحر وعن طريقه تتم أغلب عمليات الاستيراد والتصدير إلى سوريا وإلى العراق أيضًا، وهو ذو سعة التخزين مقدرة بحوالي 620 ألف حاوية، موزعة على 23 رصيف، وقد بلغ عدد السفن التي أمته عام 2007 1800 سفينة.
تنتشر الزراعة في السهول المحيطة بالمدينة وخصوصًا زراعة الزيتون والحمضيات وتشكل رافدًا لاقتصادها، أما أهم المحاصيل فهو التبغ الذي نال شهرة عالمية وعرف باسم "تبغ اللاذقية" أو "الدخان المدخون"، وله مؤسسة ترعاه منذ 1774 وهو حاليًا محتكر من قبل الدولة.
الصناعات الأخرى في المدينة تتوزع بين القطاعين العام والخاص، وهي تشمل صناعات الإسفلت والألمنيوم والغزل والنسيج والرخام والجص والصناعات الغذائية والآثاث المنزلي وأجهزة الطاقة والسجاد والأدوية إلى جانب الصناعات والحرف اليدوية والتقليدية.
تحوي المدينة أيضًا على منطقة تجاريّة حرة استحدثت عام 2002. كذلك ينشط في المدينة عمل المصارف وشركات التأمين التابعة للقطاع العام والقطاع الخاص، ومنها المصرف المركزي بفروعه الأربعة والمصرفين الزراعي والصناعي ومصرف التسليف الشعبي وصندوق توفير البريد وجميعها تتبع القطاع العام، ومصرف سوريا والمهجر وبنك عودة والبنك السعودي الفرنسي والبنك السوري الأردني والبنك العربي وبنك المشرق، أما شركات التأمين فأكبرها سوريا للتأمين، وكذلك يوجد في المدينة شركات للصرافة وتحويل العملات.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع