هانية المصري
تصدير المادة
المشاهدات : 2624
شـــــارك المادة
مع الحجر المنزلي زاد التأفف وساد الحزن والكآبة كثيرا من البيوت .
ومن تأمل الأمر، وجد أننا كثيرا ما نغفل عن نعم منّ الله بها علينا فننسى شكرها ،
بل كثيرا مانتذمر من أمور هي في حقيقتها نعم أكرمنا الله بها وقت أن حُرمها غيرنا ..
فعلى سبيل المثال:
ترتفع أصوات النساء هذه الأيام بالشكوى من بقاء الأولاد والأزواج معهن طيلة الوقت ، ومايعقب ذلك من كثرة طلبات وتدخلات وفوضى وزيادة أعباء على الزوجة ، ومع تفرغ كثير من الأزواج والشباب من أعمالهم ، وجلوسهم غير المعتاد في البيوت ؛ يسود جو من التوتر تكثر معه المشاكل ، وتضيق الصدور بكثرة أفراد العائلة وتزاحمهم مع ضيق البيوت ، وتزايد طلباتهم في ظل هذا الحظر ..
فلنذكر كم ممن أغلق عليها بابها وهي وحيدة لا أنيس لها ، تتمنى أن لو امتلأ عليها البيت ولو واصلت ليلها بنهارها في التنظيف وتلبية الطلبات ..
فاللهم لك الحمد ولك الشكر على عوائل تملأ علينا دقائق يومنا ..
- أما الشغل في البيت والتنظيف والتعقيم وتلبية الطلبات التي لاتنتهي، فهذا باب آخر للتذمر..
وكم ممن لا بيت لها تنظفه؛ قدر الله عليها أن تخرج من بيتها طريدة شريدة هي وأولادها ، تظلها خيمة لاتقيها نظرة عابر ولا برد شتاء ولا عدوى وباء..
فاللهم لك الحمد ولك الشكر على بيوت -أتعبنا تنظيفها- سترْتَنا وآمنتنا بها وعوائلنا ..
ومع حظر التجول تفرقت كثير من العوائل ، وحبس بعض أفرادها في بلد وبعضهم الآخر في بلد ثان ، وزاد الكرب والشوق مع طول المدة ، وساد جو من الحزن والاكتئاب و .. التذمر ..
وكم من عوائل فقدت معيلها أو ولدها أو غالٍ من أفرادها ووسدته التراب ، حال الموت بينهم ولا أمل بلقاء فوق الثرى ..
فاللهم لك الحمد ولك الشكر وإن تفرقت الأجساد لكن أحبابنا يرفلون بالصحة والعافية في بيوتهم آمنين مطمئنين ، وخدمة التواصل معهم متاحة عبر الشبكات على مدار الساعة .
وعلى هذا فلنقس ..
إن نعم الله علينا أكثر من أن تعد وتحصى ..
ولا يجمل بنا ونحن العبيد الفقراء إلى الله أن ينظر الله إلينا وقد غمرنا بنعمه وألطافه ثم لا يسمع منا إلا الشكوى والتذمر ..
فلنقم لله عز وجل مثنى وفرادى ، ولنتأمل ماحبانا إياه من نعم ، ولنتفكر في ما جلبته الأزمة من منح ، ولنقم لله بواجب شكرها والتحدث بها ، وإشاعة الفأل والرجاء ، فإن النعم مرتحلة وقيدها الشكر .
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [ابراهيم : 7]
وقد كانوا يسمون الشكر : الحافظ ؛ لأنه يحفظ النعم من الزوال ، ويسمونه الجالب ؛ لأنه يجلب النعم .
وكثيرا ما يتعجب الإنسان وهو يقرأ قول الله تعالى : {وقليل من عبادي الشكور } إذ غالبنا يظن نفسه شاكرا لله !
قال ابن رجب رحمه الله: " كل نعمة على العبد من اللَّه تعالى في دين أو دنيا، تحتاج إلى شكر عليها، ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى، تحتاج إلى شكر ثانٍ، ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر آخر، وهكذا أبدًا، فلا يقدر العبد على القيام بشكر النعم، وحقيقة الشكر: الاعتراف بالعجز في الشكر".
فماهي حقيقة الشكر وما أركانه ؟
عُرّف الشكر بأنه الاعتراف بالإحسان ، والإنعام ، على وحه الخضوع .
فالشكر يكون في مقابلة إحسان المنعم سبحانه عليك ، فتشكر له ذلك الإحسان بأركانك الثلاث :
بقلبك حيث تعترف بأن ما تتقلب فيه هو إحسان ونعمة ، وأن تعترف للمنعِم بها ، فلا تنسبها لغيره .
فالتأفف والتذمر مناقض للشكر من حيث هو كفران للنعمة وعدم اعتراف بها .
وكذا لا يشكر لله من ينسب ماهو فيه من النعم لنفسه مثلا ، فكثيرا ما يظن الرجل أن ماله يأتي نتيجة كده وتعبه وجهده وذكائه ، وينسى أن هناك من هو أذكى منه وأكثر جدا لكنه لم يُرزق مارُزِقه هو ، فيغفل عن نسبة هذا الرزق لله تعالى .
وكذا نسمع بعض النساء تنسب سر توفيقها وسعادتها الزوجية لنفسها وحسن تعاملها وذكائها في معاملة زوجها ، وتغفل عن نسبة هذه النعمة لله ، وتنسى أن هناك نسوة كثر أذكى منها وأحسن منها تعاملا لكنهن غير موفقات في زواجهن .
فالمقصود أن أولى مراتب الشكر يكون بالقلب .
وثاني أركان الشكر أن تشكر بلسانك ، فتحدث بنعمة الله عليك وتثني به وتشكره عليها .
فلا يسمع منك شكوى للخلق ، ولا تذمرا ولا تأففا ، بل شكرا لله وتعدادا لنعمه الظاهرة والباطنة .
وثالث الأركان أن تشكره بجوارحك وأعمالك، قال تعالى { اعملوا آل داوود شكرا }
وشكر الجوارح بأن تستخدم هذه النعمة في طاعته ، وماخلقك لأجله ، وأن تسخرها لعبادة الله والدعوة إليه وكل مايقربك منه .
وأركان الشكر الثلاثة هذه ذكرها الشاعر بقوله :
أفادتكم النعماءُ مني ثلاثةً يدي ولساني والضمير المحجّبا
ومن أراد تكميل دينه فعليه بالتحقق بمقامي الشكر والصبر ؛ فالشكر نصف الدين ، ونصفه الآخر الصبر ، وبقدر نقص أحدهما ينقص دين العبد .
فالعبد لا يخلو من أحد حالين : نعمة يشكر الله عليها وبلية يصبر عليها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " رواه مسلم من حديث صهيب رضي الله عنه.
وقد أمر الله المؤمنين بشكره :{ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون } [ البفرة ١٧٢] وقال { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} [البقرة: 152].
وجعله صفة لهم ولمقدميهم من الأنبياء والرسل عليهم السلام ، فوصف إبراهيم عليه السلام بقوله { إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين* شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم} [النحل: 120- 121].
وقد سبق في قول ابن رجب أن الشكر على النعمة يستلزم شكرا آخر على التوفيق للشكر ، فلا يزال العبد مقصرا في شكره لنعمة واحدة فكيف بسواها من النعم المتكاثرة التي لا تعد ولا تحصى .
ولذا يكون همّ المسلم أن يعلم الوسائل التي يحقق بها هذه العبادة العظيمة .
كيف نشكر الله تعالى؟
ذكر الله تعالى في محكم كتابه وعلى لسان نبيه أمورا كثيرة يكون العبد بها شاكرا لله ، منها :
حمد الله عند كل أكلة وشربة " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها " رواه مسلم
شكر من أسدى إلينا معروفا " لا يشكر الله من لا يشكر الناس " رواه الترمذي .
سجود الشكر عند تجدد النعم ؛ وهي سجدة واحدة يسجدها شكرا لله إذا نزلت به نعمة جديدة ، ولا يشترط لهذا السجود طهارة ولا استقبال قبلة بل يسجد على حاله .
ركعتا الضحى حيث تجزئ عن شكر نعمة مفاصل الجسد كل صباح .
ومن شكر النعم المستمرة قول " اللهم ما أصبح بي من نعمة أوبأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر " من قالها حين يصبح فقد أدى شكر يومه ومن قالها حين يمسي فقد أدى شكر ليلته . قال النووي إسناده جيد .
تقوى الله { فاتقوا الله لعلكم تشكرون }
التفكر في نعم الله تعالى { وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل : 78]
ولأن العبد لا يزال مفتقرا لعون الله وتوفيقه ، كان من أنفع الأدعية له أن يسأل ربه ومولاه العون على عبادته وذكره وشكره ، وكانت حاجته لذلك مثل حاجته للهواء وأشد ، وقد كان مما أوصى به رسولنا صلى الله عليه وسلم حبه معاذ بن جبل أن يدعو دبر كل صلاة فيقول : " اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " .
وهذا معنى قولنا في سورة الفاتحة { إياك نعبد وإياك نستعين }..
وختاماً
فإن الشكر أمان من العذاب ؛ إذ أن الله لا يعذب شاكرا ولا مؤمنا ، قال تعالى : { مايفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم } [النساء: 147]. [تفسير الطبري[
اللهم اجعلنا لك شاكرين ، لك ذاكرين ، لك مطواعين ، إليك أوابين مخبتين ، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ...
خير الله طالب
أحمد أرسلان
رقية القضاة
محمد فؤاد البرازي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة