محمد طلال بازرباشي
تصدير المادة
المشاهدات : 2293
شـــــارك المادة
يعتبر الشهر الجاري شهرا حافلا بالمعارك السياسية، فالتحرك الروسي والانقلاب على سوتشي وتمزيق كل التفاهمات المبدئية السابقة (التي كانت هشة منذ البداية) وضع تركيا في زاوية حرجة، وجاء التحرك التركي متأخراً حذراً، وبدأ يأخذ طابعاً أشد حدة مع كل يوم جديد، فكيف يمكننا فهم التحرك التركي في مواجهة الهجمة الروسية؟.
لابد أولا من نظرة عامة لوضع كل من البلدين في إطار حجمه الدولي وإمكانياته العسكرية والاقتصادية والسياسية، فروسيا دولة عملاقة تملك ترسانة من الأسلحة الرادعة وفي يدها ملفات دولية متشابكة تتحرك من خلالها وتتجنب الضغوط بالمساومة واللعب على حبال الملفات مع مختلف الأطراف كما أنها تشعر بأن الغرب يغض الطرف عن كل تحركاتها الحالية في سوريا، وهذا بمثابة ضوء أخضر ولكنها في ذات الوقت تعلم أنه لن يستمر.
ومن الناحية الاقتصادية تشعر روسيا بحجم الضغط الذي يمثله قانون سيزر إذا ما أرادت أمريكا التضيق على روسيا، فالقانون في الدرجة الأولى وفي حقيقته يستهدف روسيا أولا، وهذا يؤكده التحرك الحاصل الآن سواء من خلال التصريحات الأمريكية أو الأوربية وأبرزها تحركات حلف الناتو، فعدد من القواعد العسكرية صارت على أهبة الاستعداد قواعد في تركيا وفي الخليج وحاملات طائرات وبارجات حربية في المتوسط، أسراب طيران لأقوى المقاتلات في العالم f35 وكذلك رفع الجاهزية واستنفار كامل لسلاح الجو التركي، منظومة باتريوت باتت قيد التجهز والانتظار، ومعنى ذلك رسالة مفادها أن الناتو جاهز للجم روسيا إذا ما اتجهت الأمور للانفلات.
صحيح أن الناتو ليس محل اطمئنان تركي مع أن تركيا دولة من الحلف بل تعتبر من أكبر المساهمين فيه بعد الولايات المتحدة، وخاصة بعد الصفعة التي وجهها الناتو لتركيا بعد إسقاط الأخيرة لطائرة روسية على الحدود التركية السورية، وحيث اكتفى الناتو بتصريحات هزيلة وغير جدية في سياق الدعم للموقف التركي، ومن ثم سحب بطاريات باتريوت كرسالة سلبية جدا أضعفت موقف تركيا مما اضطرها لتقديم اعتذار لروسيا في محاولة منها لتخفيف وامتصاص التوتر الذي كان مؤهلا للتفاقم، في ظل هذه المعطيات نستطيع فهم التحرك التركي الحذر جدا والحسابات الدقيقة لكل خطوة تخطوها تركيا، صحيح أن تركيا ليست موازنة لروسيا من حيث القوة كما أنها وقعت في أخطاء عديدة في إدارتها للملف السوري في آخر سنتين، ولكنها ليست بالضعف الذي يتصوره الكثيرون، فهي لا زالت حتى اللحظة تملك أوراقا قوية للتفاوض.
وتكمن نقطة الضعف في السياسة التركية من وجهة نظري في التردد الذي يعتبر سمة رافقتها منذ بداية الحرب في سوريا مما أفقدها حصة كبيرة من المكتسبات كما أفقدها كثيرا من مصداقيتها في نظر حكومات وشعوب المنطقة كلاعب إقليمي وحليف يمكن الاعتماد عليه، نرجع إلى الكلام عن النقطة التي تشغل المراقبين حاليا وهي ما نوع التحرك التركي القادم في محافظة إدلب، وخاصة بعد التهديد الروسي الصريح في اللقاء الذي جرى البارحة في أنقرة والرفض الروسي الكامل لكل المطالب التركية والذي أعقبه قصف مطار تفتناز ووقوع خسائر في الأرواح بين الجنود الأتراك، كرسالة صلعاء مفادها أننا لن نتوقف قبل الحسم العسكري، والرد التركي الذي يعتبر ردا ضعيفاً بالمقارنة مع حجم التمادي الروسي!
من وجهة نظري تركيا تراقب بعناية التحرك الغربي وخاصة ردة الفعل الأمريكية وكذلك التفاعل من قبل حلف الناتو مع ما يجري كما أنها في الوقت نفسه تسعى لتهيئة الأرضية السياسية دوليا قبل أي تحرك يحتمل أنها ستدخله، وهذا الفعل يعتبر من أبجديات الإعداد للتحركات العسكرية عند الدول، فالنظر فقط لحجم القوة العسكرية التي تم إدخالها في الأيام الأخيرة على أنها مؤشر لتحرك عسكري فعلي دون النظر للبيئة المحيطة إقليميا ودوليا والوضع الداخلي التركي نظرة قاصرة، تركيا لن تتحرك مهما كان حجم القوة التي أدخلتها ومهما تمادت روسيا في استفزازها مالم تضمن غطاء سياسيا أمريكيا وأوربيا وما لم تضمن تفاعلاً حقيقياً من حلف الناتو (والذي يظهر لي حاليا أن هناك استعداداً حقيقيا من قبله للتدخل) ، وأعتقد أنها ريثما تنتهي من الإعداد دوليا ومن تهيئة الأرضية السياسية ستكتفي بالدعم المحدود للفصائل والمساندة بالتغطية النارية، وفي ذات الوقت يجب على بقايا الفصائل الصمود (باعتبار جبهة التصرة خارج المعادلة تماماً وخاصة بعد سلسلة الانسحابات الأخيرة دون أي مقاومة) وبالإمكانيات المتاحة حالياً ريثما تتكشف الصورة النهائية للخطوة التركية القادمة.
محمود الوهب
عوض السليمان
جهاد خيتي
عزمي بشارة
المصادر: قناة الكاتب على تلغرام
قناة الكاتب على تلغرام
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة